مجالس العيد في جازان.. القات أولا

زيادة في الطلب وارتفاع في الأسعار.. ومدمنوه يصفونه بأنه «شجرة اجتماعية»

التخزين عادة يمنية يقبل عليها أهالي جازان (جنوب السعودية) في موسم العيد بكثرة ("الشرق الأوسط")
TT

العيد في جازان لا يتوقف عند حدود تبادل التهاني والزيارات وإقامة الاحتفالات الشعبية والمهرجانات الترفيهية وغيرها من مظاهر العيد التي تصبغ بقية المدن. فثمة عنصر أساسي لا بد من توفره في مجالس العيد حتى تكتمل فرحة العيد ومظاهره. إنه مضغ نبتة «القات» التي ينتشر تعاطيها بصورة واسعة في مدن وقرى جازان، ولدى مدمني القات، فإن أمر توفيره وتناوله يوم العيد يعد ركنا أساسيا في المشهد الاجتماعي للأعياد في المنطقة. و«القات» الذي يعتبر مادة مخدرة في السعودية تصل عقوباتها إلى سنوات من السجن. يتم تهريبه إلى السعودية عبر الحدود مع اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد. وتتم زراعته في المناطق المرتفعة في اليمن، حيث يعد تناوله أمرا غير ممنوع. ورغم بيعه خفية في معظم مناطق المملكة إلا أن منطقة جازان تعد الأشهر في ذلك. ويعتبر تناوله أمرا رديفا للمناسبات خصوصا حفلات الزواج والختان والأعياد. «الشرق الأوسط» حضرت أحد المجالس الجازانية التي يجتمع فيها متعاطو القات يوم العيد. ويبدو من خلال المشاهدات في هذه المجالس أن الوقت الذي يقضيه مدمنو هذا النبات في تعاطيه يوم العيد يفوق الوقت الذي يقضيه في زيارة الأهل والأقارب وتهنئتهم بحلول عيد الفطر المبارك. ولا يرى مدمنو القات، في هذا الأمر حرجا. يشار إلى أنه يطلق عليهم شعبيا اسم «المخزنين» حيث يقوم بتخزين أوراق «القات» الطرية في أشداقهم ومضغها. فالعيد مناسبة اجتماعية يجتمع فيها الناس ويتواصلون فيما بينهم، وهو الأمر ذاته الذي تؤديه مجالس «القات» حيث يجتمع فيها الأقارب والأصدقاء ويقضون ساعات طويلة في ذلك. وبحسب تعليق أحدهم فإن الصفة الاجتماعية التي تحملها عادة تناول «القات» تؤهلها لأن تكون الركن الأساسي في يوم العيد. وبحسب أحد مستهلكي القات، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» - فضل عدم الكشف عن اسمه ـ فإن حلول مناسبة العيد يحدث زيادة عالية في الطلب عليه، وهو ما يستدعي من تجاره وأسواقه في المناطق الحدودية اليمنية استنفارا واسعا لمواجهة الطلب المتزايد، مشيرا إلى أن زيادة الطلب على «القات» في يوم العيد وكثافة الوجود الأمني للحد من تهريبه، إضافة إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة صعدة اليمنية، التي تشتهر بزراعة «القات» وتشهد تمردا من قبل الحوثيين ضد الجيش اليمني، كلها أسباب أدت إلى زيادة أسعار «القات» خلال يوم العيد بنسب وصلت إلى 300%. وأشار إلى أن أهم سوق لتهريب القات من اليمن إلى السعودية الذي يقع في منطقة الملاحيط بمحافظة صعدة قد توقف عن العمل منذ بدء المواجهات بين الجيش والمتمردين، وهو الأمر الذي انعكس سلبيا على كمية المعروض من «القات» وعلى أسعاره أيضا. ورغم أن تعاطي «القات» يتم بصورة يومية على مدى أيام العام في منطقة جازان، فإن هذه العادة تكتسب زخما عجيبا في يوم العيد، ففي حين قد يرضى مدمن «القات» بتناول أي نوع منه في الأيام العادية، فإنه لا يرضى في يوم العيد سوى بتناول أجود أنواعه التي تتضاعف أسعارها عادة. ويعتبر «الرداعي والجحاشة والشعفي والنضيري واليماني والحرامي» أشهر هذه الأنواع على الإطلاق، إلى ذلك فقد يجري تعاطي «القات» في الأيام العادية بصورة فردية لكن في يوم العيد فإن المجالس الممتدة هي المكان المفضل لتعاطيه، حيث يصل عدد المتعاطين في المجلس الواحد إلى العشرات. ويبدأ تعاطي «القات» في يوم العيد في وقت مبكر نسبيا خلافا لبقية أيام العام. فبعد انقضاء صلاة الظهر من يوم العيد يكون الوقت المخصص للزيارات والاحتفالات قد انتهى ليحل مكانه مضغ «القات» إلى أوقات تصل إلى ساعات الفجر من اليوم التالي. وهو الأمر الذي يراه مناهضو «القات» سلبيا يقتل المعنى الحقيقي للعيد القائم على التواصل الاجتماعي وإظهار الفرح والسرور وليس مجرد الجلوس وتناول أغضان القات وتدخين النارجيلة. بينما يرد متعاطوه قائلين «إذا لم نخزن (نتعاطى القات) يوم العيد، فمتى إذا»، معتبرين أن تناوله هو شكل من أشكال الاحتفال بيوم العيد. أمر آخر يضيف إلى تناول «القات» يوم العيد أهمية إضافية. فغالبية متعاطيه يخفضون استهلاكهم منه خلال أيام شهر رمضان وذلك لما للشهر من خصوصية دينية، وبعضهم ينقطع عنه كليا مفضلا التفرغ للعبادة وهجره. وبالتالي فإن العيد يمثل فرصة للعودة إلى مجالس «القات» بعد انقطاع شهر كامل، وهو الأمر الذي يفسر سر الاهتمام الزائد بالاستعداد لتعاطيه يوم العيد حتى قبل أيام من حلوله. ويشير أحد متعاطي القات إلى أن العيد من دونه ليس عيدا.. «إنه أمر عادي وغير مثير!».

ويبالغ البعض في الاستعداد لعيدية القات باستئجار مهربين خاصين يقومون بجلبه خصيصا من مزارع القات في جبال صعدة وحجة في اليمن، وهو الأمر الذي يعد أحد مواصفات «المولعي» لفظ يطلق على مدمن القات المحترف. في حين يدفع بعضهم مبالغ تصل إلى ألف ريال (266.6 دولار) لشراء القات في يوم العيد فقط.

وفي مجالس القات يعد تدخين الشيشة أمرا أساسيا، ولا عجب أن تستمع في هذه المجالس إلى أحاديث تدور في كل مجال. ففي مجلس واحد لـ«القات» انتقلت أحاديث الحاضرين بين تحليل أسباب خروج المنتخب السعودي في تصفيات كأس العالم، إلى تقييم الفترة الماضية من رئاسة أوباما، وصولا إلى البحث في أسباب الأزمة المالية العالمية.