«الصحة» تتأهب لمواجهة أمراض وبائية متوقعة في جدة.. وتحذر من الذباب والبعوض

السكان يتساءلون: بعد أن ينتهي المطر.. هل ستكون جدة في خطر

TT

من المؤكد أن كارثة جدة وما تبعها من آثار لن تمر مرور الكرام، إذ ها هي تطفو على جدة كارثة أخرى، تهدد القابعين في مجاري السيول، وغير مجاري السيول، بل وحتى الزوار العابرين الذين يبدو أنهم سيفكرون ألف مرة قبل أن يزوروا هذه المدينة الحزينة.

جدة التي لم يعد فيها شارع أو ركن إلا وتحتضن حفرة فيها مياه الأمطار، سجلت ارتفاعا مهولا في وجود الذباب والبعوض، دفع بالجهات الصحية في البلاد إلى التحذير من خطورة انتشار عدد من الأمراض الوبائية في جدة، في مقدمتها حمى الضنك والكبد الوبائي والتيفوئيد والكوليرا والملاريا.

وعقدت وزارة الصحة السعودية يوم أمس في جدة اجتماعا خاصا لمناقشة الأوضاع الحالية لمرض حمى الضنك بجدة، ناقش الأوضاع الراهنة لمرض الضنك والخطط الموضوعة من قبل إدارة الطب الوقائي بالرعاية الصحية الأولية، والآليات التي سيتم من خلالها تنفيذ الخطط لمكافحة المرض، وخصوصا بعد هطول الأمطار الغزيرة التي شهدتها محافظة جدة أخيرا.

وأعلنت فيه لـ«الشرق الأوسط» رسميا تسجيل أكثر من 18 حالة لمرض حمى الضنك في مستشفيات جدة عقب الأمطار ونتيجة لوجود البعوض الذي ينشر المرض، منها 10 حالات سجلت خلال الأسبوعين الماضيين.

ويؤكد الدكتور سامي باداود مدير الشؤون الصحية في جدة لـ«الشرق الأوسط» «أن الملاريا وحمى الضنك هي أبرز الأمراض التي قد يفرزها وجود البعوض، إضافة إلى أمراض الكوليرا والتيفوئيد التي تنتج عن تلوث المياه».

وساق الدكتور باداود جملة من الأمراض الأخرى يسببها الذباب، يأتي في مقدمتها حمى التيفوئيد، وتنقل الميكروبات الأمراض المعدية والكبد الوبائي من الدرجة الأولى.

لكن باداود أكد وجود تنسيق مع أمانة جدة ووزارة الزراعة، لمكافحة الحشرات التي خلفتها الأحداث الأخيرة في جدة، وقال: «نقوم بترشيح الأماكن التي ينبغي رش المبيدات الكيميائية عليها، على الرغم من أن هذا ليس من مهامنا، لكننا نقوم بترشيح تلك الأماكن حتى نقطع على تلك الحشرات أماكن تجمعها وتكاثرها».

ولا يقف الأمر عند تحذير صحي أو تنبيه طبي ينتهي بوصفة طبية، بل يتعدى ذلك لتصبح المشكلة بالنسبة للسكان كارثية، إذ يحيط الذباب والبعوض منازلهم من كل جانب خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية، إضافة إلى أنحاء جدة.

وهنا يعلق فارس عبد الرحمن، واحد من سكان حي الجامعة بقوله «أصبحت المستنقعات تشكل هاجسا كبيرا، وأبنائي احمرت أيديهم من لسعات البعوض، ولم نعد نستطيع الجلوس في أي مكان في المنزل جراء حركات الذباب في كل مكان».

ويستغرب فارس اقتصار جهود الرش على الطرق الرئيسة ويقول «إذا لم يكن لديهم عدد كاف من العاملين في الوقت الحالي، فلماذا لا تتم الاستعانة بشركات الرش؟».

وهو الأمر الذي يؤكده يحيى المجرشي المعلم بإحدى المدارس المتوسطة بحي قويزة، إذ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يجب تركيز العمل في البحيرات بالقرب من أماكن تجمع الناس مثل المدارس والأسواق حتى وإن كنت تلك البؤر صغيرة، لأن خطرها أكبر لاقتراب الناس منها».

ويؤكد المجرشي «أنه وأسرته يعيشون معاناة مع الذباب والبعوض حتى أصبح وجودها طبيعيا في داخل المنزل». مشيرا إلى أن اضطر لمنع أبنائه من الخروج من باب البيت نهائيا.

وترد أمانة جدة على لسان المهندس محمود كنسارة مساعد وكيل الأمين للخدمات والمشرف العام على إدارة الأزمات، بأنها «حصرت 1150 موقعا تمت معالجتها لتجمعات مياه المطار التي شهدتها محافظة جدة الفترة الماضية، منها 296 موقعا لمبان تحت الإنشاء و64 مبنى سكنيا و25 حوشا و7 حدائق و758 حوشا». ويستطرد كنسارة «استهلكت الأمانة نحو700 كيلو من مادة الكلور الجيري بهدف تعقيم المناطق ووقايتها من بؤر توالد البعوض وخفض أعداد المصابين بالأمراض». مشيرا إلى نشر 400 شخص لأعمال المكافحة المنزلية، إلى جانب ما يقارب 13 فرقة تابعة للبلديات الفرعية التي تعمل على المكافحة المركزة للمناطق الفراغية من حدائق وساحات وشوارع ومواقف سيارات ومساجد وغيرها.

وأشار المشرف العام على إدارة الأزمات إلى «أن الفرق الميدانية التابعة للأمانة استعانت خلال عمليات التعقيم بما يقارب 14 سيارة ضغط عالٍ و61 رشاشا يدويا و12 جهازا محمولا على السيارة و35 جهاز رذاذ متناهي الصغر عبر ورديات تعمل على مدار 24 ساعة». مؤكدا «وجود أولويات تتطلبها الفترة الحالية وتعتمد في المقام الأول على تحديد الكثافات العالية ونتائج الاستكشاف الحشري».

وبين كنسارة «أنه يتم وضع الأولويات الخاصة بأعمال الرش والوقاية والحماية لكل المناطق ذات الكثافات العالية من خلال نتائج الاستكشاف الحشري، وذلك تجنبا لتوالد وتكاثر بؤر البعوض الناقل لحمى الضنك». موضحا «أن أعمال الرش تتم في جميع مناطق وأحياء محافظة جدة بصورة منتظمة».

وحول زيادة البعوض خلال الفترة الماضية، يعتبر المهندس كنسارة ذلك أمرا طبيعيا بعد الأمطار، غير أنه يؤكد أنه لا بد من تكثيف الرش بالمواقع المتضررة والتي من ضمنها قويزة وكيلو 14 وطريق مكة وغليل ومدائن الفهد وخزام والميناء والكندرة والجزء الجنوبي لمدينة جدة بالكامل. لافتا إلى أن نحو 400 شخص يقومون بأعمال المكافحة المنزلية.

وبالعودة إلى الدكتور سامي باداود مدير صحة جدة، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه تم رصد التجمعات المائية الناتجة عن الأمطار، ويتم التنسيق مع أمانة جدة لرش التجمعات المائية، حرصا على عدم انتقال الأمراض التي تنشأ عن تجمع البعوض أو تلوث المياه. مشيرا إلى أن الصحة السعودية ومستشفى الملك سعود بشمال جدة على استعداد لاستقبال أي حالات مرضية أو إصابية نتيجة للأمطار والسيول التي هطلت على محافظة جدة أخيرا. وأضاف: قامت الوزارة بنحو 312 ألف زيارة هذا العام لتوعية الموطنين حول هذا المرض، ليبلغ مجموع الزيارات نحو 937 ألف زيارة للمنازل إضافة إلى 55 ألف محل تجاري منذ بداية ظهور المرض عام قبل نحو ثلاثة أعوام في جدة. وأوضح مدير الشؤون الصحية بجدة «أن هذه الخطوة جاءت بهدف تخفيف العبء عن مستشفيات صحة جدة، وتحسبا لحدوث أي أمراض قد تحدث أو تنتشر نتيجة لهذا الوضع». وبيّن باداود أن «مختبر المستشفى المخصص تم تجهيزه بالكواشف المخبرية الخاصة بالفيروسات الوبائية مما يسهم بدوره في الكشف المبكر على الأمراض من خلال الحصول على نتائج سريعة للعينات المخبرية الخاضعة للفحص». وأضاف «إن الأمراض الناتجة عن تجمعات المياه لم تسجل أرقاما كبيرة، عدا عن وجود نحو 27 موقعا يشهد تجمعات للمياه، مشيرا إلى عدم تسجيل أي حالة للأمراض الناتجة عن التلوث البيئي».

وحول مدى تضرر سكان مدينة جدة جراء تكثيف عمليات الرش في الأحياء المتضررة ومناطق تجمعات المياه، أكد مدير الشؤون الصحية في جدة أن المواد المستخدمة في هذا الغرض تعد آمنة ولا تشكل خطرا.

وأكد باداود التزام إدارته الصحية بتطبيق خطة الطوارئ الاحترازية، تحسبا لأي عارض، والتي تكمن في فرق متحركة جاهزة في أي وقت، فضلا عن آلية إخلاء الأسرّة المشغولة عند وجود إصابات، إضافة إلى تجهيز 2000 وحدة دم، وهو ما اعتمده الدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة أخيرا باستقبال الحالات خلال الطوارئ في مستشفى الملك سعود في حي المحمدية، والذي يستخدم في علاج حالات إنفلونزا الخنازير. وطمأن مدير صحة جدة سكان جدة بقوله «إنه بالرغم من غزارة الأمطار ووجود تجمعات مائية في مختلف أحياء مدينة جدة وخصوصا الأحياء المتضررة منها فإن المرض ما زال تحت السيطرة».

وبالعودة إلى أمانة جدة أكد أحمد الغامدي مدير المركز الإعلامي لـ«الشرق الأوسط» وجود تنسيق كبير بين أمانة جدة والشؤون الصحية بالمحافظة لمحاربة الأمراض التي من ضمنها حمى الضنك، وذلك من خلال تكثيف أعمال الرش وردم المستنقعات. وأضاف: «هناك لجنة مشكلة مشتركة بين الأمانة ووزارتي الصحة والمياه إلى جانب شركة المياه الوطنية بهدف متابعة الوضع العام في محافظة جدة بعد الأمطار والسيول». وأفاد «أنه تم توزيع فرق الرش على الأحياء ضمن خطة معينة تتمثل في مسح المخطط العام لجدة بعد توزيعه إلى مربعات». مضيفا «أن عمل فرق التوعية من قبل الشؤون الصحية يسهل عملية دخول المكافحة المنزلية إلى المنازل». وأردف قائلا: «يحدد فريق الاستكشاف الحشري وجود بؤر توالد البعوض في المناطق المتضررة وذلك لترتيب أولويات العمل بها وفق مؤشر معين، ومن ثم تباشر كل من المكافحة المنزلية والمركزة أعمالها في الوقت نفسه، تفاديا لهرب البعوض إلى داخل المنازل»، لافتا إلى أن تلك الطريقة تستغرق وقتا طويلا إلا أنها تعطي نتائج حقيقية بدلا من عمليات الرش العشوائي.