الدفاع المدني لـ «الشرق الأوسط»: 2009 كان عاما صعبا علينا واجهنا فيه 3 كوارث وموسم الحج

بدأت بزلازل العيص ثم حرب الجنوب فالحج وانتهت بكارثة جدة

طائرات الدفاع المدني شاركت في نقل الحجاج من المناطق التي تأثرت بالأمطار إلى أخرى أكثر أمانا («الشرق الأوسط»)
TT

انقضى أول من أمس عام من أصعب الأعوام ربما على العالم والسعودية من بينه، لكنه كان الأصعب بالنسبة لرجال الدفاع المدني في السعودية، وهم محور قصتنا.

فرجال الدفاع المدني السعودي لم ينتهوا من مهمة أو كارثة طوال هذا العام إلا ودخلوا إلى أخرى، ناقلين معداتهم وجنودهم الذين جمعوا من كل المدن السعودية للمشاركة في تلك الأحداث.

فمن أحداث الزلازل التي ضربت من أملج وحتى حدود محافظة ينبع والعيص، حتى أحداث الحرب جنوب البلاد وعملهم في الدعم والتنظيم والإيواء، إلى موسم الحج الذي صادف أجواء صعبة، وانتهاء بكارثة جدة التي لم ينتهوا من أعمالها حتى الآن.

ويطلق المراقبون للشأن المحلي في السعودية على عام 2009 الذي لفظ أنفاسه أول من أمس العام الصعب على الدفاع المدني، كونه على عكس الأعوام السابقة احتوى على أربع تجارب من الدرجة الأولى لم تواجهها أي من الفرق الأخرى في كل دول العالم.

يقول العميد محمد القرني، مدير المركز الإعلامي في الدفاع المدني بجدة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن الدفاع المدني في السعودية هو عبارة عن منظومة متكاملة من كل القطاعات الحكومية، ولعل العام الحالي شهد الكثير من الأحداث التي مثلت للجميع تجارب حية استفادت منها كل القطاعات».

وتعد تجربة الحج، بحسب العميد محمد القرني، هي الأبرز سنويا لاختبار القدرات، حيث أجبرت منظمات دولية تتبع دولا كبرى، كالولايات المتحدة ودول أوروبية، على الاستفادة من تلك التجربة الفريدة من نوعها على مستوى العالم، والتي تنافس أكبر وأقوى التجارب العالمية بل وتخطتها بمراحل، فدول العالم مثلا عندما تستعد للألعاب الأولمبية والتي تعد أكبر المحافل العالمية، تبدأ الاستعداد لذلك الحدث بنحو عشر سنوات أو أكثر، فيما تستعد السعودية لحدث الحج وتستقبل ملايين الأشخاص من ثقافات متعددة ومن مختلف الأعمار سنويا.

وأضاف القرني «الحج يعتبر مؤتمرا سنويا، فحجاج هذا العام وصلوا إلى نحو 2.5 مليون حاج، يمثلون 186 دولة تحمل عادات وثقافات مختلفة، فتم الاستعداد لهذا الموسم منذ نهاية حج العام الماضي عبر إنشاء إدارة الأزمات وغرف عمليات الطوارئ بمشاركة كل القطاعات الخدمية والتي انتدبت مندوبين من كل تلك الجهات، وأوكلت لهم مسؤولية اتخاذ القرار من دون الرجوع للإدارات التي يتبعون لها».

وبين القرني أن «نحو 14 ألف شخص شاركوا في موسم حج هذا العام من كل مناطق المملكة، بداية من المنافذ البرية والبحرية والجوية، وصولا إلى المشاعر المقدسة، وتم استخدام نحو 1500 آلية استعدادا لأي طارئ».

العقيد محمد القرني، الذي شارك في نحو 32 موسم حج، يرى في تجربة حريق منى قبل نحو 12 عاما التجربة الأبرز، حيث تم بناء نحو 70 ألف خيمة بديلة في 36 ساعة بعد عمليات الإطفاء.

وحول تأثير المشاريع على عدد الأفراد مستقبلا يقول القرني «مع دخول المشاريع الجديدة تبرز مهام جديدة أيضا، فمثلا جسر المشاعر أصبح ذا طوابق مرتفعة، وهو الأمر الذي يستدعي نشر الفرق في الجهات المختلفة للجسر لمواجهة عمليات سقوط أو لا سمح الله أي انهيارات، كما تم نشر 1200 شبكة إطفاء في عرفات تستدعي مراقبتها وصيانتها بشكل مباشر وإنشاء مركز لسيطرة والدفاع المدني، وهنا أشير إلى وجود نحو 13 لجنة رئيسية للطوارئ في مختلف مناطق المملكة برئاسة أمراء المناطق، وتتبع لها 115 لجنة يرأسها محافظو المحافظات».

وتظل التجربة التي خضع لها رجال الدفاع المدني والمتعلقة بالزلازل من أهم الأحداث التي واجهوها مع بداية العام الحالي، حيث يصف العميد القرني تجربة العيص بالمختلفة والجديدة، «وكانت بمثابة تجربة استعداد لخطر جديد لم يمر على المملكة إلا مرة واحدة في منطقة حقل خلال الفترة الماضية، وبدأ العمل من خلال عمليات حصر منطقة الخطر ووضع آليات للتعامل معه في حالة وقوعه، وتوفير التجهيزات البشرية بواقع 4 آلاف فرد من مناطق تبوك والمدينة المنورة ومكة المكرمة».

وأضاف «بدأت عمليات إخلاء السكان بواسطة الباصات إلى المدن الآمنة، وتم إنشاء مخيمات والتعامل مع الحدث بشكل إيجابي، وتفعيل التعاون مع الجهات الجيولوجية، وأفرزت تلك التجربة إنشاء مراكز استشعار إضافية والتعامل مع الأحداث بشكل جيد، ومعرفة الوقت المناسب لإعادة السكان إلى منطقتهم بعد حصر المنازل الآيلة للسقوط، واتخاذ اللازم بشأنها إلى حين عودة السكان للمنطقة بعد زوال الخطر تماما، وهو ما تم فعلا».

الحرب على الحدود الجنوبية وتبعاتها كانت النقطة السريعة التي دفعت برجال الدفاع المدني إلى التوجه إلى هناك من كل مدينة برا وجوا، للمشاركة في عمليات الإيواء التي تمت بشكل سريع نتيجة ظروف الحرب.. يوضح ذلك الناطق باسم الدفاع المدني بقوله «منذ اللحظة الأولى للمواجهة مع المتسللين نشرت المديرية فرق الدفاع المدني في كل المواقع المدنية وعلى الجبهات العسكرية لمواجهة أي طارئ، وتم بناء نحو ألف خيمة بكامل تجهيزاتها، ومركز للهلال الأحمر، و18 مركزا طبيا، ومراكز للأمانات والبلديات والشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم، إضافة إلى الخدمات التطوعية والتنمية البشرية والعمل والتوظيف ومعسكر كشفي في وقت قياسي».

وأضاف «لم يتوقف الأمر عند ذلك فقط، فقد أنشأت المديرية لجنة فورية على مدار 24 ساعة بغرفة التنسيق بمقر القيادة والسيطرة، وتم صرف 9 آلاف شيك من قبل وزارة المالية وإيواء 720 أسرة بواقع 3670 شخصا، وتم صرف الإعاشة إلى 3700 أسرة».

واستطرد «أخلت الفرق الميدانية للدفاع المدني 2980 أسرة وصرفت لهم بدل السكن والإعاشة وهم في منازل خاصة، وهناك نحو 21853 فردا تم إخلاؤهم ويصرف لهم بدل سكن وإعاشة يرغبون السكن في مساكن خاصة»، مشيرا إلى أن فرق الدفاع المدني تشرف على عدد من الأنشطة، وتقدم مجموعة من الخدمات، فقد تم بإشرافها تشغيل ثلاث مدارس بنين ابتدائية ومتوسطة وثانوية، كما تم استقبال النازحين في جميع مدارس المحافظة كل حسب رغبته.

ولم ينته عام المآسي على الدفاع المدني إلا بكارثة كانت الأخطر والأبرز على مدار العام، وربما في أحداث السيول في البلاد، وهي كارثة جدة التي ذهب ضحيتها 122 شخصا، إذ يقول العميد محمد القرني «خضت الكثير من التجارب الضخمة والصعبة سواء في مجال الكوارث أو السيول التي شهدت أضرارا كبيرة بسبب زيادة منسوب المياه التي فاقت منسوب المياه في جدة، خصوصا في جازان وعسير وحتى في القنفذة ورنية، إلا أن تجربة جدة تعد أقسى التجارب لظروف عدة، منها ارتفاع نسب الوفيات بها، وصعوبة التعامل مع الموقف لحظة وقوعها بسبب عوامل الزمان والمكان، فقد وقعت الأحداث في اليوم الثامن من ذي الحجة موعد خروج الحجيج، وفي الوقت الذي تكون فيه جدة أزحم من أي وقت سابقن إضافة إلى تركز الأضرار في منطقة شرق جدة ذات التضاريس الصعبة، مما تسبب في انقطاع الطريق الرئيسي المؤدي إليها، وهو الأمر الذي صعب من وصول الآليات البرية، واستدعى استخدام 10 طائرات مروحية وقوارب مطاطية والمجازفة لإنقاذ أكبر عدد من السكان، وتم في ذلك اليوم تلقي نحو 12.5 ألف بلاغ في الساعات الأولى، وتمت مباشرة 1339 حالة تشمل عمليات إنقاذ لمحتجزين وانهيارات منازل وحرائق».

وأضاف القرني «وتم تقدير الوضع وإعلان جدة مدينة كارثة بعد صلاة الظهر، ورفع حالة الاستنفار إلى الدرجة العليا، وتم نشر 1500 فرد وتم دعمهم بنحو 1500 فرد من قوى الطوارئ، وتم إنقاذ 200 حالة جوا وإنزالهم في أماكن مختلفة والمصابين إلى المستشفيات مباشرة». واستطرد «جرى تطبيق خطة الطوارئ التي تشمل اجتماع اللجنة الفورية وتقسيم المدينة إلى مربعات ونشر الفرق فيها وإنشاء مواقع إسناد، وتم استدعاء 1300 فرد إضافي من خمس مناطق أخرى هي عسير وتبوك والشرقية والرياض».

وجرى بحسب القرني «استئجار نحو 1200 آلية إضافية مع نحو ألفي آلية تتبع للمديرية على أرقى المستويات، وكانت الساعات الأولى واليوم الأول الأصعب بالنسبة للفرق، فتم استخراج 66 جثة وتحديد الأحياء الأكثر تضررا في أحياء قويزة (كيلو 14) وقويزة والحرازات والجامعة والصواعد، وهي أحياء ما يطلق علية وادي قوز، وتم إيواء نحو 7500 أسرة ونحو 26 ألف فرد وتقديم الإعاشة لهم، منهم 135 أسرة غير سعودية، ولا تزال عمليات البحث قائمة إضافة إلى عمليات حصر الأضرار في العقارات والسيارات».