تصحر العاصمة السعودية يضع العقاريين في قفص الاتهام

أمانة الرياض لـ «الشرق الأوسط»: المساحات الخضراء تبلغ 4 أمتار للفرد

مصلحة الأرصاد وحماية البيئة تؤكد أن التشجير مهم لخفض تكرار موجات الأتربة التي تتعرض لها العاصمة السعودية (أ.ف.ب)
TT

تبادل مسؤولون في الجهات التنفيذية ومهتمون بالشأن الزراعي، التهم حول مسؤولية تصحر العاصمة السعودية، في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم المسطحات الخضراء للفرد يصل إلى 4 أمتار فقط، في حين تقدر فيه الإحصائيات الدولية حاجة الأفراد من المسطحات الخضراء إلى 10 أمتار للشخص الواحد. واعترف المهندس عبد الرحمن الزنيدي وكيل أمين الخدمات لإدارة الحدائق وعمارة البيئة في أمانة منطقة الرياض لـ«الشرق الأوسط» بحقيقة انخفاض حجم المساحات الخضراء الموجودة في المنطقة.

وعزا ذلك لمعيقات تواجه إدارته لخصها في الامتداد الكبير لمنطقة الرياض والحاجة إلى اعتماد مبالغ مالية مضاعفة بالإضافة إلى قضية المياه، والتي تجاوزتها الأمانة في الوقت الحالي من خلال شبه اتفاق ما بينها ووزارة المياه من خلال شركة المياه الوطنية باستغلال مياه الصرف الصحي المعالجة.

وأفاد وكيل الخدمات في أمانة الرياض، بوجود محاولات حثيثة للسيطرة، وبحسب إمكاناتها المادية، لتوفير اكبر عدد ممكن من المسطحات الخضراء، مفيدا بإعداد الأمانة مخططا لبرنامج إنشاء 100 ساحة بلدية «حدائق» أنجز منها في الوقت الراهن 30 ساحة بلدية.

والى جانب هذه الخطوة أكد المهندس الزنيدي أن أمانة منطقة الرياض بدأت في إنشاء متنزهات كبيرة الأولى حملت اسم «حدائق الملك عبد الله» بالإضافة إلى «متنزه الأمير سلمان».

بدوره، حمل عبد الرحمن القحطاني مدير الإدارة الزراعية بالغرفة التجارية الصناعية في الرياض، العقاريين مسؤولية افتقار العاصمة للمساحات الخضراء وذلك بتردي التخطيط العمراني والذي أوكل بحسبه لغير المختصين أو المتمكنين من العقاريين لمعايير التصميم العمراني بعد أن غابت الاشتراطات والالتزامات المفروضة على ملاك الأراضي والمستثمرين.

ودعا القحطاني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة التركيز على النواحي الجمالية للمدينة باستغلال المساحات الموجودة حاليا من محطات الوقود والمدارس ومعارض السيارات بالإضافة إلى تطوير فكرة علمية تختص بالتروية. لكن عبد الرحمن الكنهل مساعد الأمين العام للشؤون الاقتصادية في مجلس الغرف السعودية، دافع ببسالة عن العقاريين وارتباطهم بسوء التخطيط العمراني للعاصمة السعودية، ومسؤولية كل ذلك عن التصحر، محملا غياب القوانين والأنظمة التي بدورها تؤمن المحافظة على البيئة، مسؤولية ذلك. ويقول الكنهل «الأمر بالنسبة للعقاري والمستثمر إنما يعود إلى مبدأ الربح والخسارة بغض النظر عن التشجير أو عدمه»، وأكد في السياق نفسه على غياب التخطيط العمراني المبني على أسس علمية وعملية، مشددا على ضرورة أن تولي المسألة الجمالية للمدينة اهتماما بالغا عقب أن أصبح حاجة ماسة. ودعا عضو مجلس الغرف السعودية، إلى ضرورة اعتماد مخالفات مالية لمن يخالف آلية اعتماد مساحات خضراء جمالية لكافة المستثمرين والعقاريين، وسن قوانين عملية بالإضافة إلى آلية لتطبيقها.

من جهته رفض عبد الرحمن الزنيدي وكيل أمين الخدمات في أمانة منطقة الرياض الاتهام بغياب الأنظمة وآلية تطبيقها، مؤكدا على وجود قوانين تفرض على العقاريين والمستثمرين ضرورة اقتطاع 33 في المائة من الأرض المستثمرة بغية تخصيص الشوارع والمساحات الخضراء، مشددا على وجود رقابة صارمة من قبل الأمانة لتحقيق ذلك. وشدد حسين القحطاني مدير الإعلام في مصلحة الأرصاد وحماية البيئة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أهمية التشجير وتوزيع المساحات الخضراء في أرجاء العاصمة السعودية في تلطيف الأجواء بمضاعفة نسبة الأوكسجين وخفض تكرر موجات الأتربة. ويأتي هذا الجدل حول تصحر العاصمة، في الوقت الذي فتحت المكاتب السياحية اذرعها لاحتضان النزوح الجماعي هربا من لهيب الصيف الحارق وموجات الأتربة والغبار المتكررة والتي لم تجد ما يوقف التفافها حول كافة حدود العاصمة، نتيجة انحسار المساحات الخضراء، الذي تدعمه كذلك ندرة الأمطار. في الوقت الذي وجد فيه الأطفال أيضا مناسبتهم السنوية للفرار من تصحر العاصمة إلى ملامسة معالم الطبيعة خارج البلاد وبأم العين بالتعرف على ما يسمى بالتصاق الأشجار ومشاهدة كائنات الصيف الحية بمختلف أحجامها وألوانها بغية مطابقتها لما تناولوه في مقررات مادة العلوم المدرسية وما اعتادوا مشاهدته في الأفلام الكرتونية الفرنسية كـ «هايدي» وغيره.

وربطت دراسات نشرت أخيرا في «المجلة الأميركية للطب الوقائي» بين صحة الأطفال النفسية والجسدية ووجود المساحات الخضراء إذ أكدت الدراسة على أن تردد الأطفال على الحدائق والمتنزهات الخضراء يحسن صحتهم الجسدية ويعزز قدراتهم العقلية. كما وأظهرت دراسات قام بها اختصاصيون في الطب النفسي البيئي، أن المساحة الخضراء مفيدة للطفل، وخصوصا لمن يعاني من مرض اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، وأكدت إحداها، أن القراءة وسط مكان عشبي في الخارج يحسِّن من عوارض المرض لدى الأطفال المصابين به. وبحسب دراسة تجريبية أجريت على 3000 مقيم في طوكيو، فقد أثبتت أن المشي في المساحات الخضراء يطيل العمر، كما وأكد باحثون يابانيون أن من يعيش بالقرب من الأراضي الزراعية والحقول الخضراء يتمتعون بصحة أفضل ممن يقيمون في الأبنية الإسمنتية. وأفادت دراسة حديثة بأن قضاء بعض الوقت في مزرعة مع الاعتناء بالأبقار والخيل أو حيوانات أخرى يساعد المرضى النفسيين على تخفيف قلقهم وزيادة ثقتهم في أنفسهم، وأوضحت «بنتي بيرجيت» الباحثة في الجامعة النرويجية لعلوم الحياة أن رعاية حيوانات المزرعة والتعامل معها له آثار إيجابية على المرضى النفسيين المصابين بأمراض خطيرة مختلفة.