تصريحات مسؤولين في جدة تزيد من معاناة السكان مع السيول

السكان يدعون بعضهم للجوء إلى الله في هذه الكارثة.. ويقاطعون الدراسة أيام المطر

جسرعلى مجرى السيل المجاور لمصنع البيبسي انهار أمس بسبب الأمطار ( تصوير: مروان الجهني)
TT

يبدو أن الثقة التي فقدت بين سكان مدينة جدة ومسؤوليها وقطاعاتها الخدمية بعد مقتل 122 شخصا في سيول الأربعاء الأسود زادت من مأساة السكان مع السيول والأمطار، إذ لم تفلح التطمينات التي بثتها أمانة جدة يوم أمس أو حتى الدفاع المدني المتهم البريء، حول وضع بحيرة «المسك الآمن» شرقي جدة في دفع الناس إلى التزام منازلهم، وإنما حزموا حقائبهم مع أول قطرة مطر وغادروا الأحياء الشرقية علّهم ينجون بأنفسهم من «بحيرة الخوف» كما سموها، المهددة بالانهيار في أي لحظة.

قصة سكان جدة تتلخص في رواية فيصل الظاهري وأسرته وهو من سكان حي بريمان، إذ يؤكد الظاهري لـ«الشرق الأوسط» مغادرة منزله بمجرد هطول المطر واللجوء إلى أقارب له في مكان آخر.

ويضيف: «لا أعلم حتى متى سيستمر هذا الخوف وهذا الهاجس، ومتى تزال هذه الكارثة الجاثمة على قلوبنا، التي زادتنا فوق الخوف من السيول، الخوف من انهيارها».

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يذهب عبد الله العدواني الذي يسكن حي الأجواد إلى القول بطرح أسئلة من دون إجابات: «يا أخي لم نعد ندري هل نصدق تطمينات الجهات المسؤولة أم نكذبها، فهؤلاء كذبوا علينا سنوات طويلة، ما الذي يدفعنا لتصديقهم الآن».

ويستطرد أن «الآمال معقودة في وقفة حازمة من الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة في إصلاح ما أفسده المسؤولين السابقين والحاليين، خاصة في ظل الدعم الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين في الوقت الحالي، وتحويل هذه الكارثة إلى أمر إيجابي لجدة».

يأتي ذلك في وقت طمأن فيه المهندس إبراهيم كتبخانة وكيل أمين جدة للتعمير والمشروعات أهالي جدة من عدم وجود أية مخاوف من بحيرة الصرف الصحي، مؤكدا أن أمطار أول من أمس لم تؤثر في منسوبها المائي، إضافة إلى أن وضع السدين الترابي والاحترازي يعد آمنا.

وأوضح أن فريق العمل الميداني كان موجودا في منطقة بحيرة المسك حتى الساعة الثالثة من صباح أمس الأربعاء، مضيفا أن أحد أعضاء الفريق نزل بواسطة السلم الموجود في البحيرة للتأكد من قراءة المنسوب المائي التي سجلت نحو 9.6 متر.

وأشار إلى وجود تواصل مع دوريات الدفاع المدني التي كانت تقف على مفارق طريق بريمان وتقاطعاته لإطلاعهم على وضع البحيرة والسد، إلى جانب تبليغ غرفة عمليات الدفاع المدني بكل مستجدات البحيرة.

ولفت إلى أن منسوب المياه عند السد الاحترازي يبلغ نحو 13.80 متر بالعين كما كان بالأمس، فضلا عن قيام الشركات الخاصة بأعمال الصيانة ومتابعتها في السدين، مبينا أنه تم فتح جميع بوابات السد الترابي كإجراء احترازي لمواجهة الأمطار بتصريف أكبر لبحيرات التبخير.

ولمزيد من الإجراءات الاحترازية وزيادة السعة أفاد كتبخانة أنه يجري رفع وزيادة عرض الحاجز المقام بين بحيرتي التبخير السابعة والثامنة والبحيرتين الرابعة والخامسة.

وكشف عن إنشاء نقاط مراقبة بجوار السد الترابي لمتابعة مستوى المياه في البحيرة والإبلاغ الفوري في حالة حدوث أي طارئ، عدا تخفيف الضغط على البحيرة عن الحد من تصريف المياه بالناقلات.

وبين أنه تم إنشاء السد الترابي لحجز مياه البحيرة بطول 1700 متر، كأحد حلول مشكلة بحيرة الصرف الصحي، موضحا أن الأمانة قائمة على مشروع صيانة السد الترابي بوادي العسلاء، إضافة إلى مشروع السد الاحترازي الذي تم إنشاؤه على بعد 12 كيلو مترا من البحيرة ويبلغ طوله 230 مترا وارتفاعه 18 مترا بسعة تخزينية 15 مليون متر مكعب، وكذلك زراعة أشجار الحلفا التي تمتاز بمزايا امتصاص كميات كبيرة من المياه، وشق قنوات لتكون بمثابة بحيرات ومتنفس لتصريف مياه البحيرة في حال ارتفاع منسوبها.

من جهته، أكد العميد محمد القرني مدير المركز الإعلامي في الدفاع المدني بجدة على سيلان نحو تسعة أودية نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة أول من أمس.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بلغ عدد الأودية التي سالت في مكة المكرمة ما يقرب من ستة أدوية، إلى جانب ثلاثة أخرى في منطقة الجموم»، مشيرا إلى استمرار حالة الطوارئ في الدفاع المدني على مستوى منطقة مكة المكرمة بالكامل.

وكشف عن إنقاذ نحو 37 حالة موزعة على منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة، إذ شهدت بحرة احتجاز نحو 14 حالة، عدا أربع حالات في العاصمة المقدسة وحالتين في الجموم، غير أنه لا توجد أي حالات وفاة، مبينا أنه تم التعامل مع حالات الاحتجاز عن طريق 37 وحدة إنقاذ أرضي تابعة للدفاع المدني.

ونفى العميد محمد القرني معلومات إخلاء بعض الأحياء في جدة على إثر أمطار أول من أمس، مؤكدا في الوقت نفسه خلو تلك الأحياء منذ السابق في ظل عدم عودة الأسر المتضررة حتى الآن إلى منازلها.

وأضاف: «اقتصرت البلاغات يوم أمس على ماسات كهربائية وتم التعامل معها من دون وقوع ضحايا، إضافة إلى أن أحياء شرق الخط السريع تعد آمنة، لا سيما أنه لم يطرأ أي تغير في منسوب بحيرة الصرف الصحي التي تخضع لمراقبة فرق الإنذار والرصد التابعة للدفاع المدني».

وحول الإجراءات الاحترازية التي تم القيام بها تحسبا لأي سيول أو أمطار أخرى، أفاد مدير المركز الإعلامي بالدفاع المدني في جدة بأنه تم زيادة عدد فرق الإنذار بعد دعمها بنحو 15 فرقة إضافية يتجاوز عددها 25، إلى جانب تجهيز 60 قارب إنقاذ لحالات الطوارئ وذلك في المناطق الواقعة شرق المحافظة.

وأردف قائلا: «ما زالت أعمال الدفاع المدني السابقة مستمرة، عدا انتهاء لجان تقدير الأضرار من تقدير نحو ألفين و40 عقارا متضررا حتى الآن، إلا أن مبالغ التعويض لا تحدد حاليا باعتبار أن تلك اللجان تعد جهة تقديرية تخضع لآلية محددة ليتم الإعلان عن إجمالي المبالغ في حينها».

إلى ذلك، ذكر الدكتور سعد محلفي وكيل شؤون الأرصاد في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة أن السحب الركامية والرعدية التي تسببت في سقوط الأمطار على جدة مساء أول من أمس اتجهت نحو الجنوب إلى القنفذة والمناطق الجنوبية من السعودية، إلا أنه من المحتمل سقوط أمطار خفيفة على محافظة جدة، خاصة المناطق الجنوبية منها، غير أنها لن تشكل أي خطر.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع عودة السحب خلال الأيام الخمسة القادمة كونها تعتبر من الأيام الماطرة على المنطقة»، مشيرا إلى أن أعلى منسوب للأمطار يوم أمس سجل في حي الجامعة وشمال شرقي جدة بنحو 43 ملليمترا. وأعلنت من جانبها الرئاسة العامة للأرصاد في بيان بعثت به لـ«الشرق الأوسط» عن توقعات تحرك الحزام السحابي اليوم على وسط وشرق السعودية مع وجود الفرصة لهطول أمطار رعدية تصاحب بنشاط في الرياح السطحية وتحد من مدى الرؤية الأفقية على تلك المناطق، كما تشمل الأمطار الأجزاء الجنوبية لمنطقة مكة المكرمة خاصة الساحلية منها والمرتفعات، إضافة إلى هطول أمطار رعدية على مرتفعات عسير والباحة وجازان. وفي السياق ذاته، أغلقت منذ ساعات الصباح الأولى يوم أمس معظم الطرق الرئيسة في جنوب جدة، خاصة في أحياء العدل والأمير فواز والخمرة وقويزة والصواريخ والمنطقة الصناعية، نتيجة زيادة منسوب المياه وتكون التجمعات المائية في تلك المناطق.

وعاد منسوب ما أصبح يطلق علية «حفرة الموت» في الكيلو 11 للارتفاع مرة أخرى، إلا أن فرق الشفط باشرت عملها فورا لسحب المياه وإعادة فتح الطرق، إضافة إلى إعلان حالة التأهب، وتطبيق خطة الطوارئ للأمطار التي بلغ متوسط كمياتها 12 مليمترا بحسب ما سجلته أجهزة القياس. وأفاد أحمد الغامدي مدير المركز الإعلامي في أمانة محافظة جدة بأنه تم توزيع كامل عمالة شركات النظافة الثلاث في الفترة الصباحية الذين يتجاوز عددهم 1000 عامل و170 ناقلة على البلديات لتنظيف وشفط تجمعات المياه.

وأوضح المهندس فيصل شاولي رئيس اللجنة التنفيذية للأمطار بأمانة محافظة جدة أنه منذ تلقي بلاغ الرئاسة العامة للأرصاد بهطول أمطار على جدة تم إعلان حالة التأهب وتطبيق خطة الطوارئ التي تتضمن تحديد المواقع الحرجة في المدينة وأماكن تجمع المياه سواء كانت في الشوارع الرئيسية أو الفرعية أو أمام الجهات الحكومية والمدارس والمساجد.

وأبان أنه جرى نشر فرق ميدانية للبلديات الفرعية والعمل على معالجة سلبياتها، مع توزيع دوريات السلامة وفرق الإنقاذ على الشوارع والميادين المسجلة لدى غرفة العمليات مسبقا التي تتجمع فيها مياه الأمطار للتدخل في الحوادث وتقديم المساعدة.

وقال إن الأمطار التي سقطت على مدينة جدة متفاوتة، حيث بلغ منسوبها في نطاق بلدية المطار 6.4 مليمتر، وفي قويزة 12 مليمترا، فيما وصلت إلى 17 مليمترا عند بحيرة الصرف الصحي، مضيفا أنه تم تجهيز غرفة الطوارئ من أجل استقبال البلاغات ومباشرة الحالات فورا التي سجلت نحو 200 بلاغ من الثامنة مساء حتى الثامنة صباحا يوم أول من أمس.

وأضاف شاولي: «منذ الساعات الأولى وبعد توقف الأمطار تم العمل على شفط تجمعات مياه الأمطار من الشوارع الرئيسية، وذلك بتوزيع أكثر من 170 ناقلة على البلديات الفرعية منها 50 ناقلة تابعة لإدارة الحدائق، ومثلها من الأهالي، و70 ناقلة من شركات النظافة، إضافة إلى 22 تنكر شفط مياه، و7 مكانس».

وأفاد بأن اللجنة حددت مواقع تجمع مياه الأمطار في الشوارع الرئيسية والفرعية والمساجد والمدارس، والجهات الحكومية، موضحا أنه يتم العمل على إزالة تجمعات مياه الأمطار من جميع الشوارع الرئيسية والدوائر الحكومية والمدارس خلال الـ24 ساعة الأولى من توقف سقوط الأمطار، فيما يتم التعامل مع الشوارع الداخلية والفرعية والبرحات خلال 72 ساعة مع مباشرة أعمال الرش تفاديا لتكاثر البعوض.

وأكد رئيس اللجنة التنفيذية للأمطار أن وحدة تصريف مياه الأمطار والسيول باشرت أعمالها في فتح الشبكات وتسهيل دخول مياه الأمطار، إذ تم تشغيل 390 فتحة لتصريف المياه في المناطق المغطاة بشبكة تصريف مياه الأمطار، ونحو 120 فتحة ببلدية جدة الجديدة، و90 فتحة في بلدية المطار، و150 في بلدية العزيزية، إلى جانب 30 فتحة في الجامعة.

من جانبه، أوضح حسين باعقيل رئيس المجلس البلدي بجدة أن المجلس قائم على متابعة دقيقة لأوضاع جدة وسكانها أثناء وبعد الأمطار التي هطلت مساء أول من أمس، مؤكدا الاتصال والتواصل مع الجهات المعنية كافة لمعرفة التفاصيل حول الأحياء المتضررة مسبقا وأحوالها حاليا ومدى الاستعداد والجاهزية لمواجهة الطوارئ. وأضاف أن الوضع مطمئن في ظل الوقوف الميداني على عدد من الأحياء، مؤكدا أن المجلس يواصل مهامه من خلال المتابعة اليومية للأوضاع والتواصل مع السكان وتوجيه الجهة المختصة بمباشرة مهامها إذا ما لزم الأمر. وكان المجلس البلدي بجدة عقد صباح أمس الأربعاء ورشة العمل الثانية حول مخاطر الأمطار والسيول في مدينة جدة وذلك بحضور رئيس المجلس الأستاذ حسين بن علوي باعقيل ونائبه المهندس حسن بن محمد الزهراني وعدد من الأعضاء بمشاركة مجموعة من الأكاديميين المختصين من كليات الأرصاد والبيئة وكلية تصاميم البيئة لمناقشة مخاطر السيول والحلول القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى لرفعها للجهات المعنية.

وأدار الورشة عضو المجلس وعضو مجلس الشورى الدكتور طارق بن علي فدعق الذي استهل الجلسة باستعراض ما تم في الجلسة الأولى من توصيات كما تناولت المناقشة المجاري الطبيعية لوديان جدة وتدفق المياه في الأربعاء الحزين وما ترتب عليه من كوارث ومخاطر مستقبلية، كما ناقش المجتمعون تجارب الدول المختلفة في مواجهة مخاطر السيول حيث قدم فريق من كلية الأرصاد والبيئة بجامعة الملك عبد العزيز دراسة عن حالة منطقة قويزة ووادي قوس شاملة الخصائص العلمية لقياس خصائص السيل.

وخرج المجتمعون بمجموعة من التوصيات، منها المطالبة بتوعية المواطنين بمخاطر السيول بالإضافة إلى زيارة سريعة لرصد المخالفات من ردميات وغيرها وأيضا دراسة تقويم وسائل الحماية من مخاطر السيول الموجودة حاليا، كما أوصوا بالإسراع بإقامة سدود مدروسة في أعلى الأودية بالإضافة إلى تصحيح أسماء الأودية في الخريطة الرسمية لجدة ومد قنوات تصريف لجميع الأودية وإيقاف تصريحات البناء في بطون الأودية ووضع حرم لبطون الأودية وعدم البناء فيها، وعدم السماح باعتماد أي مخطط جديد إلا بعد معرفة مخاطر السيول عليه والإسراع في تكميل منظومة الصرف الصحي بمدينة جدة. ومن المؤكد أن ما حدث في مدينة جدة الشهر الماضي زاد من مخاوف الطلاب والطالبات وأولياء أمورهم، الأمر الذي جعلهم يعلنون حالة «الغياب الجماعي» عند أول شك يصل لأذهانهم بمجرد مشاهدة الغيوم في السماء واحتمالية هطول الأمطار.

وهنا كشف عبد الله الثقفي مدير عام التربية والتعليم للبنين في جدة عن تجاوز نسبة غياب الطلاب في المدارس يوم أمس 60 في المائة، مشيرا إلى أن الإدارة تقدر حرص أولياء الأمور على أبنائهم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن غياب الطلاب عن مدارسهم يعد إرادة مجتمعية تقدرها إدارات التعليم، لا سيما أنها تشاطر أولياء الأمور حرصهم على أبنائهم، مبينا أن الظروف التي حتمت وقوع ذلك الغياب تلقى تقديرا من قبل الإدارة.

وفي ما يخص المدارس الأربع التي تضررت جراء كارثة جدة الشهر الماضي أبان مدير عام التربية والتعليم أنه تم الانتهاء من تأهيلها وتجهيزها، غير أن قرار عودة الطلاب إليها يتوقف على تقارير الدفاع المدني لإيضاح مدى إمكانية ذلك من عدمه، مؤكدا عدم تأثرها بأمطار أول من أمس في ظل القيام بجولة تفقدية لها يوم أمس.

فيما شهدت جامعة الملك عبد العزيز بجدة يوم أمس غياب ما يقارب 80 في المائة من طالباتها، وذلك على خلفية الأجواء التي تمر بها المدينة وعمليات إخلاء الجامعة أول من أمس، وذلك بحسب ما ذكرته إحدى الموظفات (فضلت عدم ذكر اسمها).

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «وردت إلينا معلومات حول استقرار الوضع وعودته إلى حالته الطبيعية، إلا أن الجامعة سجلت نسبة غياب (أول من) أمس وصلت إلى 80 في المائة، غير أنه من المفترض أن تباشر طالبات الانتساب دوامهن بعد فترة الظهيرة كالعادة».