ردود فعل «عنيفة» جراء تفريغ «بحيرة المسك» في البحر الأحمر

«الأرصاد» تعترض وتطالب «أمانة جدة» بإيقاف عملها.. وتحذيرات من مغبة تغيير واقع البيئة البحرية

بحيرة المسك التي أثارت جدلا واسعا قبل وبعد تفريغها. (تصوير: ثامر الفرج)
TT

على الرغم من تأكيدات السلطات المحلية في مدينة جدة، أن عمليات تفريغ مياه بحيرة المسك في البحر، يتم عقب معالجتها، غير أن تلك التطمينات لم تخفف وطأة ردود الفعل العنيفة التي لا تزال تحذر من خطورة عمليات التفريغ تلك، التي تهدد بتغيير واقع البيئة البحرية في البحر الأحمر، بحسب خبراء في البيئة.

وجاء قرار تفريغ بحيرة المسك، وهي موقع تم تخصيصه من قبل السلطات المحلية بجدة، لتكون مجمعا لمياه الصرف الصحي، وذلك بعد ارتفاع منسوب المياه في البحيرة، إثر الأمطار الغزيرة التي هطلت على جدة قبل 23 يوما، وخلفت ضحايا ومصابين وأضرار مادية.

ولعل المفاجأة، ما أكد عليه الدكتور سمير غازي، وكيل الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة لشؤون التنمية المستدامة، من أن عمليات تفريغ بحيرة الصرف الصحي في البحر، «لم تبلغ بها الرئاسة.. وترفضها تماما»، لكنه لم يستبعد أن يكون الأمر قد تم التوصل إليه في إطار لجان الطوارئ التي شكلت مع بداية كارثة سيول أمطار جدة.

لكن غازي، يرى ضرورة مراجعة قرار صب مياه الصرف الصحي في البحر، حتى بعد معالجتها. وقال في حديث مع «الشرق الأوسط»، «إذا كانت المياه معالجة فعلا، فلماذا تصب في البحر الأحمر. البحر ملوث أساس، ولا يحتاج إلى ملوثات إضافية»، حيث يأتي حديثه وسط تشكيك بيئي بجدوى عمليات معالجة مياه الصرف.

وطالب وكيل الرئيس العام للأرصاد والبيئة، بإيقاف عمليات تفريغ مياه البحيرة في البحر الأحمر. وقال «لقد اتخذ قرار التفريغ في البحر خلال فترة طوارئ. الآن الأمور عادت إلى طبيعتها، وليس هناك شيء يدعو إلى المعالجة السريعة بهذه الطريقة، يجب البحث عن حلول أخرى».

وطبقا، لمسؤول في أمانة جدة، فإنه يتم يوميا تحويل 95 ألف متر مكعب من المياه المعالجة إلى البحر الأحمر، سواء تلك التي تحمل عبر قرابة الـ450 ناقلة يوميا، أو تلك التي تسحب من مياه بحيرة المسك مباشرة.

وأصدرت أمانة جدة، بعد تزايد الخطر المقبل من بحيرة المسك، قرارا بإيقاف صب الناقلات لمياه الصرف الصحي في البحيرة، وتحويلها مباشرة إلى محطات التنقية، قبل توجيهها إلى قنوات تصب في البحر.

وهنا، يؤكد أحمد الغامدي، مدير المركز الإعلامي بأمانة جدة لـ«الشرق الأوسط»، أن الأمانة لا يمكن أن تقوم بتصريف مياه البحيرة مباشرة على البحر الأحمر، دون معالجة. فالمعالجة أولا، والتصريف ثانيا.

لكن المهندس محمد حبيب بخاري، عضو لجنة المرافق في غرفة جدة، والباحث البيئي المعروف، قلل من جدوى عمليات المعالجة التي تقوم بها محطات التنقية في جدة، على اعتبار أن تلك المحطات لا تعمل بالنظام الثلاثي.

وشكك بخاري في حديث لـ«الشرق الأوسط» بجدوى عمليات المعالجة التي تقوم بها محطات المعالجة الأولية والثنائية والبالغ عددها 12 محطة. وقال إن «عمليات المعالجة التي تقوم بها أمانة جدة لمياه بحيرة المسك، مشكوك فيها».

واستحضر في سياق تشكيكه بجدوى عمليات معالجة الصرف الصحي في مدينته جدة، بالاختبارات التي أرسلها الدكتور علي عشقي وهو باحث بيئي معروف على مستوى مدينة جدة، عبر إرساله عينات متحصلة من المياه المعالجة في المحطات الـ12، التي أثبتت «أنه ليس هناك فرق بين المياه وقت دخولها، وبعد خروجها».

وترفض رئاسة الأرصاد وحماية البيئة في السعودية، بشكل كامل، استمرار أمانة جدة، في تصريف مياه الصرف إلى البحر.

وقال وكيل رئيس الأرصاد وحماية البيئة «إذا كانت الأمانة عالجت المياه فعلا، فلماذا يتم تصريفها، فالمياه تصبح ثروة بعد المعالجة يجب الاستفادة منها لا إلقائها في البحر. ويضاف إلى ذلك التكاليف التشغيلية لعمليات المعالجة».

ودعا سمير غازي، لضرورة تطبيق النظام الصادر من وزارتي الزراعة والشؤون البلدية والقروية، والخاص بإعادة استخدام المياه المعالجة في ري الحشائش والحدائق والورقيات الخضراء. وأمام ذلك، أكدت أمانة جدة، على لسان مدير مركزها الإعلامي، أن الأمانة «تحول 10 آلاف متر مكعب بعد المعالجة إلى الغابة الشرقية للري، التي تحتوي على أكثر من 200 ألف شتلة».

وأعادت عمليات الاستفادة من المياه المعالجة، الخلاف القائم منذ سنوات بين رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، ووزارة المياه، حيث تصر الأخيرة على تمديد أنبوب من محطة معالجة الصرف الصحي (شمال شرق المطار) إلى البحر، بينما تعترض رئاسة البيئة على هذا الأمر، لوجود اعتبارات أخرى من الممكن الأخذ بها بعد معالجة مياه الصرف، في حال كانت المياه معالجة بالنظام الثلاثي.

لكن، وطبقا لما يذكره المهندس محمد حبيب بخاري، فإن جدة لا تحتوي حتى اليوم على محطات معالجة ثلاثية للمياه. وقال «كل المحطات الـ12 الموجودة، إما تعتمد على المعالجة الأولية، أو الثنائية، وهذه لا تؤدي الغرض المطلوب لتنقية المياه من التلوث».

ومقابل هذا، أكد أحمد الغامدي، أن أمانة جدة لديها خطة لتحويل بعض محطات تنقية المياه الموجودة فيها إلى «محطات معالجة ثلاثية».

وهنا، سجلت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، موقفا لها في القضية، حيث أكدت لـ«الشرق الأوسط» على لسان الدكتور حسين الشريف رئيس فرعها في مكة المكرمة أنه «لو ثبت أن هناك عملية تجفيف للبحيرة بطريقة تضر بالبيئة فنحن ضد هذا التصرف، ويعد انتهاكا لحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة». وكان للجمعية الحقوقية، موقف مسبق من بحيرة المسك، حيث كانت تنادي بضرورة إيقاف التفريغ فيها، وإيجاد حلول أخرى سليمة لا تضر بالبيئة.

لكن تلك المطالبات الحقوقية لم يلتف لها أحد. وبعد وقوع كارثة جدة، اضطرت السلطات المحلية لإيقاف التفريغ فيها، للزيادة الكبيرة التي طرأت على منسوبها، وبات يهدد أمن وسلامة الأحياء المجاورة للبحيرة، والتي يرجح خبير بيئي أن كمية المياه الموجودة فيها تقترب لـ50 مليون متر مكعب، خلافا للأرقام الرسمية التي تتحدث عن 20 مليون متر كعب من المياه فقط.

واعتبر المهندس محمد حبيب بخاري عضو لجنة المرافق في غرفة تجارة جدة، وخبير في الشؤون البيئية، أن ضخ مياه البحيرة إلى البحر الأحمر يعد «كارثة»، حتى بعد معالجتها، الأمر الذي قال إنه يهدد واقع البيئة البحرية في البحر الأحمر، الذي ارتفعت نسبة الأملاح فيه إلى 48 ألف جزء في المليون، بعد أن كانت تتراوح من 28 إلى 38 ألف جزء من المليون، ما أدى إلى هروب الأسماك من البحر، لازدياد نسبة الملوحة فيه.

وطبقا لبخاري، فإن هناك ما يقارب «260 أنبوبا تصب في البحر الأحمر مياه صرف صحي»، وهو السبب الرئيس الذي بدت على إثره أخذت ملامح البيئة البحرية في البحر بالاختلاف.

ورأى أن من الضروري أن توقف فورا عمليات صب مياه الصرف المعالجة أوليا في البحر الأحمر. وقال «يفترض بالمياه التي ستقذف بالبحر أن تكون معالجة بشكل ثلاثي على الأقل، وهو ما ليس موجود في جدة، ما يعني أن مياه بحيرة المسك المعالجة التي تقذف بالبحر ملوثة».