السعودية تبدأ لأول مرة تطبيق «محاكاة الحشود» لتفادي الزحام في موسم الحج

الحربي مدير معهد أبحاث الحج لـ «الشرق الأوسط»: الاستعانة بأفكار خبراء عالميين.. والمرأة شريك في الدراسات

د. ثامر الحربي مدير معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج («الشرق الأوسط»)
TT

كشف الدكتور ثامر الحربي، مدير معهد خادم الحرمين الشريفين، لأبحاث الحج والعمرة، أن المعهد سيطبق هذا العام برامج «محاكاة الحشود» في العاصمة المقدسة، وهو ما من شأنه أن «يخرس» مكبرات الصوت، وفق معادلات رياضية ستطبق في صحن الطواف والجمرات، لافتاً إلى أن التجمعات الرياضية الكبيرة ومنافسات الأولمبياد العالمية تمثل فقط 10 في المائة من معدلات الحشود القادمة لأداء فريضتي الحج والعمرة.

وقال الحربي «وصل عدد أبحاث المعهد الآن إلى ألف بحث، أفرزتها 30 عاماً هي عمر المعهد منذ تأسيسه، وظل يعمل بميزانيته التي لم تتجاوز المليوني ريال (533 ألف دولار) ومع ذلك تناول جميع الأبحاث والدراسات، واختفى المعهد عن مشروع القطارات الذي سيحدث طفرةً في النقل، ويجهض ملامح «النقل الترددي» الذي اعتمدت عليه مواسم الحج لسنواتٍ طويلة. إلى تفاصيل الحوار:

* في البداية نرغب بلمحة سريعة عن نشأة المعهد، وتاريخه، ولماذا انتقل من جامعة الملك عبد العزيز لجامعة أم القرى؟

- المعهد له ما يقارب الـ30 عاماً منذ تأسيسه في عام 1975، حين بدأت فكرة إنشائه كوحدة تابعة لجامعة الملك عبد العزيز في جدة، ثم في عام 1976 اتخذ قراراً بإنشاء «معهد أبحاث الحج»، واستمر في عمله ضمن نطاق الجامعة حتى عام 1981 عندما صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء معهد أبحاث الحج كجهة استشارية فنية للجنة الحج العليا وللجهات العاملة في الحج، وربطه بلجنة إشرافية يرأسها الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي، وعضوية كل من وزير التعليم العالي ووزير الحج.

ثم صدر في عام 1983 أمر المقام السامي الكريم بنقل المعهد من جامعة الملك عبد العزيز إلى جامعة أم القرى، بحكم المكان وقداسته، وكون المعهد وأطروحاته وجهاته الإشرافية ينبغي أن ينبثق من العاصمة المقدسة لارتباط أعماله بالحج والعمرة والمشاعر المقدسة، وهذا القرار حمل المنطقية والوجاهة في الوقت ذاته.

وفي عام 1998 صدر قرار المقام السامي بتغيير مسمى المعهد من مركز أبحاث الحج إلى معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، وهو ما أعطى قوة دافعة للجهات العاملة في الحج، تستند إلى الأهداف وعمق التجربة وقوة الأبحاث التي يتولى المعهد تنفيذها.

ويعمل المعهد كوحدة متكاملة، ما أتاح الفرصة لإنشاء أقسام متعددة تابعة له، حتى وصل عددها أخيراً إلى خمسة أقسام علمية شاملة لكل مناحي الدراسات والاستشارات المطلوبة من المعهد، كما أنه وفر زخماً دولياً لأبحاثه ودراساته، إلى جانب قدرته على تدريب العديد من الكوادر السعودية الرجالية والنسائية ومنحها شهادات الدبلوم عند اجتيازها لدورات المعهد التدريبية، وكل ذلك منحه مفهوماً شاملاً كمعهد متخصص للدراسات والأبحاث الخاصة بالحج والعمرة، ودوره في تأهيل الكفاءات والكوادر الوطنية.

* كم عدد الباحثين والأكاديميين العاملين في المعهد؟ وما حجم مشاركة الجانب النسائي في البحوث والأطروحات المنجزة؟

- لدينا متدربون ومتعاونون في جميع المجالات والأبحاث، ونعتمد على النساء الباحثات بشكلٍ كبير ونعول عليهن في كثير من الأطروحات المقدمة، وتشارك مجاميع من الأكاديميات والطالبات في كلٍ من جامعتي أم القرى والملك عبد العزيز في الدراسات والأبحاث التي ينفذها المعهد في موسمي الحج والعمرة، توصلن إلى نتائج ممتازة فيما يخص الأبحاث ذات العلاقة بالمرأة، وهي ركيزة مهمة في أي بحث علمي واجتماعي يتم تنفيذه داخل المخيمات والمعسكرات، نظراً لقدرة الباحثات على التعامل مع النساء بشكلٍ مباشر، خصوصاً في الأبحاث المتعلقة بالحرم المكي الشريف والمسجد النبوي.

وتعمل هؤلاء الباحثات على تدوين النقاط الملاحظة في المواقع الخاضعة للدراسة، ويعقد الكادر النسائي اجتماعاً لمناقشة الأبحاث ورفع التوصيات حيالها إلى إدارة المعهد، ومن ثم ترفع تلك التوصيات إلى لجنة الحج المركزية، وتكمن أهمية هذه المشاركة النسائية في أبحاث المعهد في أن أحداً لا يستطيع التنبؤ باحتياجات الجانب النسائي إلا النساء أنفسهن.

أما بالنسبة لعدد الكادر العامل في المعهد، فقد وصل إلى أكثر من 25 باحثاً من أستاذ مشارك ومساعد، ويرتفع هذا العدد في موسمي الحج والعمرة إلى أكثر من 150 باحثاً، استناداً على الخطط البحثية التي تصلنا من جميع الجامعات السعودية.

ونستعين أيضاً بباحثين من خارج الأوساط الجامعية فيما يخص الكادر التعليمي، أما طلاب الأبحاث فيصل عددهم إلى 700 باحث وباحثة، وفي أحيان أخرى يستقطب معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج باحثين للمشاركة في إعداد الأبحاث نظراً لخبراتهم العالمية والعلمية، في مجالات النقل والإسكان والسلوكيات.

ويحاول المعهد محورة أبحاثه في مشاكل خاصة بالحج، قضينا وقتاً طويلاً ونحن نطرق أبواب الجمرات منذ بدايات التأسيس، وحتى تم الانتهاء من مشكلة الزحام والتدافع حولها بإنشاء جسر جمرات عالمي وبمواصفات متقدمة جداً. وكان إنشاء هذا الجسر نتاجاً لدراسات طويلة بدأت منذ عام 1988. وما زلنا ننفذ سنوياً برنامجاً خاصاً لجسر الجمرات، نأخذ من خلاله المعلومات الضرورية ونسجل الملاحظات ونرفع توصياتنا حيالها إلى لجنة الحج العليا، وهذا البرنامج أطلق عليه «برنامج متابعة جسر الجمرات».

ولا بد لي أن أؤكد فخر المعهد بأن أطلق «روزمانة» من الدراسات، بمشاركة وزارة الشؤون البلدية والقروية حتى خرج جسر الجمرات كما يراه الناس الآن في أبهى حلة وأفضل تصميم.

* كم عدد أقسام المعهد وتخصصاته؟ وما هي منهجيتكم في العمل البحثي داخل المعهد؟

- لدينا خمسة تخصصات، القسم الأول منها يتعلق بالبحوث الإدارية والإنسانية، ويضم هذا القسم وحده أكثر من سبع وحدات تخصصية، كالنسك، والبحوث الإدارية، والإنسانية والسلوكية، وكلها تعنى بالتخصصات الدقيقة، أما القسم الثاني منها فيعنى بالبيئة والصحة، وكل ما يتعلق بالمناخ والتلوث والأمطار والحرارة، إضافة إلى الجانب الصحي فيما يختص الحجاج والمعتمرين ومتابعة أحوالهم الصحية.

أما القسم الثالث، فهو قسم البحوث العمرانية والهندسية، ويختص ببحوث المنشآت والتخطيط والعمارة، والقسم الرابع يتعلق بالبحوث الإعلامية والإرشادية والتوعوية، فيما يهتم القسم الخامس، وهو قسم المعلومات والخدمات الإرشادية، بكل ما له علاقة بالتقنية واستخداماتها، وتحرير الاستبيانات والإحصاءات والنتائج، والتقنية السلكية واللاسلكية.

وهذه الأقسام شاملة لجميع التخصصات ذات العلاقة بموسمي الحج والعمرة، ونسعى في كل موسم إلى أن يقدم كل قسم برنامجه الخاص للرقي بهذين الموسمين.

ولدينا في المعهد طريقتان في العمل، هما البرامج، وننفذ من خلالهما متابعات ميدانية فيما يتعلق بجسر الجمرات والنفرة والدراسات والأبحاث، يأتي ذلك في وقت نجد متابعة خاصة واهتماماً من الأمير نايف بن عبد العزيز الذي دفعنا نحو الامتياز، إلى جانب التعاون مع الجهات العاملة في الحج، ومؤسسات حكومية داخلية كمؤسسات الطوافة، ووزارة الحج، والدفاع المدني، حيث كونا معاً لغة تعاون رائعة، ودعامة نحو الانطلاق الأمثل، وتنفيذ مشاريع مختلفة وفي حقول متنوعة كذلك.

* ما أبرز المشاريع والدراسات التي أنجزها المعهد، وإلى أي مدى لمستم فوائدها؟

- أبرز الدراسات هي المتعلقة بالاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي، فالجميع يذكر قبل سنوات كيف أن لحوم الهدي والأضاحي كانت تذبح في الشوارع والأزقة أمام المارة، وتسبب مشكلات بيئية كبيرة، ومع ذلك تهدر تلك اللحوم ولا يستفاد منها، وتشكل عبئاً على الحجاج في التنظيم، وتؤرق الجهات الحكومية، خصوصاً أمانة العاصمة المقدسة وتشكل مظهراً غير حضاري.

وتابع معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج في حينه هذه القضية بشكل علمي، وأعد دراسات حول كيفية الاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي، وانبثق من تلك الدراسات «مشروع المملكة العربية السعودية للاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي»، وهو الآن من أفضل المشاريع التي تنفذ في العاصمة المقدسة، إذ تتم الاستفادة سنوياً من حوالي مليون رأس من الأضاحي من خلال توزيعها عبر مشاريع متكاملة على كافة البلدان الإسلامية.

كما كان المعهد وراء إطلاق مشروع «النقل الترددي»، حيث تركزت المشكلة في صعوبة عمليات نقل الحجاج داخل المشاعر المقدسة، وفي حال تعطلت إحدى المركبات يمتد انتظار الحجاج لساعات طويلة قبل فك الاختناق، وتقدم المعهد سنوات بحل لهذه المشكلة من خلال مشروع النقل الترددي، تشتمل على تخصيص مسارات معينة للنقل، وبدأنا أول تجاربنا لهذا المشروع منذ عام 1995.

والمعهد في مجمله ليس جهةً تنفيذية، بل هو حقل للتجارب والبحوث، ونقنع الآخرين بجدوى دراساتنا وبحوثنا، ونتعاون مع جهات حكومية مختلفة للتأكد من نجاعة تلك التجارب.

وفي بداية تطبيق «النقل الترددي» طبقنا تجارب محدودة على حجاج تركيا في طريق رقم تسعة، وحققت التجربة نجاحات باهرة جداً، حيث عين طريق خاص بالحافلات لا يتقاطع بتاتاً مع المركبات الأخرى ولا مع النقل العام، لها محطات بطاقة استيعابية محدودة ومدروسة، وتم نقل الأعداد الكبيرة من الحجاج في أوقات قياسية في عالم النقل، وما كنا ننقله في 15 ساعة أصبحنا نختصره في ساعات محدودة.

* أنتم تتكلمون عن النقل الترددي في وقت تجاوز فيه العالم هذه الخطوة بعشرات السنين، ألا ترى أنكم تأخرتم كثيراً في أبحاثكم عن النقل؟

- نحن نتكلم عن سرد تاريخي لمراحل النقل التي مرت بها العاصمة المقدسة ابتداءً من عام 1995، فأثبتت التجربة نجاحها مقارنةً بما هو موجود في ذلك الوقت، والمعهد كان يعمل ويستشرف المستقبل، وتلك التجربة اعتمدتها وزارة الحج وعممتها على مؤسسات الطوافة، وكانت «الترددية» طفرة في حينها.

والمعهد لم يركن لذلك التقدم، واستمر في سبر البحوث والأطروحات بالتفكير في وسائل أخرى للنقل تواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، وتكللت تلك المجهودات بإطلاق مشروع قطارات المشاعر، وتم الانتهاء من الخط الأول، وسيعمل بإذن الله في حج العام المقبل.

* ما هي أبرز التوصيات التي رفعت من قبلكم للجنة الحج المركزية؟

- من أبرز التوصيات التي رفعها المعهد للجهات العليا، هو الاستمرار في تنفيذ الدراسات والأبحاث لإيجاد البدائل عن الموجود، النقل ليس فقط وسيلة، نحن ندرس نوعية الطرق والتقاطعات التي تقطع المشاة مع المركبات، والمعهد ينظر بشمولية كاملة لا بنظرة محدودة، فلا يمكن مثلاً أن نحل مشكلة الإسكان من دون حل مشكلة النقل والمرور.

ونحن نمتلك باحثين ومتخصصين في هذا المضمار، ونحظى بأعلى درجات التنسيق مع الأمن العام وبقية الجهات الحكومية، ونجتمع دائماً في ورش عمل مستمرة مع تلك القطاعات.

* هل انبثقت فكرة إنشاء القطارات من معهد أبحاث الحج، وما الذي شارك فيه المعهد في هذا المشروع؟

- لا، لم يشارك المعهد في اختيار القطار ولا الطرق التي سيمر عليها، نحن ابتكرنا النقل الترددي وهو الأنجح ما لم تأتِ وسيلةٌ أخرى.

والقطار وسيلة نقل من الوسائل الناجعة، ونحن في مناطق جبلية، وقد يتخذ القطار منحى جبلياً نضطر فيه لعمل أنفاق داخل الجبال، كل هذه قرارات فنية وتحتاج إلى دراسات أكثر وأعمق، والمسألة ليست فقط سكة حديد، بل توجد أيضاً محطات لتوقف القطارات، أين ستكون هذه المحطات؟ من هي الشريحة التي ستستخدم القطارات بالضبط؟.

الإجابة عن الأسئلة السابقة تتطلب إجراء دراسات للنمط المجتمعي للحجاج، وهو الأمر الذي يجب أن يدرس بعناية، إضافة إلى التساؤل عن الخط الأنسب هل الموجود حالياً أم يوجد خط آخر، وسيكون بإذن الله المعهد موجوداً وسيقدم دراساته وتوصياته في هذا الخصوص، وسنقدم تقييمنا في هذا الإطار استناداً إلى خبرة تراكمت مع كل تلك السنين الماضية.

ولا أعتقد مطلقاً أن جهة تمتلك خبرة في هذا الشأن تفوق الـ30 عاماً، كالتي يمتلكها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، نحن نحظى بدعم القيادات العليا في البلاد، وهو ما يكسبنا زخماً ودافعاً نحو التفوق والنجاح.

* كم عدد الدراسات التي قدمها المعهد، وهل استقطب دراسات وأبحاثاً من جهات خارجية؟

- عدد الدراسات التي قدمها المعهد تفوق الألف دراسة وبحث، وفي ظرف العامين الأخيرين قدمنا ما يربو على 88 دراسة، وفي هذا العام من باب التطوير والاستعداد واستشراف المستقبل، نفذنا خططنا البحثية على مدار العام خلافاً لما كان الأمر عليه في السابق، بأن تقتصر أبحاث المعهد ودراساته على موسمي الحج والعمرة.

كما أصدرنا إعلانات لدعوة الراغبين بتقديم دراساتهم وبحوثهم إلى أن يتقدموا بها إلى المعهد، وبالفعل توالت الأبحاث المقدمة، وعملنا على تقييمها في لجنة علمية داخل المعهد، واعتمد منها ما اعتمد، وأجريت عليها الدراسات النظامية واعتمدت في شهر رجب الفائت، وهو ما فتح لنا مجالاً نحو التطوير، وخدمة للمعهد والباحث في كسب الوقت مبكراً لتقديم بحثه، خاصةً من كان لديه استبيان أو استطلاع ليقوم به مبكراً، حيث قمنا بتأمين احتياجاتنا مبكراً قبل الموسم.

* أي مكان في العالم تتجمع فيه ملايين البشر يتعرض إلى مشاكل بيئية، ترى ما الذي قدمتموه لمعالجة التلوث البيئي في المشاعر المقدسة، وهل واكبتم الحدث في دراساتكم فيما يتعلق بمرض إنفلونزا الخنازير؟

- دراساتنا البيئية تقتصر على الهواء وحركة الرياح والمناخ، لدينا باحثون في هذا الحقل، ونقدم استطلاعاتنا مبـكراً للجنة الحج المركزية، أما مرض إنفلونزا الخنازير فهو مرض جديد على العالم، وتكفلت بمعالجته وزارة الصحة السعودية. فيما نركز جهودنا على دراسة وتحليل درجات الحرارة وحركة الرياح، ونقدم توصياتنا بزيادة التهوية في بعض الأنفاق، وفتح مجالات التهوية في منطقة الحرم، ولدينا توجه نحو الانطلاق بشكلٍ أكبر في المجالات الصحية والبيئية.

* يحل موسم الحج في هذه الأعوام في فصل الشتاء خلافاً للسنوات الماضية، وهو ما يتعين خلق نمط معين في الملبس ومساكن الحجاج، خاصةً إذا كان فصلاً ماطراً، ما الذي ترونه في هذا الجانب؟

- لسنا متخوفين من دخول الشتاء في موسم الحج، لأن لدينا دراساتنا الاستشرافية، وموسم الشتاء دائماً يزامنه هطول أمطار، ولدينا دراسات توثيقية لما حصل في الأعوام السابقة، ورصد لجميع المواقع الخطرة، أو التي يمكن أن تشكل خطراً على الحجاج.

ومشروع تطوير منى استند إلى معلومات خرجت من معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، إذ أنجز المعهد في هذا الشأن دراسات وتطبيقات هندسية في سفوح الجبال، وهي مطمئنة بشكلٍ كبير. وفيما لو حلت أمطار ستكون المشاعر بحول الله بمنأى عن الأخطار والسيول التي تنزل من أعالي الجبال نحو مشعر منى التي تقبع تحت جبلين، ومصدر المياه فيها ضخم.

والمعهد دائماً في الحدث، لا لشيء إلا من أجل أن نمتلك المعلومة، ولدينا برامج اسمها «ربط وتوثيق»، وفريق متكامل للتصوير الفوتوغرافي، إلى جانب تسجيلات فيديو لجميع المواقع، نظراً لأنه يطلب منا بشكل دائم استشارات للجهات المعنية، ولا نعطي هذه الاستشارات إلا حين نمتلك المعلومة، ولا نصدر استشاراتنا إلا بعد أن تحكّم في لجان المعهد العلمية، لتكون واقعية وتجد القابلية لدى الناس.

* تكبدت شركات الحج والعمرة ومؤسسات الطوافة خسائر كبيرة، بسبب تضاؤل عدد المعتمرين والحجاج القادمين، ما الذي شاركتم به في هذا الخصوص للخروج من هذه الضائقة الاقتصادية؟

- من خلال مشاهداتنا هذا العام لاحظنا أن الأعداد كبيرة، فيما عدا بعض الفراغات التي نشهدها في المسجد الحرام والشوارع التي لم نكن نعهدها من قبل، لكن ينبغي أن يعلم الجميع أن السبب ليس فقط «إنفلونزا الخنازير»، لكن بسبب حلول موسمي رمضان لهذا العام والعام المنصرم في إجازة، ومعظم الأسر السعودية تؤيد البقاء في مدنهم التي يقطنون فيها وتمضية الشهر الكريم إلى جوار أهلهم وأقاربهم، وزحام العشر الأواخر من رمضان الذي كنا نشهده سابقاً توزع على بقية الشهر الكريم.

* هل لديكم النية في الاستقلال عن جامعة أم القرى، وجلب باحثين على أعلى المستويات من خارج البلاد؟

- وما الذي سيعيقنا نتيجة تبعيتنا للجامعة، نحن نؤدي جميع أعمالنا ونستفيد استفادةً كاملة من جميع أدوات جامعة أم القرى، ونحظى باهتمام ودعم شخصي من مديرها، ونستطيع تحت مظلة الجامعة استقدام خبراء عالميين في مجال النقل والحركة وإدارات الحشود. ونحن نتعاون مع جهات عالمية ونقدم الاستشارات، والمجالات والأبواب مفتوحة في هذا الإطار، والجامعة تسخر جميع إمكاناتها لخدمة المعهد، من دعم فني ولوجستي، ولا نرى في الوقت الحاضر ضرورةً للاستقلال عن الجامعة، والمعهد الآن يتمتع باستقلالية تامة في القرار.

ونحن نتعاون مع خبراء عالميين، صحيح أنهم لا يستطيعون الحضور إلى مكة المكرمة لقدسيتها، لكننا نذهب إليهم، أو نستضيفهم أحياناً في جدة والرياض حسب الحاجة، ونعقد اجتماعات مغلقة ومحددة مع خبراء عالميين عن طريق الربط الإلكتروني، ونتواصل بشكل دائم مع خبراء عالميين في مجال الحركة وإدارة الحشود، لديهم خبرات عريضة في إدارة الحشود في الأولمبياد، رغم أن الحشود الموجودة في الأولمبياد لا تعادل عشرة في المائة فقط من ذات الحشود الموجودة في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن هذا المنطلق يجب أن نكون نحن السعوديين الخبراء في مجال إدارات الحشود وما إلى ذلك.

كما توجد اتصالات لنا مع بعض بيوت الخبرة العالمية في مجال «محاكاة الحشود» بخصوص تفكيك الكثافات البشرية المختنقة في بعض المواقع، ولدينا في هذا الشأن معادلات رياضية لمحاكاة إدارة الحركة والحشود، وتوجد أسماء معينة ومحددة نرسل لها معلوماتنا ونستقبل منها الاستشارات، ونتعاون كذلك مع الهيئة العامة لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وهو ما خلف أجواء الاستفادة والإفادة من أبحاث ودراسات المعهد.

ونتجه حالياً لإعداد برامج المحاكاة في جسر الجمرات، وأماكن تدفق الحجاج من جسر الجمرات، ومناطق الحرم، والطواف والسعي، ونجري دراسات على حشود الطواف والبوابات المطلة على صحن الطواف وفق منهجية رياضية لإدارة الحشود تغنينا عن مشاكل الازدحام.

كما نتحاشى استخدام المكبرات، ونعمل على حلها إدارياً وتشغيلياً، ونماذج المحاكاة تعتمد على عنصر التنبؤ، أي التنبؤ بموقع الازدحام قبيل حدوثه ومن ثم معالجته مبكراً، ولدينا مقسمات جغرافية في هذا الإطار، ومكبرات الصوت تسهم في خلق الفوضى ولا تحل المشكلة، ونحن نحاول تمهيد هذا الشيء وتعبئته إعلامياً.

* برامج «المحاكاة» تحتاج فرق عمل كبيرة، ما حجم موازنة المعهد المالية التي تنطلقون في تنفيذ أبحاثكم ودراساتكم من خلالها؟

- موازنة المعهد لا تتجاوز المليوني ريال سعودي، لكننا نستخدم إمكانية جامعة أم القرى في المواسم، وكل ما نحتاجه من الجامعة مادياً تقوم الجامعة بتوفيره، إذ توفر لنا وسائل الاتصال والعمالة المساندة، والطلاب المشاركين في البحوث. كما يوجد في الجامعة مركز جديد اسمه مركز «التميز» لأبحاث الحج والعمرة، وميزانيته تصل إلى 40 مليون ريال، وهو مركز متخصص وشبيه بالمعهد، يسعى إلى تنفيذ أبحاث متخصصة ومتميزة في مجال الحج والعمرة.

* ألا يشكل عمل هذا المركز ازدواجية لما تقومون به في المعهد؟

- قد يرى البعض أنها ازدواجية، لكنها ليست كذلك، بعض الأبحاث تأخذ وقتاً طويلاً في إجرائها يصل إلى حدود السنة، ومن أجل تميزها تأخذ زمناً أطول يفوق السنة، بهدف حل بعض المشاكل الجذرية، والمعهد متخصص في الأبحاث والدراسات السريعة التي تتطلب وقتاً كافياً، ونحن نطرق باب المؤسسات العالمية بغية الحصول على التكنولوجيا التي تمتلكها، وأحياناً يشارك المعهد في برامج مدعومة، ونسعى إلى زيادة موازنته بما يتلاءم مع الدراسات والبحوث الكبيرة التي تخرج منه.