خبراء نفسيون يحذرون من الآثار السلبية لزيارات التبرع والعطف لـ«ذوي الظروف الخاصة»

تقود لمفاهيم خاطئة عند اندماجهم في المجتمع

خبراء نفسيون يحذرون من آثار زيارات العطف على ذوي الظروف الخاصة
TT

حذر خبراء في مجال الصحة النفسية من الآثار السلبية التي قد تتركها زيارة بعض المسؤولين أو المتطوعين والمتبرعين لدور الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية، التي تضم ذوي الظروف الخاصة، كونها ترسخ مفاهيم خاطئة تضر بمستقبلهم عند اندماجهم مع المجتمع.

واعتبر الخبراء أن الزيارات تجعل هذه الفئة تشعر بأنها محل عطف وشفقة من المجتمع، خاصة عند إصرار الزوار على حمل التبرعات والهدايا المباشرة للنزلاء، مشيرين إلى أن إحدى الجمعيات في مدينة جدة ـ غرب السعودية ـ استقبلت في العام الماضي وحده نحو 60 زيارة من هذا النوع، قام بها مسؤولون وعائلات وشركات ومدارس وأفراد وجامعات بقصد التبرع وتوزيع الهدايا والقيام بأنشطة وبرامج توعوية.

وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أمل الخليفة الاختصاصية النفسية، وعضو منظمة العفو الدولية واليونيسيف، على ضرورة أن يكون هدف الزيارة هو دافع المسؤولية الاجتماعية تجاه الوطن والأفراد، كما أن من الضروري أن يتفهم الزائرون أن هذه فئة ليست بحاجة لدعم مادي، بقدر حاجتها للدعم المعنوي والنفسي، وأضافت «هذه الفئة حساسة جداً ومن الممكن ـ من دون قصد ـ أن تترك الزيارات آثارا سلبية في نفوسهم في حال شعورهم أن القصد من الزيارة هو الشفقة والعطف عليهم».

وتقول إحدى الاختصاصيات العاملات في دار الرعاية الاجتماعية (فضلت عدم ذكر اسمها)، إن ما تحاول دار الحضانة الاجتماعية والجمعيات الخيرية إصلاحه وعلاجه من الناحية النفسية والسلوكية لهذه الفئة، يقوم بعض أفراد المجتمع بتصرفاتهم ـ غير المقصودة ـ بإفساده.

وزادت بقولها «دائما ما تكتظ دور الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية بالزائرين الخيرين بغرض التبرع وأخذ الأجر والثواب، ومنهم من يقوم بالزيارة بقصد تسلية هؤلاء الأطفال والقيام بأنشطة ترفيهية لهم، وغالباً ما تكون هذه الزيارات بغرض التبرع، لكن هذا يؤثر سلباً في سلوكياتهم، خاصة الأطفال من هذه الشريحة، حيث يصر المتبرعون على إعطائهم التبرعات بشكل مباشر، مما يغرس فيهم صفات سيئة تجعلهم يمدون أياديهم لكل الناس، إضافة إلى ما تتركه نظرات العطف والعبارات التي يتلفظون بها من آثار سلبية في نفوسهم».

وأوضحت نسرين الإدريسي، مديرة الجمعية النسوية بجدة، أنهم دائما يعتذرون عن الزيارات غير الهادفة لما لها من تأثير سلبي على هذه الفئة، واستطردت «لكن نحن نرحب بالزيارات الهادفة والإيجابية التي تكون بتنسيق مسبق بين الدار والزائرين، لأن دار الحضانة الاجتماعية تعتبر منزلا لهذه الفئة، لها خصوصيتها ويجب أن تحترم، فنحن لا نستقبل أي زائر من دون ترتيب أو موعد».

وأضافت الإدريسي أن هذه الزيارات مهمة جداً لو كانت بهدف أو دافع آخر غير الشفقة أو العطف، لأن هذا سيكون له أثر سلبي عليهم، فذوو الظروف الخاصة، فئة شديدة الحساسية ولا تحب أن ترى هذه النظرات أو تسمع كلمات العطف والشفقة التي ـ باتت تتفهمها ـ لأنها تسبب لديهم إحباطا وتؤثر في نفسيتهم.

وقالت الإدريسي «هدفنا من هذه الزيارات هو اختلاط أبنائنا بالمجتمع، ونحن في الجمعية عبارة عن كتاب مفتوح أمام الزائرين، فغالبا ما نسمع عن جمعيات أو دور أخرى يقال إن أبناءها مضطهدون، وان هناك مشاكل، ويجب أن تكون هذه الفئة في مجتمع مغلق، لكن هذا خطأ، بل بالعكس، فدورنا وجمعياتنا مفتوحة وأبناؤنا لديهم القدرة على الاختلاط بالمجتمع، كما نرحب بالجميع، لكن وفق أهداف وضوابط معينة». وتؤيدها الرأي الاختصاصية النفسية بجامعة الملك عبد العزيز، أمل البلوي، أنه من غير الإيجابي أن تشعر هذه الشريحة بأنها محل صدقة وإحسان من قبل المجتمع، فهذا سينعكس سلباً على نفسية هذه الشريحة وبالتالي على تعاملها مع المجتمع.

وتؤكد الخليفة على أهمية الزيارة، لكن ليس بدافع الشفقة والتبرع، بل لدوافع نفسية واجتماعية.

وبالرجوع إلى الدكتور علي الحناكي، مدير عام الشؤون الاجتماعية بجدة، فقد أوضح بدوره أهمية هذه الزيارات، بقوله «الزيارات تتم وفق برنامج تضعه الجمعية أو الدار»، مضيفاً أن الجميع يطمح في النهاية لأخذ الأجر والثواب من خلال زيارة هذه الشريحة والتبرع لها ومحاولة إدماجها في المجتمع.

وبين الحناكي أن أكثر أبناء هذه الشريحة، الذين تتراوح أعمارهم من 20 إلى 25 سنة، هم بأمس الحاجة إلى مثل هذه البرامج لتعزيز الثقة بالنفس وتغيير نظرتهم للحياة إلى نظرة متفائلة تستطيع أن تتعامل مع المجتمع بضبط النفس.

وأضاف الحناكي، أن الجمعيات الخيرية جميعها، ابتداء من دار الحضانة الاجتماعية، إلى دور ذوي الظروف الخاصة بمنطقة مكة المكرمة، تأوي أكثر من 2000 طفل، وهناك زيادة في العدد والبعض موجود عند عائلات وتتلقى هذه العائلات مبلغا في حدود 3000 ريال، وأحيانا 5000 ريال عن كل طفل مقابل رعايته، والجمعيات الخيرية ودار الأيتام بمكة تقوم ـ مشكورة ـ برعاية أعداد كبيرة تقدر بالمئات من هذه الشريحة، وكذلك جمعية البر بجدة.