الطائف تحسم دخول رمضان بالإعلان الرسمي والرصد الفلكي

المحكمة العليا انعقدت فيها قبل صدور البيان الرسمي.. وتلسكوب حديث أكد عدم «ولادة» الهلال

صورة خاصة بـ(«الشرق الأوسط») لفريق رصد هلال رمضان عشية الخميس الماضي على قمم جبال الهدا في الطائف ويبدو في الصورة الشيخ عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي («الشرق الأوسط»)
TT

عاشت محافظة الطائف (غرب السعودية) حدثين استثنائيين في تزامنهما ومواكبتهما لترقب العالم الإسلامي إعلان ولادة هلال شهر رمضان مساء أول من أمس (الخميس). اختلف الحدثان في الموقع واتفقا في الزمن والغاية.

أول هذين الموقعين كان قاعة الاجتماعات في المقر الصيفي للمحكمة العليا السعودية في المحافظة، حيث اجتمع أعضاء المحكمة لاستقبال التقارير الواردة من جميع المناطق عن رؤية الهلال لتحديد بداية شهر الصوم، بعد أن منحت هذه المحكمة مؤخراً حقاً حصرياً في إعلان إثبات رؤية الهلال وتحديد بدايات الشهور القمرية، خلفاً للهيئة الدائمة في مجلس القضاء الأعلى سابقا.ً أما الموقع الثاني فكان جبال الهدا المطلة على مكة المكرمة، والتي نصب عليها خبير فلكي تلسكوباً إلكترونياً حديثاً لرصد الهلال، في حضور علماء شرعيين ومجموعة من طلابهم، وذلك بعد أن دعت المحكمة العليا علنياً للمرة الأولى إلى استخدام المناظير في رؤية هلال شهر رمضان في هذا العام.

ومع غروب شمس الخميس، أكد نائب رئيس الجمعية الفلكية في جدة شرف السفياني لـ«الشرق الأوسط»، أنه تعذر رصد القمر بالتلسكوب نظراً لغروبه قبل غروب شمس (الخميس)، وهو ما يتفق مع نتائج الحسابات الفلكية.

وبعد نحو ساعتين من تأكيدات السفياني، خرج أعضاء المحكمة العليا من اجتماعهم الذي استمر أكثر من 3 ساعات حاسمين قرارهم بعد ترقب طويل، وتوارد أنباء من داخل القاعة عن أرجحية عدم رؤية الهلال وإكمال شهر شعبان عدته 30 يوماً، خصوصاً أن التقارير الأولية لم تفد برؤيته، وتحديداً في محافظة سدير (وسط السعودية)، التي تكررت فيها حالات إثبات رؤية الهلال خلال السنوات الماضية.

ورفع أعضاء اللجنة إعلاناً رسمياً في ختام الاجتماع بما توصلوا إليه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أبلغوه فيه بقرارهم الذي بثته جميع وسائل الإعلام بعد وقت وجيز نقلاً عن بيان صادر من الديوان الملكي السعودي، وجاء فيه أنه تأكد عدم رؤية هلال شهر رمضان المبارك، وأن يوم أمس الجمعة هو المكمل لشهر شعبان، وأن اليوم السبت هو أول أيام شهر رمضان.

وأوضح بسام عبد الله البسام، المشرف العام على مكتب رئيس المحكمة العليا الأمين العام للمحكمة لـ«الشرق الأوسط»، أن أعضاء المحكمة استقبلوا خلال الاجتماع عدداً كبيراً من التقارير الواردة من لجان رؤية الهلال المشكلة في جميع المناطق عبر أجهزة الفاكس، وجميعها تؤكد تعذر رؤية الهلال مساء الخميس، ما حسم موعد دخول الشهر الكريم اليوم السبت.

وأشار إلى أن اللجان المكلفة بالرؤية تضم في بعض المناطق ممثلين عن أجهزة الإمارة، وممثلين عن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومندوبين من المحاكم، فيما تضم في مجموعة أخرى من المناطق والمحافظات والمراكز ممثلين عن الإمارة أو جهاز المحافظة أو المركز، إضافة إلى مندوبين من المحاكم، وعدد من المعروفين بأنهم من ذوي النظر الحاد.

ميدانياً، خرجت أعمال الرصد الفلكي من جبال الهدا المطلة على أفق مدينة مكة المكرمة، بنتائج سلبية تمثلت في تعذر رؤية الهلال، في حضور الشيخ عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء المستشار في الديوان الملكي في السعودية.

وعن طبيعة أعمال الرصد، قال نائب رئيس الجمعية الفلكية في جدة «نصبنا جهاز تلسكوب حديث مرتبط بالأقمار الاصطناعية في أعلى جبال الهدا، وهذا الجهاز مدعوم ببرامج فلكية حديثة تعتمد فقط على إدراج إحداثيات موقع الرصد، ليتمكن من تحديد موقع أي جرم سماوي يتم اختياره، ما يسهل مهمة تحديد موقع الهلال أو أي جرم سماوي آخر في حال وجوده في السماء». مشيراً إلى أن البرامج الفلكية المستخدمة قادرة على تحديد مواعيد شروق وغروب الشمس وظهور الهلال بدقة شديدة.

وأضاف «في حال وجود الهلال في السماء يتجه إليه التلسكوب مباشرة، وفي حال عدم وجوده فإنه يحدد موعد ولادته في اليوم التالي»، مشيرا إلى أن ما حصل مساء الخميس الماضي هو تعذر رؤية الهلال بالعين المجردة أو التلسكوب على الإطلاق، ما يؤكد صحة الحسابات الفلكية لولادة الهلال. وفي المقابل، أكد الأمين العام للمحكمة العليا أن اعتماد استخدام المراصد والمقربات والتلسكوبات في تحديد رؤية الأهلة ليس جديداً كما قد يعتقد البعض، مشيراً إلى صدور القرار 108 لهيئة كبار العلماء السعودية في عام 1983، الذي شدد على أن الرؤية المعتمدة هي الرؤية بالعين المجردة، مع عدم الممانعة في استخدام المراصد وإثبات الرؤية من خلالها، وأن إثبات الرؤية بالمرصد يغني عن الرؤية بالعين المجردة في حال حصولها، وهو ما أكدت عليه لائحة تحري الهلال التي أقرها مجلس الوزراء السعودي في عام 1998.

ولفت البسام إلى أن الجديد في جانب استخدام التقنيات الحديثة، يكمن فقط في إدراج إمكانية الرؤية بالمناظير للمرة الأولى في بيان رسمي صادر من المحكمة يدعو لتحري رؤية الهلال، باعتباره أحد وسائل إثبات دخول شهر رمضان، موضحاً أن المحكمة العليا بدأت مباشرة في تحري رؤية الأهلة العام الحالي، وتحديداً في إثبات دخول شهري رجب وشعبان، إضافة إلى شهر رمضان، بعد أن أسند المقام السامي إليها هذه المهمة إثر تشكيل المحكمة رسمياً في14 فبراير (شباط) 2009.

وحول آليات إثبات الرؤية بالعين المجردة، أوضح الأمين العام للمحكمة العليا وجود معايير متبعة لاعتماد الشهادة برؤية الهلال، إذ يخضع كل من يتقدم بشهادته إلى استجواب دقيق من القاضي العامل في أقرب محكمة، ويتناول الاستجواب شكل الهلال واتجاهه، واتجاه قرنيه، وموقعه في الأفق، وكم مكث في السماء بعد غروب الشمس، وبناء عليه يتم تقويم صحة الشهادة، قبل أن يثبتها القاضي ويرفعها إلى المحكمة العليا.

أما نائب رئيس الجمعية الفلكية في جدة، فأشار إلى أن إمكان رؤية الهلال بالعين المجردة تختلف من شهر إلى آخر، مشدداً على صعوبة هذا النوع من الرؤية في أحيان كثيرة، نتيجة قرب الهلال من قرص الشمس، كما أن إضاءته لا تتعدى 1 في المائة فقط إن لم تكن أقل، مع أنه يظهر في بعض الشهور بدرجة كافية بعد الغروب، وتكون إضاءة سطحه معقولة.

وحول تباين إعلان دخول شهور الصوم في الدول العربية والإسلامية، أرجع السفياني السبب إلى اختلاف معايير إثبات رؤية الهلال، إذ تشترط بعض الدول ارتفاع الهلال 8 درجات في الأفق، فيما تشترط دول أخرى ارتفاعه 10 درجات، وتلتزم مجموعة ثالثة بتحديد درجات ارتفاع أعلى أو أقل، أما الدول الأخرى فتكتفي بمجرد حدوث الاقتران وولادة الهلال فقط دون اشتراط لدرجة ارتفاعه، لافتاً إلى تشديد البعض على الاكتفاء بالرؤية بالعين المجردة كشرط لإثبات دخول الشهر.

وشدد على أن الدول التي تشترك في ليل واحد تشترك في رؤية الهلال، مستدركاً بأن رؤيته تكون أكثر وضوحاً كلما اتجهنا أكثر إلى الجنوب، مؤكداً أن الاختلاف في الرؤية بين الدول القريبة من بعضها محدود جداً.

وعن رؤيته للحلول الممكنة لإنهاء الخلاف في إثبات رؤية الهلال وإثبات دخول الأشهر القمرية، قال نائب رئيس الجمعية الفلكية في جدة «اقترح الالتزام بشرطين أساسيين هما: حدوث الاقتران قبل غروب الشمس، وغروب الهلال بعد غروب الشمس». موضحاً أن هذين المعيارين هما المطبقان في تحديد دخول الأشهر حسب تقويم أم القرى.

وفي ما يتعلق بمعارضة استخدام الحساب الفلكي، نوه السفياني إلى أن حجة المعارضين تتمثل في الإشارة إلى أن «الحسابات الفلكية ظنية وغير دقيقة، وأنها قادمة من الغرب، والغرب لا يريد الخير للمسلمين ـ بحسب اعتقادهم». مؤكداً أن جميع هذه الحجج واهية وغير منطقية.

ولفت في الوقت نفسه إلى أن التزام المعارضين أنفسهم طوال السنة بتقويم أم القرى القائم على الحساب الفلكي، والتزامهم بشعائر الصلاة بحسب مواقيته، يعتبر حجة عليهم، إذ إن مجرد رفضهم لهذا الحساب بشكل كامل يستدعي إعادة النظر في أدائهم لجميع تلك الشعائر. وقال السفياني: «إن الذين يعترضون على الحساب الفلكي لم يطبقوه على أرض الواقع ولم يخضعوه للتجربة، وإنما ينتقدونه جزافاً من دون بينة، كما أنهم غير متخصصين في هذا المجال حتى يقولوا رأيهم فيه».