«الشرق الأوسط» ترصد حكايات حزينة لأسر قضت نحبها في أحداث سيول جدة

أحدهم مات وهو يحضن رضيعه.. وأخرى قضت وهي متجهة إلى الحج

TT

لم يكن يحيى قيراط أحد سكان حي المنار في شرق جدة يعلم وهو يغادر منزله ليوصل زوجته إلى أخيها لتحج معه في يوم الأربعاء المنكوب، وبصحبته 6 من أفراد أسرته وعاملته المنزلية، أنه لن يعود إلى هذا المنزل مرة أخرى وأنه سيقضي وأسرته نحبهم في أحداث المطر.

ويروي لـ«الشرق الأوسط» القصة أبو محمد قريب العائلة والعبرة تخنقه قائلا «خرجت الأسرة صباحا من فيلتهم في حي المنار في بريمان شرق الخط السريع، لتوديع الأم وإيصالها إلى أخيها لتؤدي برفقته الحج، وركب الجميع بمن فيهم الأم التي تعمل موجهة بالإدارة العامة لتعليم البنات، وابنتهم ضحى ذات السبعة عشر ربيعا، وعبد الله الذي يبلغ من العمر 8 سنوات وطفلة رضيعة إضافة إلى أحمد 12 عاما والذي لا يعرف له أثر حتى الآن وعاملتهم المنزلية التي لقيت حتفها هي الأخرى». مشيرا إلى أن المفاوضات جارية مع أهل العاملة الاندونيسية لنقلها إلى إندونيسيا.

ويستطرد «خرجوا جميعا في العاشرة من صباح ذلك اليوم ليودعوا أمهم التي كانت علمتهم في تلك الليلة مناسك الحج كما كانت تعلمهم القران يوميا، وركبوا جميعا سيارتهم الـ لاند كروزر بيضاء موديل 2007 من فيلتهم الجديدة التي لم يكملوا أشهرهم الثمانية فيها منذ انتقلوا إليها، وسلك الجميع طريق الحرمين فداهمتهم السيول».

ويتابع القصة والبكاء يغرق عينيه «وجدت الأم في كيلو 2 جنوب جدة رافعة يدها إلى السماء طالبة الشهادة أي أن جثتها طافت أرجاء المدينة ووصلت إلى ذلك المكان الذي يبعد عن موقع فقدان سيارتهم نحو 30 كيلومترا، فيما عثر على جثة ضحى أمام كبرى الخشب في مفرق حي الروابي من طريق الحرمين، فيما كانت صورة الأب الأكثر تأثيرا حيث وجده وهو ضام اليدين برضيعته التي ظهر وأنه كان يحميها من المياه فيما لا يزال البحث جاريا عن أحمد ذي الاثني عشر عاما بين آثار المطر».

ويضيف أبو محمد «غسل الجميع معا في مغسلة الثنيان بجدة، وتمت الصلاة عليهم فجر يوم أمس، ودفنوا بجوار بعضهم بعضا وترك قبر لشقيقهم أحمد في انتظار وصوله».

ولم تنتهِ مأساة أسرة يحيى قيراط عند هذا الحد، ولكن ما حدث لحظة إبلاغ بناته الثلاث الباقيات والمتزوجات بالفاجعة، حيث سقطت إحداهن بجنينها الذي تحمله مغشيا عليها وتم نقلها إلى المستشفى.

ولم تكن عائلة قيراط الوحيدة التي ذهبت ضحية الأمطار، فها هو أبو عبد الله يحكي مأساة عائلة مصرية في حي قويزة شرق الخط السريع ويروي مارآه بعينيه بعد مداهمة السيل للحي ويقول «خرج الأهالي من منازلهم وبدأ الجميع في مساعدة الآخرين، فذهبت برفقة أبناء الحي لمساعدة أسرة جارنا بعد مشاهدة المياه تغمر منزلهم وقرعنا الباب ولم يرد علينا أحد وتم كسر الباب ليتفاجأ الجميع بـ 5 جثث لأم و4 بنات في مكان واحد على ارتفاع أربعة أمتار».

السيول لم تفرق بين كبير وصغير، إذ جرفت كل ما وجدته أمامها بدءا بالأطفال الذين كانوا يلعبون في الشوارع والآخرين الذين يرقدون في أحضان أمهاتهم، فهذا سعيد بايزيد ابن الـ 11 عاما وهو الابن الوحيد لوالديه خرج بعد انتهاء سقوط الأمطار ولم يعد، وبعد بحث مضنٍ في منازل الحي وشوارعه عثر عليه بين المتوفين في أحد المستشفيات وأبلغت أسرته أنه عثر عليه على بعد كيلومترين من مسكنه.

ولا تنتهي حكايات الوجع بقصة أو قصتين ولا حتى ثلاث فالكارثة أكبر من القصص، فها هي جدة معاذ تبكي وتصرخ على حفيدها الذي رفض الرجوع مع والده ووالدته بعد زيارتهم لها وفضل النوم مع جدته في منزلها بجنوب شرقي جدة، ولكن مع ساعات السيل الأولى غمرت المياه المنزل وبدأ الجميع رحلة الهروب والبحث عنه فلم يجدوه ويعتقد أنه في عداد الموتى.