إذاعة طامي: أخبارها تبدأ بـ«يقرأها أنا».. وإعلاناتها مفقودات صكوك وأبقار وأغنام

بثت من العاصمة السعودية قبل نصف قرن وصوتها وصل إلى العراق والأردن وسورية

مسرح الإذاعة في جدة في صورة منذ 52 عاما
TT

أعاد الإجراء الذي اتخذته وزارة الثقافة والإعلام السعودية بخصوص استقبال طلبات الراغبين بالحصول على تراخيص بث إذاعي على موجات FM في السعودية، من خلال منح عدد من الرخص على مستوى البلاد لا تتجاوز 6 رخص، اعتباراً من التاسع والعشرين من شهر أغسطس (أب) الماضي، إلى الأذهان البدايات الصعبة للبث الإذاعي في السعودية في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية بالغة الصعوبة، علماً أن البلاد عرفت أول بث إذاعي قبل 62 عاماً عندما انطلق البث من مكة المكرمة في التاسع من شهر ذي الحجة 1368هـ الموافق الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 1949، حيث وافق ذلك يوم الوقوف بعرفه.

وبذلت محاولات من قبل أفراد لإنشاء إذاعات خاصة، بعضها كتب لها النجاح وبعضها لم تستطع الصمود بسبب ضعف الإمكانات أو أمور فنية أخرى، لكن يظل عبد الله بن سليمان العويد المعروف بـ«طامي» أول سعودي أنشأ إذاعة في المنطقة الوسطى من البلاد، وبالتحديد في عاصمتها الرياض، وعرفت باسم الإذاعة الوطنية، واشتهرت باسم «إذاعة طامي»، وسجل تاريخ إنشائها قبل 50 عاما، وحققت في وقتها شهرة كبيرة، حيث سحبت البساط من الإذاعة الرسمية في جدة ومن الإذاعات الأخرى التي كانت تبث من دول مجاورة أو بعيدة، وبعضها بث أخباراً ومعلومات ملفقة عن السعودية وبعيدة عن الواقع، كما أن «إذاعة طامي» تبنت عدداً من الفنانين والممثلين، وخصصت ساعات لبث أسماء الناجحين في مدارس الرياض، إضافة إلى نقل مباريات كرة القدم بين الفرق السعودية التي كانت تجرى في ملاعب الرياض.

وسجل العويد حضوراً في مجالات أخرى، حيث اخترع كرسياً خاصاً للملك عبد العزيز نال به إعجاب الملك المؤسس، ومنح مخترعه مبلغاً مجزياً في وقته، كما كان لطامي إسهامات في ترتيب إذاعات داخلية ببعض مقرات الإمارات ودوائر الشرطة وفي مواسم الحج، وقد عجلت إذاعته بافتتاح إذاعة الرياض، وهي الإذاعة الرسمية الثانية بعد إذاعة جدة، كما لمع اسم طامي عند بعض الشبكات العالمية، حيث فاوضته قبل عدة عقود شركة فيليبس الهولندية من خلال وكيلها في الرياض لشراء براءة اختراع له بهدف تطويره وتصنيعه وتسويقه، والمتمثل في جهاز «الراديو فون» أو ما يسمى الآن بـ«الإنتركوم».

حظي العويد أو طامي بتكريم الملك المؤسس والملك سعود والأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، كما كرم من قبل مهرجان بريدة الترويحي، حيث مسقط رأس طامي الذي وصف بالرجل الذي سبق عصره، في حين يطمح محبوه أن يكرم بعد مضي عقد على رحيله.

واتضح من الكتابات التي تناولت سيرة طامي بعد رحيله أن المعلومات المتعلقة به ليست موثقة ولم تسجل في كتاب يؤثر عنه ويحكي تجربته وحضوره اللافت، في حين جرت محاولات من أقارب الراحل تسجل تاريخه وسيرته منذ أن سافر مع العقيلات إلى الشام حتى وفاته في الرياض قبل تسع سنوات، حيث نجح سليمان بن إبراهيم الطامي في حفظ نشاط عمه، حيث المح في حديث صحافي نشر قبل خمس سنوات إلى أن عمه عبد الله بن سليمان بن عويد الطامي.. ولد سنة (1341هـ) في مدينة بريدة ونشأ، أول حياته، فيها ثم سافر إلى الرياض لطلب الرزق مع إخوانه.. درس في الكتاتيب ويجيد اللغة الإنجليزية.. حارب مع الجيش السوري ضد فرنسا وعاش في سورية جزءاً من حياته.. عرف بأنه أول من أنشأ إذاعة في المنطقة الوسطى قبل نصف قرن وكانت خاصة عرفت باسم «إذاعة طامي» يصل بثها إلى الأردن والعراق وسورية.. وله مخترعات عدة.. كان حريصاً على تتبع المخترعات وتطويرها في وقت كان التعليم في السعودية في بداياته.. ولم تكن ثمة وسائل تساعده، توفي قبل تسع سنوات بعد معاناة مع المرض وله من الأبناء والبنات ثمانية.. وتقديراً لجهده تم تكريمه ضمن آخرين من رجال بريدة في مهرجان بريدة الترويحي، مضيفاً أن عمه اخترع الراديوفون (استمع وتكلم).. «فالمعروف أن الراديو للسماع فقط أما عمي فقد جعل منه سماعاً وكلاماً وهو ما يسمى الآن «الإنتركوم» وبعد اختراعه له بفترة قصيرة عرضت عليه شركة فيلبس الهولندية ممثلة بوكيلها شراء براءة الاختراع لتطويره وتصنيعه وتسويقه، لكن عمي رفض هذا لخوفه أن يؤخذ اختراعه ولا يستفيد، حيث لم يكن يعرف في ذلك الوقت حماية براءة الاختراع.. وقد اخترع منه أكثر من جهاز استخدمت في ذلك الوقت ومنها في المدارس بين المدير والمعلم في فصله، حيث المدير يسمع ما يجري في الفصل ويناقش المعلم والطلبة وهو في غرفة الإدارة».

كما قام أيضاً بتأسيس الإذاعة الوطنية وسميت باسم «إذاعة طامي» كانت موجودة في الرياض واشتغلت سنة (1380هـ) وكانت أول إذاعة وطنية، وتذيع أخباراً وأحاديث الشيخ عبد العزيز بن باز، كما كان يذيع إعلانات ومفقودات وصكوك ونتائج الطلاب وغيرها.

وكانت الإذاعة تبدأ بثها بعد صلاة العشاء لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً حسب البرامج وتوفر المادة.. وكان هو المذيع يجلس أمام المايكروفون لوحده في غرفة داخل بيته ولا يخرج أبداً طوال فترة عمله، لأنه كان يتحدث للمستمعين على الهواء مباشرة.. والوسائل المستخدمة جهاز بث واحد. ويقول سليمان الطامي «إن عمي ذهب إلى الملك سعود (رحمه الله) ليأخذ الإذن في البث الإذاعي فأذن له وأمر بتجهيز ما يحتاجه وبدأ بالبث.. كما كان للأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض دور في مساعدته، وحينما نشأت (إذاعة طامي) توجه الناس لها لأنها إذاعة محلية وبرامجها من الوطن.. وقد أطلق اسم (طامي) على الإذاعة الأمير نايف بن عبد العزيز».

ويضيف سليمان الطامي «ظلت الإذاعة سنتين تذاع من منزل عمي ثم توقفت بعد افتتاح إذاعة الرياض.. وأذكر أنه خلال فترة عملها أذاعت أول مباراة من ملعب الصايغ بصوت محمد رمضان فسجلت عصراً وأذيعت مساء.. وكان عمي يستمع للإذاعة كثيراً.. واستفاد منها بأن تعلم اللغة الإنجليزية فكان يستمع للإذاعات الأجنبية ويفهمها ويترجمها».

وتابع «بعد ذلك توقفت وظلت تعمل في موسم الحج فقط في مكة، إذ يذيع الإرشادات ويبلغ عن التائهين.. وظل فترة زادت عن العشر سنوات. وبعد توقفه فتح له الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران باب الوظيفة في الوزارة وعمل فيها حتى تقاعد».

وحول اختراعاته الأخرى قال الطامي: «أنجز عمي كرسياً للملك عبد العزيز (يرحمه الله) وهو كرسي يطوى وقد أعجب الملك عبد العزيز فمنحه ألفي ريال وكانت لها قيمتها في ذلك الوقت كما أن القيمة الأكبر أنه خدم المؤسس بهذا الاختراع. ومن مخترعاته كذلك أن جعل المروحة الأرضية تدور دورة كاملة.. وكان يطمح في مواصلة اختراعاته، لكنه مرض في نهاية حياته وكان يجد تشجيعاً من الدولة ومن الناس.. وكان يحظى باهتمام بالغ من الجميع ويكافأ من قبل الملوك وبالذات من الملك سعود ومن الأمراء وظل محل حفاوة الجميع حتى توفي.. وكان أثناء مرضه محل عناية المسؤولين».

وأشار محمد بن فهد البهلال، الذي أجرى لقاءً صحافياً قبل 11 عاماً مع الإذاعي عبد الله العويد صاحب «إذاعة طامي»، إلى أن طامي وجد في بداياته العديد من العوائق ومع ذلك لم يستسلم، حيث ثابر وسعى كثيراً لصد الحملات التي كانت تشن على المملكة خلال تلك الفترة من بعض المحطات الخارجية.. بإنشاء إذاعته في أحد أحياء الرياض. يقول «استغل وجود شجرة كبيرة إلى جوار الشقة التي اتخذها مقراً لإذاعته ووضع سلك الإرسال عليها. ووجد دعماً من مجلس الوزراء حينها بمبلغ عشرين ألف ريال. استغلها في استئجار شقة والبحث عن مرسلات. البساطة والعفوية كانت سمة تتميز وتشتهر بها «إذاعة طامي»، حيث يقول كان الناس يزودونني بما فقدوه لأذيعه، منهم من يفقد حقيبته والآخر يفقد عنزاً له والبعض الآخر يفقد بقرة. وكان هو المعد والمقدم للأخبار والمخرج لها وكان الوحيد بالإذاعة. إلا أنه أسدى الشكر للحارس الذي كان يحضر له الصحف التي كانت تصدر في تلك الفترة. ليقرأ طامي الأخبار منها». ولم تستمر الإذاعة طويلاً، حيث صدر الأمر بتوقفها بعد انطلاقة الإذاعة الرسمية. التقنية الآن سهلت ما كان يصعب تنفيذه سابقاً وما يتطلبه من أجهزة كبيرة ومرسلات ولاقطات واسطوانات لكي تعمل إذاعة كما كانت إذاعة المرحوم طامي. التقنية جعلت أنه بالإمكان ومن خلال الانترنت أن تنشئ لك إذاعة يسمعها الملايين وفي كل مكان ولا تتطلب جهاز إرسال بارتفاع شاهق ومحطات للتقوية. كل ما يتطلبه الأمر جهاز كومبيوتر مرتبط بالانترنت. وتساءل البهلال هل سيجد الراحل عبد الله العويد تكريماً بعد مماته، خاصة انه كان له حضور في تركيب إذاعات داخلية في الإمارة والشرطة وفي مكة خلال موسم الحج، وأيضاً بإنشائه أول إذاعة في المنطقة الوسطى، بل والعاصمة الرياض، وجعل الناس يستمعون إلى إذاعته ويصدون عن الاستماع للإذاعات الأخرى. ويضيف البهلال بقوله «عاش طامي أول حياته في مسقط رأسه في بريدة ثم انتقل منها إلى الرياض وذلك عام 1380هـ وعمل فيها أول محطة راديو وكانت بسيطة ومؤلفة من بعض الصمامات والمكثفات التي كان يأخذها من بعض أجهزة الراديو القديمة وسبق له أن عاش في سورية سنوات قلائل قبل أن ينتقل للرياض.

أما إذاعته فكانت تعرف بـ «إذاعة طامي» وهي محصورة فقط في الرياض وما حولها، لأن وقتها لم يكن هناك إذاعة رسمية في الرياض، بل كانت الإذاعة السعودية الوحيدة هي إذاعة جدة التي أنشئت عام 1368هـ 1948م.

ومن الغريب أن بث «إذاعة طامي» كان يسمع أيام الشتاء وفي وقت الليل في العراق والأردن، وهذه الميزة بحكم طبقات الأيون التي تساعد على وصول البث لمساحات أبعد أيام الشتاء، وفي وقت الليل، فالحرارة ووجود الشمس تعمل على اضمحلال الإشارات الكهربائية حتى تتلاشى ولا تصل لمسافات أبعد.

أيضاً هناك عامل آخر وهو أن في ذلك الزمن كان الجو نقياً من الإشارات الكهربائية لقلة عدد محطات الراديو المحيطة بالدول العربية بعكس ما هو موجود الآن، فالجو متشبع بإشارات لا تكاد تحصى.

كانت إذاعة طامي تبث أخباراً يقرؤها «طامي» نفسه، وكان يضع عليها إعلانات تجارية لتجار صغار في الرياض وكان يعلن عن المفقودات من الماعز والأولاد وصكوك الأراضي ونتائج الناجحين لطلبة مدينة الرياض وبعض الأحاديث للشيخ ابن باز. وقد قام طامي بنقل أول مباراة من ملعب الصايغ بصوت محمد رمضان فسجلت عصراً وأذيعت مساء.

وكانت أوقات البث لإذاعة طامي بعد صلاة العشاء ولا تتجاوز ثلاثة ساعات يومياً وكان طامي يجلس أمام المايكروفون في غرفته وليس أستوديو ليقدم نشرته الإخبارية على الهواء ويستهلها بقوله: هذه نشرة الأخبار يقرؤها عليكم أنا. وأحيانا يقوم بوضع أسطوانة حجر بها أغان ويقول: هذا فاصل موسيقي ريثما أتناول طعام الغداء، لكن لسوء حظه أن إذاعته لم تدم أكثر من سنتين حيث تم افتتاح إذاعة الرياض عام 1384هـ 1964م. فتوقفت إذاعته، لكنه اقتصر على العمل بموافقة من الدولة له في موسم الحج في مكة، إذ كان يذيع الإرشادات ويبلغ عن التائهين رغم وجود إذاعة رسمية في المشاعر ومنى وعرفات، وظل طامي على ذلك فترة زادت عن العشر سنوات وبعد ذلك توقفت إذاعته. أما مرسلة إذاعة طامي فصارت تحفة من ضمن التحف التي احتفظت بها وزارة الإعلام.

بدأ طامي نشاطه الإذاعي بحصوله على مرسلة لاسلكية قديمة (من لاسلكي الرياض) فحوّلها إلى مرسلة إذاعية يمارس عليها هوايته، مستفيداً من الفراغ الإذاعي الذي كانت تعيشه بعض مناطق السعودية، نتيجة انزواء البث الإذاعي في غربها، بالرغم من عدّة تحسينات أدخلت على الإرسال.

وشهدت بداية الستينات الميلادية الكثير من التقلبات السياسية في الوطن العربي، وصدرت حملات إعلامية معادية ضد السعودية من بعض الأنظمة السياسية الجديدة، مما اضطر الإعلام السعودي إلى التصدي لتلك الحملات، دفاعاً عن منهج المملكة وسياستها، وحماية للمواطن من إذاعات تصوّب إليه من دول مجاورة، كانت تنفرد بالمستمع السعودي بسبب قوة إرسالها وبرامجها التي تغطي معظم أنحاء السعودية».

ويقول الدكتور عبد الرحمن الشبيلي إن الإذاعة السعودية في تلك الفترة كانت محل تذمر الدولة وشكوى المواطن نتيجة عدم انتشارها، وعدم قدرتها على مواجهة تلك الحملات بفاعلية وكفاءة، في خضم التوتر والغليان السياسي الذي كان يعم المنطقة بأسرها، فارتفعت الأصوات منادية بإصلاح حال الإذاعة لتتمكن من القيام بواجبها في التوجيه الاجتماعي، والتثقيف السياسي، وإيصال الخبر وصوت الدولة إلى المجتمع كافة، وأسفر ذلك عن إنشاء وزارة الإعلام نفسها سنة 1382هـ، من هنا جاءت محاولات طامي، على الرغم من بدائيتها وسطحيتها، انتقاداً ضمنياً لوضع الإذاعة، وضعف برامجها وإرسالها، الذي لم يكن يصل إلى العاصمة السياسية (الرياض) فضلاً عن وصوله إلى الأطراف الشرقية والشمالية والجنوبية، مما جعل تلك المناطق مسرحاً للإذاعات المجاورة لها.

بدأ بث الإذاعة الوطنية أو إذاعة طامي كما اشتهرت بين الناس في شهر جمادى الأولى من عام 1381 هـ 1961 م من غرفة صغيرة بالدور السابع في إحدى عمارات شارع الوزير بالرياض، وكان يستخدم بعض الأشجار القريبة من العمارة ليضع عليها مقويات إذاعته، ولأنه كان يبث على موجة قصيرة فلقد كانت تسمع أحياناً في العراق والأردن وسورية، ولقد حصل طامي على تشجيع ودعم من مجلس الوزراء بمبلغ عشرين ألف ريال أنفقها في إيجار الشقة وشراء الأجهزة لإذاعته. وظهر صوت المعلق محمد رمضان لأول مرة عبر المذياع على الهواء مباشرة من خلال إذاعة طامي في أول محاولة لنقل مباراة كروية على الهواء في نهائي كأس الملك بين الهلال الوحدة، حيث نقل منها الربع الأخير. وكان لظهور إذاعة طامي دوره في بدايات ظهور البرامج الإخبارية الرياضية في السعودية حيث اقترح محمد رمضان إذاعة أخبار رياضية عبرها، بعد أن تعززت علاقته بطامي قبل نقل كأس الملك، وأخذت الإذاعة تنقل أخبار المنافسات الرياضية لمعهد الأنجال وجامعة الملك سعود باعتبار محمد رمضان أحد طلابها آنذاك، إلى جانب أخبار أندية الرياض وما حولها أمثال فرق شباب الرياض البلدي، الهلال، أهلي الرياض، الناصرية، الكوكب، الاتحاد، المريخ والبنك.