الطائف: «امرؤ القيس» يعود لإحياء سوق عكاظ التاريخي بعد غياب 14 قرنا

أمير مكة المكرمة اعتبر الحدث انطلاقة حقيقية للمسرح السعودي

الأمير خالد الفيصل والأمير فيصل بن محمد والأمير سلطان بن سلمان لدى متابعتهم مسرحية «امرؤ القيس» («الشرق الأوسط»)
TT

فتحت مسرحية «امرؤ القيس» التي عرضت في افتتاح سوق عكاظ التارخي الطريق امام المسرح السعودي وسط تأكيدات لأمير منطقة مكة المكرمة انها بداية فعلية وانطلاقة حقيقية للمسرح السعودي.

وصفق نحو 3 الاف حاضر لانطلاق سوق عكاظ يتقدمهم أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل للعرض الذي استمر قرابة النصف ساعة معيدا في الذاكرة تاريخا مضت عليه قرون طويلة.

وقال أمير منطقة مكة المكرمة عقب الافتتاح «ان هذا المساء يعتبر انطلاقة كبيرة للمسرح السعودي وهي انطلاقة كبيرة جدا، واعتقد أنها سوف تنتقل من المحلية في المملكة إلى الوطن العربي وإن شاء الله ستكون إلى العالمية». واضاف «إن سوق عكاظ مرحلة جديدة للثقافة وللسياحة ولجميع الفنون في المملكة العربية السعودية، والبداية جميلة جدا ونرجو أن نستمر في هذا التقدم وهذا التصور»، مؤكدا «إن سوق عكاظ بالإضافة لكونه ثقافيا واقتصاديا فهو اجتماعي كذلك، فجميع أفراد المجتمع وأفراد الأسرة يجب أن يستمتعوا ويستفيدوا من وجود هذا السوق على أرض بلادهم». ودعا الأمير خالد الجميع إلى «أن لا يبخلوا علينا بآرائهم ومقترحاتهم في نهاية هذه الفترة من سوق عكاظ لنستطيع نحن بتوجيهاتهم ومقترحاتهم أن نطور هذا السوق في الأعوام المقبلة».

ويأتي ذلك في وقت فتحت جادات عكاظ المختلفة أبوابها لاستقبال الزوار وكبار الشخصيات في شمال الطائف بافتتاح دشنه أمير منطقة مكة المكرمة بحفل متنوع شمل العروض المسرحية والقصائد الشعرية وفن الغناء العربي. ولم يسدل ستار المسرحية حتى شدا فنان العرب محمد عبده باغنية عاد فيها إلى الطائف بعد غياب دام نحو 40 عاما رافقتها رقصة المجرور المشهور بها منطقة الطائف.

وسلم أمير منطقة مكة المكرمة جوائز مسابقة سوق عكاظ الخمس، والتي من ضمنها تقديم بردة شاعر عكاظ للشاعر السوري عبد الله عيسى سلامة الذي فاز بجائزة الشعر عن قصيدته بعنوان «التضامن العربي».

السوق الذي سيستمر 14 عاما مفتوح الابواب امام الحضور يتوقع ان يستقطب اطياف المجتمع السعودي وسط استعدادات كبيرة من مختلف الجهات حيث يشير حمد آل الشيخ مدير عام البرامج والمنتجات السياحية بالهيئة العامة للسياحة والآثار إلى «أن الخيام ومضافات الشعراء المقامة بالسوق تشتمل على بيتين كبيرين من السدو الأسود وبيت كبير من السدو الأبيض تم تجهيزهما بالكامل وتتوفر فيهما خدمات الضيافة العربية إلى جانب 12 خيمة من السدو المجهزة للأنشطة الرئيسية التي تقام قديما في سوق عكاظ ولوحات من الصخر منقوش عليها عبارات إرشادية وأبيات شعرية لأصحاب المعلقات.

في حين يرى الزوار والضيوف ان إطلاق السوق بهذا الشكل نقلة تاريخية كبيرة حيث يذهب الكاتب المعروف الدكتور صلاح قلاب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن عكاظ عرف عنه أنه المؤتمر التجاري والثقافي والأدبي والسياسي في البلدان العربية، ويتجدد بطريقة جميلة في السعودية». مؤملا «أن يحل محل مؤتمرات القمة العربية».

ويشدد القلاب على أهمية أن يكون هناك مشاركون من الخارج لأنه تراث عربي تليد ويستحق هذا لارتباطه بخلفيتنا الثقافية، ففي كل عربي موجود عكاظ.

واضاف «من يأتي إلى عكاظ لا يشعر بالغربة، ويجب على الغرب أن يطلعوا على هذا الإرث الثقافي العظيم، والذي ترسخ في مخيلته أننا ما زلنا رعاة الإبل، ووجد في لندن قبيل أيام سوق على نفس الغرار لكن من دون شعراء ومساجلات للشعر، ونحن سبقناهم إلى هذه التظاهرات الثقافية، والاقتصادية، والأدبية والفنية، وأعتقد أنه في المرات القادمة لن يفوت الأمير خالد الفيصل مشاركة أجنبية من كل دول العالم، في هذا الكرنفال ليس فقط السعودي وإنما العربي كذلك.

إلى ذلك قال عبد الله السدحان، أمين عام مجلس الوزراء السعودي الذي كان احد ضيوف سوق عكاظ في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ان عكاظ يمثل عرسا ثقافيا كبيرا بدأ قبل الإسلام واستمر بعد الإسلام ثم لسبب أو لآخر نسيه الزمان ونسيه الناس، لافتا إلى أن هذا المهرجان والمهرجانات القادمة ستجعل لهذا المكان صيتا عربيا وربما إسلاميا، لأنه سيكون مقصدا للمثقفين في أماكن مختلفة، ونتوقع أن يكون له مستقبلٌ مشرق كما كان له ماض تليد، ووجود شخصيات عربية متميزة يعكس أهمية السوق والحدث بكل ما يصاحبه من حراك ثقافي كبير، ولذلك نتوقع أن يزداد الإقبال عليه من جميع أنحاء العالم.

من جانبه أشار عبد المقصود خوجه، صاحب الإثنينية لـ«الشرق الأوسط» أن الثقافة تلاقح أفكار، وغطاء جماعي لثقافتنا العربية الأصيلة، وهذا ما نلحظه حين وفود شخصيات من السودان والجزائر، وهذا دليل على أن عكاظ الماضي مرتبط بعكاظ الحاضر، وسيرتبط بالمستقبل بإذن الله، مع شخصيات متميزة، مؤكدا أننا سنرى عكاظا حاليا ومستقبلا على أحلى وأجمل ما نتمنى في بلد نزل فيه «اقرأ» وبلد تتلاقح فيه الثقافات والمعرفة وهو يظل رسالة تراثية خالدة ومشيرا إلى أهمية أن يصحب المرحلة القادمة حراكٌ ثقافي، ينبع من الداخل ويجب أن يعطي المثقفون هذا الحدث متمثلا في عكاظ كل ما عندهم من طاقات وما عندهم من صداقات من أجل بلورة الفعل الثقافي.

في حين أكد الدكتور أسامه البار، أمين عام أمانة العاصمة المقدسة «أنها مناسبة ثقافية وإحياء للموقع التاريخي، وهناك مناسبة تجمع تحت مظلتها كل المسؤولين، نحو الثقافة العربية ككل، وبالذات مسؤولي منطقة مكة المكرمة من باب أولى حضورهم في هذا العرس الثقافي وبالذات في حلته الجديدة، مؤكدا أن وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في الأمانات والبلديات لها دور كبير سيسهم في إعطاء الزخم للمشاريع الثقافية في نطاقها الإداري لكل أمانة أو بلدية». وأضاف «الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، لديه نظرة شمولية وثاقبة حول سوق عكاظ في المرحلة المستقبلية الذي يتبناه الأمير بالتعاون مع الهيئة العليا للسياحة، سيكون له أثر كبير في إحياء مشروع ثقافي كبير في هذا الجزء من المنطقة.

واوضح الدكتور سهيل القاضي، رئيس نادي مكة الثقافي، لـ«الشرق الأوسط» أن عكاظ هذا العام يعتبر إضافة محلية ونحن سعداء بهذا التلاحم وسعداء بضخ الدم مجددا في عروق سوق عكاظ بعد قرون من الزمن اندثر فيها هذا السوق وها نحن اليوم نحتفي في نفس المكان الذي كانت تقام عليه المساجلات الشعرية، والآن هناك مشروع تطويري للهيئة العامة للآثار والسياحة لتطوير السوق وسيكون خلال الثلاث سنوات القادمة أحد النماذج الثقافية الفريدة عربيا التي يجتمع حولها المثقفون والشعراء وكل من يعتني ويهتم بالتراث، فالقادم أجمل بإذن الله، مضيفا أن أي تلاحم عربي في الفعل الثقافي عادة يخلق جوا من التنافس وهذا يعتبر طبيعيا، وسوق عكاظ بجوائزه أضحى محفزا كبيرا في هذا المضمار.

وبالعودة إلى مسرحية «امرؤ الالقيس»، فإن الأبطال الذين أحيوها وبجانب صخرة «السرايا» التاريخية تفننوا في عرضهم، تقدمتهم «شياطين» كاهن كهنة كندة الذي أطلوا بعروض استعراضية مشوقة مصحوبة بتأثيرات بصرية مؤثرة أضافت للمسرح رونقا خاصا. الفنان عبد المحسن النمر مثل دور ملك دولة كندة والفنان عبد الله عسيري تقمص دور كاهن كندة ومربّي امرؤ الالقيس ويمثله الفنان إبراهيم الحساوي إلى جانب عدد من الممثلين وأكثر من 30 شابا يمثلون أدوارا مختلفة ويؤدون الحركات المصاحبة بإشراف المخرج المسرحي الدكتور حسين المسلم الذي أضاف للمسرحية رونقا خاصا ومميزا شد به أنظار المتابعين لأكثر من ثلاثين دقيقة في ثلاث لوحات استعراضية مختلفة.

وعجت ردهات مسرح عكاظ بالأصوات المؤثرة كبداية للمشهد الأول، كانت في مجلس ملك ملوك كندة، الذي تأخر بفعل أحلام وكوابيس ألقت بظلالها عليه طيلة فترة منامه، وهو ما يسعى جاهدا كاهن «كندة» في تفسيرها بأنها «بشارة» يرفض الملك سماعها لأنها تعكر من صفو مزاجه وتكدر جمال وقوة ملكه، ناصحا الملك بأن يعفو عن امرئ الالقيس والذي ماانفك في ذات السياق ملك ملوك كندة يصف فيها ابنه بـ «الفضيحة» نتيجة مجونه وخروجه عن عادات ملوك كندة التي رفضها امرؤ الالقيس الذي شب محبا للشعر والصعلكة واللهو، لينتهي المطاف بملك كندة مقتولا على يد رجل من بني أسد حيث أوصى لصهيب مربي امرئ الالقيس أن يبلغ خبر موته لابنه الذي علا شأنه وذاع صيته بعد أن علقت معلقته الشهيرة في ثنايا عكاظ.

المشهد الثاني الذي يظهر في صورة صحراوية وبيت من الشعر، يتلقى فيه امرؤ الالقيس خبر وفاة والده، ويستشهد بثأر خاله الزير سالم حين قتل كليب، مقسما بقتل مائة من بني أسد صارخا بالصوت نحو روح والده بالقول «أضعتني صغيرا وحملتني دمك كبيرا»، قبل أن يتولى الملك الذي لم يوافق عليه مجلس قبائل كندة، ليجد امرؤ الالقيس نفسه مهددا من جميع الأطراف ويبدأ رحلة بين القبائل تنتهي عند الرومان حيث يموت لتختتم اللوحة بتذكير الكاهن ببشارته لوالده وهو يحتضر بأنه سيخلد لألف عام في سوق عكاظ لتتناول اللوحة الثالثة قصر ملك كندة بعد أن حكم امرؤ الالقيس بعد الثأر من بني أسد ثم طلب المنذر له ولجوءه للغساسنة ثم الروم للاستعانة بهم على الفرس قبل أن ينتهي به المطاف ملقى بسبب مرضه بالجدري.