معلمات يبحثن عن «تسريح بإحسان».. ومدارس أهلية تنشد «إمساكاً بمعروف»

مستثمرات في التعليم الأهلي لـ«الشرق الأوسط»: التسرب الوظيفي يكبدنا خسائر كبيرة سنويا

TT

ما زال كثير من المعلمات السعوديات ينظرن للعمل في المدارس الأهلية على أنه «مرحلة» تسبق فرصة الالتحاق بالعمل الحكومي، حيث يأتي التسرب الوظيفي على رأس الصعوبات التي تواجه التعليم الأهلي، مع وصول نسبة تسرب المعلمات من المدارس الأهلية إلى 25 في المائة، حسبما أفصحت دراسة حديثة، الأمر الذي أمامه تحاول المدارس الأهلية «الإمساك بمعروف» على معلماتها في ظل رغبة الكثير منهن بـ«التسريح بإحسان» ومن دون إعلام مسبق، مما يجعل خروجهن المفاجىء يكبد قطاع التعليم الأهلي خسائر كبيرة سنويا ويربك الخطة التعليمية.

وتقول مها الهدلق، مالكة مدارس الأنوار الأهلية بالدمام، لـ«الشرق الأوسط»، في حديثها عن واقع التعليم الأهلي «مشكلتنا واحدة، وهي تسرب المعلمات»، مؤكدة على وجود اشكالية تكمن في خروج المعلمات وهن على رأس العمل وفي منتصف العام الدراسي من المدارس الأهلية للتوجه إلى العمل الحكومي من دون سابق إنذار، قائلة «من الصعب أن نجهز بديلة بسرعة، وهذه المشكلة أزلية لأي مالكة مدارس، وتتسبب بتوقف مسيرة التعليم».

وتتفق معها أمل حسين، مديرة مدرسة الأنصار الأهلية للبنات بالدمام، التي أكدت لـ«الشرق الأوسط»، على ضرورة التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الخدمة المدنية لمعرفة حجم الاحتياج من المعلمات في أول أو آخر العام الدراسي، قبل أن تبدأ الدوامات فعليا وقبل توقيع العقود مع المعلمات، وأضافت «لا أستطيع أن أحرم معلمة من وظيفة حكومية، لأن القطاع الحكومي لا يقارن بالتعليم الأهلي، لكن من الممكن أن أتفق معها بأن تلتزم لشهر أو شهرين في الدوام لحين إيجاد معلمة بديلة».

وعن مسؤولية التعليم الأهلي في إحجام فئة كبيرة من الفتيات عن الالتحاق به نتيجة الصورة النمطية السلبية التي يحملها، ترى الحسين أن تغيير هذه الصورة يبدأ بتوفير الأمان الوظيفي للمعلمة، مقترحة إشراكها في صنع القرار وإعطاءها حصة من أرباح المدرسة، قائلة «فيما لو زادت الأرباح آخر العام وأصبح للمعلمة نصيب من هذه الزيادة، فستزيد انتاجيتها، وتكون المستفيدة الأولى». وأكدت على أن تسرب المعلمات يمتد ليشمل أيضا المدارس الأهلية المنافسة، قائلة «هذه المسألة أصبحنا نحدها عبر بعض الأمور المعنوية التي تحرم منها المعلمة».

بالمقابل، ترى بعض المعلمات أن بيئة العمل في المدارس الأهلية وتدني الأجور والرعاية المهنية، أمور تشكل عائقا أمام دمج السعوديات في التعليم الأهلي بصورة أكبر، حسبما توضح أروى الملحم، معلمة سابقة في مدرسة أهلية، مؤكدة على وجود حالة من عدم الثقة بين المعلمات والمدارس الأهلية، بقولها «الكثير من هذه المدارس تعطي رواتب متدنية ولا تقدر جهد المعلمة وقد تضحي بها بسهولة»، وتعتقد أن المعلمة لا تلام عند انسحابها المفاجىء من المدرسة لكونها تبحث عن فرصة أفضل قد لا تتكرر لها لاحقا، حسب قولها.

يأتي ذلك في حين تقدر دراسات حديثة نسبة مشاركة التعليم الأهلي في مجال التعليم بالسعودية بين 7 إلى 8 في المائة، فيما يقدر مستثمرون في التعليم الأهلي حجم إيرادات المدارس الخاصة بنحو 2.4 مليون ريال سنويا للمدرسة الواحدة التي تستوعب 200 طالب بمتوسط مصاريف 12 ألف ريال للطالب، وفي حال زيادة عدد الطلاب فإن هذه الإيرادات تسجل أرقاما عالية، خاصة في ظل إعلان بعض المدارس أخيرا رفع قيمة أقساطها الدراسية.

وكانت مجموعة من مديرات المدارس ومستثمرات التعليم الأهلي، قد طرحن مشكلة التسرب الوظيفي بصفته أحد أبرز الصعوبات التي تواجههن، وذلك في لقاء جمعهن الأسبوع الماضي مع نورة الفايز، نائبة وزيرة التربية والتعليم لتعليم البنات، بمدينة الخبر، فيما رمت الفايز الكرة بملعب المستثمرات، مؤكدة أن بعض الفتيات السعوديات في المدارس الأهلية الكبرى يرغبن بالتعليم الاهلي ويعتذرن عن التعليم الحكومي لما يجدنه في الأول من مميزات، قائلة «أرى أن تتاح للمعلمة السعودية المميزات والرواتب المجزية التي تغريها بالبقاء في التعليم الأهلي». وأيدت الفايز خلال اللقاء مقترح مسؤولات التعليم الأهلي الذي تضمن المطالبة بـ«مخاطبة وزارة الخدمة المدنية بإعطاء مهلة للموظفة للالتحاق بالعمل حتى يتسنى إيجاد البديلة ومطالبة الموظفة بإخلاء طرف للتأكد من أنها سلمت عهدتها للمدرسة الأهلية»، حيث قالت الفايز «لو المعلمة علمت أنها ستلتحق بالعمل الحكومي قبل ما لا يقل عن 6 أشهر، فستنهي دورها الوظيفي بمرونة وسهولة وسيتاح للمعنيين بالتعليم الأهلي إيجاد البديل بسهولة».

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخدمة، الثلاثاء الماضي، عن الخطة الزمنية للإعلانات الوظيفية للوظائف التعليمية للرجال والنساء، التي تخص العام الحالي، مؤكدة عبر بيانها المنشور على الموقع الإلكتروني للخدمة المدنية أن ذلك جاء بالاتفاق المسبق بينها وبين وزارة التربية والتعليم، بحيث ستعلن مفاضلة الوظائف التعليمية النسوية، وسيكون تاريخ صدور الإعلان 24 يونيو الجاري، أما مفاضلة الرجال فسيكون تاريخ صدور اعلانها في 8 من شهر يوليو المقبل.