تباين تصريحات الخبراء والجهات المختصة.. زاد حيرة وهلع سكان العيص

خبير جيولوجي: الدفاع المدني وهيئة المساحة تجاهلا آراء الخبراء وقاما بإخلاء 60 ألف نسمة من دون داعٍ

صورة للسكان الذين تم إخلاؤهم من المنطقة («الشرق الأوسط»)
TT

رغم هدوء الأوضاع نسبياً في منطقة العيص، وهي إحدى المناطق المتاخمة لحرة «الشاقة»، التي تشهد نشاطا زلزاليا وبركانيا غرب السعودية، إلا أن سكان المنطقة الذين تم إخلاؤهم يعيشون في حيرة من أمرهم بسبب تضارب التصريحات بين جهات لها اعتبارها العلمي بشأن التطورات الجيولوجية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، ففي الوقت الذي أكد فيه خبير يرأس أحد فرق البحث العلمي في المنطقة، أن الإخلاء الإجباري للسكان غير ضروري وليست له مبررات علمية تدفع إليه، أرتأت جهات أخرى ذات اختصاص مثل هيئة المساحة الجيولوجية أن الوضع خطر ويتطلب التعامل معه بسرعة وبشكل سريع.

وتضاربت الآراء بين إلحاح الدكتور عبد الله العمري، الخبير المعروف في مجال الزلازل، بعدم خطورة الوضع، إلى جانب آراء أخرى لها قيمتها العلمية الاعتبارية مثل رأي الدكتور المهندس عبد العزيز الزهراني، رئيس الفريق الجيولوجي بالدفاع المدني السعودي في العيص، بأن عدم ظهور إشارات مثل انبعاثات الغاز إلى جانب عدم تسجيل أي ارتفاع في منسوب المياه الجوفية في الآبار الواقعة في المنطقة يؤكد محدودية الخطر وعدم وجود إشارات لثوران بركاني خطير.

ويأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه مسؤول في هيئة المساحة الجيولوجية بأنها الجهة الوحيدة التي يحق لها التصريح وإصدار أي توصيات علمية بشأن الأحداث الجيولوجية التي تشهدها المنطقة، وأن خطورة الوضع هي ما استدعاها إلى توصية الدفاع المدني بإخلاء المنطقة من سكانها الـ60 ألف نسمة إجبارياً.

العقيد زهير سبيه، مدير قوة الدفاع المدني التي تتولى الإشراف على منطقة الحدث والمناطق المجاورة، ألقى بدوره الكرة في ملعب هيئة المساحة الجيولوجية مؤكداً أن الدفاع المدني قوة ضبط وحماية في أرض الحدث وليس بإمكانه اتخاذ القرارات العلمية إلا بعد الحصول على توصيات من الجهات الاستشارية. وأكد العقيد سبيه لـ«الشرق الأوسط» أن الخبراء الذين تحدثوا ومنهم الدكتور عبد الله العمري ليست لديهم المصادر والمعلومات الحقيقية بسبب عدم توافر أجهزة الرصد والقياس، إلى جانب كون هيئة المساحة الجيولوجية هي الجهة الرسمية التي يستند إليها الدفاع المدني في أداء مهمته كجهة استشارية، وعليه فإن الإخلاء تم بناءً على توصية مباشرة منهم بخطورة الوضع وضرورة إخلاء السكان بشكل عاجل.

وقال سبيه «تهمنا بالدرجة الأولى سلامة المواطنين والسكان، وبما أن معظم سكان المنطقة مساكنهم قديمة نوعاً ما وغير متوافقة مع كود البناء السعودي، فإن درجة الزلازل كانت خطيرة جداً وكنا نتخوف من انهيار المباني وتصدعها، وبالتالي فقد قمنا بناء على استشارتنا لهيئة المساحة الجيولوجية بعملية الإخلاء، وأشير إلى أن الدكتور العمري كان يقدم تنبؤات يجانبها الصواب في كثير من الأحيان، فقد توقع أن تبلغ شدة الزلازل أولاً 3 درجات على مقياس ريختر إلا أننا فوجئنا بزلازل أكثر قوة». وأضاف «واجهنا خلال هذه الأزمة خطرين الأول خطر الزلازل، والآخر البراكين، وقمنا بدراسة الوضع ضمن خطين متوازيين وشعرنا بأن خطر الزلازل وإمكان حدوث كوارث جراء أنهيار المباني وتعرض السكان لخطر البقاء تحت الأنقاض أكبر وعليه آثرنا اختيار سلامتهم».

من جانبه، قال المهندس هاني زهران، مدير المرصد التابع لهيئة المساحة الجيولوجية في منطقة الحدث، إن هيئة المساحة الجيولوجية هي الجهة الوحيدة المخولة، بناءً على قرار وزاري، بمتابعة أي نشاطات زلزالية أو بركانية في المملكة والإبلاغ عنها، وأشار إلى أن قراراتها بالإخلاء كانت صادرة عن متابعة دقيقة للحدث من خلال فرق ميدانية تقيس وتستوضح بشكل علمي دقيق ما يحدث من تطورات على أرض الواقع، ووعد زهران بإرسال رد رسمي مفصل حول موقف الهيئة من أزمة التصريحات في أقرب فرصة ممكنة.

الدكتور عبد الله العمري، رئيس فريق علمي يتابع النشاط الزلزالي والبركاني بحرة الونير، دافع بدوره عن تصريحاته بشأن عملية الإخلاء التي وصفها بـ«الخطأ الفادح» والإجراء غير الضروري، وقال إن المعلومات التي قدمها حول الأحداث في المنطقة حتى قبل بدء النشاط الزلزالي والبركاني بفترة زمنية طويلة مبنية على تحليل علمي دقيق، وخارطة بحث توضح الشدة الزلزالية، وهي التي أكدت أن العيص وما حولها تسجل على مقياس ميركالي 6 درجات، وأن ضباء والوجه تسجل 4 درجات، في حين أن المدينة وتبوك تسجل 3 درجات وجميعها لا تعني شيئاً ولا تشكل خطورة بناءً على المبادئ الأساسية بعلم الزلازل. وقال العمري «لا اتفق أبداً مع قرار الإخلاء، لأن المنطقة المتأثرة بشكل كبير هي منطقة الحدث في الحرة التي تبعد نحو 25 كم عن أقرب منطقة سكنية، وبالتالي فإن خطرها بعيد ولا يذكر أبداً، علماً أن وضع هذه المنطقة الجيولوجي كان دائماً بهذه الصورة والهزات الأرضية التي وقعت كان يشعر بها سكان المنطقة منذ 40 و50 عاماً، وهي لن تنتهي، والخطر الوحيد الذي يستدعي الإخلاء هو في حالة خروج الأبخرة بكميات كبيرة واتجاه الرياح شرقاً، أي باتجاه القرى السكنية، وهو ما يمكننا القول بناء على الإشارات العلمية، إنه لن يحدث أبداً باعتبار أن الحرة صغيرة وبعيدة، وحتى الآن ليس هناك أي إشارات لوجود غازات أو أبخرة بشكل مقلق ويدعو للذعر. وانتقد العمري موقف هيئة المساحة الجيولوجية وقرارها بإخلاء 60 ألف نسمة من الموقع من دون دراسات علمية موثقة على حد قوله، والسبب الوحيد الذي وجد هو تصدع منزل واحد قديم، وكان المفترض بناء على رأي العمري أن تكون هناك لجنة لإخلاء المباني القديمة فقط وأن يكون الإخلاء اختياريا وطوعياً لا إجبارياً.

وقال العمري «أشغل منصب مستشار في الهيئة، إلا أنني غير مقتنع بأدائهم فالهيئة جهة مسؤولة عن التبليغ في مثل هذه الحالات وفقاً لمرسوم ملكي، لكن تفسير الحالات وتقدير خطورتها مسألتان من صميم عمل الباحثين والمختصين في مراكز الأبحاث، والدفاع المدني تعامل أيضاً بشكل خاطئ وحول المنطقة إلى منطقة كوارث من دون مبرر علمي موضوعي، وكان الأولى أن تعود هيئة المساحة الجيولوجية والدفاع المدني إلى اللجنة الاستشارية المكلفة من مجلس الوزراء لرصد الزلازل التي يشغل عضويتها خبراء من جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك عبد العزيز، وهيئة المساحة الجيولوجية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ولو أخذ رأي هذه اللجنة لما وقعت كل هذه الفوضى في الأساس». التغطية الإعلامية من وسائل الإعلام المختلفة أيضاً لعبت دوراً كبيراً في تهويل أحداث حرة الشاقة ونشر الفزع والرعب ليس بين سكانها الذين تم إخلاؤهم فقط، لكن حتى في أوساط القراء والمتابعين لهذه الوسائل رغم بعد أماكنهم الجغرافية، وهو ما يتفق عليه كل من مدير قوة الدفاع المدني العقيد زهير سبيه، والدكتور عبد الله العمري، رغم اختلاف وجهتي نظرهما.

وقال سبيه إنه رغم انشغالهم بالأحداث والحرص على سلامة الموجودين في أرض الحدث وإخلاء السكان، إلا أن إدارة العلاقات العامة بالدفاع المدني تابعت بشكل مستمر التغطية الإعلامية التي حملها في بعض الأحيان مسؤولية تهويل الحدث وإثارة الفزع، وأضاف «بعض الصحف لم تتحل بالمصداقية وأساءت إلى نقل الخبر الصحيح والمعلومة على حساب الإثارة الكاذبة، والبعض كان يستمع إلى شهادات سكان محليين جانبهم الصواب كثيراً واكتفوا بنقلها من دون التحري من صحتها».

من جانبه قال الدكتور عبد الله العمري إن بعض وسائل الإعلام لم تكن على مستوى الدقة العملية المطلوب، وإن بعض السكان ممن نقلوا معلومات ثبت عدم دقتها، من قبيل انبعاث الأبخرة والغازات، تسببوا بموجة فزع ورعب أدت إلى حالة إغماء ليكتشف الهلال الأحمر أن والخوف هو المسؤول وحده عن هذه الحالات».