الأمير خالد الفيصل بعد جولته على المناطق المتضررة: 3 عناصر خلف كارثة جدة

قال إن التحذيرات الأمنية حول تسرب مياه بحيرة الصرف الصحي للوقاية فقط

أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد آثار وأضرار السيول بمدينة جدة أمس (واس)
TT

في وقت أعلنت السلطات الأمنية السعودية عن تواصل عمليات البحث عن 24 مفقودا حتى الآن ممن يعتقد أن سيول الأربعاء جرفتهم، وبلوغ عدد الضحايا إلى نحو 106 قتلى، عاشت مدينة جدة يوما عصيبا بعد التأكد من تسرب مياه بحيرة الصرف الصحي وتداول تنبيهات وتحذيرات بإخلاء الأحياء الواقعة شرق الخط السريع.

وشهدت مستشفيات مدينة جدة أمس حالة استنفار كبير تضمنت إخلاء المستشفيات القريبة من شرق الخط السريع وتحويل المرضى إلى مستشفيات غرب جدة.

وأوضح الدكتور سامي باداوود مدير الشؤون الصحية في محافظة جدة أنه تم إخلاء كل من مستشفى العيون والعزيزية الواقعين بالقرب من شرق جدة ونقل المرضى إلى مستشفيات أخرى في الغرب.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تم إعلان الطوارئ في كل المستشفيات وتجهيز نحو تسعة فرق طبية للتحرك إلى المواقع التي من الممكن أن تتضرر»، لافتا إلى أن كل فرقة تصحبها سيارة إسعاف مجهزة.

وأثارت التحذيرات التي بثتها الأجهزة الأمنية حول تسرب مياه بحيرة الصرف الصحي، تضمنت تنبيهات بإخلاء نحو تسعة أحياء واقعة شرق الخط السريع، من ضمنها الحرمين والسامر والصفا، هلع سكان تلك الأحياء.

وأفاد الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة بعدم وجود خطورة، لا سيما أن ما حدث هو المفيض الذي خصص للسد الاحترازي وليس سد البحيرة نفسها، والذي امتلأ من السيول، مؤكدا أن البلاغ للوقاية فقط، إضافة إلى أن انهيار السد مستبعد، غير أنه لا بد من الاحتراز والإنذار.

فيما أوضح الفريق سعد التويجري مدير عام إدارة الدفاع المدني بالسعودية أنه تم إنشاء مراكز للإسناد في كل من المطار القديم وشرق الخط السريع مجهزة بكافة الإمكانات.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نعاني من أي نقص في القدرات والأفراد، وما زالت القوات مرابطة»، مشيرا إلى أن رجال الدفاع المدني مدربون ومجهزون لمثل تلك الأحداث ومواجهة الكوارث داخل السعودية وخارجها».

بينما أكد اللواء عادل زمزمي مدير عام الدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة على وجود خطة متكاملة مع جهات تحليل الوضع وتحديد مكامن الخطر وتركيز العمل فيها.

وقال فيما يخص بحيرة المسك إن الوضع آمن، وما تم إبلاغه هو تنبيه لحي السامر 3، موضحا أنهم وجهوا تحذيرا إلى تسعة أحياء قريبة منها، إذ إن التأثير يختلف من حي إلى آخر.

وكان الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة قام منذ صباح أمس بجولة ميدانية برية وجوية على المناطق المتضررة جرّاء السيول داخل مدينة جدة وخارجها، شملت الأحياء الجنوبية وأحياء شرق الخط السريع، وذلك برفقة الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة، والفريق سعد التويجري مدير عام الدفاع المدني بالسعودية، إلى جانب المهندس عادل فقيه أمين محافظة جدة.

وأشار الأمير خالد الفيصل إلى أن ما تم مشاهدته في الجولة يؤكد عظم الكارثة والتلفيات داخل مدينة جدة وخارجها، لافتا إلى أنها تعد من إحدى الكوارث التي تقع في كافة دول العالم والتي لا بد أن تظهر آثارها.

وقال في مؤتمر صحافي عقد عقب انتهاء الجولة: «ما رأيته كان مؤلما، ولكن رُب ضارة نافعة، ومن الضروري النظر إليها بعقلانية وحيادية لا تشوبها العواطف دون تحكيم العقل»، مؤكدا على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتسخير جميع الإمكانات للجان التي شكلت لخدمة ومساعدة المتضررين وإيوائهم وتسكينهم وصرف إعاشاتهم.

وحول أسباب الكارثة أفاد أمير منطقة مكة المكرمة بأن الموضوع يكمن في ثلاثة عناصر تتضمن: كارثة طبيعية لا يمكن التحكم بها، وإقامة الأحياء العشوائية على مجاري السيول التي تعد خللا في التنفيذ والتطبيق، وتأخر تنفيذ مشاريع تصريف السيول والصرف الصحي، مبينا أن العنصرين الأخيرين يحتمان ضرورة تصحيح الوضع ووضع الحلول، ولن يتم التساهل فيهما.

وذكر أن هناك لجانا وجّه بها خادم الحرمين الشريفين للقيام بتلك المهام، إلى جانب بدء التحقيق، لافتا إلى أنه سيتم رفع التقارير للمسؤولين وإعادة المياه إلى مجاريها بطريقة صحيحة.

وفي سؤال حول الحلول العاجلة لرفع الضرر عن المواقع المتضررة أشار الأمير خالد الفيصل إلى وجود استعدادات لمواجهة أي طارئ، واصفا ما حدث بأنه «فوق المستوى الطبيعي» وفي مستوى الكوارث العالمية، غير أن الاحتياطات موجودة.

وأضاف: «بلغ عدد الوفيات نحو 106 قتلى، ولم يتم حصر الممتلكات، إضافة إلى أن آلية التعويض سيتم الإعلان عنها مستقبلا»، مؤكدا أن أوامر خادم الحرمين الشريفين تنفذ بجدية.

من جانبه أفاد الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة أن العمل بدأ في كافة المرافق مباشرة بعد انتهاء سقوط الأمطار، مشيرا إلى أن العمل بدأ من خلال غرفة العمليات وتوزيع المهام على مدار الساعة.

وأضاف: «قدمنا كافة الجهود واستعنّا بقوارب مطاطية من حرس الحدود، وتم العمل من كافة الجهات على الأرض والجو بواسطة الطائرات المروحية والقوارب»، مبينا أن الحدث كان كبيرا، عدا عن وجود مشاركة من القطاع الخاص.

وبالعودة إلى الأمير خالد الفيصل الذي علق على تأثر بعض المشاريع الحديثة بما حدث بقوله: «هناك لجان تدرس وتكتب التقارير، وفي حال وجود أي تقصير سيتم معالجته بالطرق المختصة».

وأردف قائلا: «سنكون صريحين، ولا بد أن نتحرى الدقة والوضوح والحيادية والبعد عن أخذ الموضوع بانفعال وتناوله بعقلانية، ونحن نهيب بالصحافة كي لا تتخذ من هذه الكارثة تصفية لحسابات شخصية، خصوصا ممن كانوا يعملون في الإدارات الحكومية»، مضيفا أن الجهات تدرس ما حدث، وبدأ صرف الإعانات للمتضررين.

من جهته أرجع أحمد بانافع مساعد وكيل الأمين للتعمير والمشاريع في أمانة محافظة جدة سبب التأخر في تنفيذ مشاريع تصريف مياه الأمطار بجدة إلى الاعتمادات الواردة من قبل وزارة المالية.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن المشاريع التي تم تنفيذها تعادل الجزء الذي تم اعتماده من الاعتمادات، مؤكدا أن ظهور المشكلة سيسرع ما طلبته الأمانة منذ السابق.

وأوضح أن وزارة المالية تعتمد مبالغ معينة لمشاريع الجهات الحكومية التي بدورها تقوم بتنفيذ مشاريعها بناء عليها، مشيرا إلى أن أمانة محافظة جدة طلبت مليارات الريالات لتنفيذ مشاريع تصريف المياه منذ السابق وقبل وقوع المشكلة.

واستدرك بالقول إن الأودية التي تضررت نتيجة السيول سببها بناء الناس بيوتا بها رغم أنها تعدّ مجاري للمياه، والتي كانت طبيعية قبل أن تصبح مأهولة بالسكان، إذ تعد مناطق عشوائية مستحدثة، مبينا أن تصريف المياه بها في السابق لم يكن فيه أي مشكلة وإنما كان طبيعيا، على حد قوله.

وذكر أن مشكلة تضرر المواقع جرّاء الأمطار معروفة من قبل، وذلك بناء على الدراسات التي أُعدت والتي من ضمنها دراسة لتصريف مياه الأمطار في وادي فاطمة جنوب جدة، مشيرا إلى وجود أودية مجاريها طبيعية، غير أنها ستشكل خطورة إذا ما تم سكن الناس أمامها، والتي تقتضي إيجاد حلول لها.

وما زالت الأمانة تعمل على استكمال مشاريعها بخصوص إنشاء المزيد من الأبراج وناطحات السحاب في مدينة جدة رغم تحذيرات الخبراء بعدم تحمل البنية التحتية لمثل تلك المشاريع.

وهنا علّق مساعد وكيل الأمين للتعمير والمشاريع في أمانة محافظة جدة على ذلك بقوله: «إن أي مشاريع تنوي الأمانة القيام بها لا بد أن تدرس من جميع النواحي، عدا عن ضرورة أن تكون متزامنة».

وأردف قائلا: «إذا ما توفرت الاعتمادات المطلوبة لها فسيتم تنفيذها في ظل وجود دعم كبير من الدولة في هذا المضمار»، لافتا إلى أن مشكلات المياه وتصريفها ليست جديدة، الأمر الذي يجعل حلّها لا يتم بين يوم وليلة، بحسب قوله.

وأبان أن اعتماد ثلاثة مليارات ريال لاستكمال مشاريع تصريف المياه يعد أمرا مرحليا، إلا أن الموضوع يحتاج إلى أكثر من ذلك، مبينا أن جزءا من مشكلة السيول والكارثة التي ألمت بالمناطق المتضررة في جدة نتجت عن نشوء المناطق العشوائية في طريق الأودية.

وحول الحلول التي سيتم وضعها من قبل أمانة محافظة جدة لمعالجة الأضرار أكد على أنه سيتم تشكيل لجان بعد الإجازة لدراسة حلول عاجلة وسريعة من أجل معالجة المشكلة القائمة، إلا أن تلك الحلول من المؤكد أنها بحاجة إلى دراسة، على حد قوله.

فيما وصف المهندس عادل فقيه أمين أمانة محافظة جدة الوضع في بعض المواقع بـ«الكارثي»، وأنه «يجب التعامل معه على هذا الأساس وإعادة المياه إلى مجاريها»، على حد قوله.

وقال: «تم إزالة نحو 1000 سيارة، إلى جانب أن التركيز الآن على التعامل مع الآثار والأفراد والحدث وقتيا»، مشيرا إلى أن الإنقاذ والإزالة هما الهاجس الأول في الوقت الراهن.

وأضاف: «ما زال العمل جاريا على إزالة مئات السيارات، عدا عن وضع الكثير من المضخات لنقل المياه من الأنفاق والمساعدة في سحب المياه ما بين السد والسد الاحترازي في بحيرة الصرف الصحي».

وذكر أنه تم الاستعانة بشركات عالمية لتنفيذ مشاريع الأمانة، والتي من ضمنها نحو 20 شركة عالمية صينية تقدمت للعمل داخل محافظة جدة، مؤكدا أن ذلك لا يقلل من دور الشركات السعودية التي قامت ببعض المشاريع.

من جانبه لفت مفرح الزهراني مدير عام الطرق بمنقطة مكة المكرمة إلى أنه تم إصلاح كافة الطرق المتضررة من الأمطار، مبينا أن ما حدث لكوبري الجامعة ليس سقوطا ولكنه تأثر قليلا جرّاء صدام السيارات فيه.

وفي ذات السياق حمل بيان بثته الأمانة أمس تطمينات لأهالي جدة على لسان وكيل أمين جدة للتعمير والمشاريع المهندس إبراهيم كتبخانة، الذي أكد بأنه لا خوف من بحيرة الصرف وأن ما تردد عن إمكانية حدوث انهيار لجدار البحيرة لا أساس له من الصحة، مؤكدا عدم وجود أية تصدعات لسدود البحيرة.

وقال كتبخانة إن ما حدث أمس هو أن إحدى بحيرات التبخير الثماني التي أنشأتها الأمانة بجوار بحيرة الصرف، وتَسَع كل منها مليون متر مكعب من المياه، فاضت منها المياه بعد امتلائها، مشيرا إلى «وجود بعض التسربات من جسم السد ولكنها لا تسبب أية خطورة، وهي أشياء مدروسة، خصوصا أنه لا توجد أية شروخ أو تصدعات في جسم السد»، مؤكدا أنه تم تدعيم سدي البحيرة ويجري متابعتهم أولا بأول.

وأوضح أن منسوب المياه خلف السد الاحترازي وصل يوم الأربعاء إلى 15 مترا وانخفض أمس إلى 13.5 متر، ومن المتوقع أن يصل إلى مستواه الطبيعي عند 10 أمتار بحول يوم السبت القادم، وذلك بعد تشغيل 3 مضخات لتقليل هذا المنسوب ونقلها عبر الخط الناقل الذي نفذته الأمانة كأحد المشاريع العاجلة لدرء مخاطر بحيرة الصرف إلى قناة مجرى السيل الجنوبي بسعة تصل إلى 35 ألف متر مكعب يوميا.

وقال كتبخانة إنه تم الوقوف على السد الاحترازي والترابي من قبل لجنة الطوارئ والتأكد من ثباتهما، وأشار إلى أن هناك لجنة طوارئ مشكلة بقرار من الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة للتعامل مع أية أخطار محتملة تنتج عن هطول الأمطار على بحيرة الصرف، ومع هطول الأمطار الأخيرة بادرت لجنة الطوارئ بالتعاون مع الجهات الأمنية بمنع ناقلات الصرف الصحي من إلقاء المياه في البحيرة وتوجيهها مؤقتا إلى المحطات التابعة لوزارة المياه كمحطة الخمرة والإسكان والرويس كإجراء احترازي، حيث تم إيقاف الصب في البحيرة فور تلقي البلاغ من الرئاسة العامة للأرصاد الجوية وحماية البيئة بتوقع هطول الأمطار، وتعميم ذلك على جميع الجهات المشاركة في خطة الأمطار.

وأضاف أن الأمانة أنشأت نقاط مراقبة بجوار السد الترابي لمراقبة مستوى المياه في البحيرة والإبلاغ الفوري لغرفة عمليات الأمانة في أي حالة طارئة، كما تعمل الأمانة بكل ما يلزم لتخفيف الضغط على البحيرة من خلال الحد من تصريف المياه بالناقلات.

وقال: «من ضمن الحلول لمشكلة بحيرة الصرف الصحي تم إنشاء السد الترابي لحجز مياه البحيرة بطول 1700 متر، وتقوم الأمانة بصيانته من خلال مشروع صيانة السد الترابي بوادي العسلاء، إضافة إلى مشروع السد الاحترازي الذي تم إنشاؤه على بعد 12 كيلومترا ويبلغ طوله 230 مترا وارتفاعه 18 مترا بسعة تخزينية تصل إلى 50 مليون متر مكعب، وكذلك زراعة أشجار الحلفا التي تمتاز بمزايا امتصاص كميات كبيرة من المياه، وشق قنوات لتكون بمثابة بحيرات ومتنفس لتصريف مياه البحيرة في حال ارتفاع منسوبها».

وأضاف أنه تم الانتهاء من تنظيف مجرى السيل الجنوبي وسحب الردميات والسيارات التالفة والطمي والرمال التي تراكمت في المجرى، وإعادة بناء جسم القناة الذي انهار لتسهيل انسياب تدفق المياه بعد تشغيل المضخات الثلاث.