أعمال التطوع في مساعدة متضرري كارثة جدة تفتح الطريق للترخيص لجمعيات جديدة

وسط تأكيدات من الشؤون الاجتماعية أن العمل الفاعل للمتطوعين في الكارثة سيؤخذ بالاعتبار

TT

فتحت أعمال التطوع التي نفذها متطوعون من الجنسين لإغاثة ومساعدة متضرري سيول جدة، الطريق أمام وجود جمعيات جديدة، وسط تأكيدات من مسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية بأن العمل الفاعل الذي قام به المتطوعون خلال كارثة جدة سيؤخذ بالاعتبار. ويأتي ذلك في وقت قرر فيه عشرات المتطوعين والمتطوعات الشبان تنظيم صفوفهم والانخراط في العمل الاجتماعي والخيري عبر هيكلة وتنظيم أكثر رسمية وفاعلية من خلال التفكير جديا بتكوين جمعيات منفصلة لتكون قناة رسمية يتم من خلالها بذل جهودهم التطوعية.

ياسر أسعد، ناشط ومتطوع في مجموعة «مواطنة» وأحد أكثر المتطوعين فعالية خلال كارثة جدة، استطاع أن يجند مئات الشبان والشابات، وينظم صفوفهم للنزول مباشرة للمناطق المنكوبة بعد السيول ومنذ اليوم الأول استطاع وزملاؤه تقديم المعونة لآلاف المتضررين قبل أن تنتظم جهود الإغاثة ضمن خطوط متوازية ومدروسة بالتعاون مع الجهات المعنية، وكشف أسعد عن أن العديد من مجموعات المتطوعين والمتطوعات لديهم النية بتنظيم صفوفهم وإيجاد قنوات رسمية لتمكنهم من تقديم جهودهم التطوعية من خلالها.

وقال أسعد إن جمعيات أكثر عراقة وأسبق وجودا حاولت تجيير جهود المتطوعين لصالحها رغم أسبقية عملهم ووجودهم في الميدان في كارثة جدة بما يقارب الـ 5 أيام على الأقل، والفرق الواضح الذي أحدثه تجاوبهم مع الأزمة، وهو ما أضعف ثقة بعض المتطوعين والمتطوعات في هذه الجهات وجعلهم يؤثرون البقاء كـ «قوة احتياط» عند الأزمات وعند بروز الحاجة إليهم، إلى جانب تخوفهم من العقبات البيروقراطية والتعقيدات التي يمكن أن تحدث أو تحد من دورهم، إلا أنه أكد على أن مجموعات مثل «أصدقاء جدة» و«إنقاذ جدة»، و«مواطنة» تبحث جديا عن إطار أكثر تنظيما ورسمية لإيصال خدماتها التطوعية والاجتماعية. خاصة أن هناك المزيد مما يمكن تقديمه.

المتطوع يحيى شرف الدين، بدوره اعتبر أن المجهود الذي بذله المتطوعون والمتطوعات خلال الأزمة هو مؤشر واضح على وجود قوة بشرية مؤهلة ولديها وعي كافٍ وشعور طاغ بالمسؤولية الاجتماعية وبضرورة إحداث فرق إيجابي في مجتمعها وبالتالي يجب استغلال هذه الطاقة دون هدرها، وعن طريق فتح الطريق أمامها بدون أي عراقيل وعقبات بيروقراطية تحد من دورها».

من جانبه رحب الدكتور علي الحناكي، مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة. بفكرة انبثاق مجموعات تطوعية واجتماعية مصرحة بحسب النظام عن فرق المتطوعين والمتطوعات في كارثة جدة، وقال الحناكي لـ«الشرق الأوسط» «إن على الراغبين التقدم إلى الوزارة والاطلاع على نظام مجلس الوزراء لتأسيس الجمعيات الخيرية، والذي ينص على أن تتوافر لديهم الرغبة، ورؤية وأهداف محددة لعملهم التطوعي، إضافة إلى أن يتعدى مجموعهم أكثر من 25 شخصا مقدمين سجلاتهم المدنية لتقوم الوزارة بالتصريح لهم بالعمل بشكل رسمي، إلى جانب منحهم إعانة تأسيسية وإنشائية، وتمنحهم وفق اللوائح أرضا لا تقل عن 200م إلى جانب التسهيلات، وسيحق لهم وفقا لذلك القيام بجمع التبرعات بشكل مباشر ضمن اللائحة المنظمة لذلك.

وأشار الحناكي إلى أن العمل الفاعل الذي قامت به مجموعات الشبان المتطوعين خلال كارثة جدة سيؤخذ بالاعتبار لتسهيل منحهم الإعانة التأسيسية التي تمنحها الدولة في إطار اللوائح المنظمة. ولفت إلى أن أعداد الجمعيات الخيرية على مستوى المملكة قبل ثلاثة أعوام بالضبط كانت لا تتجاوز الـ 360 جمعية، والآن يبلغ عددها 560 جمعية، ومن بينها جمعيات عريقة ومحترفة ذات خبرة وباع في العمل الاجتماعي والإغاثي والتطوعي.

وأضاف «أصبحنا أكثر ميلا لتشجيع إنشاء الجمعيات الخيرية المتخصصة، وهو توجه نركز عليه وبناء عليه ظهرت أخيرا جمعيات مثل جمعية مرضى الإيدز، ومرضى الزهايمر، وغيرها من الجمعيات الصحية المتخصصة، وفي منطقة مكة المكرمة وحدها يبلغ عدد الجمعيات 135 جمعية، نصيب مدينة جدة منها 31 جمعية».

وبالنسبة لتصنيف الجمعيات على أساس الجهد الذي تبذله، أقر الحناكي أنه ليس هناك تصنيف بالنسبة لأداء الجمعيات بشكل واضح، لكن يؤخذ بعين الاعتبار أداؤها والدور الذي تقوم به عند تقديم الإعانات التي تمنح لها من قبل الدولة، إضافة إلى أن الجمعيات العريقة والأكثر فاعلية لديها مواردها الخاصة.

وفي الوقت نفسه فإن قرار إغلاق أي جمعية – بحسب الحناكي - هو قرار لا يتخذ إلا في أضيق الحدود، مؤكدا أن «الوزارة لا تميل أبدا إلى هذا الإجراء الذي لم يستخدم من قبل إلا في حالة واحدة عندما تمت إساءة استخدام السلطة المخولة للجمعية المعنية وحدث نوع من التجاوز والخلط في أداء مهامها. ومن الخدمات التي نقدمها للجمعيات الخيرية متابعة حساباتهم من خلال محاسب قانوني تتحمل وزارة الشؤون الاجتماعية تكاليفه، وهو يقدم للوزارة تقريرا دوريا مفصلا كل ثلاثة أشهر حول مصروفات الجمعية وإيراداتها وأي ملاحظات وتتم المفاهمة على ذلك غالبا».

واعتبر الحناكي أن الباب مفتوح على مصراعيه للمتطوعين والمتطوعات لإعطاء أعمالهم الصبغة الرسمية، مشددا على أن الوزارة تشجع كل جهد خيري مثمر، وتشجع ثقافة التطوع والعمل الخيري في المجتمع السعودي، وإن كانت الكثرة قد تحرم الجمعيات الجديدة من تلقي التبرعات، ومن الحصول على التمويل اللازم من الداعمين، ووزارة الشؤون الاجتماعية وحدها تدعم الـ 560 جمعية الموزعة في جميع أنحاء المملكة بـ 300 مليون ريال سنويا. وقال الحناكي إن الوزارة تتطلع إلى مضاعفة هذا الرقم.

وتجدر الإشارة إلى أن الجمعيات الخيرية في المملكة تصرف سنويا ما يبلغ ملياري ريال سنويا، وإيراداتها تبلغ مليارين سنويا تقريبا، وهناك توجه لدى الوزارة حاليا في ألا تقدم المساعدات المادية والهبات إلا في أضيق الحدود وفي حالات خاصة جدا مثل أسر السجناء، والمرضى النفسيين، والأيتام والأرامل، وينصب تركيزها بشكل أكبر على التدريب والتعليم من أجل تقديم مساعدة فاعلة تضمن أن يكون الشخص المحتاج شريكا في التنمية.

وحول النشاطات التي توجد حاجة فعلية للتطوع فيها وإمكانية إنشاء جمعيات خيرية متخصصة للعمل عليها، قال الحناكي «يجب أن يكون هناك تنوع في تخصصات الجمعيات الخيرية والمجموعات التطوعية الراغبة في تنظيم أنفسها بحيث تركز على المجالات التي توجد حاجة ماسة وفعلية إليها في المجتمع، وهناك حاليا اكتفاء كامل بحسب ما نرى في الجمعيات المتخصصة في تقديم المساعدات المالية والعينية، والإغاثية وما إلى ذلك، والحاجة أكبر إلى الجمعيات التي لها صلة بالتوعية، والتدريب، واستثمار فراغ الشبان، ونشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية. والجمعيات التي لها صلة بالتوعية بشكل أكبر أيا كان مجال التوعية والإرشاد الذي تقدمه».