رئيس المحكمة العليا: جواز تحري الهلال عبر التلسكوبات قناعة قديمة.. وعلى القضاة ترشيد الإجراءات

الشيخ عبد الرحمن الكلية في أول حوار له لـ«الشرق الأوسط»: توجه لتوحيد الأحكام القضائية

الشيخ عبد الرحمن الكلية في مكتبه بالرياض («الشرق الأوسط»)
TT

تردد الشيخ عبد الرحمن الكليَة، رئيس المحكمة العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في محاكم القضاء العام في السعودية، كثيرا، قبل قبول دعوة «الشرق الأوسط» لإجراء مقابلة صحافية معه، في أول ظهور إعلامي له منذ أن تم تعيينه في هذا المنصب.

ويعتقد الشيخ الكليَة، الذي لم يكن يرغب بالتمديد له كرئيس لمحكمة التمييز بمكة المكرمة، رغبة بممارسة حياته الطبيعية والدعوة بالمسجد الحرام، يعتقد بأن منصب رئيس المحكمة العليا، يفرض عليه عدم الوجود على الساحة الإعلامية، كون أن المحكمة هي محكمة «تقرير المبادئ العامة في المسائل المتعلقة بالقضاء».

وكشف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، عن توجه المحكمة العليا، لتفعيل موضوع توحيد الأحكام القضائية، وهو الموضوع الذي قال إنه سيصار إلى تحقيقه ونشره «عندما تتوفر لها الإمكانات وأهمها المتخصصون في العلوم الشرعية والنظامية والبحثية، من قضاة وأكاديميين وغيرهم».

وللمحكمة العليا، كما يقول رئيسها الكليَة، «توحيد الاجتهاد في المسائل الاجتهادية، وتوحيد الرأي في المسائل الفقهية الخلافية»، معتبرا أن المحكمة «حامية للمبادئ والأحكام التي تقررت في النظام الأساسي للحكم، ووسيلة ضامنة لتحقيق ونشر العدل ورفع الظلم وإيصال الحق إلى ذويه».

ووجه رئيس المحكمة العليا، دعوة لقضاة بلاده، لـ«ترشيد إجراءات« التقاضي، والتسهيل قدر الإمكان والمستطاع على المتقاضين، في دعوة يبدو أنها تهدف لتقليص المدد الزمنية الطويلة التي ينظر فيها القضاء السعودي بالقضايا المنظورة أمامه.

ويعتبر الشيخ عبد الرحمن الكلية، أن أمر جواز ترائي الهلال بواسطة التليسكوبات هي قناعة قديمة، وليست وليدة البيانات التي أصدرتها المحكمة العليا بهذا الخصوص، مشددا على أنه يتعين العمل برؤية المراصد حتى لو لم ير الهلال بالعين المجردة، وهو ما اتفق عليه كبار العلماء في السعودية. وأشار إلى أن دعوة المحكمة العليا لاستخدام المناظير في مسألة التحري، جاءت لإزالة اللبس والفهم الخاطئ عن عدم جواز استخدامها. إلى نص الحوار..

* نود في البدء أن يعرفنا على طبيعة عمل المحكمة العليا في السعودية واختصاصاتها؟

- في البداية أود بعد حمد الله أن أضيف الفضل إلى أهله. فجميع ما تسمعون عنه من تنظيمات وترتيبات قضائية ومنها إنشاء المحكمة العليا، إنما هو بفضل الله تعالى ثم بفضل وجهود واهتمام خادم الحرمين الشريفين ـ وفقه الله-، الذي سعى ويسعى دائما إلى تطوير هذا المرفق العظيم ضمن اهتماماته ـ أيده الله. في كل ما من شأنه خدمة هذا الدين، وعز هذا الوطن، ورفاه مواطنيه. وهذا منهج سلكه مؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز ـ رحمه الله. وورثه من بعده أبناؤه. أما في ما يتعلق بالمحكمة العليا فستجد الكثير عنها في نظام القضاء الصادر بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم م/78 في 19-9-1428هـ. فبالرجوع إليه يجد الناظر فيه أنه اشتمل في مادته العاشرة على إنشاء محكمة عليا يكون مقرها مدينة الرياض، وقد خصص هذا النظام مواده من العاشرة حتى الرابعة عشرة للمحكمة العليا من حيث: تكوينها واختصاصاتها وتشكيل دوائرها وتأليفها وكيفية انعقادها. وما يتعلق بالهيئة العامة للمحكمة وبيان اختصاصاتها وتأليفها وطريقة انعقادها واتخاذ قراراتها.. إلى غير ذلك من الاختصاصات. فالمحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في محاكم القضاء العام، وتتولى بالإضافة إلى الاختصاصات المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية، مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها، في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام، وذلك في الاختصاصات الآتية: (1) مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، بالقتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دونها.

(2) مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، المتعلقة بقضايا لم ترِد في الفقرة السابقة أو بمسائل إنهائية ونحوها، وذلك دون أن تتناول وقائع القضايا، متى كان محل الاعتراض على الحكم ما يلي:

أ ـ مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها.

ب ـ صدور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلا سليما طبقا لما نص عليه في هذا النظام لنظام القضاء، وغيره من الأنظمة.

ج ـ صدور الحكم من محكمة أو دائرة غير مختصة.

د ـ الخطأ في تكييف الواقعة، أو وصفها وصفا غير سليم، وفضلا عن ذلك، فإن المحكمة العليا ـ من خلال هيئتها العامة ـ تختص بتقرير المبادئ العامة في المسائل المتعلقة بالقضاء فلها توحيد الاجتهاد في المسائل الاجتهادية، وتوحيد الرأي في المسائل الفقهية الخلافية، هذه أبرز اختصاصات المحكمة التي نص عليها النظام. كما أنني أود التأكيد على أن الآلية التنفيذية لنظام القضاء الصادرة مع النظام، قد قررت في فقرتها (2) من (ثانيا) أن المحكمة العليا تتولى بعد تسمية أعضائها اختصاصات الهيئة الدائمة في مجلس القضاء الأعلى ـ سابقا، وذلك إلى حين تعديل نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية. وهذا يعني أن المحكمة العليا لم تمارس بعد كافة اختصاصاتها المناطة بها وفقا لنظام القضاء، وهذا التدرج في تطبيق النظام أمر محمود فرضته المرحلة الانتقالية، وطبيعة الأنظمة والحاجة الماسة إلى توفير كل ما يلزم لتطبيق نظام القضاء، قبل تطبيقه، من وظائف قضائية وإدارية ومبان وتجهيزات وتقنية وغير ذلك. فالمحكمة العليا في الوقت الراهن تعمل على وفق اختصاص الهيئة الدائمة بالمجلس السابق، وليس على وفق النظام حسب نص الآلية.

* لم يكن هناك في السابق محكمة عليا. فما هي الجهة التي كانت تقوم مقامها؟

- صدر نظام القضاء القديم عام 1395هـ ونص في ترتيب المحاكم على تأسيس مجلس القضاء الأعلى وتأليفه من هيئتين: إحداهما الهيئة العامة، التي تختص بالنظر في الشؤون الوظيفية للقضاة، من تعيين وترقية ونقل وتأديب وخلافه. والثانية الهيئة الدائمة، التي تختص بمراجعة قضايا القتل والقطع والرجم والقصاص في النفس أو فيما دون النفس. وقد استمر المجلس يعمل بهيئتيه العامة والدائمة إلى أن صدر نظام القضاء الجديد عام 1428هـ فانتقلت بعض صلاحيات المجلس بهيئته العامة إلى المجلس الأعلى للقضاء، مع زيادة صلاحيات واختصاصات أخرى. وانتقلت صلاحيات المجلس بهيئته الدائمة إلى المحكمة العليا، مع زيادة صلاحيات واختصاصات أخرى. فالمحكمة العليا ـ بهذا المسمى ـ قد استحدثت أخيرا بموجب نظام القضاء الجديد الصادر عام 1428هـ وقد حلت محل الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى السابق، بمعنى أن الهيئة الدائمة بالمجلس السابق هي التي كانت تقوم مقام المحكمة العليا حاليا في بعض الاختصاصات. وزاد النظام الجديد للمحكمة العليا اختصاصات لم تكن ضمن عمل الهيئة الدائمة. وهذا التنظيم الجديد قد تقرر نظرا لما تشهده المملكة العربية السعودية من نمو وتطور في مختلف المجالات، نتج عنه تغير واضح في النمط الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين، مما أدى إلى تزايد كبير في الطلب على الخدمات القضائية، ونتيجة لتعدد المجالات المتعلقة بالقضايا وطبيعتها التي ارتبطت بتعقيدات العصر، فتطلب ذلك تنويع اختصاصات النظر في القضايا محل النزاع، مما أوجد حاجة ملحة إلى التوسع في خدمات الجهاز القضائي والرفع من كفاءة إدارته، ونشر مرافقه، لمواكبة المستجدات والتوافق مع مسيرة الإصلاح الإداري والتطورات والتغيرات التي تشهدها البلاد. ولم يرِد علينا ونحن نثني على هذه التطورات، أن من لازم ذلك، أن المرحلة السابقة كانت تسير وفق تنظيم قاصر ـ كلا ـ بل إن كل تنظيم يصلح في زمانه، والقضاء في تطور مستمر وسيظل سائرا من تطور إلى تطور وفق ما تمليه المصلحة، وبما لا يخالف الشرع. ولا يتسع المقام لشرح أحوال القضاء وأطواره منذ السنوات الأولى لتأسيس هذه الدولة المباركة، وإلا فإن الدولة قد عنيت ـ وفقها الله ـ عناية كبيرة بمرفق القضاء منذ نشأتها على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله-، فهيأت له كل السبل لإقامة العدل ورفع الظلم ونشر الأمن والاستقرار في ظل أحكام الشريعة الغراء، التي لم تترك شيئا إلا بينته وأوضحته، (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) فصار لهذه البلاد بفضل الله ثم بفضل تمسكها بالشريعة الإسلامية مكانة بين الدول، وأصبحت مضرب المثل في الأمن والاستقرار.

* المحكمة العليا بالسعودية، هي بمثابة المحاكم الدستورية حول العالم، ولها هنا اختصاص «مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها». في هذه الجزئية هل تلقيتم قضايا بهذا الخصوص منذ أن بدأتم عملكم؟

- قلت لك إن المحكمة العليا لا تزال تمارس صلاحيات الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى ـ سابقا ـ وفقا للآلية التنفيذية لنظام القضاء الصادرة مع النظام.

فهي لا تمارس اختصاصات جديدة حتى الآن، وستبقى على هذه الحال حتى تعديل نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية، ونفاذهما. وفيما يتعلق بالرقابة الدستورية، فمنذ تأسيس هذه الدولة المباركة وهي تتخذ من الشريعة منهاجا ودستورا لم تحِد عنه. ولذا نص النظام الأساسي للحكم وأوجب أن تكون جميع الأنظمة واللوائح ملتزمة بهذا المبدأ، قائمة على هذه القاعدة. والمنظم يحرص على تطبيقها والالتزام بها وعدم الخروج عنها، ودور المحكمة العليا هو مراقبة سلامة الأحكام الصادرة من المحاكم في القضاء العام على اختلاف درجاتها. فأي حكم يعرض عليها ويتبين مخالفته للشريعة الإسلامية يتم نقضه مهما كان مستنده. فهي حامية للمبادئ والأحكام التي تقررت في النظام الأساسي للحكم، ووسيلة ضامنة لتحقيق ونشر العدل ورفع الظلم وإيصال الحق إلى ذويه. أما عن تلقي المحكمة قضايا بهذه الخصوص (أي مخالفة للشريعة الإسلامية)، فلم تتلق المحكمة أي حكم مخالف للشريعة الإسلامية، وأستبعد حصول ذلك مستقبلا، لأن جميع الأنظمة واللوائح حسبما أعلمه واطلعت عليه، لا تخالف الشريعة الإسلامية، والقضاة ملتزمون بتطبيق الشريعة الإسلامية في قضائهم طاعة لله وتقربا إليه. ولأن الأنظمة التي يرجعون إليها تلزمهم بذلك.. فالقاضي يعلم أن أي حكم يصدر مخالفا للشريعة يعتبر باطلا. كما أن هناك جهات عليا تراقب أحكامه، فالدولة لا ترضى من واضع النظام ولا من مطبق النظام أن يخالف الشريعة الإسلامية، وكذلك المحكمة العليا التي أسند إليها مراقبة الأحكام ومدى مطابقتها للشريعة الإسلامية. فكل هذه الوسائل والضمانات تمنع وقوع مثل ذلك.

* وهل يعني كون المحكمة العليا ضامنة لتطبيق الدستور القائم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بأنها ستكون مخولة بالنظر في بعض القضايا التي يرى لها بأنها «قضايا سيادة»؟

- القضاء العام في المملكة العربية السعودية قد كفل له النظام التصدي لجميع القضايا إلا ما يستثنى بنظام، كالقضاء الإداري الذي أوكل إلى ديوان المظالم بموجب نظامه الحالي، ولم يرِد في النظام ما يدل على أن القضاء العام ممنوع من النظر في أي نوع من أنواع القضايا، سوى ما ذكرته من اختصاص ديوان المظالم إضافة إلى بعض اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي التي ستدخل في مظلة القضاء العام لاحقا. وتأكيدا لذلك فإن القضاء في المملكة ـ ولله الحمد ـ يستمد أحكامه من أحكام الشريعة الإسلامية التي لها السيادة على القضاء وعلى التشريع بما في ذلك النظام الأساسي للحكم الذي أكد هيمنة الشريعة الإسلامية عليه وعلى غيره من الأنظمة التي لا يجوز لها أن تخالف أحكام الشريعة الإسلامية. وبناء عليه فليس من المتصور ـ في القضاء العام ـ أن تمنع المحاكم من النظر في أي قضية من القضايا لغير دواعي الاختصاص النوعي الذي يقرَّره ولي الأمر في الأنظمة.

* ومن هي الجهات المخوَّل لها رفع قضايا أمام المحكمة العليا في الأمور التي يثبت مخالفتها للدستور والشرع؟

- قرر نظام القضاء. كما ذكرنا. وحدد اختصاصات هذه المحكمة ومجال عملها.

كما بيَّن مشروعا نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية طريقة الطعن في الأحكام بالنقض أمام المحكمة العليا، ومن ذلك ما قررته المادة الثالثة والتسعون بعد المائة من أن للمحكوم عليه الاعتراض بطلب النقض أمام المحكمة العليا على الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيَّدها محاكم الاستئناف..، وعلى هذا ووفقا لقواعد وإجراءات الترافع فيجوز لكل ذي مصلحة أن يطعن بالأحكام الصادرة ضده أمام هذه المحكمة. وليست هناك جهة أو جهات بعينها قد انحصر فيها الحق بالطعن في الأحكام التي يثبت مخالفتها للشرع.

* طبقا للترتيبات الجديدة فقد تسلمت المحكمة العليا ملف إثبات رؤية الهلال؟ - هذا صحيح. وكان ذلك بموجب الأمر السامي البرقي رقم 6605/ ب في 15/6/1430هـ. أي أننا لم نتسلم هذا الملف إلا منذ ما يزيد على شهرين. ولم نعلن عن طلب التحري حتى الآن إلا عن ثلاثة أشهر: رجب وشعبان ورمضان.

* حمل البيان الأخير دعوة لتحري الهلال عبر المناظير الفلكية لأول مرة. فهل جاء الأمر كاقتناع بشرعية هذه الطريقة، أم لحدوث أخطاء في عملية الرؤية خلال الأعوام الماضية؟

- لا. لم تحصل أخطاء في عملية الرؤية خلال الأعوام الماضية ـ ولله الحمد ـ فنحن مأمورون بأن نصوم لرؤية الهلال ونفطر لرؤيته، فإن لم نره فنكمل العدة، كما أننا مأمورون أن نصوم متى صام الناس ونفطر متى أفطر الناس. والقناعة بجواز التحري عبر المناظير الفلكية أو غيرها من التلسكوبات والمقربات والمكبرات هي قناعة قديمة ليست وليدة هذا الشهر. وقد أقرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية الاعتماد على الرؤية، كما رأت إنشاء مراصد فلكية يستعان بها عند تحري رؤية الهلال. وأصدرت الهيئة في ذلك قرارها رقم 108 في 2/11/1403هـ الذي نص في فقرته الثالثة على أن الهلال إذا رؤي بالمرصد رؤية حقيقة بواسطة المنظار، تعين العمل بهذه الرؤية ولو لم ير بالعين المجردة. كما استحسن القرار إنشاء مراصد متكاملة الأجهزة للاستفادة منها في جهات المملكة. وطلب تعميم مراصد متنقلة لتحري رؤية الهلال في الأماكن التي تكون مظنة رؤية الهلال. ثم صدرت لائحة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 143 في 22/8/1418هـ الذي أخذ في الاعتبار ما ورد في قرار هيئة كبار العلماء من الاعتماد على الرؤية، وأكد على مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بتأمين مراصد متنقلة ومناظير مكبرة في الأماكن التي لا تتوفر فيها مراصد ثابتة.

* ولماذا لم يكن هذا الأمر معمولا به في السابق، على الرغم من فتوى هيئة كبار العلماء بهذا الخصوص؟

- ليس صحيحا أن هذا لم يكن معمولا به في السابق، بل إن مجلس القضاء الأعلى السابق، منذ صدور قرار هيئة كبار العلماء الذي ذكرته في الجواب السابق، وهو يزوَّد مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بصورة مما يصدر عنه من إعلانات الترائي، أو البرقيات المحالة إلى المحاكم بهذا الخصوص، وينص في تلك الصور على ضرورة مشاركة المدينة بما لديها من مراصد في مسألة الرؤية. إلا أن المحكمة العليا، لما أدركت وقوع لبس لدى العامة، وعرفت أن الناس قد فهموا الموقف الشرعي والرسمي من الترائي بواسطة المناظير فهما خاطئا، وظنوا ان الترائي بهذه الواسطة غير صحيح. رأت المحكمة أن تضمن إعلانها عبارة تدل على خلاف هذا الفهم السائد ليزول اللبس، وقد كان ولله الحمد ذلك. وهذا كل ما في الأمر.

* من خلال تاريخكم الحافل في حقل القضاء، كيف تقيمون إجراءات التقاضي سابقا، مع ما هو عليه الحال اليوم. ومدى تأثير مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء على تسريع الإجراءات القضائية؟

- أنا ـ يا أخي ـ لا أرى أن لي تاريخا حافلا في القضاء. فأنا أحد الجنود المجندين لخدمة هذا الدين والوطن والمواطنين، وأرجو أن أؤدي عملي بما يرضي الله عني أولا: وبما يحقق المصلحة لهذا الوطن العزيز الغالي. وإجراءات التقاضي في السابق كانت تتسم بالبساطة التي تتناسب وذلك العصر، فالقاضي كان يحكم في بيته وفي طريقه إلى المسجد.. أما الآن فقد اختلفت الأوضاع وتطورت الوسائل، وزادت القضايا بزيادة عدد السكان وكثرة الأعمال التجارية وغيرها، فلا وجه للمقارنة بين الأمس واليوم. ومشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء، الذي نشأت به هذه المحكمة، هو حلقة من سلسلة أعمال ومشاريع هذا الملك المبارك. والهدف الأساس من هذا المشروع هو تطوير مرفق القضاء من جوانبه كافة بما يكفل تحقيق العدل وإقامة الشرع. والسرعة في الإجراءات القضائية مسؤولية الجميع، وإنني أدعو أصحاب الفضيلة القضاة ـ بهذه المناسبة ـ إلى بذل المزيد في استشعارهم هذه المسألة وأن يدركوا أهميتها بالنسبة للمتقاضين وأصحاب الحاجات، ويأخذوا بمبدأ (ترشيد الإجراءات) ويسهلوا حسب الإمكان والاستطاعة.

* تعمل هيئة علمية عليا في هذا الوقت على تدوين الأحكام القضائية، وتوحيدها في الوقائع المتشابهة. ما هي الانعكاسات الايجابية المتوقعة لمثل هذا العمل لناحية تحقيق العدل والشفافية في الأحكام التي يصدرها القضاء السعودي؟

- توحيد الأحكام القضائية أمر ليس بجديد في النظام القضائي السعودي. فمنذ السنوات الأولى لتأسيس مرفق القضاء في هذه البلاد صدرت التوجيهات للقضاة بالاستناد إلى بعض الكتب المعتمدة. وكذلك نص نظام القضاء الصادر عام 1395هـ ولائحته الصادر عام 1428هـ على تقرير المبادئ القضائية وتوحيد المسائل الاجتهادية، فضلا عما صدر حيال نشر الأحكام القضائية. وفيما يتعلق بالأحكام الجنائية فالعقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع: الحدود وهي عقوبات مقدرة شرعا مثل عقوبات السكر والزنا والسرقة والقذف والحرابة والردة. والثانية من العقوبات هي القصاص وهي أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه. والثالثة هي التعازير وبابها واسع، وقد صدر عدد كبير جدا من الأنظمة بتقدير العقوبات التعزيرية كنظام مكافحة الرشوة ونظام مكافحة التزوير ونظام مكافحة المخدرات ونظام الأسلحة والذخائر، وغيرها كثير. وسبق أن صدر عن هيئة كبار العلماء عدد من القرارات التي قررت عقوبات في مسائل بعينها كعقوبة الخطف والسطو والعقوبات المتعلقة بتهريب وترويج المخدرات. القصد أن تقرير المبادئ القضائية وتوحيدها بما يؤيده الدليل، دون التزام بمذهب من المذاهب الأربعة، وإرشاد القاضي إلى الحكم بها، فيه من الايجابيات الكثير إن شاء الله، من ناحية توحيد الاجتهاد القضائي وعدم تباين الأحكام في موضوع واحد. أما الشفافية فليس من المتصور أن يكون لدى عامة الناس، بسبب التدوين، زيادة علم بالأحكام الشرعية، إذ يحتاج فهمها وإدراك معانيها والمراد منها إلى أن يكون لدى الشخص إلمام بالفقه الإسلامي وأصوله، والأنظمة وصياغتها. وهذا ما لا يتوفر إلا لدى المتخصصين. وبمناسبة الحديث عن توحيد الأحكام القضائية، فإن المحكمة العليا بحكم اختصاصها بتقرير المبادئ العامة في المسائل المتعلقة بالقضاء، ستعمل على تفعيل ذلك وتسعى إلى تحقيقه ونشره عندما تتوفر لها الإمكانات وأهمها المتخصصون في العلوم الشرعية والنظامية والبحثية، من قضاة وأكاديميين وغيرهم. فالمحكمة في طور التأسيس وتحتاج إلى بعض الوقت، لاستكمال إنشاء بعض الإدارات المتعلقة بذلك.

* وأخيرا، ما هي حقيقة اعتزالكم القضاء لفترة من الزمن واعتكافكم في المسجد الحرام. وما هي الأسباب التي كانت تقف خلف الأمر؟

- هذا خبر نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» هدى الله القائمين عليها لكل خير وأنار بصيرتهم إلى الهدى وجعلهم منبر إصلاح وصلاح للدين والدنيا.. وللعلم فقد كنت رئيسا لمحكمة التمييز بمكة المكرمة منذ عام 1418هـ حتى بلوغي السن النظامية للتقاعد في 30/6/1429هـ. ولم أرغب بتمديد خدمتي أو التعاقد معي، أملا في ممارسة حياتي الطبيعية والتفرغ للمشاركة أكثر في الإفتاء والدعوة والإرشاد في المسجد الحرام بحكم أنني أحد المعينين في المسجد الحرام لهذه المهام منذ خمسة عشر عاما. ولما صدر الأمر الملكي بتعييني رئيسا للمحكمة العليا، فما كان مني إلا السمع والطاعة والاستجابة لهذا الأمر سائلا الله العلي القدير أن يكون فيه الخير والصلاح والنفع، وأن أكون عند حسن الظن، إن ربي سميع مجيب.

سيرة ذاتية للشيخ عبد الرحمن الكلية

* الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد الكلية، ولد في بلدة الشقة في القصيم، عام 1363هـ، وتخرج في كلية الشريعة عام 1386هـ، ثم حصل على درجة الماجستير في القضاء عام 1389هـ، ثم عين قاضيا بتاريخ 1/7/1386هـ في محكمة الضمان بالرياض. وعمل في القضاء بمحكمة المدينة المنورة من عام 1391هـ، حتى عام 1406هـ، ثم عين قاضي تمييز في محكمة التمييز بمكة المكرمة عام 1406هـ، واستمر عضوا ورئيس دائرة في المحكمة حتى 1/7/1418هـ.

وفي عام 1418هـ، عين رئيسا لمحكمة التمييز بمكة المكرمة، ثم في عام 1422هـ صدر الأمر السامي بتعيينه عضوا في الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة برئاسة الأمير الراحل عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رحمه الله.

وقد عمل في الدعوة والإفتاء والتدريس في الحرمين الشريفين خلال عمله القضائي في المدينة المنورة ومكة المكرمة.