جمعية نفسية ومستشفى حكومي يتصديان لاضطرابات ما بعد «أربعاء جدة الأسود»

خبراء يحذرون من إهمال علاج الآثار النفسية المترتبة على الكارثة

TT

في مسعى لتطوير مهارات التعامل مع حالات الاضطراب الناجمة عن كارثة السيول، التي شهدتها مدينة جدة الشهر الفائت، أو ما اصطلح عليه بـ«الأربعاء الأسود»، أقامت الجمعية السعودية للطب النفسي، بالتعاون مع مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الأورام في جدة، على مدار اليومين الماضيين دورة تدريبية موسعة تضمنت ورش عمل. واستهدفت ورش العمل والمحاضرات العلمية التي ألقاها عدد من الأكاديميين والمختصين في مجالات الطب النفسي والإرشاد النفسي، عشرات المشرفين والمشرفات الاجتماعيين في المدارس، والعاملين في مجال التطوع وتقديم المساعدات للمتضررين. وركزت النقاشات، بشكل أساسي، على كيفية إكساب المرشدين والمرشدات الطلابيين مهارات التعامل مع حالات اضطرابات ما بعد الصدمة، وكيفية عمل المقابلة الإكلينيكية للمتضرر.

وكشف عدد من الاختصاصيين والأكاديميين المشاركين، أن الآثار النفسية المترتبة على الكارثة قد تكون عميقة، لدرجة تتطلب العلاج والتعامل معها على أساس معرفي، خصوصا أن استمرار الأعراض أكثر من شهر على حدوث الكارثة ينبئ بحدوث اضطراب، قد يتسبب في تفاقم الحالة النفسية، وقد تصاحبه أمراض أخرى، مثل: الاكتئاب، والاضطراب السلوكي، وغير ذلك من الأمراض الناجمة عن عدم التعامل الصحيح مع الحالة النفسية للفرد المتضرر، سواء أكان طفلا أم مراهقا أم بالغا.

الدكتورة سميرة علي الغامدي، الطبيبة النفسية للأطفال والمراهقين في المستشفى العسكري في الرياض، أكدت ضمن ورشة العمل التي عقدتها ضمن فعاليات الأيام التثقيفية، أن أعراض صدمة ما بعد الكارثة يمكن ملاحظتها من خلال استمرار أحدها لمدة تزيد على الشهر.

وأشارت إلى أن ذلك يأتي عادة عن طريق الاسترجاع، بمعنى أن يتم استرجاع الحدث المأساوي من خلال الكوابيس الليلية، ويكون رد الفعل العاطفي والجسدي للشخص مبالغا فيه تجاه الأشياء التي تذكره بالحدث، أو عن طريق التجنب والحذر، بمعنى تجنبه الأماكن التي تذكره بالأنشطة التي صاحبت تعرضه للتجربة المريرة. وأبانت أن هناك من يتجنب التفكير في الصدمة والحديث عنها، ويشعر بعدم الرغبة في العمل، والكسل والعجز، أو الانزواء وفقدان الأمل، وأخيرا اليقظة المفرطة؛ بمعنى مواجهة المضطرب صعوبات في النوم، وتعكر المزاج، والغضب السريع، وصعوبات التركيز.

وأشارت الغامدي إلى أن هذه الأعراض قد تأخذ شكلا مغايرا لدى الأطفال والمراهقين «فالأطفال دون ست سنوات قد تظهر عليهم سلوكيات لم يعتادوها: كمص الإصبع، والتبول الليلي، والارتباط المفرط بالوالدين واللحاق بهما أينما ذهبا، وصعوبات النوم، وفقدان الشهية، والخوف من الظلام، والابتعاد عن أصدقائهم وهواياتهم». وتابعت حديثها: «أما الأطفال في مرحلة الابتدائية، فقد تظهر الأعراض على شكل تغيرات سلوكية، غالبا ما تكون سلوكيات عنف لم يكن الطفل يمارسها قبل تعرضه للحادث، وقد تصاحبها اضطرابات في المزاج وصعوبات نوم، وتجنب الذهاب إلى المدرسة، وصعوبات في التركيز والابتعاد عن أصدقائهم ونشاطاتهم المعتادة». وزادت: «بالنسبة إلى المراهقين فتظهر الأعراض جلية في: اختلال النوم والشهية، وعصبية مفرطة، ومشادات مع أولياء أمورهم والمحيطين بهم؛ وأعراض جسدية: كالصداع، والقيء، وصعوبات التركيز». وقالت الغامدي إن بعض الأمراض يمكن أن تصاحب اضطراب ما بعد الصدمات مثل: الاكتئاب، وإدمان المخدرات، وأمراض القلق النفسي، ومرض فرط الحركة، وتشتت الانتباه، والاضطرابات السلوكية. وكانت الطبيبة النفسية للأطفال والمراهقين في المستشفى العسكري في الرياض، قد تطرقت إلى ضرورة توفير التثقيف الصحي النفسي لكل من: الطفل، ووالديه، ومدرسيه، والبالغين الموجودين في محيطه ويتعاملون معه، عن كل ما يتعلق بالأمراض النفسية المحتمل حدوثها، وطرق علاجها.

من جانبها، أقرت ليلى عابد، مشرفة اجتماعية مشاركة ضمن ورشة العمل، أن تغيرا ملموسا بعد الكارثة ظهر على كثير من الطالبات، زاد من وعيها ورغبتها في أهمية الحصول على وعي معرفي كاف للتعامل مع الحدث الاستثنائي. مشيرة إلى أن ثقافة الوعي الصحي غير منتشرة وغير معروفة في المجتمع، وبالتالي فإن بعض الأسر قد لا يكون مؤهلا للقيام بدور فاعل في هذا الإطار، على الرغم من فداحة الحادث، وأثره القاتم في نفسيات الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص. وفي السياق ذاته، كشفت الجمعية السعودية للطب النفسي، من خلال اللقاء، عن الخدمات التي تقدمها، ابتداء من تاريخ حدوث الكارثة وتستمر في تقديمها، مفيدة أنها تتضمن عيادة نفسية ميدانية لتقديم العلاج النفسي وجميع الوسائل المساعدة في العلاج، وتخفيف المضاعفات النفسية المحتملة، إلى جانب القيام بزيارة الحالات التي تحتاج إلى خدمة نفسية منزلية ذات علاقة بالكارثة.

وأبانت الجمعية أنها تهدف من ذلك إلى تقديم العلاج والرعاية النفسية اللازمة من خلال فريق متطوع، وتقديم الاستشارات النفسية للجهات ذات العلاقة فيما يختص بإدارة الأزمات والكوارث، وتقديم دورات تأهيلية للفرق المشاركة في الإنقاذ، والمتطوعين.

وتقدم الجمعية خدماتها من خلال العيادة الميدانية الواقعة في مركز الأحياء بالسليمانية، والعيادة الميدانية الواقعة في المركز الصحي شرق الخط السريع في حي السامر.