دعوة للاستفادة من تجارب ناجحة لتنمية الأرياف وتحويلها إلى مصدر غذائي وصناعي

استشهدوا بتجربة الرسول في تنمية المدينة المنورة بعد أن وصل إليها مهاجرا

دعوة للاستفادة من التجارب الناجحة لتنمية الأرياف («الشرق الأوسط»)
TT

دعا مشاركون في ختام ندوة «تنمية المناطق الريفية السعودية»، التي اختتمت أعمالها في الباحة إلى الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية «الناجحة» في تنمية الأرياف وتحويلها إلى مصدر للأمن الغذائي، ومكان لإنتاج المواد الخام الخاصة بالصناعة. وقال الدكتور عبد الرزاق الفقيه، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع وخدمة المجتمع في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الريف في أي بلد في العالم أهم مصدر لأمنه الغذائي، فالأرياف في العالم كله هي التي تنتج الغذاء، وتنتج الكثير من المواد الخام المستخدمة في الصناعة، ولقد بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا في منتصف القرن الثامن عشر معتمدة على النسيج، والنسيج يعتمد على القطن والصوف». وأضاف «أن هناك تجارب كثيرة في العالم للتنمية الريفية تستحق أن يعقد لها ندوة خاصة، تستعرض أهم تلك التجارب، وتركز على أكثرها قربا للتطبيق في المجتمع السعودي، فهناك تجارب عربية ناجحة في تنمية الريف في كل من مصر والجزائر وتونس ولبنان والسودان، ومثل ذلك يقال عن أوروبا، والأميركتين، ولكثرة التجارب العالمية في التنمية الريفية».

واستشهد الفقيه بتجربة الرسول صلى الله عليه وسلم في تنمية المدينة المنورة، واستلهام تلك التجربة النبوية الرائدة في تنمية الإنسان والمكان، عندما وصل إلى المدينة مهاجرا، فقد جعل المسجد محور الارتكاز، ومركز الانطلاق للتنمية في صورها المختلفة، مركزا على تغيير ما في أنفس الناس من أحقاد وثأر وأنانية، وأمراض اجتماعية مثل الخمور والزنا والظلم والعنصرية، والكذب وخيانة الأمانة، وغيرها من الأمراض الاجتماعية، وأرسى قواعد العدالة، والإخاء، والتعاون، والإيثار، وبعد بناء المسجد، قام صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكتابة صحيفة المدينة التي تعتبر من أقدم العقود الاجتماعية في التاريخ، وبين فيها حقوق وواجبات كل الفئات التي تعيش في المدينة، بمن فيهم اليهود الذين ضمن لهم أملاكهم ودور عبادتهم، وأوجب عليهم مثل غيرهم من السكان بالدفاع عنها، والمشاركة في محاربة من يحاربها ويعتدي عليها، ونظم الرسول قضايا الزراعة والتجارة والحرف، وحث على العمل والإنتاج، والسيرة مليئة بالدروس المفيدة في عمارة الأرض، ومحاربة البطالة والتسول، والاتكال على الخير.

وأوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع وخدمة المجتمع، أن الثورة الزراعية تعتبر من أهم الثورات في حياة البشرية، وأنها ساعدت على الانتقال من حياة التنقل والجمع والالتقاط والصيد إلى حياة الاستقرار، ومن ثم تفرغ البعض للزراعة بما يكفي حاجة الباقين، وتفرغ الباقون للمهن والحرف المختلفة مثل النسيج والحدادة، والنجارة، وطلب العلم، وغير ذلك من الأعمال والمهن، وبمرور الوقت تفرغ البعض للحرف والصناعات اليدوية المختلفة، وتكونت القرى الصغيرة، وأخذت في النمو، وكم من مدينة كبيرة بدأت قرية صغيرة، ثم نمت وترعرعت لأسباب مختلفة.

إلى ذلك ذهب وكيل وزارة الصحة السابق، الدكتور محمد علي زاهي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أحد أهم البرامج في المدن الصحية، هي تنمية الريف المحلي، بحيث إن الريف يبدأ في الاعتماد على ذاته ويحد من الهجرة، وجذب الناس من أبناء المناطق لمسقط رأسهم؛ ليستقروا بها متى ما توفرت الظروف الملائمة، ومتى ما تحققت عوامل الجذب في أي ريف سعودي بمساعدة أرباب الفكر والطرح في التنمية فإن النتيجة بالتأكيد ستكون«نعم» سنرجع إلى الريف، مضيفا أن البرامج الاستراتيجية التي تتبناها الدولة بقيادة ملك البلاد، الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي اهتم بشكل رئيسي بإيصال التنمية لجميع المناطق على حد سواء. وساق عناصر دلالية للتنمية المستدامة، مفادها الاقتصاد والبيئة والمجتمع، ففي الاقتصاد تتحقق المساواة، وفي المجتمع والبيئة تتحقق الحماية والتنمية، ومحصلة هذه العناصر هي الصحة، والإنسان هو محور التنمية، وبالتالي تستصلح الصحة محور التنمية، والجزء الآخر يكمن في أنه كلما اتسعت وتطابقت البيئة والمجتمع والاقتصاد، تطورت المجتمعات وأصبحت صحية أكثر، ثم أن الطريقة التقليدية التي نعيشها هي أن وزارة الصحة تعمل وحدها، والتعليم والبيئة والبلديات كلٌ على حدة، وبشكل متوازٍ والخطوط المتوازية لا يمكن أن تلتقي، والحل الأنجع أن يعمل الجميع كشركاء من أجل أن يتقاطعوا ويصبح العمل أكثر فاعلية وهذا ما تعمله برامج المدن الصحية في كثرة عملياته التطبيقية، ومن أبرزها أن المجتمع يستطيع تطبيق الخدمات البلدية، وبالتالي جاء موضوع المجالس البلدية على مستوى ضيق.

وأكد الدكتور سعود بن حسين، مدير تعليم الخرج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «عملية التنمية تهدف إلى محو الأمية، وتعميم التعليم والتدريب المهني، وتوفير إمكانات التثقيف الجماهيرية لجميع أفراد المجتمع، وضمان حق الأفراد في العمل والمشاركة في البناء، وضمان القضاء على البطالة، ورفع مستويات العمالة في جميع المناطق الريفية والحضرية، والنهوض بمستوى الصحة، والقضاء على الفقر والجوع ورفع مستويات المعيشة والتغذية وتوفير الأمن والقضاء على مسببات الجريمة وانحراف الأحداث، وتشجيع التوسع السريع في ميدان التصنيع، ومحاربة قوى التخلف والدجل والخزعبلات، والتصدي للفتن والقلاقل وتعبئة أفراد المجتمع لخوض معركة التنمية».

وأضاف، أنّ «التنمية المستدامة عملية مجتمعية يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات بشكل متناسق، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة، ومورد واحد، فمن دون المشاركة والحريات الأساسية لا يمكن تصوّر قبول المجتمع بالالتزام الوافي بأهداف التنمية وبأعبائها والتضحيات المطلوبة في سبيلها، أو تصوّر تمتعه بمكاسب التنمية ومنجزاتها إلى المدى المقبول، كما لا يمكن تصوّر قيام حالة من تكافؤ الفرص الحقيقي وتوّفر إمكانية الحراك الاجتماعي». وأشار مدير تعليم الخرج إلى أن «قضية التنمية تعتبر عامة، والتنمية الريفية خاصة من أهم القضايا، التي تشغل فكر علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والإدارة، ولا يقتصر الأمر على اهتمام الأكاديميين بهذه القضية، بل يشاركهم ذلك الاهتمام رجال الحكم وصناع القرار والتنفيذيون والمجتمع بكل فئاته، ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات منها، أن أغلب سكان العالم، خاصة في الدول النامية، يعيشون في الريف، فنجد على سبيل المثال أن متوسط نسبة سكان الريف في الوطن العربي باستثناء الكويت تبلغ نحو 60 الى85 في المائة من جملة السكان، في حين أن المسوحات الإحصائية التي أجريت في أفريقيا وآسيا أوضحت أن من 75 إلى 85 في المائة من السكان الريفيين يشتغلون بالزراعة، أما بقية السكان الريفيين فيمتهنون أعمالا أخرى، منها الصناعات الريفية والتجارة والنقل والخدمات، وأن نسبة المشتغلين بالزراعة من جملة عدد السكان الريفيين تبلغ ما بين 45 إلى 75 في المائة، خاصة في الدول العربية، بالإضافة لقصور أنماط التنمية المتبعة في كثير من دول العالم الثالث عن مواجهة متطلباتها من الأغذية، وتكوين رؤوس الأموال، وقصور الاستثمار في الموارد البشرية في الريف، وارتفاع معدلات الهجرة العالية من الريف إلى الحضر».

وتابع «كما أن هناك تفاوتا كبيرا في مستوى نصيب الفرد من الخدمات العامة وفي البيئة المعيشية بين سكان الريف وسكان الحضر بحسب الدراسة، وتدل التقديرات على أن نصيب الفرد من الخدمات العامة في الحضر يبلغ 4 إلى 6 مرات أكثر من نصيب الفرد في الريف، كما ورد في تقرير المركز الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة».

وأشار الزهراني إلى «ارتفاع نسبة الأمية بين الريفيين، فمثلا تبلغ نسبة الأمية في الوطن العربي أكثر من 72 في المائة من جملة عدد السكان، ومعظم هؤلاء الأميين من سكان الريف، وأعلى نسبة للفقراء في العالم تعيش في المناطق الريفية».