خوف وترقب من عودة أزمة المياه لجنوب وغرب السعودية خلال الصيف

منطقة مكة تشكو من الإهدار.. والباحة تترقب السدود

طابور من السكان ينتظرون الماء في جدة العام الماضي («الشرق الاوسط»)
TT

بخوف بالغ، يترقب سكان منطقة مكة المكرمة وجنوب السعودية، موسم الصيف الذي عادة يعيد لهم أزمة المياه بشكل مخيف.

وعانت جدة أوائل العام الماضي، من أزمة مياه خانقة، تسببت في رفع أسعار الصهاريج فيها إلى خمسة أضعاف أسعارها وفق آراء بعض السكان، ورغم استمرار شكاوى ندرة المياه في الأحياء الجنوبية من المدينة، إلا أن المسؤولين يرون أن الازمة بدأت في الانحسار وفي طريقها للحل بداية من تشغيل المرحلة الثالثة من محطة الشعيبة، حيث تم وضع برمجة لتوزيع المياه على الأحياء بعد زيادة الكميات المخصصة للمدينة.

وأكد عبد الله بن علي العساف، مدير عام المياه بجدة، أن الخطة التي تم تطبيقها في الشبكة تتمثل في إعادة جدولة عملية التوزيع لمجمل شبكة المياه، حيث جاءت عملية الجدولة –طبقا للعساف- على ضوء التحسينات التي أدخلت على الشبكة، وتتضمن تغيير صمامات التوزيع واستبدال بعض الخطوط القديمة، وتنفيذ خطوط تدعيمية في كثير من المناطق لتحسين وضع المياه فيها، إضافة إلى الكشف عن التسربات وإصلاحها واستبدال المضخات القديمة بأخرى جديدة. وكشف مدير عام مياه جدة، عن «توسعة أشياب الفيصلية وإدخال وحدات تعبئة جديدة واستنفار كافة الصهاريج من مختلف الأحجام للعمل على مدار 24 ساعة يوميا، وتشمل خطة التوزيع عبر الشبكة تغذية شمال جدة بمعدل مرة كل 12 يوما، وجنوبها كل 21 يوما، وشرق جدة كل 15 يوما، فيما تتم تغذية جنوب شرقي جدة بمعدل مرة كل 45 يوما». ويأتي ذلك، فيما قدرت إدارة المياه بمنطقة مكة المكرمة حجم المياه التي يتم هدرها من إجمالي الطاقة الإنتاجية اليومية بنحو 30 إلى 40 في المائة، مشيرة إلى أن ذلك سبب أولي ورئيسي في نقص المياه في الغالب.

وأوضح مسؤول رفيع في وزارة المياه في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «أن حجم المياه المهدرة يوميا بنحو 30 الى 40 في المائة من الطاقه الإنتاجية اليومية بسبب سوء الاستهلاك ومشاكل التسرب».

وأضاف المسؤول -طلب عدم ذكر اسمه- «أن منطقه مكة المكرمة تستهلك كافة الكمية المنتجة من المحطات والمقدرة بنحو 2.5 مليون متر مربع وتعتمد اعتمادا كليا على محطات التحلية بنسبة 90 في المائة، فيما يمثل الجزء الباقي المسطحات المائية الأخرى والقليلة في المنطقة».

ولكن في جدة تحديدا يرى محمد الغامدي، مدير محطات تحلية المياه بجدة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حجم إنتاج المياه لمحطتي جدة ومكة بلغ نحو 820 الف متر مربع يوميا بزيادة 20 الف متر مربع عن الاعوام السابقة». موضحا «أن المنطقة لا توجد بها مصادر أخرى للمياه سوى محطات التحلية».

ولم يخف الغامدي النقص الكبير الذي عانته المنطقة في المياه خلال فترات سابقة، لكنه أكد أن الكميات الحالية تفي بالغرض ولا يتوقع حدوث أزمات خلال الأيام المقبلة في ظل التوسع الكبير.

ويرى مدير محطات تحلية المياه بجدة، أن المصدر الوحيد للمياه في كل من جدة ومكة هو الاعتماد الكامل على محطات تحلية المياه، داعيا في الوقت ذاته الاستفادة من إيجاد مصادر أخرى، ملمحا إلى مشاريع تنوي الوزارة العمل فيها.

وفي الجنوب السعودي، حيث الباحة وأبها، وقبلهما مرورا بالطائف، كانت الأزمة في الصيف الماضي حانقة وبلغت مستويات لم يسبق أن وصلت إليها، حتى فر سكان تلك المناطق منها إثر صعوبة الحصول على المياه وارتفاع أسعارها.

ففي الباحة تحديدا، التي تعتمد على سبيل المثال على الآبار والسدود ومياه الامطار كمصدر رئيس للمياه. يقول المهندس محمد بن منصور آل عضيد، مدير عام المياه بمنطقة الباحة، «إن نجاح السدود للخزن الاستراتيجي من المياه، جعل الوزارة تنفذ 28 سدا طاقتها التخزينية 46 مليون متر مكعب، فيما يجري حاليا تنفيذ 15 سدا بطاقة استيعابية تصل إلى 44 مليون متر مكعب إلى جانب 36 سدا مقترحة تحت الدراسة».

إلا أن المهندس آل عضيد أبان «أن تلك السدود لا تؤتي ثمارها إلا عن طريق الأمطار»، مشيرا إلى أن عدد المشاريع المائية الاستراتيجية المنفذة بلغ ثمانية مشاريع، إضافة إلى حفر ما يزيد على مائتي بئر يدوية. واعرب مدير عام المياه بمنطقة الباحة عن قلقه من قلة الأمطار وكثرة استهلاك المواطنين للمياه، مبينا أن المنطقة تقع ضمن صخور الدرع العربي المحدود والمعدوم أحيانا من تخزين المياه، وأن فريقا من المهندسين والجيولوجيين والفنيين قاموا بدراسة احتياج المنطقة من المشاريع. ويأتي ذلك في وقت تم اعتماد ميزانية للمياه هذا العام في الباحة بنحو 534 مليون ريال، تشمل 50 مليون ريال لتصميم خطوط ناقلة للمياه و60 مليون ريال لإنشاء خطوط صرف صحي، و50 مليون ريال لتوصيل التيار الكهربائي إلى محطات الضخ و20 مليون ريال لمبنى المديرية و155 مليون ريال لمشاريع المياه مع الإشراف و199 مليون ريال زيادة تكاليف لمشاريع تحت التنفيذ. وفي مواجهة الطلب في تهامة، تم اعتماد إنشاء مشروع سد وادي شدا نيرا بمحافظة المخواة بمبلغ إجمالي قدره 24286307 ريالات. وتم إعداد برامج لإقامة مشاريع مياه تغطي جميع مدن ومحافظات الباحة بدأت قبل ما يقرب من عامين، حيث اعتمدت ميزانية هي الأضخم في حجمها بالنسبة للمنطقة، إذ بلغت أكثر من 1.2 مليار ريال. كما شملت عددا من مشاريع المياه تزيد تكلفتها على 225 مليونا بمنطقة الباحة مثل مشروع توصيل المياه من ثراد إلى الباحة والخط التدعيمي لبلجرشي والقرى المجاورة ويشمل توريد وتركيب أربع محطات ضخ وخطوط أنابيب طولها 68.350 ألف متر ومحطات لتوليد الكهرباء وإنشاء 3 خزانات تجميع في حقل الآبار وشهبة بالباحة وبلجرشي، سعة الواحد 11.8 متر مكعب ومبان مساندة وسكن للعاملين بتكلفة تزيد على 185 مليون ريال.

وحول اعتماد بعض الأهالي في السقيا لمنازلهم عن طريق آبارهم الخاصة وبالعودة الى العضيد يقول «إن هناك مشكلة مياه في المنطقة تتمثل في وجود آبار ملوثة بسبب الصرف الصحي لا يزال سكان بعض القرى يعتمدون عليها لجلب المياه إلى منازلهم بواسطة مضخات صغيرة»، مشيرا إلى أن الأهالي يستخدمونها رغم التحذيرات التي تؤكد عدم صلاحية هذه المياه. يأتي ذلك فيما أعلن الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز، أمير منطقة الباحة، مؤخرا، اعتماد مشاريع مياه لمركز شرى التابع لمحافظة بلجرشي بمنطقة الباحة بتكلفة تقدر بـ70 مليون ريال.

وأوضح رئيس مركز إمارة شرى خالد ظهران «أن هذه المشاريع تأتي ضمن منظومة مشاريع جار تنفيذها حالياً للارتقاء بمركز شرى، صحية وتعليمية وأمنية وبلدية وتطويرية شاملة». وعن مشاريع المياه المعتمدة بمركز شرى اكد ظهران على تنفيذ واعتماد ثلاثة مشاريع لمركز شرى مباشرة، أولها مشروع تزويد أهالي مركز شرى بالمياه من الجنابين يمتد من الفرية حتى شرى بمسافة ثمانية كيلومترات تقدر تكلفة المشروع بـ15 مليون ريال، والمشروع الثاني والثالث، فهو خط ناقل مع خزانات متكاملة لقرى شرى وتبلغ تكلفتهما نحو 45 مليونا.

وفي وقت تشتكي فيه مدن السعودية من ازمات المياه، تضع فيه المساحة الجيولوجية ايديها على الجرح بتأكيدها أن الأراضي السعودية تضم مخزونا وافرا من انواع المياه، الذي يحتاج إلى بحث ودراسة. ويقول الدكتور زهير نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية لـ«الشرق الاوسط»: «إن لدى البلاد مخزونا مائيا كبيرا، يمكن الاستفادة منه لحل الازمات المتلاحقة، لكن استدرك بالقول، يصعب استخراجه لاعتبارات جيولوجية». وأضاف نواب «لدينا مخزون مائي كبير، جزء منه منذ 30 سنة تم استغلاله في الزراعة، وارتأت الدولة المحافظة عليه وخففت عمليات الزراعة الضخمة».

وأشار نواب الى وجود الماء في كثير من المواقع وقال «من الناحية العلمية الماء موجود في كل شيء، لكن أيضا هذا الماء يصنف إلى أنواع، وهناك ماء صالح للشرب وماء غير صالح للشرب».

يشار إلى أن المهندس عبد الله الحصين وزير المياه والكهرباء، أكد خلال منتدى الطاقة والمياه الذي استضافته جدة العام الماضي، أن السعودية تفقد مليون متر مكعب من المياه يومياً بسبب الهدر وتسريبات الشبكة. ولفت الحصين إلى أن الوزارة تعمل على معالجة هذه الإشكالية، مبينا أن السعودية لن تواجه أي طلب إضافي للمياه خلال السنوات الخمس المقبلة، مشيراً إلى أن السعوديين يستهلكون أكثر مما يحتاجون إليه من المياه من دون مقابل. يذكر أن إحصائية رسمية نشرت في وقت سابق، قدرت نمو الاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية في السعودية من المياه من 220 مليون متر مكعب في عام 1970 الى 2030 مليون متر مكعب في عام 2000، وارتفعت الزيادة في مياه الري في الزراعة من نحو 6120 مترا مكعبا إلى 19074 مترا مكعبا لنفس الفترة تقريبا. وأشارت الإحصاءات إلى أن تكاليف الزيادة على طلب المياه مستقبلا ستشكل عبئا إضافيا على سلطات المياه والمواطنين إذا تم تعويضها من عمليات التحلية، التي قد تصل إلى حدود المليار ريال سنويا، على أساس أن تكلفة مياه الشرب الناتجة عن التحلية تساوي 4 ريالات سعودية لكل متر مكعب.

وفي نجران كشف المهندس صالح بن مصطفى هشلان، مدير عام المياه بالمنطقة، أنه تم سحب مشروع شبكات مياه وخزانات علوية في القرى الحدودية في نجران من احد المقاولين المتعثرين، حيث أوشكت المدة على الانتهاء ولم ينفذ من إجمالي كميات المشروع سوى 10 في المائة من المشروع.

ويأتي ذلك بعد سلسلة من الجولات الميدانية التي قام المهندس صالح هشلان بها على المشاريع التي تنفذها وزارة المياه والكهرباء بمنطقة نجران واطلع خلالها على سير العمل فيها.

وأشار إلى أنه تم إنذار المقاول المتعثر عدة مرات وتغريمه حسب ما هو منصوص في العقد، إلا أنه لم يستجب مما أدى إلى سحب المشروع منه، مؤكدا أن العمل بالمشاريع الجاري تنفيذها يسير حسب ما هو مخطط له من دون تأخير في نسبة الانجاز.

أما في منطقة المدينة المنورة، فإن المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تعتزم طرح مشروع المرحلة الثالثة لتحلية المياه المالحة بطاقة إجمالية قدرها 400 ألف متر مكعب يومياً لتعزيز احتياجات المدينة المنورة من المياه حتى عام 2029م إضافة إلى الطاقة الكهربائية الملازمة، التي قدرت بـ1600 ميجاوات في الساعة، والذي يأتي ضمن برنامج تخصيص المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة. وأوضح المهندس أحمد السناني من المؤسسة العامة لتحلية المياه أنه تم اعتماد نظام نقل المياه المحلاة للمرحلة الثالثة بحيث يتزامن تنفيذ هذا المشروع مع مشروع محطة التحلية «المرحلة الثالثة».

ويتكون المشروع من خط أنابيب بطول 250 كم وبقطر 68 بوصة، إضافة إلى محطات ضخ رئيسة وأنظمة تحكم ومراقبة وخزانات ويتوزع على المناطق التالية (المدينة المنورة 266 ألف متر مكعب، يــنبـع 82 ألف متر مكعب، الحناكية 21 ألف متر مكعب، خيبر 16 ألف متر مكعب، بـدر 15 ألف متر مكعب، حيث من المتوقع تنفيذ كامل المرحلة الثالثة وتشغيلها في عام 2013م .

وأورد السناني أن إجمالي إنتاج ونقل محطات «ينبع - المدينة المنورة» حالياً قد بلغ 326.298 مترا مكعبا من المياه المحلاة يومياً، حيث تعالج المياه المنتجة في محطات تحلية «ينبع المدينة المنورة» بإضافة الجير المُطْفأ وثاني أكسيد الكربون وتعقم بهايبوكلورايد الكالسيومCa وتتم مراقبة جودة المياه بواسطة مختبرات متخصصة على مدار الساعة للحصول على مياه عذبة صالحة للشرب طبقاً للمواصفات العالمية.

وتعتمد المؤسسة على ثلاثة أنظمة مساندة لعمليات إنتاج ونقل المياه في المحطة الأولى وهو نظام مأخذ مياه البحر وتوجد ثلاثة مآخذ لمياه البحر في محطات «ينبع المدينة المنورة» وتعمل جميعها بنظام السحب السيفوني ويتم استخدام هذه المياه في تغذية وحدات التحلية، والتناضح العكسي، وفي مكثفات التوربينات.

فيما تنتج محطات التحلية الثلاث بينبع حالياً  323 ألف متر مكعب من المياه، فيما تنتج محطة التناضح العكسي، وهي أكبر محطة في العالم وحدها 106904 متر مكعب من المياه يوميا.