رئيس ديوان المظالم: نظرنا في 40 ألف قضية العام الماضي.. منها 14 ألفاً ضد مؤسسات حكومية

الشيخ إبراهيم الحقيل لـ«الشرق الأوسط» في أول حوار شامل: مقاومو التغيير أعاقوا من مسيرة التطوير * الحقيل: الفساد الإداري سيستشري إذا لم يوجد قضاء إداري فعّال * قال: لم يحصل أن منعت امرأة من دخول قاعات المحاكم.. وعلى القضاء ألا يتأثر بما ينشر في وسائل الإعلام

الشيخ إبراهيم الحقيل رئيس ديوان المظالم السعودي (تصوير: عبد الرحمن المالكي)
TT

من مكتبه، في الدور الرابع عشر بالرياض، دار حديث واسع مع الشيخ إبراهيم الحقيل، رئيس ديوان المظالم (القضاء الإداري) في السعودية، حول العديد من القضايا، وأبرز المعوقات، التي كانت تحول دون الأخذ بالقضاء السعودي نحو التطوير.

يشير الحقيل، وبكل صراحة، إلى وجود من قاوم التغيير في السلك العدلي منذ زمن، غير أنه اعتبر أن هذه المعضلة من الممكن التغلب عليها ببيان فوائد التطوير وانعكاسات هذا الأمر على المستفيدين من خدمات الديوان.

ويسير مرفق القضاء في السعودية، على خطى تطويرية استراتيجية، ارتكزت على إعادة هندسة الهياكل التنظيمية، ورسم وتصميم إجراءات العمل بشقيه القضائي والإداري.

ويعد ديوان المظالم، الجهة المسؤولة عن الفصل في المنازعات الإدارية والتجارية والجزائية وتأديب الموظفين في البلاد. غير أن ديوان المظالم يتوقف، طبقا لنظامه عن النظر في الدعاوى التي تأخذ صفة السيادة. ومقابل، انتقادات بعض الجهات الحقوقية لديوان المظالم، وتوسّعه في رفض بعض القضايا بداعي السيادة، يقول رئيسه العام: «القضايا التي رفضنا النظر فيها بدعوى السيادة، قليلة جدا».

إبراهيم الحقيل، في أول حوار له منذ تعيينه على رأس القضاء الإداري في السعودية، يكشف لـ«الشرق الأوسط» عن خطة التوسع في افتتاح مقار فروع للديوان، مرورا بإمكانية الإفادة من خريجي قسم القانون لإدارة أعمال الديوان، ووصولا للخطة المزمع تطبيقها للترافع الالكتروني، فإلى نص الحوار:

* في مستهل هذا الحوار، لو تحدثتم لنا عن مرحلة تأسيس ديوان المظالم، فهناك الكثير ممن يجهلون ذلك؟

- لقد اعتنى ولاة الأمر في السعودية، منذ عهد المؤسس الأول الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ عناية فائقة بنشر العدل بين المواطنين والمقيمين في هذه البلاد، من خلال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء في الحياة اليومية لفض المنازعات بين الناس، امتثالا لأمر الله سبحانه واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان القضاء العام قد تم تنظيمه منذ تأسيس المملكة، فإن ما أفاء الله به عليها من نهضة على يد الملك عبد العزيز وأبنائه من بعده، قد استدعت أن يتم تنظيم للقضاء الإداري بالمفهوم الحديث، وفي هذا الصدد أنشئت إدارة للمظالم في مجلس الوزراء، بناء على المـادة السابعة عشرة من نظام شعب مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 12- 7- 1373 للهجرة، التي نصّت على تشكيل ديوان مجلس الوزراء إدارة عامة باسم ـ ديوان المظالم ـ ويشرف على هذه الإدارة رئيس يعيّن بمرسوم ملكي، وهو مسؤول أمام خادم الحرمين الشريفين، والملك المرجع الأعلى له. وبتاريخ 17ـ 9ـ 1374 للهجرة صدر مرسوم ملكي يقضي بإنشاء ديوان للمظالم مستقل عن مجلس الوزراء، ويقوم بإدارته رئيس بدرجة وزير يعين بمرسوم ملكي، ويؤدي الديوان اختصاصاته من خلال مقره الرئيس في مدينة الرياض وفرعه في جدة.

وفي عام 1402 للهجرة، أصبح الديوان هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بالملك، وفقا لنظامه الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 وتاريخ 17 ـ7 ـ 1402 هجرية، وبناء عليه، افتتح الديوان فروعا له، وهي ما تسمى في النظام الجديد، المحاكم الإدارية، في محافظة جدة، والدّمام، وأبها، والمدينة المنورة، والجوف، والقصيم، وقبل أشهر تمّ افتتاح مقر المحكمة الإدارية في حائل، إضافة إلى المحكمة الإدارية بالرياض والمركز الرئيس بمدينة الرياض. وديوان المظالم هو الجهة المسؤولة عن الفصل في المنازعات الإدارية والتجارية والجزائية، وتأديب الموظفين في البلاد، وقد سعى الديوان على مر السنين، لتقديم خدماته، ولتوفير أمثل الأساليب لتيسير سبل التقاضي في مجال اختصاصاته، من خلال الدوائر القضائية في فروعه (المحاكم الإدارية حاليا)، وفي هيئة التدقيق ـ الاستئناف حاليا ـ في المركز الرئيس بالرياض، وجار حاليا تسمية ثلاث محاكم استئناف في عدد من مناطق المملكة.

* صدر مؤخرا نظام القضاء وديوان المظالم.. فيما يتعلق بالقضاء الإداري.. ما أبرز الاختصاصات النوعية التي أضيفت للديوان؟

- بصدور الأنظمة الجديدة للقضاء في المملكة بالمرسوم الملكي رقم م/87 المؤرخ في 19ـ 9 ـ 1428للهجرة، أعيد تنظيم أجهزة القضاء في المملكة، وأصبح التقاضي متاحا على درجتين، كما أن الاختصاص النوعي للقضاء الإداري بالديوان ومحاكمه توسّع بعد انتقال الدوائر التجارية والجزائية إلى القضاء العام ليشمل القضايا المتعلقة بنظم الخدمة المدنية، والقضايا المتعلقة بنظم التقاعد المدني ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم، والقضايا المتعلقة بنظم الخدمة العسكرية، والقضايا المتعلقة بنظم التقاعد العسكري، والقضايا المتعلقة بدعاوى إلغاء القرارات الإدارية، بما في ذلك القرارات التي تصدرها جمعيات النفع العام وما في حكمها، وتلك المتعلقة بدعاوى التعويض عن قرارات أو أعمال جهة الإدارة، والقضايا المتعلقة بدعاوى العقود، التي تكون الإدارة طرفا فيها، والمتعلقة بباقي المنازعات الإدارية، وتلك الخاصة بدعاوى طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية وأحكام المحكمين الأجنبية، والقضايا المتعلقة بدعاوى التأديب، بالإضافة إلى الاختصاص التجاري والجزائي، الذي يتولاه قضاء الديوان حاليا.

* ولكن ماذا عن هيكلة قطاع القضاء الإداري، وأبرز درجاته؟

- في ضوء صدور نظام الديوان الجديد، فقد أعيدت هيكلة قطاع القضاء الإداري بالمملكة، فشملت رئاسة ديوان المظالم، ومجلس القضاء الإداري، والمحكمة الإدارية العليا، ومحاكم الاستئناف الإدارية، والمحاكم الإدارية. ونصّ النظام على أن يكون لديوان المظالم ـ الذي هو هيئة قضاء إداري مستقلة ـ رئيس وأكثر من نائب، وعدد كاف من القضاة، والعدد اللازم من الباحثين والفنيين والإداريين، وأن يتمتع قضاء الديوان وقضاته بالضمانات المنصوص عليها في نظام القضاء ويلتزمون بالواجبات المنصوص عليها فيه.

وبموجب النظام الجديد سيتمكن المتقاضون من الترافع أمام المحاكم الإدارية، وإعادة عرض قضاياهم على محاكم الاستئناف الإدارية في حال عدم قبولهم الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الإدارية، كما نص النظام الجديد على إنشاء المحكمة الإدارية العليا التي لها اختصاص النظر في الاعتراضات على الأحكام، التي تصدرها محاكم الاستئناف الإدارية، في حالات معينة موضحة في المادة الحادية عشرة من نظام ديوان المظالم الجديد.

* وكيف تتطلعون إلى الآمال المرجوة عند تفعيل هذا النظام وتطبيقه على أرض الواقع؟

- لا شك أن الطموحات كبيرة، ونأمل في أن يسهم ديوان المظالم من خلال مهماته وخدماته في نشر العدل وإنصاف أصحاب الحقوق، مما يؤثر إيجابا في تحقيق أهداف التنمية والنهضة، والحدْ من الفساد الإداري، الذي تتمثل الرشوة والوساطة أبرز صوره، وقد يحدث ويستشري إن لم يكن هناك قضاء إداري فعّال وحازم متاح للجميع. كما يعد الديوان أحد أهم الركائز لتشجيع أصحاب رؤوس الأموال من المواطنين والأجانب، على التعامل مع الجهات الإدارية، وعلى استثمار أموالهم وخبراتهم ومعارفهم داخل المملكة، لما يمثله من ضمانة لنزاهة القضاء وعدالته وسرعته وسلامة أحكامه ونفاذها.

* ولكن ألا ترى أنه وعلى الرغم من مضي عقود على إنشاء ديوان المظالم وقيامه بمسؤولية القضاء الإداري، إلا أن طبيعة عمله القضائي، لا تزال ضبابية عند كثير من الناس وحتى بعض مسؤولي الدوائر الحكومية الأخرى، ماذا أعدّ الديوان لتجسير هذه الهوة ضمن خطط الديوان المقبلة؟

- هذا صحيح.. فأهمية التعامل مع الديوان على هذا الأساس من قبل المسؤولين والمواطنين والمقيمين تحتاج إلى ترسيخ الفكرة بأن الديوان جهاز قضائي، هدفه تحقيق العدالة والنظر والفصل في القضايا والمنازعات، التي تكون الجهات الإدارية طرفا فيها، بما يؤدي إلى حصول كل ذي حق على حقه، وأن على جميع الجهات الإدارية، التي نصت الأنظمة على قيام قضاء الديوان بالنظر والفصل في الدعاوى المرفوعة ضدها، أن تعرف جيدا مهمة الديوان، وأن يدرك ممثلوها مسؤوليتهم أيضا، وأن تعطى الأولوية لخطابات الاستدعاء وطلبات تزويد الديوان بالمستندات اللازمة للنظر في القضايا، بحيث يمكن للقضاء الإداري سرعة البت في القضايا على وجه عادل، خصوصا التي قد يطول أمد النظر فيها، نتيجة لتأخر ممثلي الجهات الحكومية في حضور الجلسات، أو في تزويد الديوان بالمستندات المطلوبة، أو طلب تأجيل المواعيد، هذا من جانب، وأما في الجانب الآخر، فإن العديد من أصحاب الحقوق، قد لا يدركون مهمة ديوان المظالم، وأن لهم حق مقاضاة الجهات الإدارية أمام الديوان، وسيكون لرسم الصورة الذهنية الصحيحة عن الديوان الأثر الإيجابي للاستفادة من خدماته، وفي قبول الدعاوى وسرعة البت فيها، وفي الحد من تلقي الديوان الدعاوى التي لا تقع ضمن اختصاصاته، علاوة على تحقيق الأهداف التي أنشئ الديوان لتحقيقها، وقد احتوت الخطة الاستراتيجية حلولا مقترحة للتعريف بالديوان واختصاصاته، والتوعية بأهدافه، وهي إحقاق الحق ورد المظالم إلى أهلها ويأتي من أبرزها، إعداد برامج إعلامية تعريفية بديوان المظالم ومهماته وأنظمته والخدمات، التي يقدمها وبث تلك البرامج من خلال مختلف وسائل الإعلام بواسطة قضاته ومنسوبيه، وإعداد برامج للعلاقات العامة تسهم في ترسيخ الصورة الذهنية الجيدة عن ديوان المظالم لدى مختلف المواطنين والمقيمين والجهات الحكومية والمستفيدين من خدماته، بالإضافة إلى السعي على تعريف أفراد المجتمع بما تحقق على يد الديوان، وكيف يمكنهم الإسهام في التعجيل بتحقيق أهدافه، وكذلك في الحد من الخصومات والمنازعات.

* تبنى خادم الحرمين الشريفين، مشروع تطوير لكافة قطاعات القضاء، وخصصت للمشروع ميزانية بلغت 7 مليارات ريال، كان نصيب ديوان المظالم منها مليار ريال، هل لنا بمعرفة أبرز ملامح المشروع؟

- مما لا شك فيه أن تطوير مرفق القضاء والارتقاء به يعدّ من أولويات خادم الحرمين الشريفين، لذا فقد جاء مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء لتعزيز ذلك، ويعدّ هذا المشروع نقلة تاريخية وحضارية مشرقة لهذا المرفق الهام، كما أنه سيجعل لقضائنا السعودي قصب السبق والريادة ـ بإذن الله ـ بين أقضية العالم، ومن أبرز ملامح هذا المشروع تهيئة الكوادر البشرية وتوفير الوظائف القضائية والفنية المتخصصة، والتجهيزات والتقنيات الحديثة، والمباني الملائمة للعمل القضائي، وتطوير نصوص الأنظمة بما يحقق الأهداف والغايات، وبما يتفق مع تطلعات وطموح خادم الحرمين الشريفين.

* هذا يؤكد وجود خطة واضحة يسير عليها المشروع، نريد أن نعرف ما هي الخطة التي يسير عليها مشروع تطوير القضاء؟

- الحمد لله، تطوير القضاء في الديوان يسير وفق خطة استراتيجية تمثلت في عدة محاور، أهمها إعادة هندسة الهياكل التنظيمية، ورسم وتصميم إجراءات العمل بشقيه القضائي والإداري، ثم أتمتتها من أجل تقديم خدمات إلكترونية متكاملة، وكذلك زيادة أعداد القضاة ومعاونيهم وتطويرهم وتدريبهم لتنفيذ هذه الخطة.

* وماذا عن أهداف الخطة والنتائج التي تسعون لتحقيقها بتطبيق هذه الخطة الاستراتيجية؟ - نسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف، التي من بينها، استمرار توفير الخدمات القضائية وتطويرها وإنشاء مرافقها بما يتناسب مع مكانة القضاء ورجاله، وتيسير سبل التقاضي وسرعة الفصل في المنازعات في دوائر المحاكم الإدارية، بما يسهم في المحافظة على الاستقرار والإصلاح الإداري، وحسن سير العملية الإدارية داخل جهات الإدارة، وذلك بالالتزام بنصوص الأنظمة التي نصت عليها أنظمة القضاء، بالإضافة إلى تنمية القوى البشرية والمحافظة عليها، ورفع مستوى الأداء وتحسين إنتاجية قضاة ومنسوبي الديوان؛ للوصول بهم وأعوانهم إلى أعلى درجات الجودة والسرعة، والتوعية الإعلامية العامة للتعريف بقضاء الديوان واختصاصاته.

* كم المدة المتوقعة أن ينجز خلالها المشروع بالكامل؟

- كما أكدت لك، فإن المشروع عبارة عن عدة مراحل، ما زلنا في البدايات، مع أنه قد سبق وأنجزت مراحل من المشروع، والعمل جار على إنجاز المراحل الأخرى، وسيتكامل انجاز المشروع في وقته المحدد ـ بإذن الله ـ لكن تحديد الوقت رهينٌ بإنجاز مراحله، وإلحاق العدد الكافي من القضاة المميزين والموظفين الأكفاء بالديوان ضمن خطة توظيف محددة.

* هل توجد برأيكم معضلات تواجه المشروع، وكيف يتم التغلب عليها؟

- بالتأكيد، فلا يخلو أي عمل من معضلات ومعوقات، وأبرزها مقاومة التغيير التي تحدث في أي منظمة، ولكن بالإصرار وبيان الفوائد التي سيجنيها الديوان والمستفيدون من خدماته فإنه يمكن التغلب عليها ـ بعون الله ـ ثم أن عظم المسؤولية والأمانة التي حملت إياها وجميع قضاة ومنسوبي الديوان من خادم الحرمين الشريفين، ودعمه اللا محدود، تجعل من ذلك تحديا لنا جميعا في هذا المرفق الهام للقيام بالواجب، وإنجاز هذا المشروع والتغلب على أية معوقات لتحقيق الآمال والطموحات الكبيرة.

* لكن ألا ترى أن قطاع القضاء في البلاد يعاني من نقص في القضاة، خصوصا ديوان المظالم فهذا واضح، وهو ما أكدتم عليه أكثر من مرة، كيف برأيكم سيتم التغلب على نقص القضاة؟

- نعم..لا يزال مرفق القضاء، خاصة القضاء الإداري في الديوان يعاني من نقص واضح في عدد القضاة ومعاونيهم، وهذا بسبب زيادة عدد القضايا كماً ونوعا، وبطء حركة التوظيف فيما سبق، والديوان يسعى جاهدا بالتعاون مع عدد من الجامعات، ممثلة في كلياتها الشرعية والمعاهد المتخصصة، كمعهد الإدارة العامة والمعهد العالي للقضاء لاستقطاب خريجيها، مع الأخذ في الاعتبار حسن الاختيار، وتوسيع قاعدته، وهذا ما نسعى له من خلال وضع آلية دقيقة لترشيح القضاة واختيارهم بالإضافة إلى معاونيهم، وقد تم عقد دورة متخصصة لتدريب عدد من منسوبي الديوان على مهارات ذلك الاختيار، ويرافق ذلك كله عملية واسعة في التدريب والتأهيل لجميع الذين يتم اختيارهم، بالإضافة إلى القضاة الحاليين ومعاونيهم بجميع درجاتهم على اختلاف تخصصاتهم.

* لماذا برأيك لا يتم الاستفادة من الشباب السعودي من خريجي أقسام القانون، مع إخضاعهم لدراسة دبلوم في الشريعة الإسلامية، بموجب ما يقتضيه نظام تعيين القضاة في الديوان، إضافة إلى دورات تدريبية في ذات المجال، ألا ترى أن هذه الخطوة، ربما تساعد على مواجهة نقص القضاة الذي بات يؤرقكم؟

- نظام القضاء اشترط في المادة (31) منه فيمن يولّى القضاء أن يكون من خريجي كليات الشريعة في المملكة أو ما يعادلها، ويقيني أن خريجي الكليات الشرعية سيغطّون بإذن الله الاحتياج الحالي والمستقبلي، كما أنه يحق للحاصلين على دبلوم دراسات الأنظمة من معهد الإدارة العامة بعد كلية الشريعة تولّي القضاء، وبلا شك فإنه يمكن الإفادة من خريجي أقسام القانون في جامعاتنا في الجوانب الاستشارية، والمساندة للقضاء بما لهم من تأهيل مفيد واستعداد جيد.

* دعنا ننتقل لمحور آخر، هناك مشروع متكامل يعنى بالتقاضي إلكترونيا، أين وصل ذاك المشروع في خطواته، خصوصا أن كثيرا من المستثمرين الأجانب يعانون من تأخر البت في قضاياهم، وهذه الخطوة ربما تساعد على حل تلك القضايا العالقة بطريقة سلسة ودقيقة؟

- نحن الآن في الديوان نعمل في إطار تفعيل مشروع التطوير الاستراتيجي، الذي أعاد هندسة إجراءات العمل في الديوان وفق أحدث ما توصل إليه علم الإدارة الحديثة، وتمّ التعاقد مع إحدى الشركات الوطنية الرائدة في مجال تقنية المعلومات، لتنفيذ مشروعين لتحويل إجراءات عمل الديوان القضائية والإدارية والمالية إلى الكترونية، وهما: مشروع نظام القضايا، الذي يتم من خلاله تحويل إجراءات العمل القضائية الورقية إلى إجراءات إلكترونية منذ تقديم الدعوى وحتى صدور الحكم في القضية، ومشروع الأنظمة الإدارية والمالية، الذي يتضمن نظاما للاتصالات الإدارية، الذي يتم من خلاله تحويل جميع المخاطبات الواردة للديوان والمخاطبات، التي تتم بين تشكيلات الديوان القضائية والإدارية إلى مخاطبات إلكترونية، وكذلك نظامي الشؤون المالية والوظيفية، اللذيْن يتضمنان تنفيذ البوابة الإلكترونية للديوان، وهي التي ستمكن الديوان من تقديم خدمات الكترونية لمنسوبيه والمتعاملين معه في الجانبين القضائي والإداري. كما سيتم تنفيذ نظام المعرفة أوما يسمى بــ(بنك المعرفة)، الذي سيوفر للقضاة، وأطراف الدعاوى السوابق القضائية للديوان في أقضيته المتنوعة، ونصوص الأنظمة والقرارات واللوائح، وغيرها من الوثائق النظامية المرتبطة بالقضايا حسب تصنيفها النوعي.

* كثيرا ممن تعاملوا مع ديوان المظالم، يعانون من بطء في إنجاز معاملاتهم، كيف ستعملون على اجتثاث هذه المشكلة من دوائر ديوان المظالم؟

- المعاملات التي تشير إليها، هي قضايا بين عدة أطراف وليست بين طرف واحد، والتأخر ـ إن وجد ـ يرجع إلى عدة أسباب، منها طبيعة الترافع في القضايا التي ينظرها قضاء الديوان، ولأن المتقاضين في معظم الأحيان يطلبون إمهالهم مددا يتفاوت مقدارها، ليتسنى لهم إعداد إجابة مدعمة بالأدلة والمستندات، وفي كثير من الأحيان يطلب أحد الأطراف تمديد المدة نتيجة للطبيعة المعقّدة لتلك القضايا، كما أن بعض القضايا تتطلب الاستعانة بجهات الخبرة المختلفة، أو يتم إحالة النزاع إلى التحكيم كما في القضايا التجارية. أما القضايا الإدارية، فإن كثيرا منها تتطلب مخاطبة الجهات المختصة لتقديم ما لديها من بيانات ومعلومات حول موضوع النزاع، وأشير هنا إلى أن إنجاز قضاة الديوان يفوق بكثير متوسط معدلات الإنجاز المعتادة من أقرانهم، علما بأن الديوان يسعى جاهدا للعمل على توفير كافة المتطلبات لإنجاز القضايا بإتقان في أسرع وقت ممكن، ولعل من أهم تلك المتطلبات السعي لزيادة عدد القضاة ومعاونيهم من الباحثين والكتبة والمحضرين، وتأهيلهم وفق أهداف وطموحات مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء.

* ماذا عن اللجنة المؤلفة من أطراف رسمية عدة من بينها ديوانكم، تعنى بمتابعة قضايا الرشوة والتزوير، كيف يسير عمل اللجنة؟

- لا أعرف شيئا عن هذه اللجنة التي تتحدث عنها، الذي أعرفه فقط، أن قضاء الديوان الجزائي ينظر في قضايا الرشوة والتزوير، التي ترفع إليه من هيئة الرقابة والتحقيق بحكم الاختصاص، وذلك كأي قضايا أخرى، وأن الدوائر الجزائية بالديوان تفصل فيها بأحكام قضائية نهائية يتم تنفيذها ولله الحمد.

* هل لنا بمعرفة حصيلة عدد القضايا المرفوعة ضد جهات حكومية؟

- القضايا التي نظرتها الدوائر القضائية الابتدائية في الديوان العام الماضي بلغت (43361) قضية، منها (14506) قضية نظرها القضاء الإداري بالديوان، عبر دوائره المتخصصة، التي تختص بنظر القضايا المرفوعة ضد الحكومة والجهات الإدارية التابعة لها.

* لكن هناك قضايا ترفع لديوانكم وتمتنعون عن النظر فيها، بدعوى أنها من أعمال السيادة، وهناك من يرى أن هذا المفهوم واسع وليس هناك ما يحدده، كيف ترون ذلك؟

- الديوان لا ينظر الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة؛ لأنها خارجة عن اختصاصه بموجب المادة الرابعة عشرة من نظامه، ومفهوم نظرية أعمال السيادة ضيق جدا في الشريعة الإسلامية، التي هي مصدر أحكامنا القضائية، ومما استقر عليه العمل في القضاء الإداري عدم إيجاد ضابط لها، بل أن تحديدها راجع إلى القضاء الذي ينظر الدعوى، وأشير هنا إلى أن القضاء الإداري في كافة الدول لا ينظر في أعمال السيادة، لأنها ذات طبيعة خاصة، يقصد منها ولي الأمر تحقيق مصلحة وطنية عامة في نطاق العلاقات الدولية أو الشؤون الأمنية للبلاد، أو في شأن العلاقة بين السلطتين التنظيمية والتنفيذية، والمتتبّع لمثل هذا النوع من القضايا أمام قضاء الديوان يلحظ ندرتها، وبالتالي ندرة الأحكام الصادرة فيها.

* ألا ترون أن مفهوم (السيادة) يعمل على تذويب كثير من الدعاوى، وبالتالي فقدانها الروح الحقيقية؟

- ليس ما تقوله موافقا للواقع، ومما يدل على ذلك، أن التطبيق القضائي في الديوان يظهر أنها قضايا محدودة.

* ولكن هل لنا بمعرفة كم قضية سيادة نظرت في ديوان المظالم؟

- قضايا قليلة جدا، إن لم تكن نادرة.

* ما هي برأيك الجهة التي لها النصيب الأكبر من تلك القضايا المرفوعة؟

- في الحقيقة يصعب تحديد جهة معينة والقول بأن لها النصيب الأكبر من هذه القضايا، لأن هذه القضايا على ما ذكرت لك قبل قليل قليلة ونادرة.

* كيف ترون تفاعل الجهات الرسمية مع القضايا المرفوعة ضدها؟

- كثيرٌ من الجهات الإدارية تتفاعل مع القضايا المرفوعة ضدها، وهذا هو واجبها النظامي والأخلاقي تجاه الناس، ولكن هناك بعض القصور من بعض الجهات القليلة، وأود أن أشير هنا إلى أمر غاية في الأهمية بشأن ممثلي هذه الجهات أمام قضاء الديوان، وكذلك المسؤولين عن هذه الجهات، الذين يناط بهم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، وهو أن قضاء الديوان وهو ينظر في هذه الدعاوى المقامة ضد هذه الجهات، ويصدر فيها أحكامه، إنما يستهدف إحقاق الحق وإقامة العدل على ضوء شريعتنا الغراء، وما تصدره الدولة من أنظمة وتوجيهات هدفها نصب ميزان العدل، ورفع الظلم عن كاهل المواطنين والمقيمين، ونشر الحق، وأنه متى ما استدعى قضاء الديوان أحد هذه الأجهزة للمثول أمامه في دعوى مرفوعة ضدها، فإن على المسؤولين عنها سرعة التجاوب وتحديد ممثليهم وحثهم على سرعة الاستجابة بالحضور في المواعيد المحددة، وتقديم ما يلزم من إجابة مفصلة، وإرفاق ما يلزم من مستندات تسهم في سرعة الفصل في الدعوى على نحو عادل ومنصف للطرفين، ثم إذا صدر الحكم النهائي أن يبادر المسؤول من نفسه، إلى سرعة التنفيذ دون تباطؤ أو تسويف، وأن يكون ذلك كله بسرعة وفعالية، لأن هذا هو الحق الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، وهو الأمر الذي يحقق رغبة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ في إنصاف المواطنين والمقيمين، وإيصال الحقوق لهم دون عنت أو مشقة عليهم.

وهنا لا أنكر أن يكون قلة المتخصصين في مجال الاستشارات الفقهية والقانونية، وكثرة القضايا من أسباب تأخر بعض الجهات الإدارية في الرد على بعض القضايا المرفوعة ضدها، إلا أنني آمل في تفاعل أكبر من قِبل تلك الجهات مع القضاء.

* هنا دعنا ننتقل لسؤال آخر، فقد أطلقت وزارة الداخلية مؤخرا سراح عدد ممن وجهت لهم تهم الانتماء للإرهاب بعد عدم ثبوت دلائل على تورطهم، وبالتالي عوضتهم ملايين الريالات، هل نظرتم في تلك الدعاوى التي أفضت إلى إطلاق سراحهم؟

- لا يختص قضاء الديوان بنظر الدعاوى المقامة ضد من يتهم بارتكاب جرائم الإرهاب، وإن كان ما ذكرته صحيحا وثبت أن وزارة الداخلية قد عوضت من لم يثبت تورطهم في جرائم الإرهاب بعد سجنهم، فإن ذلك يعني أن وزارة الداخلية قد أنصفت هؤلاء من نفسها، واختصرت عليهم جهدا ووقتا للمطالبة القضائية بهذا التعويض، وفي رأيي أن ليس هناك أي غرابة في تصرف الوزارة بتعويض المطلق سراحهم لعدم وجود أدلة تثبت تورطهم فيما نسب إليهم في ظل قيادة الأمير نايف وزير الداخلية.

* في الدول الأخرى، يلتزم المدعون العامون والقضاة والمحامون بزي رسمي موحد لهم، هل يمكن أن تشهد أروقة محاكم البلاد على تطبيق مثل هذا النظام لدينا قريبا؟

- لا أرى أننا في حاجة لمثل ذلك على الإطلاق.

* كثير من المناطق والمحافظات، لا يوجد فيها محاكم لديوان المظالم، التي قد يلجأ إليها من يرغب برفع قضية ما وهو ما يقود بعض أبناء مناطق نائية، للسفر لمناطق إدارية لحل تلك المشاكل، كيف سيتم التغلب على هذه المشكلة؟

- يوجد في المملكة ـ الآن ـ ثماني محاكم إدارية، في ثماني مناطق وقريبا ـ بإذن الله ـ سيتم افتتاح ثلاث محاكم في كل من مناطق جازان، نجران، الحدود الشمالية، وهناك خطة لاستكمال افتتاح محاكم إدارية في باقي المناطق، ويتبعها بإذن الله افتتاح محاكم في المحافظات حسب الاحتياج وما يحقق المصلحة.

* هل لنا أن نعرف كيف تتعاملون مع المحامين، وما الذي ينقص حقل المحاماة في البلاد من وجهة نظرك؟

- في نظري.. أن المحامي أحد أهم معاوني القضاء في استجلاء الحقيقة وتحقيق العدل، كما أنه يمثل كل أو أحد طرفي الدعوى، فعند المحاكمة يتم التعامل معه بمبدأ المساواة بينه وبين الطرف الآخر، والمحاماة في بلادنا تسير وفق منهج واضح من ناحية التطوير، لكن لا بد من تخصص المحامين، خاصة مع كثرة القضايا وتنوعها وتعقدها، ويؤمّل من المحامين زيادة جرعات التدريب المتخصص لمباشرة أعمالهم على نحو منضبط ومتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ونصوص الأنظمة السارية، وذلك بما يحقق نصب ميزان العدل، والمعاونة في استجلاء الحقيقة، والوصول إليها وبما يحقق أيضا نشر الثقافة العدلية بين أبناء المجتمع.

* هل من الممكن أن تبرز لنا آلية تقاضي المرأة في المحاكم والدوائر الشرعية كمدعية أو مدعى عليها أو موكلة؟

- ليست هناك آلية خاصة لتقاضي المرأة في المحاكم، فهي كالرجل من حيث حقها في التقاضي، والقضاء لا يمنعها من ذلك، ولكن بما يحفظ لها كرامتها وعفافها، وبما يحقق لها الصون والحشمة وعدم الابتذال أو الاختلاط المحرم المفضي للتضييق عليها من ذوي الأنفس الضعيفة.

* هل يسمح لها بشكل واضح بدخول قاعات المحاكم، وبالتالي تأدية ذات الدور الذي يقوم به الرجل في تلك الحالات؟

- نعم.. ولم يحصل ـ فيما أعلم ـ أن منعت امرأة من دخول قاعات المحاكم لمجرد أنها امرأة، ولا يملك أحد منعها طالما كانت محتشمة وملتزمة بما تفرضه عليها الشريعة الإسلامية الغراء، فحقها في ذلك كالرجل تماما، ومن يمنعها بعد ذلك كله فإنه يقع في مخالفة للشريعة المطهرة، التي كفلت للمرأة حقها كاملا.

* وفيما يتعلق في الجوانب الاقتصادية، هل بلغتكم شكاوى وقضايا رفعت ضد بنوك أو مؤسسات مالية، مثل سوق المال السعودي؟

- المؤسسات المالية العامة شأنها شأن سائر الجهات الحكومية، تقام ضدها دعاوى وفقا لما نص عليه نظام ديوان المظالم، أما الجهات الخاصة كالبنوك وغيرها، فإن الديوان بهيئة قضائه الإداري لا يختص بنظر الدعاوى المتعلقة بها، وإنما تنظر الدوائر التجارية بقضاء الديوان ما يدخل في اختصاصها من تلك الدعاوى.

* ماذا عن القضايا التي تثار في وسائل الإعلام، وتأخذ منحى في الرأي العام، كقضايا خريجي كليات المعلمين، وخريجي المعاهد الصحية، والمطالبين بتحسين أوضاعهم في وظائف رسمية في جهات حكومية.. كيف تتعاملون معها؟

- يجب على القضاء ألا يتأثر بما ينشر في وسائل الإعلام، وينبغي في ذات الوقت على وسائل الإعلام، عدم نشر تفاصيل التحقيقات أو المحاكمات قبل أن يصدر حكم نهائي فيها، لأن ذلك يعدّ مخالفة لما نصت عليه المادة (9/7) من نظام المطبوعات والنشر، ولسنا هنا في سبيل المنع المطلق، أو الحجر على الصحافيين، لأن من حق الصحافة أن تقوم بنشر الأخبار المتعلقة بالدعاوى والقضايا على سبيل الأخبار، كالإخبار عن إقامة دعوى أو عقد جلسه أو صدور حكم أو إيراد النصوص النظامية الحاكمة لهذه الدعوى أو تلك، ولكن دون تعليق أو توجيه للرأي نحو وجهة معينة لصالح هذا أو ذاك من أطراف القضية لأنه لا يجوز أن تنتقل المرافعات من قاعات المحاكم إلى صفحات الصحف. وعلى الإعلامي الذي ينقل مثل هذه الأخبار أيا كان موقعه، أن يستشعر المسؤولية أمام الله، وأن يضع نفسه مكان القاضي من حيث الاستقلال والحياد في العرض، حتى لا يؤثر ما ينشره من تحليلات إلى ميل كفة الميزان مع أحد أطراف الدعوى على حساب الآخر.

* كيف ترى علاقة ديوان المظالم بالجهات التي يرتبط عمله معها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خصوصا: ديوان المراقبة العامة، وهيئة التحقيق والادعاء العام، والمباحث الإدارية؟

- ديوان المظام على مسافة واحدة من جميع الجهات الإدارية، ويرتبط بعلاقة جيدة مع تلك الجهات تتفق جميعها على خدمة المواطن والمقيم، وتحقيق العدل والأمن، والمحافظة على مكتسبات المجتمع.

* ماهي رؤيتكم في التعامل مع وسائل الإعلام؟.

- وسائل الإعلام هي من الطبيعي ذات تأثير، خصوصا أنها تعمل على التوضيح للعامة الإجراءات والإختصاصات، طبعا إذا فهم ما يتم الحديث عنه، وأنا أعتبر وسائل الإعلام معاونة للقضاء في إيصال العدالة للعامة.

* وكيف ترى التغيير الذي طرأ على تعامل المجلس الأعلى للقضاء مع الإعلام، كونك أحد أعضاء هذا المجلس؟.

- التغيير في تعامل المجلس الأعلى للقضاء مع وسائل الإعلام هذا بالتأكيد تغيير إيجابي، ويهدف من خلالها إلى السعي لمصلحة القضاء في البلاد، ويكفي أن الإعلام يتولى مهمة إعلام الناس بأن قضاياهم في أيدي أمينة.