غياب الرحلات السياحية للحج والعمرة يفقد الاقتصاد السعودي 350 مليون دولار سنويا

المدن الصغيرة القريبة من مكة والمدينة أكبر الخاسرين

المدن الصغيرة والقريبة من المدينتين المقدستين لم تستفد سياحيا من عائدات الحج والعمرة (تصوير : محمد على)
TT

أثار إهدار أكثر من 350 مليون دولار سنويا لرحلات الحج والعمرة السياحية حفيظة المسؤولين والمستثمرين في السعودية، حيث طالبوا بتفعيل قرار مجلس الوزراء بضرورة تحرك السائح في جميع مدن البلاد دون عراقيل، مؤكدين أن المدن الصغيرة والقريبة من العاصمتين المقدستين لم تستفد بشكل جوهري من عائدات الحج والعمرة سياحيا.

وقال إبراهيم الراشد رئيس لجنة السياحة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الرحلات السياحية الدينية تلقى طلبا كبيرا من الزوار والمعتمرين، والجهات الحكومية المسؤولة لا تسهل عمل منظمي الرحلات السياحية بشكل جيد، فيضطرون إلى عملها بأساليب غير مهنية وخارجة عن المعتاد».

مضيفا أن «العمل غير المنظم الذي نراه هو نتيجة الخطوط الحمراء من الإجراءات الحكومية الطويلة، خصوصا خلال فترة الحج، وأول تلك العراقيل أنهم لا يسمحون بخروج المعتمرين على الرغم من أن المرسوم الملكي يسمح بخروج المعتمر إلى جميع أنحاء المملكة من 30 إلى 60 يوما، وصدرت بعد ذلك عدة تعاميم من عدة جهات مسؤولة أفقدت المرسوم روحه، فأصبح خروج المعتمر - على سبيل المثال - من مكة إلى الطائف من أصعب الأمور».

وبيّن الراشد «أننا لم نستطع الاستفادة من نحو 3 ملايين معتمر وحاج سنويا، وعملية الاستثمار في مجالات السياحة غير مشجعة لرجال الأعمال، فالمستثمر عندما يرى أن المعتمر لا يستطيع التنقل والتحرك في داخل المدينتين المقدستين والبلاد بشكل عام، يفتقر ساعتها إلى الدخل الاستثماري، بالإضافة إلى عدم الرغبة الحقيقية في بلورة جبل ثور وحراء سياحيا، ولنا أن نتخيل حجم العائدات الاقتصادية على مدينة كالطائف جراء زيارة أكثر من مليون معتمر وحاج سنويا لها كأول مكان لهجرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ومدينة مشهورة بتاريخها الكبير والعريض وبطريق المشاة الذي سلكه الرسول الكريم من وإلى الطائف». وأشار إبراهيم الراشد إلى أن «الرحلات السياحية من أجمل مكنوناتها أبعادها الثقافية للحج والعمرة التي تنتهي بانتهاء شعائرها، والمعتمر يجلس فترة لا تقل عن 15 يوما، ولا بد من شغل تلك الأيام، ومحاولة استثمارها استثمارا أنفع، ليأخذ جرعات تثقيفية عن العصور الإسلامية، وأبرز الأحداث والمعارك التي حصلت، كصلح الحديبية وهجرة الرسول الكريم». لافتا بالقول: «الأبواب لهذا النوع اقتصاديا مغلقة، والسعودية تخسر أكثر من 350 مليون دولار سنويا مهدرة لا نقوم باكتسابها بشكل جيد وأمثل».

وأبان مدير عام لجنة السياحة في جدة أن «الهاجس الأمني في مثل تلك المواقف دائما ما يطغى على الهاجس الاقتصادي، وحتى على القرار الثقافي، والتخوف من بقايا أعداد حجاج كبيرة في مدن ثانية يجب أن لا يلقي بظلاله على العوائد الاقتصادية الأخرى والمهمة في هذا الإطار، ويجب على الفور تفعيل قرار مجلس الوزراء، الذي بدوره سيزيد من الطاقة الاستيعابية للحج والعمرة، حيث نأمل لبلوغ عشرة ملايين حاج سنويا في السنوات القليلة المقبلة، حيث من المهم أن يزوروا بمعية زيارتهم الدينية العاصمة السياسية للبلاد، والمرفأ الشرقي والمدن السياحية، وتكون رحلات سياحية عامرة وتثقيفية، للاطلاع كذلك على صناعة النفط، حيث بالإمكان اقتصاديا الوصول إلى مبلغ 3 مليارات سنويا كعائدات اقتصادية مع التخطيط المتميز، حيث ستكسب المدن الصغيرة بشكل مباشر من تلك العائدات، ومن شأنه ذلك المردود أن يعود على صندوق الموارد البشرية والذي يعرف أنه أكبر موظف في كل دولة، حيث إن صرف مليون دولار في مشروع سياحي يعود بمائة وسبعة وستين وظيفة». واختتم أن «زيارة فقط لجبل أحد - على سبيل المثال - وتحت تأثيرات الصوت والضوء لعرض غزوة أحد على الجبل بالليزر وإدخال لغات المعتمرين، وفرضنا رسوما بقدر عشرة ريالات للشخص الواحد، سنجد أننا سندخل للاقتصاد الوطني ثلاثين مليون ريال من عرض واحد فقط، ومن خلال دراسة (المضاعف الاقتصادي) في مدينة جدة وجدنا أن صرف كل ريال من السائح يولد ريالا وربعا لاقتصاد جدة». من جانبه أوضح الدكتور يوسف المزيني مدير الجهاز السياحي بمنطقة المدينة المنورة في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يوجد مفهوم السياحة الدينية، فالسائح هو السائح، والاختلافات التي قد تحدث في الأماكن السياحية تقوم بدراستها لجان سياحية من خلال الأمانة العامة في الرياض أو مجلس التنمية السياحي في المدينة أو من خلال هيئة كبار العلماء أو مجلس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا تطرأ أي مشكلات على السطح، ولن تكون هناك أماكن سياحية إلا ما كانت مجازة شرعا».

وبيّن المزيني أنه «لم يتم حجب أي موقع إسلامي كان مهيأ سياحيا ولا حتى تصويره»، مشيرا إلى أن «أمانة المدينة المنورة تعكف على دراسة الموقع التاريخي لمعركة أحد من أجل تقديم هذه المعركة سياحيا من أجل سهولة الحركة والمحافظة على جبل الرماة، حيث يعتبر، بحسب الإحصاءات، ثاني موقع إسلامي من حيث موقع الزوار في المدينة المنورة بعد مسجد قباء التاريخي».

وبيّن أنه «لا توجد أي نية لتغيير ملامح وأماكن المعركة عما هي عليه الآن، حيث يحتم على الأمانة العامة للمدينة المنورة ترتيب هذا الموقع عمرانيا حتى يستطيع الزائر زيارة الشهداء الصحابة رضوان الله عليهم دون الوقوع في حواجز ترابية أو جغرافية».

وأشار مدير الجهاز السياحي بالمدينة إلى أن «السائح في المدينة بات من ضمن أهدافه زيارة المهرجانات السياحية بجانب زيارته للأماكن الإسلامية، وهذا من ضمن الأهداف التي تحققت».

إلى ذلك أوضح خالد باهية، رئيس حملة «باهية» للرحلات السياحية لـ«الشرق الأوسط» أن شركته تنظم رحلات لـ73 موقعا تاريخيا داخل المدينة، بعدما أخذت «باهية» كارت الدخول للتعريف بالرحلات السياحية من هيئة السياحة والآثار، وشيوخ وعلماء المدينة وعالمي الآثار والحضارة والتاريخ، في وقت تم التجهيز لهذه الرحلات أكثر من تسعة أشهر من أجل التأكد من ماهية الأماكن بشكل عملي ومدروس، والتأكد كذلك من حقيقة السرد التاريخي. وزاد: «حدثت هناك مناقشات مستمرة، أفضت إلى الاتفاق ومن ثم التوثيق».

وأضاف أنه «تم التنسيق مع جميع الفنادق وتسيير الرحلات السياحية في جميع آثار المدينة، لتبدأ من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثالثة عصرا بخمس لغات: الإنجليزية، والعربية، والأوردو، والفرنسية، والفارسية، بعد استقطاب مترجمين متخصصين في مجال الرحلات السياحية». موضحا أن «الرحلات هي عبارة عن كتب تاريخية تسرد بشكل قصصي وبأهداف تعريفية، كمعركتي أحد وبدر، وسيناريو المعركة، وأهميتها في الإسلام والحضارة».

وأشار إلى أن «هذه المعارك تستلب عقول الطلاب بشكل خاص وتؤثر في شخصيتهم الإسلامية فتكون لديهم المعرفة والآفاق المتجددة، وقد استفاد من هذا البرنامج عشرة آلاف طالب، حيث تقوم المدارس بالحجز مبكرا كي لا يحدث تعارض»، مبينا في ذات السياق أن باكستان والهند ومصر وتركيا هي أكبر المجموعات التي تسير رحلاتها عبر «باهية».