الرياض.. أحياء تعيد إحياء مظاهر العيدية قبل عقود و«أبي عيدي» ترن في آذان الصائمين من جديد

«الحوامة» و«الخبازة» و«الحقاقة» مسميات فرح طفولية تسبق يوم العيد

أطفال يتلقون من أحد أرباب الأسر عيديتهم من النقود إحياء لعادة قديمة اختفت منذ عقود
TT

حافظت بعض أحياء الرياض على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي، إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر بتخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والجريش والمرقوق والمطازيز، علماً أن ربات البيوت يحرصن على التنسيق في ما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.

ويحرص الجميع على تناول إفطار العيد في ساعة مبكرة اعتباراً من الساعة السابعة صباحاً، وبعد انتهاء هذه الاحتفالية يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيم الهدوء على المنازل لتبدأ الأسر بمتابعة فعاليات العيد التي خصصتها الجهات المختصة وتميزت بالتنوع وإرضاء جميع الأذواق، وتراوحت ما بين الفنون الشعبية،والعروض المختلفة والسينما والمسرحيات، والألعاب بمشاركة فرق من الجاليات العربية الإسلامية والأجنبية تعرض فنونها ورقصاتها أمام الحضور، إضافة إلى عروض الألعاب النارية التي تطلق في أماكن محددة من المدينة بإشراف من الدفاع المدني.

ويؤكد صالح النغيمش (85 عاماً)، ويتمتع بذاكرة جيدة، أنه حرص منذ خمس سنوات على إقامة احتفالية العيد في الساحة المجاورة لمسجد الحي القريب من سكنه في حي التعاون بمشاركة الجيران وأبنائهم، في حين فتح منزله لاستقبال نساء الجيران اللاتي حرصن على المشاركة في مائدة العيد بإعداد أطباق للرجال والنساء بالتنسيق بين ربات البيوت.

وقال إن هذه الاحتفالية لا تستغرق أكثر من ساعتين بدءاً من الساعة السابعة صباحاً، حيث يؤدي سكان الحي الصلاة في المسجد ثم التوجه إلى المكان المخصص، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية.

كما يحرص البعض على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحيانا القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.

وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في العاصمة السعودية بعد أن اختفت منذ أكثر من أربعة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج.

وأعادت أحياء راقية في الرياض إحياء الاحتفالية القديمة لعيدية الأطفال، حيث جاب عشرات الأطفال من أحياء الرياض الشمالية أرجاء الحي بحثاً عن عيدية رمضان من الجيران بعد أن نجح الأطفال في أحد الأحياء العام الماضي في إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، حيث جمعوا الحلوى والنقود والهدايا المتنوعة من منازل الحي وحتى من السيارات العابرة مرتدين الزي السعودي القديم، وذلك في احتفالية لافتة ابهجت الأطفال وأسرهم، وحققت الحملة هدفها أو مبتغاها، وهو ما دفع البعض إلى التفكير بإحياء هذه العادة القديمة بأساليب مختلفة عن السابق تبعاً لظروف الحياة الحديثة. وفي ظل اختفاء مظاهر احتفالية بصورة نهائية للأطفال كانت سمة من سمات رمضان والعيد قبل عدة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية الطفولية، التي تسبق يوم العيد والمعروفة باسم العيدية أو الحوامة أو الخبازة أو الحقاقة حسب كل منطقة في حين تعرف في المنطقة الشرقية ودول الخليج باسم القرقيعان عادت مؤخراً هذه الاحتفالية بأساليب جديدة بعد أن بقيت في ذاكرة السكان من كبار السن الذين ما زالوا يتذكرون تلك الأجواء التي تسبق يوم العيد عندما كان أطفال القرى وأحياء المدن يستيقظون صباحاً في آخر يوم من أيام رمضان ويجوبون الأحياء طلباً للعيدية من الجيران، يطرقون الأبواب لإيقاظ أصحاب المنازل الطينية الذين يغطون في سبات عميق بسبب السهر والصيام ويردد الأطفال بصوت واحد عندما يتساءل ساكنو المنزل من الطارق؟ يأتي الجواب بصوت واحد من قبل الأطفال: «أبي عيدي عادت عليكم في حال زينة» أو عبارة: «خبزوني لبزوني لو بعويد المغرفة» ثم يكملوا: «نوقّف الحميّر ولا نسوقه» في إشارة هل ينصرفوا أم ينتظروا، فإذا جاء الجواب من البيت بالإيجاب وحصلوا على عيديتهم التي لا تتعدى النقود المعدنية أو الحلوى وبعض المكسرات يصيح الأطفال بصوت واحد: «جعل الفقر ما يدخل عليكم ولا يكسر ايديكم»، أما إذا كان الجواب سلبياً أي لا عيدية فإن الأطفال يمطرون أصحاب المنزل بعبارات تنم عن تذمرهم من عدم تلبية طلبهم بالحصول على العيدية مهما كانت من خلال ترديد عبارة: «عشاكم شط فاره، وايدامه بول حماره، وابو جعل يبله، والخنفسانة قفرة له». وتعني العبارة تمنيات في حالة عدم منحهم عيدية أن يكون طعامهم يعد من لحم الفار وايدامه يعمل من بول أنثى الحمار، وأن يكون القائم بإعداده الجعل وهو حشرة قذرة تقتاد من مخلفات الإنسان وتختتم العبارة بأمنية أن تكون حشرة الخنفس هي القديد الذي يستخدم الوجبة. وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد، لكن عددا من السكان قرر إحياء عيدية رمضان بأساليب مختلفة، حيث تبنى اللواء متقاعد عبد الله عبد الكريم السعدون، قائد كلية الملك فيصل الجوية سابقاً، فكرة عيدية غير مسبوقة سيبدأ تطبيقها هذا العام من خلال توزيع مجموعة من القصص والكتب والكراسات المخصصة للرسم والأقلام الملونة على أطفاله وأطفال أقربائه بدلاً من الحلوى والنقود والألعاب النارية وهدايا العيد العينية، وذلك يوم العيد عندما يجتمع الأقارب في منزله بهدف تحبيب الصغار في القراءة وربطهم بالكتاب منذ نعومة إظفارهم مع إعطائهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم المختلفة من خلال الرسم، وذلك باقتطاع ساعات من يوم العيد وتوزيع القصص والكتب على الصغار مع إجراء مسابقة للرسم من مكان تجمعهم يوم العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عدة عقود تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب.