ناشطون يرممون مواقع أثرية مهدّمه تمهيداً لتسليمها لـ«السياحة والآثار»

فيما حذر آخرون من تعرض مواقع أثرية للتخريب والتدمير

قلعة مارد ومسجد عمر يتعرضان للتخريب باستمرار
TT

اتجه ناشطون في حماية الآثار في عدد من المناطق السعودية خاصة الريفية إلى تولي إعادة إعمار بعض المباني الأثرية المهدمة استعداداً لتسليمها إلى فروع هيئة السياحة والآثار في تلك المناطق.

الى ذلك أكد مسؤول في هيئة السياحة والآثار أن على الراغبين في إعادة إعمار المواقع الأثرية العودة إلى الهيئة أولا باعتبارها تقدم دعما فنيا كاملا لهم.

ويأتي ذلك في وقت حذر ناشطون وباحثون في مجال الآثار وحمايتها بالمملكة من إهمال وتدمير المواقع الأثرية والتراثية بشكل مستمر من دون اتخاذ خطوات جادة من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة أو أي جهة إشرافية أخرى على هذه المواقع، على الرغم من تحذيرهم مباشرة للمسؤولين عن حماية هذه المواقع لكن من دون وجود أدنى اهتمام من قبلهم.

ويعلق احمد بن عبد الله الزهراني احد ساكني محافظة المندق جنوب السعودية الذي يتولى محاولة إعادة إعمار أحد الحصون الأثرية المهدمة ان ذلك واجب وطني يمليه عليه ضميره ومحبته لتاريخه العريق.

ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن أحد الحصون التي تقع في قلب القرية ويعود عمره لأكثر من 3 إلى 4 عقود تهدم نتيجة الأمطار والعوامل المناخية، لذلك اتفقت ومجموعة من الأصدقاء أن نتولى عادة إعماره والتبرع بكل ما يتطلب حتى تتم إقامته مرة أخرى لنذهب لهيئة السياحة وندعوها لتسلمه وحمايته». مشيرا إلى أن من واجبنا أن نساعد هيئة السياحة على حماية هذه الآثار.

من جهته أكد الدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف على ضرورة رجوع الراغبين في إعادة إعمار المواقع الأثرية إلى الهيئة أولا باعتبارها تقدم دعما فنيا كاملا لهم.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» لا بد من مخاطبة الجهة المسؤولة عن الآثار التي بدورها تقدم دراسة فنية متكاملة تحت إشراف خبراء على العمل وذلك تفاديا للوقوع في أخطاء تسبب تشويه الموقع الأثري بدلا من ترميمه.

وأوضح «أن الهيئة بصدد إصدار نظام جديد لتصنيف التراث العمراني على مستوى السعودية الذي يجعل المواقع الأثرية تحت حماية قطاع الآثار، لافتا إلى أن ذلك النظام ما زال في هيئة الخبراء.

وأضاف، يهدف النظام إلى تنظيم عمليات ترميم المواقع الأثرية على المستوى الوطني، إذ يمكن للمواطنين أن تكون لديهم مبان مصنفة من ضمن التراث الوطني.

وأشار إلى أن تلك المبادرات من قبل الناشطين في الآثار مرحب بها شريطة أن تكون بالتنسيق مع الجهات المسؤولة منذ البداية في ظل وجود مكاتب آثار منتشرة بمناطق السعودية كافة، إلى جانب خبراء لزيارة المواقع المراد إعادة إعمارها وتقديم خطة متكاملة ودراسة فنية والإشراف على العمل، مبينا أن تلك الخدمات تقدم مجانا للمبادرين في مثل تلك العمليات.

ولفت إلى وجود وحدة جديدة في الهيئة تختص بالدعم الفني الذي تقدمه للمواطنين الراغبين في العناية بالتراث العمراني، إضافة إلى أنها مستقبلا ستخدم حتى مالكي القطع الأثرية لترميمها وصيانتها.

إلى ذلك وحول التحذير من تعرض مواقع أثرية للإهمال والتدمير، أوضح عواد فالح الناشط والمهتم في حماية الآثار «أن هناك الكثير من المواقع الأثرية الهامة في السعودية التي دمرت بالكامل بالإضافة إلى عدم وجود حراسة ولا حماية على المواقع الأخرى الموجودة».

وتعد المناطق الأثرية في العديد من المناطق قد شملها التخريب في أحيان كثيرة، وفي مقدمتها منطقة الجوف التي يتحدث عنها الباحث إذ يقول«انه حتى بعد القبض على العابثين والمخربين من قبل الشرطة والمسؤولين، فلا تتم محاسبتهم بطريقة رادعة، كل ما في الأمر مجرد تعهد وأحياناً من دون تعهد يطلق سراحه بنفس اليوم. فحماية الآثار بالمملكة للأسف الشديد مفقودة وضائعة، لعدم وجود ثقافة لدى المجتمع السعودي بأهميتها، ومن دون أن يكون هناك أي وعي أو تثقيف بأهمية المواقع الأثرية وضرورة الحفاظ عليها.

وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» تتعرض هذه المواقع دائما للسرقة والتخريب من مجموعة من الجهلة الذين يعتقدون أن بها كنوزاً حتى أن بعض هذه المواقع التي تعود للعصور الحجرية (أي أن جميع أدواتها أحجار وصوان) دمرت بالكامل وسرقت أحجارها، ويتم تسويقها في أماكن متداولة فيما بين هؤلاء اللصوص وأحياناً أشبه ما تكون علناً خاصة الآن مع وجود الإنترنت الذي وسع مجال عرض هذه السلع ويتم بيعها بأسعار مختلفة، من دون معاقبتهم ومحاسبتهم، كما أن الجهات الحكومية بعضها هي التي تتعدى على المواقع الأثرية من دون أن يكون هناك تنسيق أو متابعة من الجهات السياحية. وأشار إلى انه بدأ اهتمامه بالآثار منذ 15 سنة وتحول من محب وباحث، إلى أن يحمي هذه الآثار التي يعتبر أنه لا قيمة لها من دون الاهتمام بها والحفاظ عليها من المخربين.

وبين أن هناك مواقع للنقوش كانت موجودة وتسوق على شكل متاحف مفتوحة للنقوش الكتابية الصخرية لكن الآن ليس لها وجود حيث تم تدميرها، بالإضافة إلى وجود ثقافة أخرى يمكن تشبيهها (بطالبان عندما دمر تماثيل باميان)، فهناك بعض الأشخاص الذين لو تم تحريضهم من قبل بعض الجهات فسيقومون بتدمير هذه الآثار من باب اجتهاد ديني خاطئ، إذ أن الآثار في المملكة لا تواجه فقط العابثين واللصوص بل أيضاً الجاهلين بأهميتها.

وأكد فالح أن هناك الكثير من الآثار التي تعرضت للتخريب والهدم خاصة في دومة الجندل وأول عبث كان من جهة حكومية وهي بلدية دومة الجندل منذ قبل أكثر من عشرين سنة حيث دمر جزء كبير من سوق دومة الجندل التاريخي الذي يعتبر من أشهر أسواق العرب بعد سوق عكاظ، تم تدميره بالكامل من قبل معدات بلدية دومة الجندل، وتقوم الهيئة الآن على إعادة بنائه لكن ليس بشكل علمي دقيق.

وهنا اكتفى أحد المسؤولين في بلدية دومة الجندل «رفض ذكر اسمه» بالرد على استفسارات «الشرق الأوسط» قائلا لا توجد لدينا أي معلومات حول هذا الأمر، مبررا ذلك بكون هدم السوق كان منذ سنوات طويلة، غير أن الموجودين حاليا في البلدية لا يملكون أي معلومات بخصوص ذلك.

وبالعودة إلى عواد فالح الذي أفاد بأن السياحة تعد أحد مصادر الدخل لأي دولة، وقال، أملك إحدى مؤسسات السياحة لتنظيم الرحلات السياحية الداخلية، إلا أنني أجد حرجا من السياح والضيوف الذين يأتون من خارج المملكة بهدف زيارة المواقع الأثرية ونجدها مدمرة وإن كان هناك مواقع مسيّجة فغالباً ما تكون مفتوحة ومعرضة للتكسير والخراب، فالعابثون يلعبون بالمواقع الأثرية من دون وجود خطوات جادة من الجهات الحكومية.

ونصح بالاهتمام بالسياحة التي هي الدخل الدائم لكل دولة حيث قال، لو دمرت هذه المواقع الأثرية لن تكون هناك أهمية للسياحة، وكوني أحد منظمي الرحلات السياحية أجد أن هناك ركوداً كبيراً بالسياحة والآثار، وحتى إعلانياً لا نجد أي اهتمام من قبل المؤسسات الإعلانية للحديث عنها، فالمملكة غير معروفة باستقبالها للوفود السياحية لكن نطمح لأن نكون كذلك.

وبالعودة إلى المختصين في الهيئة العامة للسياحة العامة والآثار، أوضح حسين بن علي الخليفة مدير جهاز الهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة الجوف «أن المواقع الأثرية هي عامل أساسي لإنجاح السياحة، وتعد منطقة الجوف خاصة دومة الجندل مركزاً لأغلب المواقع الأثرية مثل مسجد عمر بن الخطاب وقلعة مارد وسور دومة الجندل، وكذلك وجود متحف الجوف للآثار والتراث الشعبي بدومة الجندل، كما لدينا حالياً مشاريع تطويرية سياحية كمشروع تطوير بحيرة دومة الجندل، وحي الدرع بدومة الجندل وذلك بالاتفاق مع الفريق العلمي الإيطالي الذي يقوم بالبحث والتنقيب، وذلك لتحقيق الفائدة المرجوة من خلال تكامل العديد من العناصر الجاذبة للمواقع الأثرية وكذلك المواقع الأخرى السياحية المرافقة والمشاريع الداعمة لها.

وأشار الخليفة إلى «أن الهيئة العامة للسياحة والآثار هي مكمل لما كانت تقوم به وكالة الآثار سابقاً، كما أن الاتفاقية العلمية مع الفريق الإيطالي تعد جانبا من جوانب الاهتمام التي هي عبارة عن جهة علمية لفريق سعودي وإيطالي تقوم بأعمال البحث والدراسة والتنقيب في دومة الجندل، بدأت منذ العام الماضي ومدتها خمس سنوات، حيث تفيد في معرفة الفترات الزمنية، لهذه المواقع، كما أنها ممكن أن تغير شيئاً في التاريخ، فمثلاً الحفريات التي تمت العام الماضي أظهرت عن أربع مراحل زمنية في موقع بسيط وعند اكتمال الحفر والتنقيب سنصل لنتائج أفضل. وأوضح الخليفة «أن هناك أعمال ترميم وصيانة للعديد من المواقع مثل قلعة مارد ومسجد عمر بن الخطاب، ولدينا مشروع يسمى مركز الحرفيين وهو عبارة عن إعادة ترميم أجزاء من السوق القديم بدومة الجندل، وهو من أقدم أسواق العرب ويعقد في أول الربيع من كل عام، وقمنا بإعادة تأهيل جزء من هذا السوق لكي يكون مركزا للحرفيين الموجودين في المنطقة ليقوموا بعرض منتجاتهم الحرفية، خاصة وأن الموقع مكان للزيارات نظراً لقربه من المسجد والقلعة، وأيضا المتحف كما أنه بجانب حي الدراع الذي هو أحد القرى التراثية المهمة التي نحاول الآن إعادة تأهيله بحيث تتم الاستفادة منه، إما للسكن أو لأن يكون مزاراً».

وبين «أن هناك مواسم لزيارة المناطق الأثرية بالجوف تختلف عن باقي مواسم السياحة في السعودية حيث تنتعش السياحة في المنطقة نهاية شهر ديسمبر وبداية يناير عندما تكون الأجواء باردة وتتوافق مع إجازة عيد الأضحى المبارك وموسم الزيتون، فنجد إقبالا كبيرا على الجوف من الداخل والخارج فتتوافد المجموعات السياحية كاليابانيين والأوروبيين، وكان في السابق الأميركيون بالإضافة إلى أن هناك السياح القادمين من مختلف مناطق الخليج.

واستطرد «وتتوفر عوامل الجذب السياحية في هذه الفترة إذ يجد السياح منتجات جديدة تتميز بها المنطقة ذات نوعية جيدة تطرح في الأسواق، بالإضافة إلى عناصر الجذب الأخرى كالمواقع الأثرية سواء في سكاكا أو دومة الجندل، كذلك الرحلات الموجودة الآن والطريق الذي فتح بين حائل والجوف عبر النفوذ قام بتسهيل الطريق أمام الزوار ليصلوا إلى المنطقة في مختلف المواسم والإجازات، فأصبح من السهل الوصول والاستمتاع بمشاهدة الكثبان الرملية العالية بالإضافة إلى مختلف أنواع النباتات أثناء المرور من هذا الطريق الذي كان يعتقد في السابق من المستحيل أن يكون هناك طريق إسفلتي يقطع هذه الصحراء الرملية.

وحول وجود خطة لاستثمار هذه المواقع الأثرية سياحياً بشكل عالمي أفاد الخليفة «أننا نعمل جميعاًَ من أجل السياحة، لكننا نسعى الآن إلى جذب السائح الداخلي بقدر المستطاع حيث ان الكثير من الراغبين بالسياحة يجهلون الكثير عن مناطق المملكة ويعلمون الكثير عن خارجها، ومما لا شك فيه أن السائح الخارجي هو هدف لكن ليس في السنوات الأولى التي هدفنا فيها السائح الداخلي والمواطن، كذلك نسعى في برامجنا وخططنا لما يعود بالفائدة والنفع حيث نهدف للزيارات المنظمة عبر المجموعات والرحلات خاصة وأن الجهات المسؤولة بدأت بإعطاء تراخيص لمكاتب منظمي الرحلات، ولدينا الآن عقود عالمية لزيارة بعض الأماكن السياحية في الجوف مثل الكهوف، ونلاحظ زيادة مستمرة لزوار هذه الأماكن الأثرية عن كل عام».

يشار إلى أن إحصائية صادرة عن مركز ماس للأبحاث والإحصاءات السياحية سجلت ارتفاعا في نسبة زيارة الأماكن الأثرية والتاريخية إلى 18 في المائة في الربع الثاني من عام2009 م، مقارنة بـ 8 في المائة للربع الأول من نفس العام، وسجل شهر مايو أيار أكبر عدد من حيث الزيارات السياحية الوافدة حيث بلغت 19 رحلة، فيما بلغ عدد زيارة الأماكن الأثرية من قبل السياح المحليين 7 في المائة في الربع الثاني من 2009م مقارنة بـ4 في المائة للربع الأول من نفس العام، وسجل شهر أبريل أكبر عدد من حيث الزيارات فبلغت 10 زيارات.