بعد خسائر رمضان.. قطاعات الحج والعمرة تبحث عن طوق نجاة للخروج من كارثة «إنفلونزا الخنازير»

تقديرات بخسائر تصل إلى 240 مليون دولار في شهر الصوم ومحاولات «وردية» لاقتسام فاتورتها

تستقبل مكة المكرمة والمدينة المنورة مئات الآلاف من المعتمرين خلال شهر رمضان المبارك مما يساعد على تحريك العجلة الاقتصادية في المدينتين المقدستين («الشرق الأوسط»)
TT

دفعت خسائر مالية باهظة، قدرت بنحو 240 مليون دولار، تكبدتها قطاعات الحج والعمرة في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة مستثمرين، للجلوس على طاولة النقاش والتفاوض من أجل اقتسام تلك «الخسائر» كنوع من الحلول «الوردية» بين ثلاثة أطراف، هم مالكو الوحدات السكنية وشركات الحج والعمرة، وجهات تشغيلية عالمية. وحظيت الأخيرة بنصيب الأسد من الخسائر، فأصبحت بين خيارات الخروج من السوق بخسائر فادحة، أو الحصول على تعويضات، أو مشاركة الخسائر مع مالكي العقارات والفنادق.

السيناريو المطروح للحل ينقسم إلى ثلاثة فصول، أولها تقديم مساعدات حكومية عاجلة لتلافي تلك الخسائر من باب أنها نتجت عن «كارثة» وليست بسبب ضعف تشغيلي، والثانية تقاسم تلك الخسائر مع ملاك العقارات والفنادق كنوع من «التراضي»، والثالثة خروجها خالية الوفاض متكبدةً خسائر كبيرة هي الأولى من نوعها في المدينتين المقدستين.

واقترح مروان حفظي، نائب رئيس اللجنة السياحية للحج والعمرة في المدينة المنورة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، السماح للمقيمين من غير المواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي الدخول إلى الأراضي السعودية، من دون الحاجة إلى إصدار «فيزا» خاصة بالحج والعمرة، كحل عاجل لهذه الأزمة الخانقة.

وأكد حفظي أن دخول تلك الأعداد التي تقدر بالملايين مباشرةً من دون المرور بسلسلة طويلة من الإجراءات البيروقراطية، سيكون من شأنه إدخال عائدات مالية ضخمة للسوق السعودية، خصوصاً أن غالبية المقيمين في الدول الخليجي هم أناس مستقرون مادياً، وسيدرون على السياحة مبالغ تقدر بمليارات الريالات ـ على حسب تعبيره ـ. ويسند حديثه إلى أن دخولهم فقط بجوازات سفرهم بات أمراً ملحاً، خصوصاً في ظل دخول جميع دول العالم تحت مظلة الحكومات الإلكترونية.

وأوضح حفظي، أن دخول أولئك المقيمين سيمكن القطاعات السياحية المختلفة من تعويض الخسائر الكبيرة التي تكبدتها أخيراً، كما أن دخول هؤلاء الزوار إلى البلاد سيحدث تحسناً اقتصادياً كبيراً ويخلق فرص عمل أكبر، وسيغير كثيراً من المعالم السياحية في السعودية. مشدداً على أن وقوف القادمين في طوابير الانتظار للحصول على «فيزا» هو أمر يجب أن يتغير، استناداً إلى المتغيرات الاقتصادية العالمية.

وأشار نائب رئيس اللجنة السياحية في الغرفة الصناعية والتجارية بالمدينة المنورة، إلى أن مشكلة نقل المعتمرين والحجاج من مكة المكرمة والعكس هو ما يؤرق القطاع السياحي والقائمين عليه في المدينة المنورة، مشدداً على ضرورة إنهاء معاناة ملايين الزوار، الناجمة عن سفرهم بالحافلات وسيارات الأجرة، وأن الحاجة لإنهاء مشروع القطارات باتت ملحة أكثر من أي وقتٍ مضى، حفاظاً على سلامة أولئك الزوار، الذين تقتضي راحتهم إدخال جميع التقنيات والتكنولوجيات الحديثة في مجالات النقل المختلفة.

ولفت حفظي إلى أن الاقتصاد السياحي في المدينة المنورة تكبد هذا العام خسائر فادحة وموجعة ـ حسب رأيه ـ بسبب التفشي العالمي لإنفلونزا الخنازير، الأمر الذي ألقى بظلاله على جميع مفاصل السياحة التي يعتمد النشاط الاقتصادي في العاصمتين المقدستين على عائداتها بشكل جوهري.

وأضاف «غابت هذه السنة فئة الخمسة نجوم، التي كانت لا تغيب عن زيارة المدينة المنورة، الجميع متخوف من العدوى وباتت الحسابات الصحية في المقام الأول، وهذه الفئة كانت تنفق مبالغ طائلة مقابل مشترياتها واحتياجاتها، وكل عام ننتظر قدومها بفارغ الصبر، إلا أنها تغيبت بشكلٍ كامل هذا العام، وأصبح رواد المدينة من الفئة العادية غير المجدية اقتصادياً بلغة المال».

وقارن بين نسبة إشغال الفنادق في العامين الماضي والحالي، موضحاً أن نسبة إشغال الفنادق في العام الماضي بلغت 120 في المائة (بعد أن أخذت أكثر من طاقتها الاستيعابية نتيجة الضغط)، لكنها ـ والحديث لا يزال لحفظي ـ انحدرت بشكلٍ مخيف في العام الحالي لتصل إلى ما بين 30 و40 في المائة فقط، مخلفةً خسائر وصفها بـ«المدوية»، مؤكداً أن تداعياتها ستستمر لأمدٍ غير قريب، إذ لم تعد الإيرادات تفي باحتياجات الشركات التشغيلية وأجور العمال.

وذكر نائب رئيس اللجنة السياحية للحج والعمرة في المدينة المنورة، أن الخسائر طالت الفنادق وتجار الذهب والمحال التجارية ومراكز التسوق، وامتدت لتشمل أيضاً المحال التجارية الصغيرة، وسببت تباطؤاً اقتصادياً كبيراً، بل وكبدت الشركات خسائر فادحة بسبب عقودها المبرمة مسبقاً.

وأضاف «باتت الفنادق من فئة الخمسة نجوم وجهة لمن كانوا يسكنون في الماضي في فنادق من فئة الثلاثة نجوم وبنفس الامتيازات، وهي أمور لا ينبغي أن تحصل في الأنظمة الفندقية، بسبب التجهيزات وخدمات الرفاهية عالية الجودة التي تقدمها هذه الفنادق، وبالتالي خسرت امتيازاتها في الحصول على عائداتها المالية من فئات الخمسة نجوم».

ولفت إلى أنه في السابق كانت شركات الحج والعمرة من جميع الدول العربية والإسلامية والعالمية تتهافت للحصول على حجوزات الفنادق للحج مبكراً، لكن إلى هذا التوقيت لم تطرق تلك الشركات أبواب الفنادق، ونحن مقدرون لتداعيات المرحلة وحساسيتها الاقتصادية بفعل المرض الذي اجتاح العالم وسبب خسائر للجميع.

وأوضح حفظي، أن فنادق المدينتين المقدستين التي تعد من أبرز القطاعات المتأثرة بتداعيات أزمة «إنفلونزا الخنازير»، تمتاز عن غيرها بعالمية أنظمتها، فغالبيتها مجهزة وفق أرقى المواصفات العالمية بما يعادل فنادق الدول الأوروبية، فهي تحوي سلسلة مطاعم و«لوبي» راقيا جداً، وأنظمة اتصالات حديثة، لدرجة أن نزلاءها يذهبون فقط للصلاة في الحرمين الشريفين فقط، ومن ثم لا يبرحونها على الإطلاق ويفضلون البقاء بداخلها.

واستطرد قائلاً «حتى الألعاب الترفيهية توفرها تلك الفنادق، بل أن بعضها جديدة في كل مناحيها، على الرغم من مرور 20 عاماً منذ إنشائها، وحرص ملاك تلك الفنادق على إنشاء «المولات» داخلها، لقناعتهم بنجاعة التجربة، لكن من يلحظ الخسائر التي تجرعتها تلك الفنادق هذا العام يجعله مرتاباً من حال تلك الأسواق، ومن النظام التجاري للفنادق».

وعن بداية أزمة الفنادق في مكة المكرمة، أوضح وليد أبو سبعة، رئيس لجنة الفنادق في الغرفة التجارية والصناعية في مكة المكرمة، لـ«الشرق الأوسط»، أن أزمة فنادق مكة بدأت منذ شهر رجب، حين أُعلن المرض كوباء عالمي، إذ لوحظ أن الطلبات منذ بداية فصل الصيف على الفنادق ضعيفة مقارنة بالعام الماضي.

وقال رئيس لجنة الفنادق في غرفة مكة المكرمة، إن «الأزمة بدأت بالسوق الخارجي وامتدت إلى السوق الداخلي، حيث توجس سكان البلاد في مناطق الوسطى والجنوبية والشرقية من مرض «إنفلونزا الخنازير»، خاصةً أثناء تسليط الإعلام عليه، متأسفاً في ذات السياق على إلصاق المرض بمكة المكرمة، وكأنه نبع منها في حال أنه متفش في جميع دول العالم من دون استثناء».

وأضاف «تفاقم الوضع حتى حلول شهر رمضان، حيث بلغ وضعاً سيئاً جرّاء تراجع عدد الطلبات وتدني نسبة الأشغال في الفنادق كمتوسط، مروراً بالانخفاض الكبير في أسعار الغرف، ما خلف خسائر ضخمة في كل القطاعات».

وحول هوية أقطاب القضية الأساسيين والمتضررين الأكبر، أوضح أبو سبعة، أن أقطاب القضية في تلك القطاعات هم ملاك العقارات، وهم أقل حدة في الضرر، يلي ذلك الشركات المشغلة والمستثمرة للعقار وهي أكبر الخاسرين والمتضررين، إذ استقبلت الخسائر تباعاً جراء إلغاء الحجوزات من كثير من الدول، إذ ألغت تونس الحجوزات مع نهاية رجب، ولحقتها إيران على نفس النسق.

وزاد «أما القشة التي قصمت ظهر البعير، فكانت قرار مصر إلغاء العمرة قبيل أن تعود وتهذبه وتحصره لمن هم بين سن الـ25 والـ65 عاماً، في حين أصدرت السفارات السعودية تأشيرات لمن هم أقل عمراً، لكن تم منعهم من قبل الجوازات المصرية، ومصر كما هو معروف تحتل السوق الثانية في موسم العمرة في رمضان بعدد 630 ألف معتمر، بعد إيران والتي تحتل المركز الأول بـ 660 ألف معتمر».

وعن نسبة الخسائر جراء انحسار تلك الأعداد التي جرى الاعتياد سنوياً بقدومها، أوضح رئيس لجنة الفنادق، «أن أكثر من 50 في المائة من أعداد القادمين سنوياً من دولة كمصر ألغيت حجوزاتهم، خاصةً مع وضع شرط (ملاءمة العمر) ليصل عدد القادمين منها فقط إلى 100 ألف معتمر، لتعم الخسائر كافة تصنيفات الفنادق، ابتداءً بالخمسة نجوم وانتهاءً بالمساكن الشعبية، حيث تدنت النسب مقارنةً بالعام الماضي».

وكشف أن فنادق العاصمة المقدسة وحدها تكبدت خسائر وصلت إلى 500 مليون ريال، وأن فنادق جوهرية ومعروفة في المنطقة المركزية وبلغة الأرقام اتضح أن نسبة تشغيلها في شهر رمضان وحده هو 39 في المائة، في الوقت الذي كان متوسطها هو 75 في المائة، ومعدل سعر الغرفة انخفض بنسبة 50 في المائة، فيما أغلقت فنادق في العزيزية أبوابها بسبب أن الدخل لا يغطي التكاليف التشغيلية.

وزاد «توجد عوامل كثيرة لما يجري في القطاع الفندقي في المدينتين المقدستين، على الرغم من أن وباء مرض أنفلونزا الخنازير، يعد الرئيس في أزمة هذا القطاع». وقال «بدأت آثار الأزمة الاقتصادية العالمية تظهر في بلدان العالم الإسلامي، وتجلى ذلك واضحاً في السوق السعودية، لأن أسعار العقار داخل المنطقة أصبحت جداً مرتفعة، فاجتمع عند الزائر ضعف المال وارتفاع الأسعار، والأهم من ذلك هو زيادة عدد الغرف بشكلٍ كبير فأصبح العرض أكثر من الطلب، ونرى ذلك في أبراج زمزم، والصفوة، ومشاريع كبيرة في العزيزية».

وحول طرق نجاة تلك الشركات التشغيلية من المأزق الواقعة فيه؟ أجاب أبو سبعة، «إن من أهم الأشياء التي سعينا جاهدين لتبنيها في الغرفة التجارية بمكة هي موقف صاحب العقار من المستثمرين، الجهة المشغلة والأكثر خسارة، والأخير بموجب العقود القانونية سيلزم بالدفع وتحمل الخسائر، إلا أننا رفعنا شعاراً حبياً وودياً بين الشركاء (الجهات التشغيلية، وملاك العقار) لتقاسم الخسائر، خاصةً أن الفشل ليس ذاتياً».

وأضاف «لا بد من تحمل الخسائر بشكل جماعي، على اختلاف العقود اللي يحمل بعضها بنوداً تختص بالكوارث، لكن غالبية العقود المتوفرة حالياً في السوق لا تحمل بند الكوارث، مشيراً إلى أنه من الناحية القانونية البحتة سيتمكن ملاك العقارات من أخذ حقوقهم لكنهم في المقابل سيكسبون في هذا العام وسيخسرون في الأعوام القادمة، لأنه سينطبع لدى المشغل أنهم لا يساهمون في حماية الآخرين».

وأوضح «أن مجموعة أبو سبعة للعقارات والفندقة بدأت تطبيق هذا الحل الودي بنفسها أولاً من خلال 22 فندقاً، إذ وفرت خصماً في جميع فنادقها لشركات الحج والعمرة التي استأجرت في تلك الفنادق من باب المساهمة في تحمل الخسارة». مشيراً إلى أن مسألة تعويض الدولة لتلك الخسائر أمر غير منطقي، مشدداً على أن الأمر يجب أن لا يخرج من بين مالك العقار والمستثمر.

واعتبر اللجوء إلى الملاحقات القضائية لتحصيل المستحقات سيخلف انعكاسات سلبية على الاستثمار الفندقي في الوقت القريب، ولا يمكن أن تكون إيجابية على الإطلاق، إذ لن يحصل مالك العقار على حقه بين عشيةٍ وضحاها بل سيستمر الوضع لسنين قادمة، فباتت الحاجة ماسة نحو المبادرات والتسوية الأخلاقية، وأن ملاك للفنادق بدأوا فعلياً ببلورة الموقف نحو الاتجاه الأمثل للخروج من الأزمة.

ولفت إلى أن بقاء الأمور على حالها السيئة في موسم الحج سيجعل من حجم المصيبة أعظم، لأن دخل الشركات المشغلة من موسم الحج وحده يعادل 70 بالمائة من كامل دخلها السنوي، ما لم يتم الالتفاف حولها ودعمها.

واختتم أبو سبعة أن من خطوات الخروج من الأزمة هي طمأنة الجميع على القدرة على احتواء المرض، وخاصةً بعد إعلان وزارة الصحة السعودية عن بدء توفير أمصال الوقاية من الوباء في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بكميات كبيرة وكافية، ومن شأنها أن تطمئن جميع الدول والشركات والمستثمرين بأن الحكومة السعودية سخرت كامل استعداداتها لمجابهة المرض.

ولفت إلى أن دولاً عدة وشوارع رئيسة عالمية تعج بالزحام والحشود الكبيرة، ولم تشهد تخوفاً وتصعيداً للقلق من «أنفلونزا الخنازير» كما نشهده ونلحظه في مكة والمدينة، وخاصة بعد تطمينات وزارة الصحة السعودية بأن عدد الوفيات في السعودية يعتبر محدوداً ولم يتجاوز حاجز المائة حالة.

من جانبه أوضح علي جاب الله، مالك فندق أمجاد السلام في المدينة المنورة لـ«الشرق الأوسط»، أن خسائر فنادق المدينة بدأت قبل شهورٍ عدة، وتحديداً مع الهزات الأرضية التي تعرضت لها المدينة، وحين اطمأن الناس إلى زوال تلك الأزمة، طفا إلى السطح مرض أنفلونزا الخنازير بكل تبعاته وتجلياته، وألقى بظلاله القاتمة على قطاع السياحة الفندقية.

وأكد جاب الله أن الإعلام أسهم بدور سلبي في تضخيم المشكلة بتحذيراته المتواصلة بعدم الذهاب إلى الأماكن المقدسة، ما خلق ذعراً وتخوفاً عند الناس، وأبعدهم عن المجيء إلى المدينة المنورة، ناهيك عن تقارير وزارة الصحة وبياناتها عن تزايد الإصابات والوفيات نتيجة المرض، واجتماع وزراء الصحة العرب الذي حدد سن المعتمرين القادمين إلى السعودية، ما أدى إلى سلسلة طويلة من إلغاء الحجوزات، لينخفض سعر الغرفة الثلاثة نجوم من 150 إلى 70 ريالاً فقط من باب مسايرة الأمور. وأشار إلى أنه وعلى رغم جميع هذه «التنازلات» لاستقطاب الزائرين والمعتمرين لم تتجاوز نسبة الإشغال 30 إلى 50 في المائة فقط.

وقال مالك فندق أمجاد السلام «إن الأزمة التي عصفت بفنادق المدينة لم يحدث لها مثيل منذ سنين طويلة، إذ ألغت دول عدة الحجوزات المسبقة للمعتمرين والزوار، بل تعدى الأمر إلى إلغاء بعض الدول الرحلات المغادرة إلى السعودية أو القادمة، ومنع خروج التأشيرات من السفارات ومنع الناس من الوصول إلى المطارات، تونس ألغت قدوم المعتمرين تماماً وإيران فعلت الأمر نفسه، وما زال موسم الحج تنتظره تخفيضات وخسائر كبيرة وفادحة».

وأضاف «إن موسم الحج وحده يستقطع من السنة التجارية نسبة تتراوح بين الـ50 والـ60 في المائة، إذ تحقق الفنادق خلالها نسبة 60 في المائة من نسبة الإشغال السنوية، تباع فيها الفترة بالكامل، ولا يوجد ـ بحسب وصفه مجال للتفريط بها، فيما موسم رمضان يحظى بـ25 في المائة، وهذا الأمر يلقي بظلاله على جميع المحال التجارية».

وأشار جاب الله إلى أن بعض الدول علقت موسم الحج، وأخرى بانتظار عودة مواطنيها من موسم العمرة لتكتمل الصورة لدى المسؤولين فيها بشكلٍ أكبر وأوضح، فلم يكتبوا بعد «الفصل الأخير» في مسألة حجوزاتهم.

وكشف أن أكثر من 300 فندق تقع في المنطقة المركزية بالمدينة المنورة تكبدت خسائر وصلت إلى 400 مليون ريال سعودي في فترة العمرة فقط، وقال «كنا جميعاً نطمح لتحسن ملحوظ في شهر رمضان، بيد انه لم يطرأ البتة أي مؤشر نحو التقدم، بل كان نذيراً بأن موسم الحج قد يكون أشد ضراوة وأكثر عنفاً في قيمة الخسائر الاقتصادية.

وعلق بالقول: رمضان في لغة الفنادق هو (نصف حج) ونحن عملياً خسرنا نصف الحج تقريباً إلى حد الآن ولا نعلم عن القادم، وذلك على رغم ضآلة عدد المصابين بأنفلونزا الخنازير في المدينتين المقدستين، وأن تلك الأعداد لا يمكن مقارنتها مع دول أخرى تفشى فيها المرض، ولا نعلم من المستفيد من عملية التهويل بخطورته».

وأضاف جاب الله «بانقضاء رمضان، لم تستطع فنادق عدة في المنطقة المركزية بالمدينة الوصول إلى نسبة 10 في المائة من حجم تشغيل فنادقها، على رغم كل العروض التسويقية الجذابة، ومعظم رواد الفنادق هم من الطبقة البسيطة، ويرتادون فنادق الـ3 نجوم، التي تقدر نسبتها 80 في المائة من فنادق مكة والمدينة، فيما تقدر نسبة فنادق الخمس والأربع نجوم بـ20 في المائة». وأوضح أنه وفقاً للدراسات الإستراتيجية والدراسات الدولية فإن الفنادق ستتجرع المزيد من الخسائر، وقال «نحن نطلب من الحكومة السعودية مساعدتنا في مواجهة الكارثة التي حلت بالفنادق، لكيلا نكون كبش فداء، ففي الأول والأخير صاحب العقار يبحث عن إيجاره ونحن جهات تشغيلية»، مفيداً أن المستثمرين في المدينة المنورة اجتمعوا لبحث المخارج المتاحة من هذه الأزمة.

إلى ذلك، قسم أبو عادل العلا، مالك أحد الفنادق في المنطقة المركزية بمكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، الخسائر التي تكبدها القطاع الفندقي إلى شقين، الشق الأول هو الخسائر الداخلية المرتبطة بالتنظيمات الجديدة، والآخر هو الخسائر الخارجية.

وأوضح العلا أن التنظيمات الداخلية تسببت في تعديل إجراءات السلامة والحريق في فنادق قديمة عمرها أكثر من 20 عاماً، ما تسبب في إعادة تهيئة أنظمة الفندقة الهيكلية من جديد.

وقال «كثيرون تكبدوا تلك الخسائر من أجل الحصول على تصاريح للحج، وكمستثمر حينما استثمر نحو 30 مليون ريال في منطقة الحرم، يهمني الحصول على عائدات اقتصادية من هذا الاستثمار، إضافة إلى أن الاشتراطات التي ستفرض بدءاً من العام القادم، تقضي بأن تخصص لكل حاج مساحة قدرها أربعة أمتار بدلاً من المترين ونصف المتر المعمول بها في السابق، وهو ما يخفض العدد الإجمالي للطاقة الاستيعابية ويسبب الخسائر الداخلية، بمعدل انخفاض في الإيرادات يصل إلى نصف مليون ريال سعودي للفندق الواحد.

وخلافاً للحديث الدائر عن تدني نسبة القادمين من خارج البلاد، قال أبو العلا «إن مرض انفلونزا الخنازير فاقم المشكلة لكن ليس لدرجة أن الجميع لم يستفيدوا ويؤجروا، لكن نسبة الإشغال ليست ككل عام، صحيح أن نسبة المعتمرين القادمين من الخارج ليست كبيرة، لكن العدد الموجود ما زال مرتفعاً، كما أن مجموعات انتقلت للسكن خارج منطقة الحرم، إلى العزيزية على سبيل المثال، ما سبب ضغطاً وانخفاضاً ملحوظاً لأعداد المستأجرين في المنطقة المركزية، فخلقت خسائر تتراوح في حدها الأدنى بين 30 إلى على 54 في المائة».

وذكر أن المشكلة الأكبر ستتضح معالمها في الحج، نتيجة منع دول كبيرة مواطنيها من القدوم، كالإمارات، وإيران، وتونس، ومصر، موضحاً أنه ينبغي توفير اللقاح المضاد للمرض بكميات كافية، والإيمان بالكفاءة الطبية، مشدداً على أن دور وزارة الحج إشرافي وتنظيمي، يتركز حول مراعاة الحجاج وحل مشاكلهم.

إلى ذلك أوضح عبد الله الأحمري، رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة، لـ«الشرق الأوسط» أن توفير التعويضات للجهات التشغيلية يعد أمراً مهماً، إذ يجب المحافظة على تلك الشركات التي اكتسبت مع الوقت أهميتها وخبرتها في راحة ضيوف الرحمن، نظراً لما امتلكته من مقومات عملية في القدرة على التشغيل.

وأضاف الأحمري «مسألة خروج تلك الشركات من السوق في حال الخسارة هو أمر غير منطقي ويجب تداركه، والتعويضات لا مناص من صرفها على تلك الشركات التي لم تكن خسائرها لأسباب تشغيلية أو خلل ذاتي، بل بسبب ظروف قاهرة تركت أثراً قوياً وخلفت خسائر فادحة لدى شركات الحج والعمرة».

وحول دخول شركات تشغيلية جديدة إلى السوق السعودي، أوضح أن دخول شركات تشغيلية جديدة إلى سوق الحج والعمرة في الفترة الحالية سيكون له تأثيره المباشر على الجودة، وسيقلل من أهمية وفاعلية تلك الشركات في التعامل الخدمي الأمثل المقدم من فنادق وشركات عالمية لملايين الحجاج والمعتمرين القادمين سنوياً من جميع بلدان العالم.

واستطرد قائلاً «يجب عدم التفريط في الجهات التي مارست أعمالا خدمية وتعويضها بشكل يسهم في بقائها وعدم خروجها من السوق، لأن شركات العمرة ألزمت نفسها بتوفير مساكن لأعداد أعطيت لها مسبقاً قبيل ظهور مرض أنفلونزا الخنازير، وبالتالي حصلت المعضلة التي كبدتها خسائر كبيرة لم تكن عملياً في الحسبان على الإطلاق».

وحول تعويضات الكوارث، أوضح رئيس لجنة التثمين وفض النزاعات، أن المأساة التي حصلت تعد من باب الكوارث التي تستدعي تعويضاً لجميع القطاعات، أسوة بما يحدث عند ظهور الأوبئة والكوارث العالمية التي تتدخل فيها حكومات الدول لتعويض شركات أخذت على عاتقها تقديم مستويات خدمية رفيعة، وتضررت جراء أمور خارجة عن إرادتها».

وأضاف الأحمري «الجميع تضرروا، سواءً مالكي العقارات وأصحاب الفنادق وشركات للحج والعمرة والشركات التشغيلية، ولم يسلم أحد من هذه «الجائحة» التي عصفت بالاستثمارات الفندقية في منطقة تعتبر قلب وشريان العالم الإسلامي، وتعج سنوياً بملايين الزوار».

وزاد «يجب الالتفاف حول تلك الشركات وتعويضها تعويضاً يناسب خسائرها، لكن يجب أن لا تكون المطالبة بالتعويضات شماعة لبقية القطاعات الاقتصادية تعلق عليها خسائرها عند فشلها في عمليات التشغيل الذاتي أو بسبب سوء الإدارة ما يحدث أثراً انعكاسياً على مستويات الخدمة والتشغيل».

إلى ذلك، قال سعد القرشي رئيس لجنة الحج والعمرة في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، أن عدة لجان منضوية تحت مظلة الغرفة التجارية ستعمل خلال الأيام المقبلة على عقد عدة اجتماعات ولقاءات تجمع بين ملاك المباني والشركات المشغلة وشركات الحج والعمرة، من أجل أن يتم التوفيق في وجهات النظر بين جميع العاملين وشركائهم في موسم الحج والعمرة، والوصول إلى حلول ودية ترضي جميع الأطراف، والحيلولة دون اللجوء إلى أروقة الجهات الحقوقية.

وأوضح القرشي أن الخسائر كبيرة ولم تكن بإرادة الشركات المشغلة للفنادق أو شركات العمرة المستأجرة للوحدات السكنية، كما أن المستثمرين حققوا الأرباح خلال السنوات الماضية بمجرد تأجيرهم للمباني من دون تكبد عناء تشغيلها أو إدارتها، وهو الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التعاضد بين الجميع، وتفهم حجم الكارثة التي تمر بها شركات العمرة وغيرها من الشركات العاملة في الموسم، والتي تكبدت خسائر كبرى سيتضح حجمها بنهاية شهر رمضان وحلول موعد استحقاق دفع الإيجار لصالح ملاك المباني من قبل المستأجرين أو المشغلين لها، مؤكداً أن الرقم سيكون كبيراً، لكنه غير واضح الملامح في الوقت الراهن.

وأضاف رئيس لجنة الحج والعمرة:«لاحظنا تحسناً ملموسا في الوقت الراهن بالنسبة إلى زيادة عدد المعتمرين مقارنة بمطلع شهر رمضان، إذ تراوحت نسب الزيادة بين 15 إلى 20 في المائة، خاصة بعد أن أعلنت وزارة الصحة أخيراً أن عدد الحالات في مكة المكرمة والمدينة المنورة المصابة بانفلونزا الخنازير منذ مطلع شهر رمضان بلغت فقط 42 حالة، مقارنة بالرياض التي بلغ عدد الإصابات فيها 200 حالة، مؤكداً أن المستثمرين طالبوا وزارة الصحة بضرورة إصدار البيانات الرسمية والاستمرار في توضيحها حتى تبث الطمأنينة في نفوس الراغبين للقدوم لأداء نسك العمرة.