«رأي شرعي» يربك الجهات الأمنية بين إيقاف أو استمرار البحث عن مفقودي «كارثة جدة»

شرعيون في حديث لـ «الشرق الأوسط» يطالبون بضرورة إصدار فتوى رسمية تنهي الموقف

عملية البحث عن الضحايا لم تتوقف حتى الآن (تصوير: مروان الجهني)
TT

أربك تردد رأي شرعي في السعودية حاليا الجهات الأمنية، حول القول باعتبار المفقودين الذين يتم البحث عنهم منذ وقوع كارثة جدة قبيل أسبوعين، في عداد الموتى، وبين من يرى أنهم مفقودون، وضرورة استمرار البحث عنهم ضمن الأنقاض.

ولا تزال الجهات الأمنية في السعودية تنتظر رأيا شرعيا يحدد مسألة إيقاف البحث عن المفقودين والتي ربما تمتد لشهور أو حتى سنوات، في ظل عدم وجود رؤية شرعية واضحة لها باعتبارها تعتمد على معايير عدة.

ورفع عضو في هيئة كبار العلماء ـ جهة الرأي الشرعي المعتمد في السعودية ـ من وتيرة هذا التطور حينما أعلن عن رأيه بأن المفقود يعتبر شرعا في حكم الموتى، لكنه ذكر أن للقضاء البت فيما يخص الأحكام المصاحبة كالإرث مثلا.

وقال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور قيس المبارك، عضو هيئة كبار العلماء، إن من جرفته السيول في موضع منحصر كمدينة من المدن، كما حدث في مدينة جدة في 25 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي فإنه يعتبر في حكم الميت وليس في حكم المفقود.

ولفت المبارك إلى أن ما يتعلق بالميت حكما وليس يقينا من أحكام مصاحبة كالإرث وعدة الزوجة والحقوق إنما يُرجع فيها إلى القضاء ليفصل فيها بعد النظر في القرائن والدلائل والبينات التي صاحبت حالة الفقد للتيقن من موته حقيقة.

وذكر الشيخ الدكتور المبارك أنه يجب البحث والتقصي، مشيرا إلى أن الفترة المعتبرة شرعا لاستمرارية البحث عن المفقود يحددها أهل الخبرة والدراية في مجال البحث والإنقاذ والتحري.

وكانت «الشرق الأوسط» قد طرحت قضية مفقودي سيول جدة التي تعرضت لها جدة وتسببت في فقد 48 شخصا على الشيخ الدكتور آل مبارك، حيث لا تزال فرق الدفاع المدني في المدينة تنشر قائمة بأسمائهم، وتعتبرهم في عداد المفقودين رغم مرور أكثر من أسبوعين على اختفائهم.

وفصل الشيخ الدكتور قيس المبارك في هذه القضية حيث قال «اصطلح الفقهاء على استعمال كلمة المفقود للدلالة على من انقطع خبره وغلب على الظن أنه يمكن الكشف عنه ولو بعد حين، بخلاف من تَيَقَّنّا من موته، كمن سقط في البحر فغرق، فهذا لا يسمى مفقودا، وإنما يحكم بأنه ميت، وكذلك لو غلب على الظن موته، كمن فقد في زمن الوباء، فهذا يحمل على أنه ميت لا مفقود، وكذلك الأمر فيمن جرفته السيول في موضع منحصر كمدينة من المدن أو حي من الأحياء، بحيث يغلب على الظن عدم خروجه من هذه المدينة، فهذا يحكم فيه أنه ميت وليس مفقودا، وذلك إذا علمنا أنه كان موجودا في المكان وقت هجوم السيل».

وزاد المبارك «يجب البحث والتقصي، بحيث يغلب على الظن أنه لا يمكن الكشف عنه، وأما فترة البحث فهي أمر موكل إلى أهل الخبرة في البحث والتحري».

وشدد بالقول «إنه ومما ينبغي التنبه إليه أن القول بأن أحدا من هؤلاء له حكم المفقود أو له حكم الميت إنما هو من شأن القضاء، يحكم في ذلك القاضي بعد النظر في الدلائل والبينات والقرائن، فالمسائل التي تتعلّق بأكثر من طرف، وتكون فيها حقوق، يحكم فيها القضاء، وليست مما يفتى به».

من جهته، شدد الشيخ عبد الله العثيم، رئيس المحكمة الجزئية في جدة، على ضرورة وجود فتوى بخصوص إيقاف البحث عن المفقودين، لا سيما أن ما حدث يعد نازلة من النوازل.

وذكر العثيم في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه لا بد أن تصدر الفتوى من هيئة كبار العلماء، خاصة أنه لا يصح لأي شخص الإفتاء فيها، مشيرا إلى أن تلك المسألة لا تحتمل أن تكون موضع آراء مختلفة لما يترتب على ذلك من إثارة للبلبلة بين الناس.

في هذه الأثناء، ما زالت الجهات الأمنية تنتظر رأيا شرعيا يحدد مسألة إيقاف البحث عن المفقودين، في الوقت الذي استمرت فيه عمليات البحث عن مفقود تعرض لانجراف سيل في القصيم منذ نحو 6 أشهر، حيث قد يستغرق العثور على مفقودي جدة فترات أطول، لا سيما أن تلك العملية لا تقتصر على البحث في مكان واحد بحكم تعدد المناطق المتضررة. وهنا علق في حديث لـ«الشرق الأوسط» العميد محمد القرني، مدير المركز الإعلامي في الدفاع المدني بجدة، بأنه من الضروري تدخل الشرع في الوقت الذي يتم فيه إيقاف البحث عن المفقودين، لا سيما أن هناك أمورا أخرى متصلة في ذلك والمتضمنة الميراث وعدة الزوجة وغيرها.

وأكد القرني على أن قرار وقف البحث لن يتم اتخاذه من قبل الدفاع المدني إلا إذا تم العثور على المفقودين أو الوصول إلى رؤية شرعية تحدد ذلك، مطالبا بضرورة إيجاد فقه للنوازل والكوارث، إلى جانب اهتمام الفتاوى بهذه الجوانب من أجل توضيح الصورة والآلية المفروضة على ذويهم في مثل تلك الحالات.