السعودية: توجه نحو تفعيل دور العمد في الأحياء

تقوده المجالس البلدية.. وتؤيده الجهات الخدمية والأمنية

بعض عمد جدة الفاعلين يتباحثون خلال إحدى جلساتهم («الشرق الأوسط»)
TT

في محاولة جادة لإعادة الحياة إلى دور أساسي ومهم ضمن تركيبة المجتمع السعودي، تتشهد المدن السعودية مؤخرا توجها قويا لتطوير أداء دور العمدة، الذي تراجع على مدى سنوات ليقتصر على القيام بالتصديق والتوقيع على بعض الأوراق الرسمية بعد أن كان «العمدة» ضابطا أساسيا لإيقاع الحياة اليومية في مختلف المدن السعودية، ونقطة الوصل بين المسؤول وبين المواطن والمقيم.

«العمدة» الوظيفة التي ينظر إليها العديد من شاغليها كمسمى آخر لمهنة «أب بدوام كامل» مدى الحياة، تعود إلى السطح بعد أن كشفت مشكلات أمنية واجتماعية عن الحاجة لإعادتها إلى سابق مجدها.

تجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بتطوير دور العمد وتفعيله أصبح قضية أساسية لبعض المجالس البلدية في مناطق مختلفة من المملكة، ولا بد من مراجعة هذا الدور تاريخيا وتطوير نقاط الضعف أو المعوقات التي تجعله أقل فعالية عما كان عليه سابقا بحسب الدكتور طارق فدعق رئيس المجلس البلدي بمحافظة جدة الذي بادر إلى إطلاق برنامج خاص بتطوير أداء العمد، وعقد اجتماعا لمناقشتهم في المعوقات التي تعترض طريقهم في أداء أدوار أكثر جدية في تطوير أحيائهم والإسهام بعملية التنمية الاجتماعية فيها، وبدأ برنامجه بإيجاد مقار وأماكن ملائمة لعمل العمد.

عمدة حي البلد وحارة اليمن بجدة، الشيخ عبد الصمد محمد عبد الصمد بدوره أكد على ضرورة وأهمية الالتفات لتطوير دور العمدة وإبرازه كما كان من قبل، مشيرا إلى أن العديد من التطورات الأمنية والاجتماعية تجعل من تطوير دور العمد مطلبا أساسيا وحيويا.

ويشير عبد الصمد في الوقت نفسه إلى أن الجزء الأكبر من مسؤولية تطوير دور العمد تقع على عاتقهم، «فالعمدة هو المسؤول إما عن تطوير دوره، أو قصره على مجرد التصديق على بعض الأوراق الرسمية وتوقيعها، ودوره يفترض أن يكون دور الأب الحاني للحي وهو المعني بمتابعة النواحي البيئية والأمنية والاجتماعية وكل مناحي الحياة التي يمكن أن تجعل من حيه متفوقا ومناسبا للعيش الكريم».

وقال عبد الصمد إن المجلس البلدي في جدة يفعل الكثير من الأنشطة والخدمات التي يقدمها العمد، سواء من نواحي مشاكل البنى التحتية أو حتى النواحي الاجتماعية، مضيفا أن اجتماعات المجلس البدلي المكثفة مؤخرا مع عمد جدة انصبت على التركيز على مواقع العمد، حيث إن أمانة جدة قررت منح مواقع خاصة في الأحياء ليقام عليها مراكز ومواقع رسمية للعمد، واعتمدت الغرفة التجارية بجدة برنامجا لإقامة المباني على هذه المواقع، وما على العمد سوى المطالبة بالمواقع لاستلامها، وقد تمت إجابة 6 طلبات حتى وقت قريب، وهي خطوة أساسية بحسب عبد الصمد في طريق إعادة البريق والوهج لدور العمدة التاريخي.

وقال عبد الصمد بأن نظام العمد القديم والذي يعود إلى عام 1406هـ ينص على أن العمدة يجب أن يقيم بالحي، ويفضل أن يكون حاصلا على الثانوية العامة أو ما يفوقها من حيث المستوى التعليمي، وكلها شروط مفهومة ومقبولة إلا أن العمدة فيما سبق كان قبل النظام المذكور يعين بحسب نظام الانتخاب، إذ كان سابقا يتم تعيينه عن طريق انتخاب أهالي الحي قبل ما يقارب الـ 25 عاما، وعندما جاء نظام العمد تم تعيينهم على المراتب ويجري حاليا تحديث هذا النظام وتقييمه، وتعتمد طريقة التعيين الحالية على لجان معينة في الإمارات والمحافظات تقرر تعيين العمدة بعد أن يتقدم بترشيحه لمراكز الشرطة في كل حي، وهو الأمر الذي لا يمانعه عبد الصمد طالما أن هناك جهات تقوم بتقييم دوره ومدى كفاءته، فوظيفة العمدة أمنية اجتماعية وبلدية بالدرجة الأولى ويفترض أن يتجاوب العمدة مع أي ملاحظة ومحاولة إيصالها للجهات المسؤولة ويمكن تقييمه من خلال آراء أهل الحي ومن خلال مدى تجاوبه مع مشكلاتهم ومحاولة إيصالها للجهات المعنية.

ويشدد عبد الصمد على أن العقبة التي تعترض عمل العمدة في الغالب لا تعدو كونها عدم تجاوب وتفاعل الأمانات أو البلديات والجهات المعنية التي يتواصل معها العمدة في بعض الأحيان لحل وإزالة مشاكل قائمة في حيه. ويتفق علي عبد الله العودة، عمدة حي البشر والإسكان ببريدة مع عبد الصمد على كون عامل الخبرة الذي يحظى به العمدة مهما جدا في معرفة السكان والمساكن وما يحتاجون إليه، ويقول«في ظل هذا الوضع نجد أن العمدة ذا الخبرات والمهارات التي اكتسبها طوال فترة عمله يكون أكثر فائدة لسكان حيه، وإلماما بما يناط به من أعمال، إلى جانب اكتسابه ثقة الناس والتصاقهم به، وكلما كان العمدة صاحب باع طويل في العمل ينعكس ذلك إيجابا على معرفة الأنظمة واللوائح والتعليمات وتقييم أخلاقيات واحتياجات السكان، وعليه نرجو الإسراع في الاستعجال في البت بالتوجيهات الكريمة لتحسين أوضاع العمد العملية والوظيفية والذي هو قيد الدراسة منذ تاريخ 27 صفر 1427هـ، حتى يصبح العمدة قادرا على القيام بأداء دوره على أكمل وجه.

وكغيره من العمد، يتوقف عبد الصمد عند سن التقاعد عند العمدة، والتي يصدف أن تكون سن الستين كبقية المهن والأعمال الحكومية، والتي يرى عبد الصمد كما يرى غيره من العمد بأن وصول العمدة إلى هذه السن لا يعيقه بالضرورة عن أداء عمله، وعليه يتقدم عبد الصمد باقتراح وجود استثناءات تسمح للعمد بشغل وظيفتهم الأبوية الحانية حتى بعد بلوغهم سن التقاعد في حالة عدم وجود ملاحظات أو تقصير من جانبهم، خاصة وأن دور الأب لا ينتهي بوصوله إلى سن معينة وهي النظرة التي ينظر بها بعض العمد إلى مهنهم.

إلا أن عبد الصمد، لا ينكر بأن أداء بعض العمد الشبان ممتاز جدا، ويقول«حقيقة يجتهد العمد الأصغر سنا كثيرا، ونحن نلمس ذلك من خلال أفكارهم البناءة وحرصهم على البيئة وعلى البنية الاجتماعية والخدمات ونشاطهم في ملاحقة الجهات المعنية، إلا أن الخبرة عامل مهم وهم يلجؤون إلينا دائما للحصول عليها».

من جهته أكد الرائد عبد المحسن الميمان الناطق الإعلامي بشرطة العاصمة المقدسة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ان العمد هم موظفون للشرطة ولا يستغنى عنهم في تقديم العون والخدمات سواء من ناحية التحري والبحث في القضايا الجنائية أو من ناحية التعريف بالسكان والزائرين والمطلوبين وفي بعض الاوقات في حل المشاكل.

وأضاف الميمان في هذا الصدد «يعمد الكثير من العمد إلى تطوير ادواتهم من خلال توفير شبكة معلومات كاملة موصلة بالحاسب الآلي تشمل كافة المعلومات لقاطني الحي وهو الامر الذي دفع الكثير من الدوائر الحكومية والمؤسسات الاجتماعية للاعتماد عليهم في كافة البحوث الاجتماعية عند تقديم المساعدات والخدمات».

وابان الميمان «ان العاصمة المقدسة تحوي نحو 66 عمدة حي موزعين على كافة الاحياء، ونظرا للدور الكبير الذي يقومون به وبسبب كبر هذه الاحياء تحوي بعض الاحياء أحيانا ثلاثة عمد مقسمين وفق نطاقات محددة. تجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء السعودي أصدر عام 1993 نظام العمد في المدن، ليعيد إلى هذا التنظيم العرفي الأمني مكانته العريقة في المجتمع، بعد أن تراجعت بعض الشيء. وشهدت المدن السعودية منذ ذلك التاريخ ترجمة لنظام العمدة عمليا، من خلال تخصيص عمدة لكل حي، وتوسيع مهماتهم مع حسن الاختيار، والعمل على تخطيط جغرافي جديد للأحياء، وتجزئة الحي الواحد الكبير، بحيث يخدم الحي الكبير أكثر من عمدة للتسهيل على السكان وللتخفيف من أعباء العمد. ومن أجل ضمان أداء جيد في مهماتهم ومسؤولياتهم، فهم يضطلعون بدور تنسيقي بين الأجهزة الأمنية وسكان الحي.

وكان العمدة منذ عهد الملك عبد العزيز ينهض بدور عرفي واجتماعي كبير، فدوره لا يقل أهمية في هذا الصدد عن دور شيخ القبيلة، فيذلل كثيرا من الصعاب ويحل العلاقات الشائكة بين أفراد القبيلة، إضافة إلى كثير من المشكلات قبل وصولها إلى الدوائر الرسمية.