سيول جدة القديمة كانت تعرف طريقها إلى البحر دون مشكلات

كان القدامى يصطادون السيول.. واليوم أصبحت تصطاد السكان

جدة كما بدت في «غوغل إيرث» ومصبات الأودية المتجهة إليها
TT

«السيل يعرف طريقه»، تلك هي المقولة التي كان أهالي جدة قديما يؤمنون بها حينما يتعرضون لهطول الأمطار الغزيرة، بل وكانوا يجتمعون على أطراف المسيال ليبنوا صهاريج تبتلع مياه الأمطار وتخزنها.

وبعد أن كانت عروس البحر معروفة بندرة المياه منذ القدم، أصبحت الآن غير قادرة على تحمل الأمطار لتنجم عنها كوارث أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة في ظل خلوها من البنية التحتية السليمة.

وذكر عبد الصمد محمد عبد الصمد عمدة منطقة البلد في جدة أن هناك عدة صهاريج قديمة بناها سكّان جدة القدامى، من ضمنها صهريج أبو زنادة والمشاط والنصيف وغيرها، لافتا إلى أنهم استفادوا من المقولة السابقة في حياتهم لمواجهة مثل تلك الظروف.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تحوي مدينة جدة نحو خمسة أودية تتمثل في وادي غليل ومريخ والحصحاص وبريمان والكراع»، مبينا أن الأمطار في السابق كان لها محبون وكارهون في الوقت نفسه. وأشار إلى أن سكان بعض الأحياء كانوا يعانون من هطول الأمطار، من ضمنها أحياء النزهة ومشروع الأمير فواز حاليا، مؤكدا أن عدم وجود البنية التحتية حال اعتماد المخططات الجديدة، وتحديدا خلوها من تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، ساهم في الأحداث التي تمر بها مدينة جدة الآن.

وحول الحلول التي من الممكن أن تساعد في تحسين أوضاع جدة بعد سيول الأربعاء أكد عمدة منطقة البلد بجدة على ضرورة البدء الفعلي في تنفيذ واستكمال مصارف مياه الأمطار والصرف الصحي على الأسس السليمة، إلى جانب إنشاء محطات لاستقبال الصرف الصحي ومحاولة معالجتها والاستفادة من تكرير المياه المعالجة في سقي الأشجار وتدوير المصانع وغيرها، إضافة إلى الاستفادة من البقايا الصلبة في تصنيع الأسمدة.

من جهته أوضح الكاتب والمؤرخ السعودي محمد صادق ذياب أن تاريخ مدينة جدة ارتبط بالعطش قديما، لا سيما أن الرحالين والمؤرخين الذين قدموا إليها استوقفتهم ندرة المياه بها.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان أهالي جدة القدماء يعتمدون على اصطياد السيول التي اصطادتهم اليوم، وذلك بإنشاء الصهاريج أو الحفر لخزن مياه الأمطار والاستفادة منها في شربهم واستخداماتهم». وأشار إلى أنه منذ القدم نشأت أعداد كبيرة من الصهاريج المبنية بأشكال وسمات معمارية حديثة، والتي تطورت في عهد المماليك نتيجة زيادة دخل ميناء جدة وازدهار المدينة بالكامل، الأمر الذي دفع بهم إلى بناء سور جدة، لافتا إلى أن تلك الصهاريج ظلت حتى وقت قريب في شرق المدينة وجنوبها.

وأضاف: «تدين جدة للملك عبد العزيز رحمه الله في إنقاذها من العطش حينما أنشأ عين العزيزية بمنتصف القرن العشرين، غير أن أهاليها تمردوا على سورها العتيق وتمددت شمالا وجنوبا وشرقا، إلا أن ذلك التمدد جعلهم يتجاهلون مسارات السيول، حتى إن بعض القدامى كانوا يرددون عبارتهم المشهورة (يا نايم الليل في درب السيل كيف النوم يهنا لك)».

ولفت ذياب إلى أن الصهاريج كانت تحمل أسماء ملاّكها أو مستأجريها، والذين من أشهرهم المرحوم عبد الله الحسون، مؤكدا أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز سيكون الفارس في إنقاذها من الغرق مثلما كان والده منقذها من العطش، بحسب قوله. وأبان أن مدينة جدة تعرضت لظروف مشابهة في الخمسينات الميلادية نتيجة سيل جرف الكثير من بيوت اللبن والصفيح في أحيائها المتضمنة الهنداوية والبخارية وحارة برّا، إلا أنه بطبيعة الحال لم تكن هناك منشآت تصد مسارات السيول الطبيعية، إذ كان السيل يعرف طريقه إلى البحر.

وبيّن أن المخططات الجديدة والأحياء العشوائية شكلت ما يشبه السدود في وجه السيل، الأمر الذي أدى إلى تبعثر المياه بعشوائية على مناطق وأماكن ليست مهيأة لاستقبالها.

وشدد المؤرخ السعودي على ضرورة أن لا يتحول الكل إلى مهندسين ومخططين لهذه المدينة، لا سيما أنها بحاجة إلى بيت خبرة ومركز استشاري دولي لتقييم واقعها ووضع حلول علمية جذرية للمشكلة، وفي مقدمتها التخلص من بحيرة الصرف الصحي.