الأمطار تحول أطراف جدة إلى مناطق خضراء و«الرعاة» و«عشاق البر» أكبر الرابحين

خبير زراعي لـ «الشرق الأوسط»: مساعٍ خارجية للحصول على جذور النباتات البرية السعودية

الغطاء الأخضر يكسو المناطق المحيطة بمدينة جدة جراء الأمطار الأخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

منذ سنوات كثيرة لم يعتَدْ سكان جدة مشاهدة الأراضي البيضاء في مدينتهم وقد تحولت إلى مراعٍ خضراء جراء هطول الأمطار الغزيرة عليها، بسبب ندرة سقوط الأمطار في مدينتهم التي تصنف واحدة من المناطق الجافة في السعودية.

وحولت المناطق الخضراء في جنوب ووسط المدينة الأراضي القاحلة إلى «لوحات ملونة»، جذبت نحوها سكان «العروس» للتنزه وبناء المخيمات والاستمتاع بتلك المظاهر، في ظل تأكيدات خبراء الزراعة بأن غطاء النباتات الأخضر «سيزول مع عودة الأجواء الحارة إلى المدينة الشهر المقبل».

وأوضح المهندس محمد حبيب البخاري الخبير الزراعي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك النباتات حولية تظهر لمدة شهرين، وتعد فترة ظهورها الوقت الأفضل للرعاة، لما تقدمه النباتات الطبيعية لمواشيهم من فوائد صحية وغذائية.

وبيّن المهندس البخاري أن من النباتات التي تظهر ما هو مفيد وعطري، مثل الخزامى، والبابونج، إضافة إلى نباتات خضراء مثل الغضا، والسدر، والطلح، والأنجيلة.

واستدرك الخبير الزراعي في حديثه بدعوة الرعاة لتجنب قطع تلك النباتات من جذورها، وهو الأمر الذي يتسبب في عدم ظهورها مرة أخرى، ويؤدي إلى ندرتها في بعض المواقع الأخرى من السعودية.

وأضاف: «تلك النباتات تشكل ثروة طبيعية تميز المملكة عن غيرها من الدول، وهو الأمر الذي دفع بعض الدول المجاورة إلى دفع مبالغ طائلة لبعض المزارعين السعوديين لسحب مجموعة من تلك النباتات من جذورها لزراعتها في دولهم، مثل الخزامى والبابونج»، مؤكدا أنه تعرض شخصيا لهذه الإغراءات.

ونوه المهندس بخاري بأنه رغم تلك المحاولات وغيرها من التعديات على الثروة النباتية الطبيعية في المملكة، توجد مناطق برية محمية، البعض منها يقع فيه أودية وواحات، تتجمع فيها مياه الأمطار، وهي الروضات، مثل روضتَي خريم وسدير، وتمتاز بانتشار بساط أخضر من النبات في فترة الربيع.

وبالعودة إلى المناطق الخضراء في مدينة جدة، فقد هيأ تكاثرها في الأجزاء الجنوبية للمدينة، وتحديدا المنطقة الواقعة إلى جنوب نقطة تفتيش الحمرة على الطريق المتجهة لمنطقة جازان، منطقة جذب سياحية كبيرة تدافع لارتيادها السكان من مختلف الميول والطبقات للاستمتاع بهذه الظاهرة التي لا تتكرر كثيرا في مدينتهم، واتجه البعض منهم إلى نصب خيام للإقامة فيها لفترات تصل إلى أسبوعين أحيانا، نظرا إلى ما تشكله المنطقة من منظر طبيعي خلاّب وغير مألوف، وهو الأمر الذي يؤكده نايف المطيري، الذي يقيم برفقة مجموعه من زملائه داخل إحدى الخيام منذ يومين.

وقال المطيري إن «المنظر العام يجبرك على الجلوس في المنطقة، بعد أن تحولت إلى منطقة جذب سياحي فريد للعائلات والشباب على حد سواء». ودعا إلى ضرورة تنظيم الرعاة في المنطقة، خصوصا أنها أصبحت تشكل لهم وجهة مهمة للرعي بمواشيهم من الجمال والأغنام وحتى الخيول فيها، ما يوفر لهم مصدر رزق من خلال بيع الحليب الطبيعي الطازج، فيما يستمتع المتنزهون برؤية هذه الحيوانات الأليفة على الطبيعة. في المقابل، وجد عدد من صغار المستثمرين في هذه الأجواء الربيعية فرصة لبيع مستلزمات الرحلات البرية، إذ انتشرت على جانبي الطرق المؤدية إلى تلك المواقع أكشاك وسيارات تلك المستلزمات وبعض ألعاب الأطفال البرية، إضافة إلى الخيام والسجاد والحطب وأدوات الشواء والطبخ.

من جانبه، طالب المهندس سامي نوار المدير العام للسياحة والثقافة في أمانة جدة، مرتادي تلك المناطق بتوخي الحيطة والحذر، خصوصا في المناطق التي تعتبر مجارٍ للسيول أو الأودية، ودعا في الوقت ذاته إلى ضرورة إيجاد اشتراطات أمنية يتم بمقتضاها تسجيل مرتادي تلك المناطق في مخارج المدن أو عبر نقاط التفتيش، حفاظا على جانبي الأمن والسلامة للمرتادين.

ولم يُخفِ نوار تأييده للرواج الكبير لهذا النوع من السياحة لدى السعوديين «على رغم مخاطرها الكبيرة، وافتقار المتنزهين إلى الخدمات الضرورية، مما يشكل عائقا كبيرا للاستفادة منها، فإن مرتادي تلك المناطق يرون في ذلك متعة».

ويرى مسفر العتيبي أن المتنزهين يستغلون فترة ما بعد هطول الأمطار حين تكتسب الأرض الخضرة، وتنتشر فيها رائحة المطر، لتنظيم مثل هذه الرحلات، وخصوصا في ليالي اكتمال القمر منتصف كل شهر، إضافة إلى رحلات أخرى ينظمونها للمناطق البعيدة.

ويفضل العتيبي الخروج إلى تلك المناطق البرية، على رغم ما تمتاز به مدينة جدة من الطبيعة البحرية والمنتجعات السياحية، راجعا السبب إلى الهدوء الكبير الذي يجده في تلك المناطق، وبعدها عن الضجيج وازدحام السيارات.

يُذكر أن السعودية، ومن خلال بعض الأنشطة السياحية المتنوعة بدأت الاهتمام بتطوير السياحة البرية، بسبب الإقبال عليها من معظم السعوديين وبعض الأجانب، وأدرجت الهيئة العليا للسياحة السياحة البرية ضمن برامجها للتنشيط السياحي فعاليات تشجع ذلك التوجه، مثل رالي حائل، ومهرجانات التطعيس.