إفطار المطاعم الباكر يعيد ضبط الساعة البيولوجية لسكان السعودية

كبدة «حلة الرياض» تتحول إلى عسير وتستقبل مدمنيها بعد إقلاعهم عنها لمدة شهر

زحام على الفول بعد انقضاء شهر الصوم («الشرق الأوسط»)
TT

أعادت المطاعم في السعودية ضبط الساعة البيولوجية للسكان، بعد انتهاء شهر الصوم، ومضي أيام العيد، وذلك من خلال تقديمها إفطارا باكراً من أطباق أدمن عليها مرتادو هذه المطاعم طوال العام، وتوقفوا عن زيارتها إجبارياً بسبب شهر الصوم. ففي العاصمة السعودية تحول شارع عسير جنوب غربي الرياض، الذي يعد من أقدم شوارع المدينة أمس إلى بوصلة ومؤشر لضبط الساعة البيولوجية لسكان المدينة في اليومين الثالث والرابع من أيام عيد الفطر المبارك. إذ ضاق الشارع منذ الصباح الباكر بالسيارات وترجل ركابها منها متجهين إلى المطاعم المنتشرة على ميمنة الشارع، وأمام مقر رئاسة الإفتاء، لتناول أكلتهم المفضلة التي توقفوا عن تناولها إجبارياً خلال شهر رمضان المنصرم، وهي وجبة الكبدة بنوعيها الحاشي والغنم، التي تشتهر مطاعم عسير بإعدادها بعد أن نقل أحد هذه المطاعم موقعه في شارع الحلة إلى شارع عسير، وأصبح الأخير يستقطب زبائن الأول وزبائنه، بالإضافة إلى استقطاب زبائن للمطاعم المجاورة.

وعلى الرغم من طبق الشوربة، الذي يقدم مع صحن الكبدة إلا أن الإقبال على تناوله لم يعد بذلك النهم؛ بسبب كثرة تناول الشوربة في إفطار رمضان، حيث يعد الحساء الطبق الرئيسي في مائدة الإفطار الرمضانية، لكن إضافة مادة الخل إليه في مطاعم الكبدة تضفي عليه مذاقاً يشجع على تناوله، رغم الملل الذي أصاب متناوليه طوال شهر كامل.

واضطر عشاق الكبدة بنوعيها الحاشي والغنم إلى التزاحم بالمناكب في مطاعم شارع عسير وشارع الإحساء لتناول طبق الكبدة أو الفول ذي الخلطة السرية، الذي تقدمه المطاعم في الشارعين مع رغيف «التميس» الشعبي الذي يقدم مع وجبة الإفطار ساخناً، ومن على بعد أمتار من المخابز المتخصصة، التي تعد قرصاً صغيراً يكفي لشخص واحد.

وانتقل زبائن مطاعم كبدة حلة الأحرار إلى شارع عسير، بعد أن اكتشفوا أن المطعم الذي ظل عدة عقود يقدم الكبدة، خصوصاً كبدة الحاشي في المنطقة الواقعة وسط شارع البطحة، أعرق شوارع العاصمة السعودية، هو ذاته المطعم الذي انتقل حديثاً إلى شارع عسير أحد أقدم الشوارع في الرياض، واشتهر بوجود مبنى إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الذي يتخذ المفتي العام للسعودية من المبنى مقراً له، إضافة إلى وجود أقدم مستوصف خاص في الشارع، ومستوصف السلامة القريب من مستشفى الشميسي، الذي افتتح في عهد الملك سعود وعلى بعد عدة أمتار من الشارع وفي جهته الجنوبية يقع سوق ابن دايل، الذي اشتهر ببيع أنواع مختلفة من الأثاث والأدوات المنزلية والورود الصناعية والسجاد، كما يوجد في الحي شركة كهرباء الجنوب التي تستقبل أعدادا من المراجعين طالبي الخدمة الكهربائية من منطقة وسط وجنوب الرياض، أو راغبي تغيير عدادات منازلهم أو إعادة التيار الكهربائي المفصول، وكل هؤلاء هم زبائن لمطاعم شارع عسير.

وقال سعد الصالح الذي التقته «الشرق الأوسط»، وهو يتناول طبقاً كاملاً من كبدة الحاشي مع البصل، وصحن الشوربة الممزوجة بالخل، إنه اعتاد على تناول الإفطار في مطاعم شارع عسير العريق يومياً منذ ثلاث سنوات، وإنه ينوع إفطاره ما بين كبدة الحاشي وكبدة الغنم والفول بأنواعه الثلاثة القلابة والجرة والتاوه أو طبق الشكشوكة المعمول من البيض والبصل والطماطم والفلفل، وقد أبلغ عمال المطعم بطبقه اليومي المفضل من خلال «لستة» بقائمة الإفطار طوال الأسبوع، بما في ذلك يوما الإجازة الأسبوعية الخميس والجمعة.

وأشار فهد الصداح إلى أن مذاق الكبدة في هذه المطاعم، لم يعد ذلك المذاق الذي عرفه في مطاعم الحلة، ولعل وجود العمالة من شرق آسيا سبب في ذلك، معتقداً أن هؤلاء العمال لا يجيدون إعداد الكبدة كما كان يفعل اليمنيون في كبدة الحلة، مستدركاً بالقول: «ربما أن طبيعة غذاء الجمال والأغنام حالياً لها تأثير في تغيير النكهة».

وذكر ماجد بن سليمان، أنه يزور هذه المطاعم مرة كل أسبوع خلال إجازة نهاية الأسبوع، أو يوم الوقوف بعرفة أو أيام عيد الفطر؛ لتناول صحن من الكبدة أو الفول، كما أنه يضطر إلى زيارة هذه المطاعم أيام العمل، عندما يشتاق إلى أي نوع من أطباق الإفطار التي تقدمها هذه المطاعم.

واعتبر زبائن التقتهم «الشرق الأوسط» أمس، أن حضورهم إلى هذه المطاعم باكرين لا يعني بأي حال ضبطهم للساعة البيولوجية، التي أصابها الخلل بعد شهر الصوم، حيث السهر حتى الفجر، والنوم لساعات قليلة، كما أن الخلل أصاب السكان أيام العيد الثلاثة الماضية بسبب السهر والزيارات العائلية ومتابعة فعاليات العيد.

وأشار ناصر السعران إلى انه جاء من شمال الرياض إلى جنوبها قاطعاً ثلاثين كيلومتراً بسيارته؛ للوصول إلى المكان بهدف تناول طبقه المفضل من كبدة الحاشي، بعد انقطاع عنها دام أكثر من شهر بسبب أيام رمضان ويومين من أيام العيد، معتبراً أنه مدمن على هذه المطاعم؛ نظراً لقرب مقر عمله منها، لافتاً إلى انه ينوع طبقه يومياً، مراوحاً بين الفول والبيض والكبدة، حتى لا يصيبه الملل لو اقتصر على تناول طبق واحد يومياً.

وذكر بدر السليمان أن الحنين إلى الماضي بكل تفاصيله جعله يزور شارع عسير ويتردد على المطاعم المنتشرة على جنباته، التي لم يكن لها وجود قبل أربعة عقود، لكنه يذكر كل التفاصيل عن الشارع بحكم وقوع منزلهم داخل الحي الذي يخترقه الشارع، كما انه يحتفظ بذكريات عن طفولته في الحي الذي تحتضن أزقته كنوزاً طمرت فيه، كما يتذكر مدرسته وكراريسه وحقيبته المدرسية وأقلامه وأدوات الهندسة، عندما كان يحملها قبل عقود متجهاً إلى مدرسته الابتدائية فيها، كما يتذكر شارع الكباري الذي يتفرع منه شارع عسير، ليتحول قبل ربع قرن إلى طريق الملك فهد.

مشيراً إلى أن الحي بل الشارع يقطن غالبيته عمالة أجنبية، جلهم من الجنسية الباكستانية والأفغانية، وبعض العرب، لكن المطاعم تستقطب الجميع من سعوديين ومقيمين.