بعد كارثة السيول.. المخاوف «البيئية» تطفو على سطح جدة

رئيس جمعية البيئة لـ «الشرق الأوسط»: الخطر قادم من وقود السيارات والكيماويات التي جرفها المطر

عشرات من السيارات التي تضررت بفعل الأمطار والسيول
TT

لم تقتصر أحداث «الأربعاء الأسود» على الخسائر البشرية والاقتصادية التي أحدثتها سيول جدة، إذ حذر خبراء بيئيون من أن تتسبب هذه السيول في كارثة بيئية قادمة، مطالبين بسرعة سحب الردميات والسيارات المجروفة والطمي والرمال التي غطت الأحياء الشرقية والجنوبية من محافظة جدة، باعتبار هذه المخلفات أصبحت كالقنابل الموقوتة التي قد تهدد سكان جدة لعشرات السنين المقبلة.

وأوضح الدكتور أسعد أبو رزيزة، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم البيئية، لـ«الشرق الأوسط»، أن المحلات التجارية التي تبيع المبيدات الحشرية والأسمدة والمواد الكيماوية بعد أن داهمها السيل وأخرجت ما في مخزونها فإن آثارها أصبحت خطرة جدا.

وتابع أن ذلك يشمل أيضا خزانات محطات الوقود التي ضربتها الأمطار، وأكد أن خطر بقايا الوقود لا يزال موجودا أيضا داخل أكوام السيارات التي جرفها السيل، في حين قلل من خطورة النفايات السكانية أمام الأخرى الكيماوية.

وقال أبو رزيزة «هناك 3 مشاكل بيئية رئيسية بجدة، تتمثل في مردم النفايات القديم الواقع شرق الخط السريع، ومردم النفايات الجديد، وبحيرة الصرف الصحي».. محذرا من أثر كارثة السيول على بحيرة الصرف الصحي بقوله «لو هطلت أمطار أكثر بقليل مما حدث يوم الأربعاء لهددت السد الترابي وبالتالي السد الاحترازي، وتسببت في انهيار السدين وخروج مياه الصرف الصحي على المدينة.. وهذه قضية كبيرة».

وأضاف «بالنسبة للمردم الصحي القديم فلا يزال مكشوفا، ومع تكدس الأمطار التي تجري على سطحه فإن كل هذه المياه ستتسرب إلى باطن المردم وتختلط بالمخلفات وتزيد نسب الملوثات، ثم تأخذها المياه الجوفية وتخرجها من جوانب المردم، هذه حالة.. وهناك حالة أخرى بأن يأتي السيل على طرف المردم ويجرف بعض المخلفات ثم ينشرها في كل أرجاء المدينة».

وكان المهندس فيصل شاولي، مدير إدارة الإصحاح البيئي وسكرتير لجنة الأمطار في أمانة جدة، قد كشف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن تجهيز نحو 315 صهريجا لسحب المياه، من ضمنها 210 صهاريج تم استئجارها من المواطنين. وأكد أن الأمانة استعانت بنحو 40 شركة مقاولات وخدمات خاصة للمساهمة في أعمال رفع الأضرار وبناء المرافق المتضررة جراء الأمطار، لافتا إلى أنه تم سحب نحو 80 في المائة من المياه الموجودة في الطرقات والشوارع.

وبينما تُصنف مدينة جدة وفق إحصاءات غير رسمية على أنها رابع مدينة في العالم من حيث نسب التلوث، يعلق أبو رزيزة على ذلك بالقول «هذا الترتيب غير موضوعي، وإن كنت أعتقد أن التلوث الموجود في جدة كبير جدا». وأفاد بأن مدينة جدة تعاني من عدة مشاكل بيئية يجب التصدي لها بدلا من تركها من دون حلول أو انتظار حدوث أزمة معينة ثم الالتفات لها.

يأتي ذلك في حين يؤكد مختصون بيئيون أن السعودية ما زالت تفتقر لوجود شركات لمعالجة المشكلات البيئية بمستويات عالية، حيث إن العدد الموجود لا يتجاوز الـ30 شركة متخصصة، بحسب إحصائية لعام 2008 نشرتها «الشرق الأوسط» في وقت سابق، وهو ما يصفه الخبراء بأنه «عدد غير كاف»، يضاف لذلك كون هذه الشركات الموجودة حاليا تفتقر إلى التواصل مع الشركات الأجنبية لتبادل الخبرات ونقل أحدث الوسائل التقنية بهذا المجال.

من جهة ثانية، أوضح الدكتور منصور المزروعي، رئيس قسم الأرصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، هاتفيا لـ«الشرق الأوسط»، أن أمطار كارثة جدة تعد «تاريخية لمقاييس الأرصاد بجدة»، قائلا «لم تسقط أمطار بهذا الشكل منذ عام 1996، وكانت حينها متواصلة لمدة 8 أيام، ولم تكن بهذه القوة، لأن كمية الأمطار التي سقطت جاءت في فترة قصيرة (6 ساعات)، وذلك هو السبب الرئيسي لتكون السيول التي تأثرت بها مناطق شرق جدة وجنوبها».

وأضاف المزروعي قائلا «يفترض مستقبلا أن تعتمد الدراسات البيئية على كمية أمطار قد تصل إلى 100 ملليمتر»، فيما طالب المواطنين بأخذ النشرات الجوية والتقارير التي تصدرها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة على محمل الجد، سواء حصلت أم لم تحصل، قائلا «احتمالية الأمطار تذكر في الدول المتقدمة ويأخذها المواطنون بجدية ويستعدون لها مسبقا».

ويتفق معه رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم البيئية، الذي عاد ليقول «بالمقارنة بالكوارث التي تحصل في الدول الأخرى فإن سيل جدة ليس كبيرا، فكمية الأمطار التي هطلت والمقدرة بين 70 و90 مللي طبيعية لدى دول كثيرة، وتحصل من دون أن تنهار البيوت والمباني»، مؤكدا على أهمية الإسراع بالإجراءات الاحترازية تلافيا لأي كوارث بيئية وصحية تلي هطول الأمطار.