دعوة لوقف الاحتقان بين التيارات الفكرية وإعادة النظر في مفهوم الخصوصية

72 مثقفاً سعودياً يناقشون قضايا الخطاب الثقافي السعودي وسبل تجديده

TT

قبل أن ينفض السامر الوطني في الأحساء، استبسل المثقفون السعوديون وعددهم 72 مثقفاً أكثر من نصفهم سيدات في الدفاع عن قناعاتهم الفكرية وأهمها الدعوة لوقف التراشق اللفظي بين الأطياف المختلفة والعمل على إقرار فوري لمبدأ التعايش القائم على احترام التنوع.

السيدات كنّ الأرفع صوتاً في المطالبة بتجديد الخطاب الثقافي السعودي بحيث يستوعب جميع الفئات المتعددة، وكان الدكتور عبد الله الغذامي الناقد المعروف، لاحظ أن كثرة عدد السيدات المشاركات في الملتقى دليل (على أن المرأة أثبتت حضورها) في المشهد الثقافي السعودي.

وقبل أن يستوعب البيان الختامي الذي صدر مساء أمس أنواع الخطاب والمطالبات التي دعا لها المثقفون، كان الجدل في الجلسة المسائية يحتدم بشأن مفهوم (الخصوصية) والدعوة لإعادة تقييمه. وبحسب تعبير الناقد سعيد السريحي فإن السعوديين هم (أكثر شعوب الأرض حديثا عن الخصوصية)، معتبراً أن هذه الخصوصية (أصبحت ستارا حديديا يحول بيننا وبين العالم).

البيان الختامي أشار إلى تطلع المشاركين لاعتبار مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني (ضماناً لحوار متكافئ ومرجعية لكافة التيارات والأطياف كي تعبر عن ذاتها).

وكان 72 مثقفاً سعودياً ناقشوا على مدى يومين في الأحساء جملة من القضايا الثقافية يأتي في مقدمتها تجديد الخطاب الثقافي السعودي، والخروج به من المحلية إلى العالمية حتى يتوازى مع الثقل الديني والاقتصادي والسياسي الذي تمثله السعودية.

وخرج البيان الختامي للملتقى بجملة من التوصيات من بينها أن يقوم مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بعقد عدد من لقاءات الحوار في موضوع «الخطاب الثقافي السعودي» في سلسلة لقاءات يكون هذا اللقاء فاتحتها بحيث تتناول اللقاءات القادمة القضايا المهمة لهذا الخطاب مثل (قضية التجديد في الخطاب الثقافي السعودي، والخطاب الثقافي السعودي وارتباطاته بعدد من القضايا مثل العولمة، والهوية الوطنية، وبناء المشروع الوطني، والعلاقة بالحضارات والثقافات الأخرى، والعلاقة بالمذاهب الإسلامية).

كما نصت التوصيات على أن يتعاون المركز مع المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية الحكومية والأهلية لتكون محاضن فاعلة لتنمية الخطاب الثقافي السعودي ودعمه مادياً ومعنوياً وتدارس الشأن الثقافي لتحقيق مشروع ثقافي وطني تكاملي تكون تلك المؤسسات فيه معبرة عن توجه وطني مشترك. كما حث البيان مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أن يقوم بعقد ورش وجلسات عمل يلتقي من خلالها المثقفون السعوديون بمختلف تخصصاتهم وأطيافهم الفكرية والمذهبية ومناطقهم لتكون أسساً عامة وشرعية ووطنية للخطاب الثقافي تتجاوز الالتباسات التي تعوق مسيرته.

كما تطلع المشاركون والمشاركات في الملتقى إلى أن يكون مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ضماناً لحوار متكافئ ومرجعية لكافة التيارات والأطياف كي تعبر عن ذاتها. كما اعتبر البيان الختامي الثقافة في المجتمع السعودي بتنوعها وتراكمها عامل ثراء ينبغي الإسهام في جعله مصدر قوة وارتقاء للمجتمع. وقال فيصل بن معمر أمين مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إن المركز استطاع الوصول بثقافة الحوار إلى المؤسسات الثلاث الأهم في صياغة الوعي لدى أفراد المجتمع، وهي المسجد والمدرسة والأسرة، فيما يتطلع إلى أن يصل بثقافة الحوار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة إلى 8 ملايين مواطن ومواطنة.

وفي الجلسة الأخير للملتقى اعتبر الدكتور عبد الله الغذامي أن استشراف المستقبل يتم عبر الخطط الإستراتيجية أو ملاحظة الواقع الثقافي، كما أشار إلى أن كثرة عدد المثقفات المشاركات بالمقارنة بالمثقفين المشاركين يدل على أن المرأة أثبتت حضورها، فيما رأى الغذامي أن المثقف القوي موجود لكنه لن يؤثر، معتبراً أن المؤثر الحقيقي في توجيه الرأي هم كتاب الصحف المتميزين أصحاب الرأي الحر.

في حين دعت الشاعرة والدكتورة أشجان هندي إلى ضرورة أن يتوقف الاحتقان بين التيارات الفكرية والثقافية كي نظل في حالة حوار دائم مستمر، مشددة على أن حرية الحوار تتطلب نوعا من النظام لكن الأهم أن يستمر الحوار.

من جانبه طالب الدكتور محمد الحضيف بعدم فرض (الأجندات الشخصية) على النسق الثقافي العام، ورأى أنه لابد أن يتوجه الخطاب الثقافي لإبراز المكانة التي وصلت إليها المرأة، كما دعا إلى أنسنة اللغة، والتركيز على القضايا الجوهرية مثل (الميراث، والعمل، والتعليم).

كما طالب الدكتور عبد الله فدعق بعدم وصف بعض أطياف المجتمع السعودي بـ(الأقلية)، معتبراً الجميع مجتمعا واحدا. ودعا الدكتور سعيد السريحي إلى إعادة النظر في مسألة الخصوصية، وقال (نحن أكثر شعوب الأرض حديثا عن الخصوصية)، مؤكداً أن هذه الخصوصية أصبحت ستارا حديديا يحول بيننا وبين العالم، وقال إن الخصوصية تنمي فينا إحساسا واضحا أننا غير شعوب الأرض. وبينما وصف الدكتور عبد الرزاق الزهراني (أحد المشاركين في الملتقى) الخطاب الثقافي السعودي بأنه خطاب معتدل يتسم بالوسطية والتسامح بالرغم من وجود ثلاثة مستويات ثقافية داخل هذا الخطاب وهي (الليبرالية والمتشددة والمستوى المائع)، موضحاً أن هذه المستويات مختلفة فيما بينها وغير منضبطة، فيما اعتبر أن المستوى الوسطي هو السائد في المجتمع.

كما اعتبر الدكتور حمود أبو طالب أن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تعرض لنقد شديد من قبل المثقفين السعوديين، وذلك لابتعاده عن القضايا الفكرية والتوجه إلى الموضوعات الخدمية والتي لا تتناسب مع ما يهدف إليه المجتمع من العناية بالقضايا الفكرية هي التي يتشكل عبرها الحوار الوطني.

وقال الدكتور أبو طالب إن الخطاب الثقافي هو المحرك التنموي والحضاري لأي أمة، مضيفاً (إذا تأملنا مفهوم الثقافة فإننا نجده لا ينحصر في الجانب الإبداعي والأدبي والذي يهدف إلى رفع كفاءة المواطن سياسيا وثقافيا وتنمويا فمناقشة الخطاب الثقافي لهذه القضية يعتبر خطوة مهمة وليس الحصر في المجال الأدبي، لذا لابد من تحديد الخطاب الثقافي المقصود حتى نستطيع الخروج بنتيجة موضوعية ومعقولة).

وتابع الدكتور أبو طالب بالقول إنه على الرغم من مكانة السعودية التي لم تعد مركز الثقل الإسلامي فقط بل تشكل تأثيرا كبيرا في الجانب الاقتصادي والثقافي والسياسي والحضاري فإن الثقافة السعودية لم تعد ثقافة محلية بل أصبحت عالمية على المستوى العربي والعالمي، فمن الواجب أن يكون خطابنا الثقافي متناغما مع العالم.

الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحليبي قال أثناء مشاركته في اللقاء (لا أدري حقيقة أي نوع يراد به أو يستهدف هذا الخطاب الثقافي الذي نجتمع لإعادة صياغته فهناك هجوم واضح على الخطاب المهيمن والذي يصطبغ بطابع التيار الديني، ولكن هل هذا الخطاب هو خطاب الدولة أم خطاب العلماء أم هو خطاب المتشددين من التيار الديني والذي يرى الطرف الآخر أنهم هم المتحكمون في صياغة هوية الخطاب الثقافي الموجه).