قضايا المدن «العالقة» تفتح الطريق أمام الأرياف لاستعادة 70% من أبنائها المهاجرين

في مقدمتها غلاء المعيشة والتلوث البيئي والزحام وتدعمها السياحة الريفية

الحياة الصعبة وانعدام الفرص الوظيفية أجبرت السكان في عقود مضت على الهجرة إلى المدن (صورة خاصة من أرشيف عبد الرحمن الشاعر) وفي الاطار عبد العزيز بن الرقوش
TT

فتحت حزمة من القضايا «العالقة» التي تواجه سكان المدن الطريق أمام المناطق الريفية في السعودية لتستعيد سكانها الذين هاجروا وتقدر نسبتهم بحسب الدراسات بنحو 70 في المائة، وسط إجراءات رسمية بدأت بعض المناطق لاتخاذها لوضع خطط تكفل لهم وجود الخدمات والحياة الاجتماعية المناسبة التي تزيد من فرص عودتهم إلى ديارهم.

ويشكل غلاء المعيشة والتلوث البيئي والزحام ابرز تلك المشاكل التي يعيشها سكان المدن الكبرى بينما تختفي أو تتلاشي في المناطق الريفية بحسب الدكتور عبد الرزاق بن حمود الفقيه رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية.

ويقول الدكتور عبد الرزاق الفقية لـ«الشرق الأوسط»: «إن الدراسات تشير إلى ان الهجرة من الأرياف للمدن تتراوح ما بين 60 في المائة وحتى 70 في المائة، مضيفا «أن الأرياف في مقبل الأيام ستستقبل الهجرة العكسية التي ستكون بفضل الأمن الغذائي والصحي الذي يتهيأ في الأرياف، وإحياء دور الأرياف في المجتمع المحلي». مشيرا إلى «أن بعض الدول سعت إلى السياحة الريفية ونحن هنا لدينا السياحة ولكن هناك بعض جوانب النقص في الأرياف فمثلا محافظة المندق مدينة صحية عالمية تتمتع بكامل الوسائل المتاحة للسياحة إلا انها تعاني من النقص وتحتاج إلى تعزيز».

وتابع الدكتور الفقية «أن المدن الكبرى تعاني من الازدحام بالإضافة إلى توافر عدد من الجوانب التي تسهم في الهجرة العكسية إلى الأرياف خاصة إذا ما علمنا ان المدن تعاني من غلاء المعيشة وتلوث البيئة وهذه عوامل مساهمة في تنشيط الهجرة العكسية في ظل توفر سبل العيش في الأرياف». ويأتي ذلك في وقت يضع نحو 200 اكاديمي وخبير ومهتم ونحو 7 منظمات عالمية ايديهم عشية اليوم الاثنين في محافظة المندق شمال منطقة الباحة جنوب السعودية، على مشاكل الارياف ضمن ندوة التنمية الريفية التي تنطلق بحضور أمير منطقة الباحة الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز وتستمر لمدة 3 ايام.

وهنا يوضح عبد العزيز بن رقّوش محافظ المندق المشرف على الندوة ورئيس برنامج المدن الصحية بمحافظة المندق في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان هذه الندوة تمخضت فكرتها من مدينة الرياض حيث تبنى فكرة الندوة عدد من رجال الاعمال ورجال الفكر من ابناء منطقة الباحة الذين استشعروا اهمية المشاركة في البناء والتنمية لهذا الوطن الغالي فاقترحوا ان يكون لمدينة المندق كونها المدينة الصحية العالمية والتي تم اختيارها وفق معطيات مفهوم المدن الصحية.

واضاف بن الرقوش «ان التطلعات كبيرة والآمال معقودة في مثل هذه الندوة خاصة في بحث العوائق التي تواجه التنمية في مناطقنا الريفية». مشيرا إلى أن المناطق الريفية تنعم في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين ببنية اساسية جيدة ينقصها تظافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والمدنية للمساهمة في صناعة مستقبل باهر لهذا الوطن الغالي.

وأكد المشرف العام على الندوة أن أهالي الأرياف في السعودية يتطلعون إلى أن ينتج عن هذا اللقاء توصيات يكون لها مردود ايجابي في الرقي بما يقدم من خدمات ووسائل وطرق التنمية التي تسهم في الاستقرار وفك الاختناق الذي تعاني منه المدن الكبرى».

ويرى محافظ المندق ان مبررات الهجرة التي كانت موجودة سابقا زالت معتبرا ان منطقة الباحة على سبيل المثال كانت تفتقر للخدمات في كثير من الجوانب، أما الآن فالباحة كباقي مدن المملكة بها جامعة وبها كلية تخدم أبناء وبنات المنطقة.

واضاف «أيضا في الصحة لدينا مستشفى عام والعمل قائم على إنشاء مستشفى تخصصي والتعليم بكل مراحله متوفر ولا اظن ان هناك ما يبرر الهجرة إلى المدن فالمقومات الصحية والبيئية والاجتماعية متوفرة لدينا بل العكس اصبحت المدينة لدى البعض غير مرغوب فيها بسبب ما تعانيه بعض المدن من كثرة السكان وصخب المدينة وغلاء المعيشة بها لذا اصبحت الارياف في نظري ملجأ كثير من الأهالي فنحن في الإجازات الصيفية نستقبل كل أهالي المنطقة ولعلي لا أبالغ إن قلت ان الباحة في فترة الصيف تضاهي مدينة جدة والرياض من حيث عدد السكان وأيضا السياح».

وحول ما يمكن أن تقدمه هذه الندوة يؤكد عبد العزيز بن الرقوش لـ«الشرق الأوسط» «نحن نحاول من خلال هذه الندوة استشراف المستقبل ووضع لبنة تضاف إلى اللبنات التنموية السابقة في خارطة العطاء والبذل نحاول أن نبحث في مواطن القصور والعوائق التي تعترض طريق التنمية ونحاول دراستها والخروج بتوصيات تسهم في إحياء الدور الاجتماعي للريف المحلي حتى يقوم بدوره في توطين الهجرة من الريف إلى المدينة». وأضاف «نحن نتأمل ان يتكرر اللقاء وان تكون إحدى توصياته عقده مرات قادمة فكما تعلم ان هذا اللقاء يضم نخبة كبيرة من المختصين ولديه هيئة علمية هي من سيصدر التوصيات وسنتابع تلك التوصيات ونرفعها للجهات ذات الاختصاص كلٌ فيما يخصه».

واستطرد «نطمح ان يكون هناك مشاركة فاعلة لبقية الارياف في الوطن للنهوض والرقي بما يقدم في اجزاء مملكتنا فكما قلت نحن نستشعر دورنا كمواطنين ونأمل أن يكون لنا دور ايجابي في النهضة التي رسم معالمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله ولن نتوانى عن البذل والعطاء وهذا الدور الذي نقوم به أملاه علينا انتماؤنا لهذا الوطن وحبنا وتقديرنا لقادتنا وهذا أقل ما يمكن ان يقدمه مواطن عاش وتربى على ارض الحرمين».

من جهته اكد علي بن حسن الزهراني الامين العام للندوة في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان ندوة المناطق الريفية تأتي لمواكبة التنمية المستديمة في هذا الوطن وإيمانا منا بتبني القضايا ذات الأبعاد الاجتماعية والتي بدورها تسهم في تنشيط الحراك السكاني وتوطين الهجرة والأرياف على المدن الكبرى».

وأضاف الزهراني «اننا سعينا من خلال هذه الندوة إلى الاستفادة من هذه العقول مع إخواننا من بقية مناطق المملكة لنقل صورة واضحة عن الريف المحلي بكل تفاصيله وجزئياته ونحن نسعى من خلال هذه الندوة إلى تعزيز الجذب السياحي في الأرياف لما تتمتع به الأرياف وخاصة في المنطقة الجنوبية من عوامل تساعد في خلق فرص استثمارية جيدة».

وألمح الزهراني إلى ان امكانية استضافة هذا اللقاء والذي نأمل أن يستمر في دورات قادمة ليحقق الهدف المنشود منه في الخدمة الاجتماعية العامة. وبالعودة إلى البرفسور الدكتور عبد الرزاق بن حمود الفقيه رئيس اللجنة التحضيرية والتنظيمية اوضح «ان اللجنة التحضيرية لهذا اللقاء بدأت عقد اجتماعاتها منذ ما يقارب ثلاثة اشهر لرسم الاطر والاستراتيجيات والخطط لهذه الندوة وقد نتج عنها اختيار ما يقارب الخمسة عشر بحثا لعدد من الأكاديميين الذين لهم اهتمام بالتنمية الاجتماعية حتى يثروا هذا اللقاء بالبحوث والدراسات الاجتماعية».

من جهته اوضح الدكتور عبد العزيز بن عطية الزهراني رئيس اللجنة الإعلامية بالندوة وعضو اللجنة التحضيرية لـ«الشرق الأوسط» اهمية ودور الإعلام في هذه القضيه مؤكدا فاعلية الإعلام في تناول القضايا ذات الأبعاد الاجتماعية وصياغتها في قوالب تسهم في ايجاد تواصل وتفاعل بين المؤسسات الحكومية وشرائح المجتمع للرقي بما يقدم من خدمات وسبل التنمية في الأرياف المحلية وكرر الدعوة لوسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة لحضور هذا اللقاء.

وبين «انه تم دعوة عدد كبير من رجال الإعلام المرئي والمكتوب من صحافيين وكتاب من انحاء البلاد لبلورة الصورة التي نسعى من خلالها إلى تنمية ريفية مستديمة تهيئ بذلك فرصا متعددة في اريافنا التي هي في أمس الحاجة إلى الالتفات من وسائل الإعلام لنقل الوقائع واحتياجات التنمية التي نصبوا اليها لنشكل بذلك دورا ايجابيا نحو تنمية شاملة وبث وعي وثقافة التعايش مع الأنماط الاجتماعية في الأرياف».

ولأن الشيء بالشيء يذكر، وبحكم ان المحافظة التي تحتضن هذه الفعالية تواجه «حزمة» من المشاكل التي يجب حلها أو الوقوف عليها بشفافية بدءا بالخدمات وانتهاء بالترفيه فإن محافظ المندق الذي يعمل على قدم وساق لانجاح فكرة إحياء المناطق الريفية عاد ليرد لـ«الشرق الأوسط» على اتهامات حول افتقار محافظة المندق وهي المدينة الصحية العالمية إلى خدمات كثيرة ومقومات صحية وبيئية بقوله « أتفق معك وأختلف، اتفق في افتقار محافظة المندق لبعض وسائل الجذب السياحي كوجود فندق ووجود مركز ثقافي مع العلم ان أمير المنطقة يحرص في كل مناسبة على ان نسهم في دعوة رجال الأعمال وتشجيعهم وتذليل الصعاب امامهم حتى يتسنى لهم الاستثمار في محافظة المندق وباقي المحافظات، ونحن أيضا لدينا حرص على ذلك ولكن هناك تخوفا لدى رجال الأعمال من مسألة الخسارة والربح ومن خلالكم نجدد الدعوة لرجال الأعمال سواء من داخل منطقة الباحة أو من خارجها للاستثمار في محافظة المندق».

ودافع محافظ المندق عن افتقار المندق للخدمات الصحية مؤكدا «المندق عندما تم اختيارها مدينة صحية عالمية جاء ذلك بناء على مفهوم برنامج المدن الصحية فمن مواصفات المدينة الصحية على سبيل المثال انها تلبي الاحتياجات الاساسية لسكانها كما انها تعتز بتراثها التاريخي والثقافي وتحتفي به».

واستطرد «وتضم مجتمعا قويا يتكاتف ابناؤه ويؤازر بعضهم بعضا كما أنها تقوم في منظومة بيئية مضمونة الاستمرار كل هذا يدل دلالة واضحة على ان المندق لا يوجد بها عوائق صحية أو بيئية ونحن نشكر منظمة الصحة العالمية لهذا الاختيار الذي لم يأت من فراغ».

وفي جانب قضية المياه في المنطقة يعترف محافظ المندق بوجود ازمة مياه مؤكدا «نعم هناك قلة في الأمطار وهذا من عند رب العالمين لكن كلنا يعلم ان منطقة الباحة غنية بالمياه الجوفية ومع هذا فالمياه الآن في طريقها لتصل كل منزل في محافظة المندق ولدينا أكثر من محطة لتوزيع المياه وهناك خطة يتبعها محطتان أو أكثر في القريب العاجل، ومسألة شح المياه ربما أن هناك دراسات تشير إلى العجز الذي حدث في أكثر البلدان وهذه ليست مسألة مكانية لأن تقول إنها لدينا في المملكة أو في الباحة».

يشار إلى ان الندوة تنظمها محافظة المندق بمنطقة الباحة ضمن برنامج المدن الصحية العالمية الذي تحتل المندق المرتبة الثانية فيه على مستوى السعودية، وتتضمن الندوة 6 محاور هي أساليب وآليات تفعيل برامج الصحة والبيئة، وإبراز عناصر الجذب السياحي في المناطق الريفية، وإبراز الفرص الاستثمارية في المناطق الريفية، وسبل إحياء التراث وعلاقته بالبيئة والتنمية، ومعوقات التنمية، والحراك السكاني وعلاقته بالتنمية.