التعديات على الأراضي تطال آلاف الكيلومترات داخل النطاق العمراني

تتسبب في تذبذب الأسعار.. والشورى يصدر لائحة لتنظيمها

حي بريمان من أشهر الأحياء العشوائية بشرق جدة (تصوير: غازي مهدي)
TT

كشفت مصادر في مجلس الشورى السعودي، ان المجلس سيصدر قريبا لائحة خاصة بالتعديات، تتعلق بالأراضي المستثمرة من دون صكوك، وقال المهندس محمد القويحص، رئيس لجنة المياه والخدمات والمرافق العامة بمجلس الشورى في حديث خاص لـ «الشرق الأوسط» إن المجلس سينتهي من اللائحة التي تسعى لإيجاد مظلة شاملة لحل مشكلة التعديات بشكل جذري مع انتهاء عطلة الصيف.

وأضاف القويحص بأن لائحة التعديات على الأراضي الحكومية التي يعمل عليها المجلس حاليا ستغطي كافة القضايا المتعلقة بالتعديات بهدف إصدار تشريع بهذا الخصوص. مشيرا إلى أن لجنة مختصة تدرس حاليا اللائحة وبنودها مع جهات معنية مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة العدل، والداخلية لإيجاد حلول لقضية الأراضي الحكومية وإزالة التعديات ووضع ضوابط في الاستحكامات المتعلقة بها، وستتضمن اللائحة بنودا خاصة بكيفية إزالة التعديات على الأراضي الحكومية وكيفية النظر في قضاياها ومستنداتها النظامية وإحالتها للقضاء، إلى جانب تجريم وتحديد مسؤولية الوسطاء العقاريين والمستثمرين المتورطين في بيع وتسويق أراض من هذا النوع.

وقال القويحص بأنه وبسبب التشعب في النظام وعدم وجود آلية واضحة ومظلة شاملة لهذا النوع من المشكلات، فإن المجلس قرر إصدار هذه اللائحة، مشددا على أن أي أرض لا يمتلكها أحد تعتبر ملكا للدولة وبشكل خاص لوزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانة التابعة لها في المنطقة، وهذه الأراضي داخل النطاق العمراني المحدد ويجري تحديثه كل خمس سنوات.

في حين أن جميع الأراضي التي ليس لها صكوك تابعة لها الأراضي البور التي ليس لها صكوك خارج النطاق العمراني تعود ملكيتها بحسب النظام لوزارة الزراعة ولها الحق في منحها لمستثمرين راغبين بإحيائها واستصلاحها، وفيما عدا هذا يتوقع أن يضع النظام واللائحة التنظيمية حدا للاستحكامات الخاصة بالأراضي من دون صكوك وبشكل خاص بعد صدور المرسوم الملكي الأخير بمنع إصدار الصكوك بالأحياء للأراضي داخل النطاق العمراني.

وأشار القويحص إلى أنه بعد صدور هذا المرسوم فإن أي أحياء لهذه الأراضي غير شرعي وتقوم الأمانات بإزالتها من خلال لجان متخصصة فيها تسمى لجان التعديات. إلا أن الإشكالية التي لازالت المحاكم تنظرها تكمن في الأراضي التي صدر لها صكوك عن طريق الاستحكامات ووجود أكثر من صك لنفس الأرض في بعض الأحيان، ونصح القويحص صغار المستثمرين والمطورين والوسطاء العقاريين بالابتعاد عن الدخول في مثل هذه الصفقات غير النظامية والتي لا يقتصر ضررها على البائع والمشتري فقط، ولكن تنعكس سلبا على أداء السوق العقارية بشكل عام.

المهندس سمير با صبرين، رئيس لجنة التعديات بأمانة محافظة مدينة جدة، بدوره أكد على أن التعدي على أراضي الحكومة من المشاكل التي تستنزف الاقتصاد الوطني، وتعمل على حرمان الكثير من المواطنين من الحصول على السكن والاستفادة من المشاريع التنموية لقلة الأراضي البيضاء التي يمكن تخطيطها وتوزيعها عليهم، وتزيد من انتشار العشوائيات التي تكلف الدولة مبالغ باهظة في محاولة إعادة تأهيلها، كما تؤدي إلى تكوين بؤر تساعد على زيادة أعداد المتخلفين وانتشار الجريمة.

وحول الآلية المتبعة الآن من قبل الأمانات للتعامل مع أراضي التعديات أكد أن الآلية المتبعة حاليا تنص على الوقوف في الموقع وإعطاء صاحبه إشعارا أول لمراجعة اللجنة وتقديم ما لديه من مستمسكات شرعية أو تصريحات نظامية، ثم إشعارا آخر، وبعد مرور 10 أيام يتم منحه إشعارا بالإزالة، وجميعها تعرض على أعضاء اللجنة المكونة من الرئيس وعضو من وزارة الزراعة، وآخر من المالية، وآخر من الأمانة، وآخر من الشرطة، ثم تبدأ الإزالة.

وقال با صبرين بأن هناك جزاءات رادعة لمن يقومون بالتعديات، حيث ينص النظام على أنه عند استيلاء البعض على أراض سكنية أو زراعية أو خلافه عن طريق غير مشروعة وبدعوى التملك ووضع اليد والإحياء وبموجب مبايعات ووثائق عادية أن يجازى مدعي التملك بغرامة لا تقل عن 10 آلاف ريال ولا تزيد عن 50 ألف ريال وبالسجن 15 يوما أو شهرا، أما أصحاب المعدات المتعاملين في هذه المواقع دون الحصول على رخصة من جهات الاختصاص فيعاقبون بالسجن مدة 15 يوما، ومصادرة الآلات لمدة شهر وتضاعف العقوبة عند ارتكاب المخالفة للمرة الثانية، وتصادر بشكل نهائي في المرة الثالثة.

وأرجع باصبرين نشاط التعامل في أراضي التعديات مؤخرا إلى ظهور متعاملين يقومون بالبيع في أيام الخميس والجمعة، أي عطلة الأسبوع وهم غالبا مكاتب عقارية غير مصرحة، وأحيانا يقومون بذلك من خلال أكشاك، مشيرا إلى أن عدم قانونيتهم هو ما يعيق ضبطهم فلو كان المكتب الذي يسوق لأراضي التعديات مصرحا ونظاميا لأمكن الكشف عنه بسهولة ومعاقبته، وقال «مع الأسف فإن الناس تتداول هذه الأراضي دون الاكتراث بمشروعية البيع كنوع من المقامرة والرغبة في الربح وهم يكلفون الدولة الكثير من النفقات ويضيعون الفرصة على العديد من المواطنين في الحصول على حقوقهم ومساكنهم الخاصة وأؤكد أن العديد منهم يمتلك مسكنه ويعمل في هذا النوع من الصفقات من باب المقامرة والبحث عن الربح السريع السهل غير النظامي».

من جانبه أكد خالد أسعد حسن جمجوم، رئيس اللجنة العقارية بغرفة التجارة والصناعة بجدة، على حجم الضرر الذي تلحقه الصفقات غير النظامية، لأراض خاضعة لاستحكامات أو تدار من قبل مستثمرين من غير صكوك على أسعار سوق العقار، محملا إياها مسؤولية التذبذب في أسعار السوق مؤخرا.

وقال جمجوم «هذا النوع من الصفقات يشجع المتعاملين بشكل غير نظامي، ويورط آخرين يتسبب جهلهم بخسارتهم المادية العالية. والإقبال عليها عائد لقاعدة اقتصادية بسيطة تقول بأنه كلما زادت المخاطرة زادت نسبة الربح هذه القاعدة الاقتصادية هي التي تشجع البعض على الدخول في مثل هذا النوع من الصفقات، وبالتالي فإن شراءهم لأراض من غير صكوك أو خاضعة للاحتكام بسعر زهيد توفر لهم ربحا كبيرا بعد محاولتهم الاستفادة من ثغرات في النظام».

وأضاف «المتعاملون مع هذا النوع من الصفقات العقارية عادة هم من الوسطاء العقاريين أصحاب الباع الطويل، والمطورين العقاريين، وهم يجنون أرباحا هائلة من المتاجرة بمثل هذه الأراضي من دون أدنى مسؤولية قانونية لأنهم في نهاية الأمر وسطاء لا يوجد أي قانون يجرمهم، في حين أن التأثير المباشر لمثل هذا النوع من التعاملات العقارية على سوق العقار مضر جدا خاصة في بلد مثل السعودية تعد الثقافة العقارية فيه غير متطورة كثيرا، وهي تسبب الارتفاع والانخفاض السريع وغير المبرر للأراضي المحيطة من دون وجه حق.

وقال جمجوم بأنه في جدة فقط فإن حجم الأراضي المستثمرة من غير صكوك أو الخاضعة للاستحكام في مدينة جدة يقدر بـ 30 إلى 35 مليون متر، المتداول منها حاليا نصف هذه المساحة تقريبا أي ما يعادل 13 إلى 15 مليون متر، منها 5 ملايين متر في منطقة عسفان. وعليه فإنه يلزم أن يكون هناك نظام صارم خال من الثغرات لحل هذه المشكلة، وقال «من الصعب وضع أنظمة صارمة بين يوم وليلة يجب أن يتم التعامل مع هذا النوع من المشاكل بحذر ووضع القيود التدريجية حتى لا تتأثر السوق بشكل سلبي».