دارة الملك عبد العزيز: موضوع «الجيش السعودي» حوى عبارات غير دقيقة

أكدت أن الواجب العلمي يفرض التصحيح لتصل المعلومة بدقة ووضوح للمتلقي

صورة ضوئية للموضوع المنشور الأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

اطلعت على التقرير الصحافي الذي أعده بدر الخريف تحت عنوان «الجيش السعودي من قوة الإخوان إلى قوة مهابة» والذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» يوم الجمعة 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2009، حيث تطرق لنشأة الجيش السعودي موثقا بداياته ثم دخوله مرحلة النظام العسكري، وعلى الرغم من أن الموضوع كان جيدا في فقراته وتفاصيله، ووضح جهد المحرر في تحريره الصحافي المبني على مادة مستقاة من مؤلفات حول الموضوع، فإنه حوى عبارات غير دقيقة لا تترجم بصورة واضحة مراحل تاريخ الجيش السعودي في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (رحمه الله). ودارة الملك عبد العزيز ومن واقع رسالتها العلمية لخدمة التاريخ الوطني بالموضوعية وتصحيح ما قد يخالف المعلومة التاريخية الصحيحة ترغب في تقديم بعض الملاحظات على ما ورد في المادة المنشورة المشار إليها.

تكررت عبارة «فتح الحجاز» فكان من المناسب اختيار عبارة مثل «ضم الحجاز» أو «دخول الحجاز» أو «توحيد الحجاز» أو «استرداد الحجاز».

ما أشير إليه من أن الهجر ساهمت في حماية العاصمة من جهتين عبارة غير دقيقة، فالهجر إنما أنشئت بعد توحيد كثير من أنحاء المملكة العربية السعودية.

عبارة «.. وهذا لا يعني عدم رغبة الملك عبد العزيز في بناء القوة العسكرية وإنما حكمته عوامل دينية واقتصادية وسياسية واجتماعية..». ما هي هذه العوامل الدينية التي منعت الملك عبد العزيز من بناء قوة عسكرية، الواقع أن التطور في النواحي العسكرية والسياسية والإدارية وضع طبيعي لكل دولة ناشئة.

الإشارة في التقديم إلى صعوبة الحصول على معلومات عن بداية التنظيمات الأمنية في عهد الملك عبد العزيز بسبب الإجراءات الأمنية المتخذة لحماية هذه المعلومات غير دقيق، فكثير من المعلومات متوفر ومنشور في المصادر والوثائق. وما يتم منعه من تفاصيل أمر شائع لدى العديد من الدول.

ما ذكر عن أسباب عدم إنشاء الملك عبد العزيز قوات عسكرية نظامية خشية من بريطانيا ومن القوى المجاورة غير دقيق، وبريطانيا لم تعترض على الهجر وإن كانت لا ترغب في تطور مثل ذلك فإنها استفادت من هذه التجربة السعودية وحاولت تطبيقها في العراق التي كانت تحت احتلالها آنذاك.

عبارة «.. بدأ مرحلة القوة التقليدية 1901م بقوة صغيرة تكونت من بضعة وأربعين شخصا من أسر وأفراد موالين لآل سعود..»، مشيرا إلى استرداد الرياض عام 1319هـ/1902م وما ذكره غير دقيق، فإن عدد من كانوا مع الملك عبد العزيز ثلاثة وستون رجلا، كما أنه كان مع الملك عبد العزيز عدد من رجال أسرة آل سعود. عبارة «.. تذمر المقاتلون من طول انتظار وتأخر حسم الحرب بين عبد العزيز بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن متعب بن رشيد في القصيم عام 1904م حتى كادوا يتخلون عنه، فهداه تفكيره إلى إيجاد قوة يعتمد عليها ويسهل استدعاؤها في جميع الظروف فأنشأ الهجر ابتداء من عام 1911م..».

ما ذكر غير دقيق ورجال الملك عبد العزيز لم يظهروا أي تذمر، وهذا الحدث المشار إليه كان بعد معركة البكيرية وقبل معركة الشنانة، وما ذكر أيضا من الأسباب والنتائج غير دقيق، والقصة وردت في العديد من المصادر التاريخية ويطول إيرادها في هذا المقام.

أما الإشارة إلى أن الملك عبد العزيز أنشأ الهجر بسبب تذمر المقاتلين من طول انتظار الحسم بين الملك عبد العزيز وابن رشيد فهذا غير دقيق، فالهجر أنشئت بهدف تحقيق الاستقرار للقبائل الرحل وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم بواسطة العلماء والدعاة. وهو مشروع انطلق من رؤية الملك عبد العزيز وقيادته الحكيمة.

أما ما أشير إليه من إبراز جهود من كلفهم الملك عبد العزيز بمهمات لتطوير الجيش السعودي فإن ذلك جيد إلا أن أهم شخصية تاريخية كان لها الدور في تطوير الجيش العربي السعودي هو الأمير منصور بن عبد العزيز عندما عين وزيرا للدفاع بعد إنشائها في أول ربيع الأول 1365هـ 6 مارس 1946م برتبة فريق أول.

والنقاط التي كان من المناسب أن ينطلق منها من يكتب عن تاريخ الجيش السعودي في عهد الملك عبد العزيز هي ما يلي:

ـ كانت قوات الملك عبد العزيز، في أثناء عمليات توحيده لمناطق البلاد المختلفة، كما كانت قوات أسلافه من قادة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في كثير من جوانبها. فقد كانت تتكون من أفراد الحاضرة والبادية مع أمرائهم تجتمع تحت راية الملك عبد العزيز. وكان المشاركون يعتمدون كثيرا على إمكاناتهم الذاتية، تسليحا وتموينا. وبعد نهاية المعارك يعودون إلى بلدانهم ومواطنهم ليستأنفوا مزاولة أعمالهم المعتادة كالزراعة والتجارة والرعي.

ـ عندما أتم الملك عبد العزيز توحيد الحجاز مع ما سبق أن وحده من مناطق البلاد أدرك أهمية تطوير قواته بشكل منظم يتواءم مع المستجدات الحديثة المحيطة به. وكانت توجد نواة طيبة للجيش المنظم في هذه المنطقة قبل توحيده لها. فأصبحت الفرصة متاحة أمامه، بعد ذلك التوحيد، ليقوم بتنفيذ ما أدرك أهميته من تطوير وتنظيم لقواته المسلحة. واستعان الملك عبد العزيز بالعديد من الخبراء من العرب ومن أبناء الوطن لتحقيق هذه الرؤية بالشكل المناسب.

ـ الخطوة المهمة في نشأة الجيش السعودي النظامي كانت في تأسيس مديرية الأمور العسكرية سنة 1348هـ/1929م. وبعد خمس سنوات من هذا التاريخ وصلت القوات النظامية إلى مستوى اقتضى أن تشكل بموجبه وكالة للدفاع مع استمرار وجود تلك المديرية. وكان من أهم الأمور التي قامت بها الوكالة إعادة تشكيل وحدات الجيش، بحيث أصبحت تسمى: سلاح المشاة، وسلاح المدفعية، وسلاح الفرسان، وتنظيم تلك الوحدات على أساس كتائب وألوية، وإنشاء مدرسة عسكرية في الطائف. وفي سنة 1359هـ/1940م ألغيت مديرية الأمور العسكرية، وأقيمت بدلا منها رئاسة الأركان الحربية.

ـ النقلة الكبيرة في تاريخ الجيش العربي السعودي بدأت عام 1363هـ/1944م عندما حولت وكالة الدفاع إلى وزارة وعين الأمير منصور بن عبد العزيز وزيرا لها. وكان ذلك الأمير نشطا متحمسا لعمله. فسارع إلى اتخاذ خطوات موفقة تهدف إلى تطوير الجيش بسرعة، تنظيما وتدريبا وتسليحا. وكان مما قام به استقدام خبراء عسكريين من الخارج للتدريب وابتعاث أعداد من أفراد الجيش إلى بلدان عربية وغير عربية للدراسة والتدريب والاطلاع على ما هو جديد في المجال العسكري، وافتتاح مدرسة للإشارة واللاسلكي، ومدرسة للطيران، ومدرسة للصحة والإسعاف، ومستشفى عسكري في الطائف، والبدء ببناء المصانع الحربية في الخرج وبذلك اكتمل بناء الأسس القوية للجيش العربي السعودي. وكان من المواقف المشرفة لهذا الجيش في ذلك العهد الاشتراك في الحرب التي خاضتها الجيوش العربية إلى جانب الفلسطينيين ضد اليهود سنة 1367هـ/1948م.

ـ أهمية دور الأمير مشعل بن عبد العزيز في تطوير وزارة الدفاع بعد أن عين وزيرا لها عام 1370هـ/1950م على أثر وفاة الأمير منصور بن عبد العزيز.

وختاما نشكر للمحرر حرصه الدائم على خدمة المعلومة التاريخية الوطنية من خلال تقارير وتحقيقات صحيفة «الشرق الأوسط» في هذا المسار، إلا أن الواجب العلمي والوطني يفرض التصحيح والملاحظة والتنبيه حتى تصل المعلومة بدقة ووضوح للمتلقي، كما أشكر لكم ما تقدمه الصحيفة من خدمة إعلامية راقية للرسالة الوطنية تتمثل في استكشاف مزيد من تاريخنا المشرق.

* أمين عام دارة الملك عبد العزيز