53 يوما تكشف مفارقة فرحة تبوك بالأمطار.. وحزن جدة على الدمار

سكان الأولى خرجوا فرحين.. وما زال سكان الثانية ينتشلون ضحاياهم

صورة ارشيفية للدمار الذي لحق بمحافظة جدة خلال كارثة الامطار («الشرق الأوسط»)
TT

53 يوما.. كانت كفيلة في السعودية بإظهار مفارقة واضحة بين ما حدث في مدينة جدة منذ 57 يوما، والأمطار التي شهدتها منطقة تبوك قبل نحو 4 أيام، في مشهد ماطر أخذ الشكل نفسه وكثافة الأمطار ذاتها، واختلف كثيرا في نتائجه، بعد أن احتضنت منطقة تبوك أجواء احتفالية بعد هطول الأمطار.

أمطار منطقة تبوك لم تسفر عن وقوع أي ضحايا أو مفقودين رغم اعتقاد البعض أنها لا تختلف كثيرا عن كارثة عروس البحر الأحمر، الأمر الذي قد يتناسب مع إطلاق وصف «الهادئ» على وضعها بشكل عام.

ففي الوقت الذي هُرع فيه سكّان جدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وانتشال جثث كاملة أو بقايا منها في أثناء جريان سيول الأربعاء التي حملت 123 قتيلا وأكثر من 10000 مركبة لترمي بها في مناطق متفرقة، أتت الصورة بعد ذلك في منطقة تبوك مختلفة تماما بعد أن وقف أهاليها على أطراف السيول من أجل التنزه والاستمتاع بمشاهدتها.

وأوضح اللواء سليمان الحويطي مدير عام الدفاع المدني في منطقة تبوك لـ«الشرق الأوسط» أن الأهالي خرجوا للأودية من أجل مشاهدة السيول التي تجري فيها «بشكل طبيعي» على حد قوله، مضيفا أن كميات الأمطار كانت غير متوقعة، وقد أسفرت عن إنقاذ أكثر من 300 شخص احتُجزوا في أثناء هطولها، غير أنه لم تسجل أي حالة وفاة أو إصابة، مشيرا في ذات الوقت إلى وجود أجهزة الدولة المعنية كافة في المواقع. ولفت اللواء الحويطي إلى أن المنازل التي تم إخلاؤها أمس الأول كانت موجودة على مجرى السيل، إلا أنها لم تتضرر سوى من كميات الأمطار الكبيرة وليست جرّاء السيول، واصفا إيواء أصحابها وإسكانهم في الشقق المفروشة بـ«الاحترازي». وأضاف أن «الأوضاع مطمئنة إلى أبعد الحدود، بالإضافة إلى أن عمليات الإنقاذ كانت لأشخاص داهمتهم السيول في وقت غير متوقع»، مستبعدا في الوقت نفسه إثبات وقوع أي حالة وفاة في المنطقة. وطالب مدير الدفاع المدني في منطقة تبوك بضرورة تقيّد أهالي المنطقة بتعليمات الجهات المختصة ورسائل التوعية التي تبثها للمواطنين، إلى جانب ما يصدر من توجيهات في وسائل الإعلام، مؤكدا على أن ما حدث في تبوك مختلف تماما عن كارثة جدة. وأوضح المقدم ممدوح سليمان العنزي الناطق الإعلامي في إدارة الدفاع المدني بمنطقة تبوك أنه تم إخلاء 34 شخصا في تلك المنازل وإسكانهم من قِبل فرع وزارة المالية.

من جهته اعتبر المهندس خالد الهيج أمين منطقة تبوك، خروج الأهالي في الوقت الحالي للتنزه ببطون الأودية أمرا خطرا في حال جريان أي سيول، غير أنه أكد في ذات الوقت على عدم وجود أي أضرار أو وفيات. وقال الهيج لـ«الشرق الأوسط» خلال اتصال هاتفي، إن أمانة المنطقة قائمة على مشروعات عدة لاستكمال خطوط تصريف مياه الأمطار الرئيسية والفرعية الموجودة، إلى جانب دراسة تكليف مكتب استشاري لمعرفة وضع شبكة التصريف بالكامل ورفع مستواها. وأشار أمين منطقة تبوك إلى أن ذلك المكتب سيعمل على دراسة كميات الأمطار المتوقعة والتي شهدتها المنطقة منذ 30 عاما وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية المتضمنة الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ووزارة المياه لتصميم المشروعات القائمة وتطويرها بناء على كميات الأمطار.

وحول حجم اعتمادات تلك المشروعات، أفاد المهندس خالد بوجودها من قِبل وزارة المالية التي تتيح البدء بها على مراحل، غير أن الوضع الراهن يتطلب تحديد الاحتياج، إلا أنه لم يفصح عن تكلفتها. واستطرد الهيج: «نتيجة لعدم سيلان الأودية منذ 30 سنة، اعتبر الأهالي أن وضعها طبيعي، الأمر الذي جعلهم يبنون مساكنهم داخل المزارع الموجودة في بطون الأودية». ورجع المهندس خالد الهيج سبب عدم حصر تلك المزارع من قبل الأمانة إلى أن الأمر يعد كبيرا، لا سيما أن الوادي يمتد 4 كيلومترات، بالإضافة إلى أن عملية الحصر تحتاج إلى اجتماعات مع جهات أخرى من ضمنها إمارة المنطقة ووزارتي الزراعة والعدل. وأكد على ضرورة دراسة الحلول الفنية حول بقاء مسار الوادي في محافظة ضباء كما هو ليتجه نحو البحر، مشيرا إلى وجود نحو 3 أودية رئيسية تخترق مخططات مدينة تبوك.

إلى ذلك، شارك أمس طيران منطقة مكة المكرمة التابع للدفاع المدني في مهمة الإنقاذ بمحافظة ضباء، إذ استقبل بلاغا عن وجود 3 أشخاص محتجزين في مياه السيول كانوا بالقرب من مطار محافظة الوجه، وقد تم إنقاذهم بواسطة الونش ونقلهم إلى المطار.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» اللواء طيار محمد الحربي قائد طيران الدفاع المدني أنه تم إرسال طائرة واحدة من منطقة مكة المكرمة للمساعدة في عمليات مسح الأودية بمنطقة تبوك.

وقال اللواء الحربي لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع حاليا جيد، الأمر الذي جعلنا نبعث بطائرة واحدة فقط، غير أن هناك 6 طائرات في جدة و4 في الرياض تم تجهيزها إلى حين الحاجة إليها».

وذكر الحربي أن عملية إنقاذ الأشخاص المحتجزين بالقرب من المطار تمت بعد تلقي بلاغ عنهم في أثناء هبوط الطائرة في مطار محافظة الوجه للتزود بالوقود، مشيرا إلى أنه بعد انتشالهم أكملت رحلتها متجهة إلى محافظة ضباء لمباشرة أعمالها هناك. وبالعودة إلى أمين منطقة تبوك فقد أكد على استمرار أعمال الأمانة التي توقع انتهاء الأمانة من جميع أعمالها في المنطقة خلال أسبوع من الآن، لافتا إلى أنه تم سحب 90 في المائة من المياه الموجودة في الشوارع الرئيسية بمحافظة ضباء التي كانت أكثر تضررا. وفي سياق آخر، ما زالت أعمال اللجان الفنية للكشف عن المساكن المتضررة في جدة مستمرة بعد أن انتهت من الوقوف على ألفي مسكن قررت صلاحية 1500 منها وتضرر 483 منزلا آخر.

وذكر العميد محمد القرني مدير المركز الإعلامي لمواجهة حالات الطوارئ في محافظة جدة أن لجنة تقدير الأضرار أنهت تقدير ما يقارب 7.7 ألف عقار، إلى جانب استمرار الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في أعمالها بإصدار التقارير الخاصة حول حالة الطقس، إضافة إلى التنبيهات والتحذيرات المتعلقة ببعض الظواهر الطبيعية.

وأشار إلى بلوغ عدد الأسر التي تم إيواؤها نحو 9000 أسرة يبلغ عدد أفرادها ما يزيد على 31.1 ألف فرد، إضافة إلى وقوف مؤشر المفقودين على 32 مفقودا جراء كارثة جدة و123 قتيلا حتى الآن.

من جانبها تتوقع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة اليوم فرصة هطول الأمطار على شمال شرق السعودية، إلى جانب سماء غائمة جزئيا إلى غائمة على أجزاء من غرب ووسط وشمال شرق المملكة.

وأشارت في تقريرها اليومي إلى انخفاض طفيف في درجات الحرارة على أجزاء شمال السعودية والمناطق الشمالية الشرقية منها، بالإضافة إلى ازدياد نسبة الرطوبة خلال الليل والصباح الباكر في الشمال والمرتفعات الجنوبية الغربية مع فرصة لتكون الضباب عليها.