هيئة الأمر بالمعروف تمضي في مشروع مراقبة المجمعات التجارية بالكاميرات

القفاري يصف الخطوة بالحضارية ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»: توجهنا الجديد ليس له علاقة بـ«التجسس»

رجل أمن في أحد الأسواق يراقب أمس الأوضاع داخل المجمع عبر الدائرة التلفزيونية التي تفكر الهيئة في الاستفادة منها (تصوير: غازي مهدي)
TT

في وقت تشهد فيه السعودية جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض لمراقبة هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المجمعات التجارية عن طريق الكاميرات، حسمت الهيئة الامر بإعلانها البدء تجريبيا في تطبيق الفكرة في مجمعين تجاريين في الرياض، وسط تأكيدات أحد مسؤوليها بأن استعانتهم بالكاميرات لا يأتي من منظور تجسسي.

وأوضح الدكتور عبد المحسن القفاري، المشرف العام على العلاقات العامة والإعلام في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن الهيئة لا تعتزم وضع كاميرات مراقبة جديدة، وإنما ستستخدم الموجودة أصلا في المجمعات التجارية المغلقة فقط، مؤكدا على أنها لن تضع كاميرات في الأماكن العامة الأخرى. وقال القفاري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمر يتعلق باتفاق الهيئة مع بعض المجمعات التجارية، إذ بدأ تطبيق هذا القرار كمرحلة تجريبية في مجمعين بالرياض، لا سيما أن القرار يهدف إلى الاستفادة من كاميرات المراقبة الموجودة بالشراكة مع إدارات الأسواق؛ لمتابعة ما يمكن متابعته من دون حاجة منسوبي الهيئة للدخول والاحتكاك المباشر مع مرتادي تلك المجمعات التجارية.

وأشار إلى أن رجال الأمن العاملين في الأسواق مهمتهم حماية مرتاديها من السرقات والاعتداءات، إلا أن متابعة أي اختراقات تتعلق بالاعتداء على النساء والتحرش بهن وإيذائهن ستدخل من ضمن مفردات عملهم، مضيفا، أن هناك تواصلا بين الهيئة ورجال الأمن للتبليغ عن أي مخالفات تندرج تحت اختصاصات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأكد المشرف العام على العلاقات العامة والإعلام في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن توجه الهيئة في استخدام كاميرات المراقبة الموجودة بالمجمعات التجارية ليس له علاقة بالتجسس، خصوصا أن مكاتب الأمن في الأسواق تستفيد منها في متابعة الاعتداءات الأخلاقية والمالية والجسدية.

وأضاف، أن الهيئة باتخاذها لهذا القرار تريد تخفيف الضغط على الميدانيين من منسوبيها، إذ إن تلك الفكرة تعد حضارية ـ على حد قوله ـ، لافتا إلى وجود بعض الحالات في الأسواق والأماكن العامة لا تستدعي وجود رجال الهيئة، وإنما تُحل بشكل سريع من قبل المسؤولين هناك.

وأفاد عبد المحسن القفاري، بأن التعاون بين الأسواق ورجال الهيئة يعد بديلا عن وجودهم، لا سيما أنه يؤمّن شعور الناس بالطمأنينة، ويقوي لديهم عنصر الرادع عند معرفتهم بالشراكة بين الطرفين، مبيّنا، أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تهدف من ذلك التوجه أن توفر جهدا على منسوبيها، وتقدّم خدمة نوعية جديدة في الأسواق، إلى جانب خدمتها للتاجر كمستخدم، باعتبارها توفر له جوّاً خاليا من المشاحنات التي تحدث بين أفراد إداراته وبعض المرتادين، الأمر الذي يحقق فائدة مضاعفة.

وقال قد يستلزم وجود رجل الهيئة داخل غرف المراقبة بالأسواق، إلا أن الصياغة الموجودة حاليا هو وجود مكاتب للهيئة داخل معظم المراكز التجارية، لافتا إلى أن تطبيق القرار يعد اختياريا وليس إجباريا.

فيما أشار عبد الرحيم الشيخ، مدير أحد المجمعات التجارية في جدة، إلى أن التعاون بينهم وبين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجود من قبل الإعلان عن هذا التوجه.

وقال الشيخ لـ«الشرق الأوسط»، إن كاميرات المراقبة في المجمع ترصد مضايقات الشباب للعائلات والاعتداءات، لا سيما أن أمن السوق يعتبر سلطة غير قانونية تنتهي حدودها عند إخراج المخالف من المكان، لافتا إلى أن الهيئة تعد سلطة قانونية.

وذكر أن نحو 95 في المائة من مرتادي الأسواق بالسعودية هم من العائلات والنساء، إذ إن وجود الملاحقات والمضايقات من شأنه أن يؤثر سلبا على الناحية التسويقية للمبيعات.

وأضاف، لم نتلق أي خطاب أو تبليغ من قبل الهيئة بشأن هذا القرار، إلا أن التعاون بيننا وبينهم موجود بشكل جيد، خاصة أن هناك حالات لا يمكن حلّها إلا في وجود منسوبيها، موضحا، أن تدخّل هيئة الأمر بالمعروف يشمل تكرار المخالفات من مرتادي المجمع بشكل دائم. وبالمقابل انقسم المتابعون بين مؤيد ومعارض للأمر، حيث يرى الكاتب السعودي محمد السحيمي أن مجرد التفكير في وسيلة استخدام كاميرات المراقبة يدل على الفكر الخاطئ الذي يحرك جهاز الهيئة.

وقال، إن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي فرضها الدين الإسلامي تعتمد أساسا على إحسان الظن وعدم المساس بأعراض الناس، مشددا على أن الأصل في ذلك هو الخيرية والمعروف ومن ثم إزالة المنكر، إضافة إلى أن هذه الطريقة وغيرها من طرق التجسس تعاكس تلك الشعيرة.

واعتبر السحيمي توجه الهيئة لاستخدام كاميرات المراقبة تواصيا على أعراض الناس، غير أن كل شخص مسؤول عن نفسه وعرضه في ظل وجود قانون يسمح بإرجاع الحق لأصحابه عند تعرضهم للأذى، مؤكدا أن المسؤولية الدينية تعتبر فردية «بحسب قوله».

وأبان أن استخدام كاميرات المراقبة يعد تجاوزا، لا سيما أن الهيئة لن تستخدمها لنفس الغرض، الذي تسعى إليه المجمعات التجارية من خلال وضعها لها، مبيّنا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، باعتبار أن غاية الهيئة نشر المعروف أولا ثم النهي عن المنكر إذا ظهر، وليس البحث عنه واستفزازه ليظهر.

من جهته يرى الكاتب السعودي الدكتور عبد الرحيم الميرابي، أن وجود الهيئة بأنفسهم في الأسواق يعد أفضل من اعتمادهم على مراقبة الأوضاع من خلال الكاميرات، إذ إن وجودهم من شأنه أن يردع الكثير من الشباب والفتيات ويحد من ارتكابهم للمخالفات.

وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن بعض مرتادي الأسواق من الشباب والفتيات يمارسون المنكر جهارا، إذ إنهم يشعرون بأن ذلك حق من حقوقهم يندرج ضمن الحرية الشخصية؛ نتيجة إصابتهم بتبلد جعلهم يرون بأن ما يفعلونه لا يستدعي تدخل أي سلطة شرعية لمنعهم، لافتا إلى أن هؤلاء الشباب فقدوا محاسبة النفس.

وأضاف، أن ذلك دفع برجال الهيئة لاتخاذ إجراءات أقوى، غير أن اكتفاءهم بمراقبة السلوكيات عن طريق الكاميرات يفتح مجالا لارتكاب مخالفات في ظل بعدهم عن الميدان، ما يؤدي إلى إثارة حفيظتهم والهجوم على الموقع بشكل يتسبب في إحداث ربكة بالمجمعات.

وأوضح الدكتور عبد الرحيم الميرابي، أن مشكلة رجال الهيئة تكمن في إحساسهم بامتلاكهم للقوة التي لا يمتلكها الآخرون، إلا أنه ينبغي عليهم أن يكونوا قدوة ومصلحين، إضافة إلى ضرورة توطيد علاقاتهم مع المجتمع كاملا باختلاف فئاته ودياناته بعيدا عن القسوة والتشدد، مبينا أن نجاح قرار استخدام كاميرات المراقبة من قبلهم مرتبط بضرورة تحديد المخالفات التي تستدعي تدخلهم.