السعودية: عيد أضحى توزعت فيه القلوب والعقول على 3 جبهات

«حرب الجنوب» و«كارثة جدة» و«مخاوف الحج»

TT

لم يكن عيد السعوديين هذا العام عاديا، بل جاء استثنائيا مختلفا حاملا الكثير من المواجع والجبهات التي تفرقت عليها القلوب التي غاب عنها الفرح وحل مكانه الخوف على أبناء يذودون عن هذا الوطن في الحدود الجنوبية، وآخرين يعملون في خدمة الحجاج ويجابهون الظروف والأمراض، لتأتي الثالثة متمثلة في أحداث جدة الدامية.

عيد حزين بكل المقاييس، فلا يوجد بيت سعودي إلا وأحد أفراده في جبهة القتال أو يعيش في مدينة جدة، وهي معركة خوف أخرى، أو يحج أو يعمل في خدمة الحجاج.

وعلى الرغم من تلك الجبهات التي تقاسمت عقول وعيون السعوديون، فإنهم يحاولون التحلي بشيء من التفاؤل والأمل من دون أن ينسوا رفع أكفهم تضرعا لله عز وجل وألسنتهم تدعوه بأن يحفظ لهم كل عزيز ابتعد عنهم لأي ظرف من هذه الظروف.

أبو فيصل الذي قدر له أن يصاب وزوجته بإنفلونزا الخنازير قبيل العيد بأيام معدودة يقول إنه قضى عيد هذا العام في النوم في منزله خوفا من انتقال العدوى لأفراد عائلته الآخرين.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من المفترض أن نجتمع في منزل والدي ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، غير أن المرض حال دون ذلك بالتأكيد»، مؤكدا أنه حاول، أمس، قتل آخر جزء من الفيروس حينما خرج بمفرده، لكن من دون جدوى، بحسب قوله.

ومن منطقة جازان، جنوب السعودية، تؤكد هند حوباني على خوفها الشديد حيال مرابطة زوجها في جبهة الحرب، لافتة إلى أنها المرة الأولى التي تستقبل فيها العيد من دون وجود زوجها معها، بعد أن اعتادت على السفر معه كل عام.

وتقول بصوت مليء بالخوف: «لا أعرف كيف سيمضي هذا العيد من دونه، لا سيما أنني اضطررت لاصطحاب ابنتي والذهاب بهما إلى منزل عائلتي، الأمر الذي سيجعل عيدنا مقتصرا على اجتماع العائلة داخل المنزل فقط».

وأشارت إلى أن معظم أهالي المنطقة يمتنعون عن الخروج خلال الحرب، وخصوصا أن الكثير من السيدات لا زلن ينتظرن عودة أزواجهن بفارغ الصبر، مبينة أن المرابطين قد يسمح لهم بزيارة أبنائهم ما بين الحين والآخر، إلا أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك خلال أيام العيد.

وفي الوقت نفسه ذكر عبد الله العسيري، شقيق أحد أفراد الجيش السعودي الموجودين حاليا في جبال جازان، أن زوجة أخيه وأبناءه يقيمون حاليا معهم في المنزل، غير أن مخطط العيد السنوي اختلف بالكامل في ظل غياب شقيقهم عنهم.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كلما نتحدث إليه يؤكد لنا على عدم خوفه من المجهول، إلا أن ذلك يزيد من خوفنا عليه»، لافتا إلى أنهم اعتادوا كل عام على استئجار استراحة يجتمع فيها جميع أفراد العائلة، لكن عيد هذه السنة اختلف كثيرا.

وأضاف: «هناك من أقاربنا من هم مرابطون في المشاعر المقدسة أثناء موسم الحج أيضا، غير أن ذلك أخف وطأة من أمور أخرى، خصوصا أنهم متبعون لجميع وسائل السلامة تفاديا للإصابة بأي مرض».

وعلى الرغم من أن ظروف أسرة محمد العسيري لا تختلف كثيرا عن سابقيه، في كون ابن عمه على جبهة الحرب، فإنه أفاد بأن العيد لم يشهد اختلافا كبيرا عن الأعوام السابقة سوى في غياب قريبهم عنهم.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يرى عمي أن ابنه في مكان مشرّف رغم خوفه عليه، عدا عن اطمئنانه على زوجة ابنه وأحفاده باعتبار أنهم يمكثون حاليا في منزل عائلتها في منطقة عسير بعد أن اضطروا إلى الابتعاد عن جازان عقب اندلاع الحرب»، مشيرا إلى أنهم يتمنون عودته قريبا بخير.

وبعيدا عن ظروف الحرب في الجنوب، ترتقب أم أحمد عودة ابنها الذي اعتاد كل سنة على العمل خلال موسم الحج بفارغ الصبر في ظل خوفها الشديد عليه من الأمراض باعتباره ابنها الوحيد.

وتقول: «أنتظر أن يعود لإتمام خطوبته التي قرر تأجيلها إلى ما بعد انقضاء الموسم، رغم محاولاتي لمنعه من العمل هذا العام بعد تفشي مرض إنفلونزا الخنازير بشكل مخيف، غير أنه مضطر لذلك في محاولة منه لتحسين وضعه المادي، وخصوصا أنه مقبل على مرحلة زواج».

وأوضحت أنها على اتصال دائم مع أحد أقاربها في مكة المكرمة كي يبقى قريبا من ابنها الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، لا سيما أنه يعاني من نوبات صدرية نتيجة إصابته بمرض الربو منذ صغره، مبينة أنه عادة ما يرقد في فراشه لأيام كثيرة بعد انقضاء موسم الحج جراء الإنفلونزا الموسمية.

بينما يرى عادل نصّار أن ذهاب والديه إلى الحج يعد أمرا خطيرا، إلا أنه لم يستطع منعهم من فعل ذلك، على حد قوله، لا سيما أنهما يعانيان من ارتفاع ضغط الدم والسكر.

ويقول: «كنت أذهب معهما لتأدية فريضة الحج، إلا أنني لم أستطع فعل ذلك هذا العام لارتباطي بعملي، مما أثر على نفسيتي كوني أقضي عيد الأضحى المبارك بمفردي هذه السنة»، موضحا أن شقيقته قررت قضاء العيد مع زوجها خارج السعودية.

وما زالت أكثر المخاوف التي يعاني منها الحجاج أو العاملون في الحج بشكل خاص تنحصر في الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير في ظل اعتقادهم بحملهم له بمجرد وجودهم وسط تجمعات كبيرة تظهر بشكل لافت خلال الأعياد والمناسبات، عدا عن تشابه أعراضه مع الإنفلونزا الموسمية.

ويبقى دور الجهات المعنية متمثلا في طمأنة أفراد المجتمع من خلال حملات توعوية وإعلانات ترشدهم لطرق التعامل السليمة مع المرض بأسلوب بعيد عن الترهيب رغم الهواجس التي تغزو الكثير.

وفي هذا الصدد أشار الدكتور عبد الله الزايدي، استشاري العناية المركزة للأطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة، إلى عدم وجود أعراض محددة تؤكد إصابة الشخص بفيروس إنفلونزا الخنازير.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ليس بالضرورة أن تظهر أعراض الفيروس المتضمنة الارتفاع في درجة الحرارة والقيء والبلغم الدموي على كل المصابين، لا سيما أنه تم التأكد من إصابة البعض من دون وجود تلك الأعراض».

وأوضح أن الفحص السريري والأعراض تختلف من مريض لآخر، غير أنه بمجرد الشك في الحالة يتم إعطاؤه العلاج من دون إخضاعه لأي فحص تأكيدي، لافتا إلى أنه من الممكن أن يعطى المريض عقار «تاميفلو» حتى في حالات الإنفلونزا العادية.

فيما أكد الدكتور إبراهيم الزهراني، استشاري أمراض معدية وجرثومية ورئيس مركز مكافحة الإنفلونزا في مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة، على أن أعراض إنفلونزا الخنازير لا يمكن تشخيصها نظرا لتشابهها مع الإنفلونزا العادية.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكون 90 في المائة من بين 100 مريض يعانون من نفس أعراض الإنفلونزا خالين من الفيروس، غير أنهم يحملون فيروسات أخرى، إلى جانب احتمالية إصابة آخرين بالإنفلونزا من دون أن يشعروا بها».

وذكر أن علاج «تاميفلو» يتم إعطاؤه للشخص بحسب خطورة الفيروس وتاريخه المرضي، ما يجعل الأطباء يعالجون المرضى بشكل أكثر من اللازم تحسبا لأي أمر.

من جهته وضح الدكتور زياد ميمش، وكيل وزارة الصحة المساعد للطب الوقائي أن وزارة الصحة أوصت بضرورة إعطاء عقار «تاميفلو» لأي شخص يعاني من أعراض الإنفلونزا، من دون إخضاعه للاختبارات التحليلية، باستثناء المنومين في المستشفى الذين يجب أن يقوموا بمثل تلك الاختبارات.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ألم الحلق والسعال وآلام الجسم والرشح معروفة ولا تحتاج إلى استشاريين للكشف عنها، إذ إن أعراض إنفلونزا الخنازير تعد معروفة ولا تخفى على الأطباء»، لافتا إلى أن ما نسبته 30 في المائة من المصابين قد لا يتعرضون إلى ارتفاع درجة الحرارة.

ولكن الفاجعة الكبرى جاءت خلال عملنا على هذه القصة، وقبل أن يكتب لها النشر، بأمطار جدة وأحداثها، لتدخل جبهة ثالثة للقلوب والعقول، إذ إن أحدا في أقصى الأرض لم يتوقف عن متابعة ما حدث، فبالتأكيد أن 3 ملايين نسمة يعيشون في هذه المدينة لديهم أقارب بمئات الملايين يخشون عليهم الهلاك في هذه الأحداث المأساوية.

أم خالد سيدة سعودية دخلت في عقدها السابع، تدب كل أمراض العالم بالداء، بالسكر، والقلب، والضغط، في عروق جسدها، زادها الخوف على أبنائها في مدينة جدة، الذين يعملون بين رجال الأمن الذين يواجهون كارثة الأمطار.

يقول ابنها خالد الزهراني متحدثا لـ«الشرق الأوسط»: «إن والدتي تتصل بي عشرات المرات يوميا لتطمئن علي، وتتصل بأسرتي عشرات المرات، وتعطينا من تعليمات السلامة التي تعتقدها».

ويستطرد: «إنني أتألم من أجلها لأنني أعرف مدى الأثر الذي ينجم عن ذلك على صحتها وعافيتها، لكن لا خيار، فنحن في أعمالنا نؤدي واجبنا الذي لا نستطيع التخلي عنه مهما حدث».

وحال أم خالد، هو حال الملايين ممن ذويهم يقطنون مدينة جدة، وحكايات المجالس والقصص وشركات الاتصالات الشاهد على ذلك.

وفي بحرة، بلغ عدد المتضررين جراء الأمطار نحو ثلاثة آلاف و500 متضرر، ما بين أضرار مادية مختلفة من ضمنها المنازل والمحلات تجارية والسيارات والمواشي، وذلك بحسب الحصر الذي قامت به إدارة الدفاع المدني في العاصمة المقدسة.

وأوضح العميد جميل أربعين، مدير إدارة الدفاع المدني في العاصمة المقدسة، أنه تم إنقاذ نحو 461 حالة باشرتها وحدات الإنقاذ البرية والعمليات الجوية إلى جانب وحدة الإنقاذ البرمائية.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تم إيواء نحو 33 أسرة بلغ عدد أفرادها 165 فردا في شقق مفروشة مجهزة، وصرف مساعدات مالية بواقع 500 ريال للزوج، ومثلها للزوجة، إضافة إلى 50 ريالا لكل طفل تصرف بشكل أسبوعي».

وأشار إلى أنه بعد الانتهاء من أعمال الإنقاذ تم استحداث مركز إعلامي في بحرة بهدف توفير المعلومات الميدانية لأسر المفقودين، واستقبال أي حالات استغاثة، عدا عن تشكيل لجنة فورية من الدفاع المدني ومركز إمارة بحرة، لحصر الأضرار وتقديم المساعدات الفورية.