الملصقات العشوائية «كولاج» إعلاني في الشوارع السعودية

مختصون يرونها أسهمت في تشويه المدن باعتبارها تلويثا بصريا

عامل يقف أمام جدار إحدى الكليات لمشاهدة مجموعة من الملصقات العشوائية التي تتزايد في أيام الاختبارات («الشرق الأوسط»)
TT

«شوارعنا كئيبة».. بهذه العبارة لخصت الفنانة التشكيلية بدرية الناصر، رؤيتها الفنية لطرقات المدن السعودية، التي تغص بعض جنباتها بالملصقات الإعلانية، والتوزيع العشوائي للافتات الدعائية، معتبرة ذلك تشويها للمدن وتلويثا بصريا، إلى جانب وصفها إياه بـ«المظهر غير الحضاري»، مما جعلها تؤكد الحاجة الماسة إلى إجراء عمليات تجميل فورية لتحسين مظهر الشوارع والطرقات.

وتابعت الناصر حديثها إلى «الشرق الأوسط»، قائلة: «نحن في حاجة إلى تزيين مدننا بدلا من تشويهها»، مشيرة إلى افتقاد الشوارع السعودية إلى ما يدل على أن في البلد فنا وفنانين.

وأضافت: «للأسف، أصبحنا نجد الملصقات الإعلانية بعشوائية في كل مكان، بينما تغيب المجسمات ولا توجد لوحات معبرة من إنتاج الفنانين، ومن الأمور البارزة أن بعض اللافتات الإعلانية الضخمة تكون أحيانا أكبر من السيارات ومن الشوارع التي فيها، فقط لتجذب الناس، من دون لمسات جمالية ولا إبداعية».

وتتفق معها الفنانة التشكيلية عفاف السلمان، التي رأت في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، أن مظهر الشوارع السعودية خال من تطلعات فنية، على الرغم مما أشارت إليه من «جهود حكومية بدأت في الاهتمام بالطرق»، وتمنت السلمان أن تتاح الفرصة للفنانين السعوديين بحيث تتم الاستعانة بهم لتقديم رؤيتهم الفنية، وإضافة روح مغايرة إلى الشوارع، قائلة: «لو تتاح لي فرصة تصميم مدينة، فسأصممها كفنانة مثلما تحب العين أن تراها».

وعن عشوائية الملصقات الإعلانية مجهولة المصدر، تقول السلمان: «ليست كثيرة مثلما أشاهد خارج المملكة، لكنها غير لافتة الانتباه، وتحتاج للمزيد من التطوير».

وتمنت أن يكون هناك توعية للناس في الاهتمام بالطرق وعدم تخريب الحوائط أو لصق الإعلانات بعشوائية عليها، معتبرة أن جمال الشوارع من شأنه تعزيز الصورة الإيجابية للبلاد في أعين السياح والزائرين.

وفي حين يعد «الكولاج» فنا بصريا يعتمد على قص الكثير من الأوراق والمواد غير المتجانسة ولصقها، ابتكر واضعو الملصقات الإعلانية في السعودية فنا مشابها، لكنه يقوم على طمس جدران المدارس والكليات، بواسطة لصق الإعلانات العشوائية عن الدروس الخصوصية وخدمات النقل وإنجاز الأبحاث، والتي تنشط مع موسم الاختبارات، كحال هذه الأيام التي تعيش فيها المدارس والجامعات السعودية فترة الاختبارات النصفية.

ولم تقتصر الملصقات الدعائية على المدارس والكليات، إذ طالت جدران المرافق الخدمية وأعمدة الإنارة والمحولات الكهربائية وحتى المساجد وإشارات المرور، وهو ما يبدي بعض السعوديين تذمرهم منه، بصفته ظاهرة تعكس غياب الذوق الحضاري، إلى جانب دورها السلبي في تشتيت أعين سائقي السيارات.

وتُعرب مها العجلان، موظفة إدارية في جامعة الدمام، لـ«الشرق الأوسط»، عن استيائها من هذه الظاهرة، قائلة: «صرت أنزعج من ملاحقة الملصقات الإعلانية في كل مكان، وبصورة تشوه مظهر الشوارع»، معتبرة ملصقات الخدمات المدرسية مؤشرا على ابتزاز بعض المعلمين المقيمين للطلبة وأهاليهم، بقولها: «يحاولون استغلال الطلبة، وبخاصة في فترة الامتحانات»، وأبدت تساؤلها عن أسباب غياب الرقابة عن هذه الملصقات، مع كون بعضها تجاوزت سنوات من دون إزالة.

وربما تعكس «ثورة» ملصقات إنجاز الأبحاث والدروس الخصوصية حالة من الفوضى وعدم الاستعداد المبكر للاختبارات لدى فئة كبيرة من الطلبة، حيث كشف استطلاع شمل أكثر من 3500 طالب وطالبة، أجراه الموقع الإلكتروني الرسمي لجامعة الملك فيصل، الذي يضم - حتى الآن - جامعة الدمام، أن استعدادات نحو نصف العينة المشمولة من الطلاب والطالبات دون المأمول، إذ اعترف نحو 47 في المائة من الطلبة المشاركين في الاستطلاع بأن استعدادهم للاختبارات النهائية توصف بـ«الضعيفة»، في حين أكد 1083 من الطلبة، نحو 30 في المائة، أن استعداداتهم عادية المستوى، بينما لم ير إلا 858 طالبا فقط، نحو 23 في المائة، أن استعداداتهم التي تسبق الاختبارات النهائية تعتبر «جيدة»، الأمر الذي يرفع الطلب على الخدمات التعليمية، ويزيد من ملصقاتها العشوائية.

ولكن ياسر الحزيمي، وهو مدير مركز تطوير للتدريب الطلابي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة المجمعة، يرى في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، أن الانسياق وراء إعلانات الدروس الخصوصية في هذه الفترة «غير مجد» لاعتبارات عدة، يوجزها بقوله: «أولا، مفهوم الاختبارات هو قياس ماذا تعلم الطالب، فعندنا تُضغط له المادة ويأخذ درسا خصوصيا، وتُفرغ في ذهنه ثم يفرغها في الورق، هنا لم يتعلم، فقط قام بتفريغ المعلومات».

ويتابع الحزيمي حديثه، بالقول: «ثانيا، المفترض في الاختبارات أن تكون فترة مراجعة وليس مذاكرة، وبالتالي لا يحتاج الطالب إلى درس خصوصي. ثالثا، وظائف الدماغ تكلم عنها بعض الباحثين، فالعقل لا يمكن أن يتعلم في ظل الضغط والتوتر وعدم التأكد».

من جهة أخرى، يرى تربويون أن ملصقات الإعلانات التعليمية المنتشرة على الطرق والشوارع، تفتح المجال للمزايدة على مستقبل الطلبة، كما توضح المرشدة الطلابية عائشة المنصور، بقولها: «للأسف، بدلا من أن يساعد الأهل أبناءهم على الدراسة، نجدهم يجمعون الأرقام والعناوين من هذه الملصقات العشوائية، ثم ينشغلون بالاتصال بأصحابها بحثا عن العروض الأرخص!». وتتساءل المنصور: «من يضمن أن أصحاب هذه الإعلانات أكفاء ومؤهلون فعلا؟».

وتنتقل آثار هذه الظاهرة المزعجة من الأوساط التجارية والتعليمية إلى جدران المنازل، حيث عبر بعض السعوديين الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، عن استيائهم من الغزو الكبير للملصقات الإعلانية التي اجتاحت أبواب منازلهم وجدرانها، سواء المتعلقة بخدمات النقل أو الدروس الخصوصية أو عناوين المطاعم والمغاسل، أو الخدمات العامة كالتعقيبات الحكومية ونقل الأثاث المنزلي، أو عرض صور المنتجات الغذائية والتجارية مع عناوين موزعيها.

جدير بالذكر أن أمانات المدن السعودية تقوم بعمل جولات ميدانية لإزالة الملصقات، يضاف إلى ذلك الجهود الفردية والتطوعية بهذا الشأن، إلا أن بعض الملصقات تتحول بعد إزالة أطرافها إلى ندوب لا تختفي آثارها، في حين لا توجد في السعودية حتى الآن قوانين مشرعة تخص تطبيق جزاءات معلومة أو عقوبات رادعة في حق الأفراد الذين يقومون بوضع الملصقات الإعلانية على جدران الشوارع والمرافق العامة.