الدفاع المدني لـ «الشرق الأوسط»: نشر أسماء المفقودين ردا على الشكوك.. والمصابون 350 شخصا

خبراء بيئة يكشفون مكامن الخطأ في تصريف السيول.. وجيولوجيون ينتقدون بناء سدود جديدة

قناة تقطع طريق الحرمين تم تنظيفها لربطها بقناة التصريف الرئيسية (تصوير: غازي مهدي)
TT

ملامح سخط تواردت أمس في أوساط المجلس البلدي إثر اعتذار أمين عام مدينة جدة عن عدم حضوره جلسة استفسارات حول كارثة السيولة، بحجة انشغاله. ووجه المجلس البلدي اللوم للمهندس عادل فقيه أمين محافظة جدة نتيجة تأخره في الإجابة عن استفسارات المجلس التي قدمت له وذلك بحجة انشغاله بالأحداث الطارئة في المحافظة. من جانبه، كشف الدفاع المدني خطوته بنشر أسماء المفقودين بأنها تأتي ردا على الشكوك التي انتشرت بين الأهالي حول وجود عدد أكبر من المفقودين والوفيات نتيجة الأمطار التي هطلت على جدة أخيرا.

وحول الاستفسارات التي قدمها المجلس البلدي إلى أمين جدة، بيّن الدكتور حسين البار نائب رئيس المجلس البلدي أن الأسئلة تتركز حول السيول والأحياء الواقعة عليها إضافة إلى الحد من الكارثة وما حدث خلال الفترة الماضية، والمخططات السكنية الواقعة في المنطقة وحصرها وعددها وتواريخ إنشائها.

من جانبها حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بالمهندس عادل فقيه أمين محافظة جدة على جوالاته وتم إرسال رسائل بأمل الحصول منه على تعليق بشأن استفسارات المجلس البلدي، إلا أنه لم يرد.

من جهته، قال حسين البار لـ«الشرق الأوسط» إنه «تمت مناقشة مشاريع تصريف السيول التي اعتمدتها أمانة محافظة جدة مع المسؤولين فيها خلال الاجتماع بهم أول من أمس، غير أنه ثبت عدم اعتماد وزارة المالية سوى نحو 20 في المائة فقط من الميزانية المطلوبة لها».

ولفت إلى أنه تمت مناقشة وضع بحيرة الصرف الصحي التي بدأت الأمانة في تطبيق حلول بسيطة لها من خلال إنشاء السد الثالث حول البحيرة، الذي انتهى نحو 80 في المائة منه، إضافة إلى إنشاء قناتين لتصريف المياه المعالجة إلى القناة الشمالية.

من جهته، أكد الدكتور طارق فدعق، رئيس المجلس البلدي السابق وعضو مجلس الشورى، عدم ورود أي استدعاء لهم من قبل لجنة تقصي الحقائق التي أمر خادم الحرمين الشريفين بتكوينها. وقال فدعق لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس البلدي على استعداد تام لتقديم كافة المعلومات التي تحتاجها اللجنة، مبينا عدم وجود أي مشكلة في التحقيق معهم.

وفيما يتعلق بأعمال الفرق اليومية، طالبت إدارة الدفاع المدني ولجان الحصر الشؤون الصحية بمنطقة مكة المكرمة بإرسال تقارير للحالات التي تم تسليمها إلى ذويهم دون علم الدفاع المدني، وذلك بحسب ما ذكره العميد محمد القرني مدير المركز الإعلامي في الدفاع المدني بجدة.

وقال القرني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه تم إرسال خطاب رسمي بذلك، خاصة بعد ورود شكوى من قبل أحد المواطنين تفيد بوقوع حالة وفاة لقريبه جرّاء الأمطار على مدينة جدة، غير أنه استلم جثته من أحد المستشفيات دون أن تمر على لجنة الحصر.

وكشف عن بلوغ عدد المصابين جرّاء سيول جدة نحو 350 مصابا غادر معظمهم المستشفيات، فيما أبان أن عدد الضحايا ما زال عند مستوياته السابقة التي أعلنت وهي 118 وفاة في ظل عدم العثور على أي جثث أخرى حتى الآن، مؤكدا أن خطوة نشر أسماء المفقودين جاءت ردا على الشكوك التي انتشرت بين الأهالي حول وجود عدد أكبر من المفقودين والوفيات في مدينة جدة نتيجة الأمطار التي هطلت عليها أخيرا.

وفي موضوع ذي صلة، ناقش المجلس البلدي بعض الشكاوى التي وجهت من سكان الأحياء القريبة من بحيرة الصرف الصحي والمتمثلة في وجود تسربات للمياه من خلال قنوات التصريف التي تمر في أحيائهم السكنية، الأمر الذي يهدد بالعديد من الأمراض، إلا أن أعضاء المجلس أكدوا على رفع تلك الشكاوى إلى أمانة جدة لحلها في أسرع وقت ممكن.

فيما كشفت مجموعة من الخبراء في مجال البيئة والجغرافيا خلال اجتماعهم بأعضاء المجلس البلدي، أمس، عن جملة من الأسباب التي أدت إلى حدوث كارثة جدة جرّاء سيل الأربعاء الذي اجتاحها، والتي من أبرزها كثافة العاصفة المطرية باعتبارها بلغت نحو 90 ملم، الأمر الذي يجعلها تعد كثيفة في ظل هطولها على منطقة صحراوية.

وأوضح الدكتور محمد إبراهيم الدوعان، أستاذ الجغرافيا الطبيعية والبيئة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، أن هناك مناطق في العالم يصل منسوب المياه فيها إلى 500 ملم، إلا أنها لا تصنف من ضمن المناطق الصحراوية، عدا عن امتلاكها للإمكانيات الكافية لتصريف تلك الكميات من المياه.

وقال خلال ورشة العمل التي انعقدت، أمس، لمناقشة أخطار السيول في جدة إن غياب شبكات التصريف وطمرها وطمس ملامحها من خلال بيع الأراضي والمنح السكنية يعد أحد أسباب حدوث الكارثة، مشيرا إلى أن الأحياء السكنية حجزت معظم مجاري الأودية الواقعة في شرق جدة.

وبيّن الدوعان أن بناء الحواجز الرملية «العقوم» ضاعف المشكلة، إضافة إلى غياب الدراسات الاستشارية أثناء بيع المنح، إلى جانب عدم وجود عبّارات على طريق الحرمين، مشددا على ضرورة مراعاة وزارة النقل ذلك في الطريق الجديدة التي يتم بناؤها شرق جدة. وأضاف أستاذ الجغرافيا أن هناك أسبابا أخرى تتمثل في إزالة التلال وتحويل مجاري بعض الأودية إلى أودية أخرى، الأمر الذي أسهم في زيادة منسوب المياه ببعضها.

إلى ذلك، أكد الدكتور عبد الله مندورة، أحد الخبراء المشاركين في الندوة، أن مدينة جدة من بريمان إلى جنوبها تحيط بها 8 أودية من شأنها أن تهدد الأحياء السكنية كافة، مبينا أنه سيتوجب إزالة تلك الأحياء كاملة إذا ما اختارت الجهات المعنية خيار إزالة الأحياء الواقعة على مجاري السيول.

وأضاف مندورة: تعرضت مدينة جدة منذ نحو 10 سنوات لكمية من الأمطار بلغت نحو 120 ملم، إلا أن المنطقة لم تتأثر، مما يدل على وجود أسباب أخرى تولدت خلال تلك الأعوام، لافتا إلى أن السيول أصبحت تجري على الإسفلت دون وجود أراض تمتصها.

بينما انتقد الدكتور عباس الحارثي، أستاذ الجيولوجيا في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، خطوة الأمانة في بناء سدود جديدة للسيول والتي لا يمكن تطبيقها في الوقت الحالي باعتبار أن السد يحتاج إلى مسافة كافية أمامه ـ على حد تعبيره.

وقال الحارثي إن الكثافة السكانية العالية في الأحياء تحول دون نجاح تلك الخطوة، غير أن الحل الأمثل يكمن في إيجاد قنوات تصريف وإنشاء صناديق للعبارات على غرار ما تم فعله في تصريف «سيل الربوع» بالكعبة المشرفة الذي اجتاح مكة المكرمة عام 1388.

وأشار الحارثي إلى أن جدة تقع على دلتا «منخفض»، عدا عن أن السيول بها كانت فجائية وليست فيضانات، موضحا أن الهدف من إنشاء العقوم في بعض المواقع كان لتخفيف سرعة السيل، إضافة إلى أن جدة استقبلت خلال الفترة الماضية سيولا دون أمطار، غير أنه كانت هناك قنوات لتصريفها، مؤكدا على وجود دراسة مستفيضة لإعادة اكتشاف مجاري السيول المدفونة.

وفيما يخص بحيرة الصرف الصحي، لفت أستاذ الجيولوجيا في جامعة الملك عبد العزيز بجدة إلى أن السد الترابي الثالث الذي بني الآن لن يقف عائقا في مواجهة السيول في حال أصبحت أعلى من البحيرة.

وهنا، علّق الدكتور عبد الله مندورة على ذلك بقوله: تم اعتماد بناء السد الاحترازي لبحيرة المسك منذ عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله بواسطة الخرسانة المسلحة والإسمنتية، إلا أن السدود التي تم بناؤها حاليا تعد ركامية.

من جهته طالب الدكتور عبد المحسن فرحات أستاذ تصاميم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز في جدة بضرورة إيجاد الأحواض لتجميع المياه والاستفادة منها ترفيهيا وصناعيا وزراعيا، إضافة إلى وضع الحلول المستقبلية قصيرة الأجل لحل الأوضاع الحالية، إلى جانب المتوسطة وطويلة الأجل، شريطة أن تراعى فيها الطبيعة الجيولوجية والسكانية.

وفي السياق ذاته، كشف مسؤول رفيع عن استعانة أمانة جدة بآليات أمانة العاصمة المقدسة المستخدمة خلال مواسم الحج للمساهمة في رفع الأضرار بالأحياء السكنية الشعبية والضيقة، والمتضمنة آليات صغيرة الحجم تستطيع الدخول إلى الأزقة والأحياء التي تشتهر بها العاصمة المقدسة.

ودعا المصدر المسؤول في أمانة العاصمة المقدسة (فضّل عدم ذكر اسمه) إلى ضرورة الاستفادة من تجربة مكة المكرمة، كونها واقعة بوادٍ كبير، في مشاريع تصريف السيول. وأضاف «شهدت مكة المكرمة سيل الربوع الذي اجتاحها بمنسوب مياه 243 ملم خلال ثلاث ساعات وأغرقها في ذلك العام، إلا أن تجربة تصريف السيول في الكعبة المشرفة تحديدا تعد من التجارب الناجحة على مستوى العالم بحسب ما أشار إليه الخبراء».

وأشار المصدر إلى أن الفرق بين ما حدث في مكة المكرمة وجدة يكمن في وجود مجاري السيول، إذ إن تراكم الخبرات في مكة المكرمة جعل مشاريع تصريف السيول بها تسير بشكل واضح رغم أنها تعد منطقة وادٍ.

وأوصى المشاركون باستخدام الخارطة الجيولوجية وإسقاط الصور الجوية عبر استخدام تقنية «جي آي إس» لتحديد مواقع السيول والأودية في جدة وإعادة فتحها من جديد، إضافة إلى استخدام المسارات الطبيعية كمجارٍ للسيول والاستفادة من تجربة العاصمة المقدسة في ذلك.

وطالبوا بإنشاء مركز للكوارث تحت مظلة الأمانة، يتتبع أماكن تجمع المياه خلال الفترة الحالية وإقامة مشاريع بسيطة لها على غرار ما هو حاصل في بعض مناطق السعودية.

وأكدوا ضرورة تحجيم البناء في الأحياء المتأثرة وأماكن تجمع السيول وبناء الأحواض لتجمع المياه، والاستفادة من مياه السيول في المنطقة الشرقية من جدة وتحويلها إلى منطقة جذب سياحي، إضافة إلى تطبيق تجربة الإنذار في الهيئة الملكية بينبع خلال حرب الخليج في إنذار الأهالي قبل وصول السيل إليهم بوقت كافٍ، عدا عن توعية السكان من خلال برامج توعوية إعلامية.

في هذه الأثناء، ما زالت توقعات الأرصاد السعودية مستمرة حول إمكانية هطول أمطار رعدية على مناطق شمال شرقي وشرق وأجزاء من وسط السعودية والمتضمنة حفر الباطن والدمام والرياض.

وأشارت في بيانها اليومي إلى احتمالية هطول أمطار على الأجزاء الجنوبية الغربية والغربية للسعودية خاصة السواحل بما فيها المرتفعات، والتي قد تكون مصحوبة بنشاط في الرياح السطحية، عدا عن تأثر الرؤية الأفقية وتكوّن الضباب على تلك المناطق والجزء الجنوبي من البحر الأحمر خلال ساعات الليل والصباح الباكر.