الجامعات السعودية في 2009.. تسابق على دخول قائمة «الأوائل»

زيادة في عدد الجامعات والمقبولين وسعي نحو الريادة العالمية

حققت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المركز الـ226 هندسيا في العالم والثاني عربيا («الشرق الأوسط»)
TT

في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2006 استدعى مجلس الشورى السعودي وزير التعليم العالي لمناقشته حول حصول الجامعات السعودية على مراتب متدنية في التصنيفات العالمية للجامعات. وانتقد حينها عضو المجلس ونائبه الحالي الدكتور بندر الحجار هذا المركز المتأخر. جاء ذلك وسط استياء شعبي وإعلامي من خروج الجامعات السعودية من التصنيفات الجامعة ووقوعها في ذيل القائمة حيث جاءت إحدى الجامعات السعودية في تصنيف «ويبو ماتركس» الإسباني لمواقع الجامعات في المركز 2998 من أصل 3000.

غير أن الأمر لم يستغرق سوى ثلاث سنوات ليشيد مجلس الوزراء السعودي في جلسه له في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بحصول جامعتين سعوديتين على المركزين الأول والثاني عربيا في قائمة أفضل الجامعات العالمية ضمن تصنيف «تايمز كيو - إس» البريطاني. وبجانب هذه التقدم في سلم التصنيفات الذي ما زال محل جدل، فإن عام 2009 كان عاما سخيا على الجامعات السعودية استعادت فيه عدد من الجامعات مكانتها وحققت إنجازات مختلفة إلى جانب افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لتكون قاعدة بحثية عالمية في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى إنشاء أربع جامعات جديدة وتوسع غير مسبوق في أعداد المقبولين من الطلاب.

* سباق نحو الريادة:

* بدأت حكاية الجامعات السعودية مع التصينفات العالمية منذ عام 2006 حيث أصبح مصطلح «تصنيف» أحد عناصر الأجندة المطروحة أمام مديري الجامعات السعودية للتسويق لجامعاتهم والحصول على ثقة المجتمع. وفي 2009 تمكنت جامعة سعودية هي جامعة الملك سعود من الدخول إلى تصنيف شنغهاي العالمي الذي يوصف بأنه من أدق التصنيفات العالمية في هذا المجال لتكون بذلك الجامعة العربية الوحيدة التي تصنف ضمن قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. وليكسب مديرها الدكتور عبد الله العثمان التحدي الذي فرضه على نفسه للوصول إلى هذا التصنيف وذلك حينما وعد في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» بدخول قائمة أفضل 500 جامعة في تصنيف شنغهاي هذا العام والتقدم إلى قائمة أفضل 300 جامعة في عام 2011. وإضافة إلى ذلك فقد حصلت جامعة الملك سعود على المركز الأول عربيا في تصنيف «تايمز كيو - إس» البريطاني بحصولها على المركز 247 عالميا بينما جاءت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المركز 226 هندسيا على مستوى العالم وحققت المركز الثاني عربيا وهو الأمر الذي وصفه الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي بالإنجاز الوطني.

الجامعات الأخرى بدورها سارعت إلى إبراز ذاتها عبر بوابة التصنيفات. حيث جاءت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على المركز الثالث عربيا والمركز 636 عالميا في تصنيف «ويبو ماتركس» لمواقع الجامعات الإلكترونية. كما حصلت جامعة الملك فيصل على المركز الرابع عربيا والمركز 993 عالميا. وجاءت جامعة الملك خالد في المركز الرابع عربيا والمركز 1268 عالميا. ورغم ما يثار من جدل حول حقيقة هذه التصنيفات وإثباتها لمدى التميز الأكاديمي فإن الدكتور محمد الحيزان المتحدث باسم وزارة التعليم العالي يؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الجامعات السعودية تنظر إلى التصنيفات مثلما تنظر إليها بقية الجامعات العالمية باعتبارها مؤشرا على التطور وليست هدفا بعينه تسعى إليه أي جامعة في السعودية.

ويشير الحيزان إلى أن التعليم العالي في السعودية قائم على الطموح إلى الأفضل لا على البحث عن التصنيفات معتمدا في ذلك على معايير لتقييم الجودة من ضمنها جودة وكفاءة المخرجات التعليمية ومؤشرات الإنتاج البحث.

وفي ذات الصدد فقد سعت وزارة التعليم العالي إلى تعزيز الاتجاه نحو تحقيق ريادة عالمية للتعليم العالي السعودي حيث أطلقت هذا العام برنامج طموحا أطلقت عليه مسمى برنامج الريادة العالمية للجامعات السعودية، كأحد مشروعات تطوير الجودة والنوعية في مؤسسات التعليم العالي بالمملكة والتي تشمل جميع الجوانب التدريسية والبحثية والخدمات المجتمعية، وتسعى الوزارة من خلال هذا البرنامج إلى تحقيق نقلة نوعية في الجامعات السعودية ودعمها لتحقيق الريادة العالمية في مختلف المجالات والتخصصات وبخاصة تلك التي تتناسب مع رسالة المملكة وتطلعها في هذا المجال. وفي شأن مقارب فقد تمكنت كلية الهندسة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة من الحصول على الاعتماد الأكاديمي لبرامجها الهندسية والتقنية من منظمة «ABET» وهي أعلى شهادة اعتماد تُمنح لبرامج الهندسة في العالم وتعبر عن مطابقة مواصفات برامج الهندسة للمعايير الدولية المعترف بها. بينما سعت جامعة الملك فهد إلى تجديد شهادة الاعتماد من ذات المنظمة والتي تملكها منذ أكثر من عشر سنوات كاعتراف بدولية برامجها. سجلّ الجامعات السعودية في هذا العام شهد بدوره حضورا أكبر للبرامج البحثية للجامعات في سبيل خدمة مؤسسات المجتمع. حيث كشف عدد من الجامعات من ضمنها جامعتا الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة جازان وجامعة حائل عن تنفيذها لخطط تطويرية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بينما واصلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عملها في تطوير مرفق القضاء في وزارة العدل ونفذت دراسات لمشروع الربط الكهربائي بين دول الخليج العربي. وفي صعيد العمل البحثي فقد كان حضور الجامعات السعودية في هذا العام أفضل من سابقيه. حيث أعلنت جامعة الملك عبد العزيز عن تحقيق إيرادات بحثية تقترب من نصف مليار ريال فيما أعلنت جامعة الملك فهد عن تحقيق إيرادات بحجم 60 مليون ريال وتسجيل 45 براءة اختراع باسم أعضاء هيئة التدريس بالجامعة إضافة إلى العمل على تسجيل أكثر من 150 براءة أخرى إضافة إلى استقطاب المزيد من الشركات إلى وادي الظهران للتقنية (الذراع البحثية للجامعة). كما تحدث معهد أميركي في بوسطن عن حصول دكتور سعودي من جامعة الملك فهد هو الدكتور سامي الوهيبي على جائزة أفضل رسالة دكتوراة مقدمة لعام 2009. وبدورها ذكرت جامعة الملك سعود الاتجاه لتسويق 110 منتجات بحثية أخرجت من مختبرات الجامعة. كما تمكن عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور عادل المقرن بالمشاركة مع فريق من العلماء العالميين من تحقيق إنجاز والمتمثل في اكتشاف طبي لطريقة جديدة تقود إلى علاج مناعي يحد من انتشار الخلايا السرطانية في حالات سرطان الثدي والمستقيم والقولون وذلك عن طريق استهداف مضادات الأورام باستخدام تقنية التماثل الجزيئي. كما كشفت الجامعة عن توجهها لإنشاء شركة تحت مسمى «وادي الرياض للتقنية»، «الذراع البحثية لجامعة الملك سعود» برأسمال قدره مليون ريال وذلك لتمويل أبحاث الجامعة. وفي جامعة الملك فيصل تمكن الدكتور عماد الشويمري عضو هيئة التدريس بالجامعة من تحقيق اكتشاف طبي في مجال الخلايا الليمفاوية يفتح المجال في المستقبل إلى التوصل لطريقة للتحكم بهذه الخلايا، والتي من شأنها أن تقلل من الالتهابات المصاحبة لعلاج الجذور وأعصاب الأسنان.

إلا أن الجانب البحثي للجامعات لم يكن جيدا على الدوام. حيث تسببت سيول كارثة جدة في خسائر مادية جسيمة لجامعة الملك عبد العزيز بجدة شملت دمارا لحق بأجهزة بحثية نوعية غالية السعر ودمار لحق بالمستشفى الجامعي وحيوانات كان الجامعة تجري عليها مجموعة من الأبحاث.

* زيادة في عدد الجامعات والمقبولين:

* شهد عام 2009 زيادة في عدد الجامعات السعودية بعد افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية واستحداث أربع جامعات هي جامعات الخرج والمجمعة وشقراء والدمام، وجميعها انفصلت عن جامعتي الملك فيصل والملك سعود.

وجاء افتتاح جامعة الملك عبد الله ليكون الحدث الأبرز ضمن قائمة الأحداث التي شهدتها السعودية لهذا العام. حيث تم افتتاحها في 23 سبتمبر (أيلول) ليدرس فيها 400 طالب من مختلف دول العالم ضمن بيئة بحثية عالمية تسعى لترسيخ حلم العاهل السعودي في أن تكون منارة للسلام وبيتا للحكمة. وجرى إنشاء الجامعة خلال ثلاث سنوات وبميزانية بلغت عشرة مليارات ريال (2.66 مليار دولار) وبإشراف من «أرامكو» السعودية.

وتعتبر الجامعة أول جامعة بحثية في المملكة والمنطقة وهي تختار نخبة العلماء والطلاب الموهوبين ليكرسوا خبراتهم وتجاربهم لوضع الحلول للعقبات التي تعترض التنمية والاقتصاد والبيئة والصناعة وترتبط مباشرة بالعجلة الاقتصادية لتزاوج بين البحث العلمي وحاجات التنمية الصناعية والاقتصادية في البلاد، وتعطي مفهوما متطورا لفتح الآفاق بحرّية علمية وبحثية لجميع العلماء من مختلف دول العالم لكي يكونوا خلايا الفكر والعمل الأكاديمي المتفوق والخلاق، ولتصبح «حاضنة» للبحث العلمي، وحاضنة للمؤسسات البحثية والصناعية حتى تستفيد من أبحاث العلماء في تحويلها إلى منتج صناعي واقتصادي يضخ مزيدا من الازدهار لعجلة التنمية.

وإلى جانب الزيادة في أعداد الجامعات فقد شهد العام زيادة قدرها 8 في المائة في أعداد المقبولين ليصل إجمالي عدد المقبولين لهذا العام 250 ألف طالب من خريجي الثانوية العامة في 21 جامعة سعودية. إضافة إلى التوسع في أعداد المبتعَثين.