صيف القصيم.. بين «فردوس» الوفرة الغذائية و«جحيم» ندرة المياه

القطاع الزراعي يهدد مخزون المياه الجوفية بـ النضوب

TT

تعتبر قضية المياه قضية وطنية من الدرجة الأولى، وهي مشكلة تعاني منها منطقة القصيم كباقي مناطق المملكة صيفاً، نسبة لوقوع المملكة ضمن المناطق الجافة ولمحدودية مصادرها المائية التي تفتقر إلى المياه العذبة، ولأنها لم تحظ بمصادر طبيعية كالينابيع والأنهار والبحيرات مع ندرة الأمطار أو انعدامها في بعض المناطق. وتقتصر المصادر الطبيعية في المملكة وفي القصيم على وجه الخصوص على المياه الجوفية التي تجمعت من مياه الأمطار والسيول على مدى سنوات بعيدة، التي لم تكن كافية لسد الاحتياجات الضرورية على مر العصور. ونتيجة التطور الهائل والتقدم الحضاري والاقتصادي والصناعي وزيادة عدد السكان، فقد ازداد الطلب على المياه الصالحة للشرب بدرجة تفوق بكثير تلك المتوفرة من المصادر الطبيعية مما جعل الأنظار تتجه إلى حلول أخرى كتحلية مياه البحر والاستفادة من معالجة مياه الصرف الصحي للاستخدام الزراعي. ويقاس نقص المياه عادة بالفرق بين ما يتم استخدامه من الطبقات المائية وبين ما يدخل هذه الطبقات من مياه الأمطار التي تعتبر مصدر التغذية الطبيعية وأن النقص في المياه يعادل كمية المياه التي يتم استخراجها من الطبقات المائية غير المتجددة، وهذا الرقم قد يصل إلى 10 مليارات متر مكعب سنوياً.

وعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده منطقة القصيم في كمية المياه هذا الصيف مقارنة بالصيف الماضي، إلا أن الشواهد تثبت تخوف المسؤولين وسكان المنطقة من نضوب المياه الذي سيصبح واقعاً لا جدال فيه، إذا ما استمر القطاع الزراعي في تهديده لمياه الشرب.

الجدل القائم الآن هو حول كيفية المحافظة على مخزون المياه الجوفية غير المتجددة وكيف يجب إدارته كمخزون استراتيجي للأجيال القادمة لضمان الأمن المائي والغذائي في حالات الطوارئ لعدة أجيال قادمة، وذلك من خلال منع تجاوز استنزاف القطاع الزراعي منه لمقدار استهلاك القطاع المنزلي من هذا المخزون. كما يُنظر إلى توفير مخزون جاهز للاستعمال من مياه الشرب في المنطقة مع خطة توزيع مجربة ومعروفة للمواطنين وللجهات المعنية بتنفيذها في حالات الطوارئ لضمان توفير الاحتياجات الأساسية من المياه.

والقصيم باعتبارها من المناطق الزراعية الهامة في السعودية، فقد أثر هذا النشاط الاقتصادي الهام على مخزون المياه الجوفية، خاصة إبان طفرة زراعة القمح وتطور زراعة النخيل وبعض المنتجات الزراعية الأخرى كالبطاطس والبطيخ، التي تستهلك ما بين 400 إلى 700 لتر للكيلوجرام الواحد بحسب بعض التقديرات.

وهذا التناقض في الوفرة الغذائية على حساب الوفرة المائية ناتج من أن المنطقة الواقعة في منطقة الدرع العربي التي تعتمد في الحصول على المياه الأحفورية من الآبار الجوفية العميقة التي تجمعت قبل سنوات طويلة عندما كانت بيئتها ماطرة، قد حققت الآن بفضل تلك الأمطار المتجمعة اكتفاء ذاتياً في بعض المحاصيل كالقمح والأعلاف والخضار بينما بدأ الاكتفاء المائي في الانحسار. والآن بعد انخفاض نسبة الأمطار الساقطة على أراضي البلاد، وعدم انتظام سقوطها مما ترتب عليه فقر في الموارد المائية، فإن قضية المياه نالت أهمية كبرى من الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الزراعة والمياه، بهدف القيام بمشروعات مائية كمشاريع الري، والصرف، وتوصيل المياه بالأنابيب، وإنشاء محطات لتحلية مياه البحر، بهدف توفير المياه للشرب أو للاستخدام الزراعي.

وأكد المهندس عبد الكريم الفوزان مدير عام المياه بمنطقة القصيم في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن كميات المياه الموجودة الآن بالكاد تكفي الاحتياجات البشرية. ولكنه أشار إلى أنهم الآن بصدد إنشاء محطات في المحافظات المختلفة لتدعم عمل المحطات الموجودة، وبهذا تكون قد اكتملت البنية الأساسية للمياه بالفعل، على حد قوله.

ويضيف الفوزان أن معاناة شح المياه تنحصر في النصف الغربي من المنطقة وهو ما يقع ضمن ما يعرف بمنطقة الدرع العربي وتسعى الوزارة حثيثاً لتمديد خطوط المياه الرئيسية بهذه المنطقة ضمن خطة استراتيجية تعتمد على المصادر الأساسية والبديلة للمياه الجوفية عبر الشبكات، والاستفادة من خط التحلية الذي يمتد من الجبيل إلى القصيم مروراً بالغاط والزلفي فيصل من المياه المحلاة حوالي 15000 متر مكعب يومياً، الذي يمكنه أن يستوعب كميات أكبر في المستقبل.

الوضع في مدينة بريدة (العاصمة الإدارية لمنطقة القصيم)، قد يكون مستقراً نسبياً. إلا أن المواطنين في محافظات الأسياح وعيون الجواء والنبهانية والشماسية فمعاناتهم تراوح مكانها كل صيف. ومعلوم أن السعودية، تعاني من عجز مائي كبير يتم تغطيته من مخزون المياه الجوفية غير القابلة للتجديد لأنها توجد في مناطق عميقة بباطن الأرض.

ويتراوح حجم الاستهلاك اليومي للمياه في منطقة القصيم وحدها، ما بين 300 إلى 320 ألف متر مكعب وينمو الطلب سنوياً بنسبة 3 في المائة، مع زيادة النمو السكاني.

وعادة ما تتزامن مشاكل المياه، مع ازدياد متوازٍ مع مشاريع النمو السكاني، فيما تشير الدراسات إلى أن معدل استهلاك المياه في السعودية، يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة، وكندا، وهذه النسبة تشير بحسب الدراسات المبدئية إلى عجز مائي يقدر بنحو 1.5 مليون متر مكعب من المياه يوميا.

ومن المعروف أن توفير مياه الشرب للمنازل بالصهاريج هو حل مؤقت وذو تكلفة عالية بالإضافة إلى عدم تمكن المواطن من معرفة ما إذا كان الماء ملوثاً أو نقياً.

وأمام ذلك أكد عبد الكريم الفوزان أن كل مياه الصهاريج هي لغير استخدام الشرب، فهي لأغراض مثل البناء وغيره، أما التي تستخدم للشرب فهي تؤمن عن طريق الشبكة وقد وصلت مصانع المياه في بريدة إلى حد الاكتفاء تقريباً.

ولأن هدف هيئة المياه وسياستها المعلنة هو توفير المياه من خلال شبكة توزيع محكمة للمحافظة على النوعية الجيدة للمياه التي تنتجها في محطات التنقية، فقد سعت إلى إيصالها إلى المستهلك نقية حفاظاً على صحته العامة، بحيث تقوم بعمل التحاليل يومياً لتنقية المياه تنقية تامة، وفصلها عن جميع الشوائب، سواء أكانت زيادة في نسبة الأملاح أو بعض المواد المشعة مثل غاز الراديون، مؤكداً أنه يجري استبدال تلك الآبار في مدينة بريدة والمحافظات بآبار مياه خالية من تلك الشوائب حيث يجري تحديد مواقع لمصادر مياه آمنة وخالية من أي ملوثات لاستخدامها كبديل عن مواقع مصادر المياه الجوفية الحالية.

وفي إطار آخر، واصل مدير عام المياه المهندس الفوزان إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن محطة المعالجة الأولى STP 205 ببريدة، تمكنت بعد التوسعة من معالجة 144 ألف متر مكعب يومياً من مياه الصرف الصحي، حيث يستفاد من هذه المياه المعالجة ثلاثياً في أعمال الزراعة غير المقيدة. وأشار إلى إن التنسيق الكامل بين الإدارة العامة للمياه بمنطقة القصيم والشركة الوطنية للمياه قصد بها أن تنقل أسلوب إدارة مرفقي المياه والصرف الصحي من النمط الحكومي إلى النمط التجاري. بدوره، أشار منصور العرفج مدير إدارة المياه بمدينة بريدة، إلى أن وضع المياه بالمنطقة مستقر باستثناء بعض المناطق المرتفعة وهذه تعالج دوريا. وأضاف «أن إنتاج المياه في بريدة يبلغ حوالي 15 ألف متر مكعب يومياً. وأكد أن المياه الموجودة هي مياه معالجة وفقاً للمواصفات السعودية والعالمية وهي مياه جوفية باستثناء 15 ألف متر مكعب تأتي عن طريق تحلية المياه من الخليج العربي.

وعن نقص المياه في بعض الأحياء أكد أن ذلك راجع إلى ارتفاع بعض المناسيب في بعض الأحياء وليس بسبب نقص المياه وتدخل المياه جميع الأحياء عن طريق التناوب، أما إذا وجد أي قصور فيعالج في وحدات الضخ.