السعودية: إجراءات تنظيمية للحد من «المهن العشوائية»

الباعة المتجولون حظوا بمواقع مجهزة.. والطبخ المنزلي أجبر على استحداث إدارة نسائية في الأمانات

الباعة المتجولون يستقطبون العمالة الأجنبية لانخفاض أسعار السلع التي يروجون لها (تصوير: خالد الخميس)
TT

مقابل الوظائف النظامية، التي ينتظم بها عشرات الآلاف من الموظفين، توجد في السعودية وظائف غير نظامية، توصف في أوساط المهتمين بالشأن العمالي بـ«العشوائية». مثل هذا النوع من الوظائف وضع السلطات المحلية في مدن البلاد أمام خيارين، فإما الملاحقة المستمرة، أو تأطير هذه الوظائف، فاختارت الخيار الثاني في بعضها.

فقد دفع الانتشار العشوائي للباعة المتجولين في السعودية، السلطات لسن ضوابط تحدد الأطر العامة لممارسة مثل هذه المهن، في حين لم تتمكن من تطبيق مثل هذه الضوابط على المهن المتعلقة بالمنازل، مثل الإشراف والرقابة على الأطعمة التي تعدها الأسر داخل منازلها، وذلك بسبب خصوصية المنازل التي لا تتيح للآخرين دخولها.

يأتي ذلك بعد أن شهدت السعودية ظاهرة بدأت منذ عقود، تتمثل في انتشار باعة الخضراوات وممتهني بعض الحرف مثل السباكة والنجارة وغيرها، بين شوارع المدن، بجانب بيع منتجات منزلية من مأكولات وأشغال يدوية تصنع بعيدا عن أعين الرقابة البلدية، الأمر الذي من شأنه التشكيك في نظافة وجودة تلك المنتجات.

ويتقاسم السعوديون والأجانب على حد سواء شغل الوظائف العشوائية في مدينة مثل الرياض على سبيل المثال، والتي دفعت مشاهدها المسؤولين في أمانة منطقة الرياض لاتخاذ أمر حاسم تجاههم، تمثل في إنشاء مشروع الباعة المتجولين السعوديين الذي درس بشكل جغرافي يناسب توزيع المنطقة، وفيه تم منح الباعة السعوديون مساحات مجانية يزاولون فيها أعمالهم في بيع الخضراوات، بعد أن أنشأت الأمانة مباسط لهم في مجمعات كبيرة تمت سفلتتها ورصفها وإنارتها وتظليلها بالمظلات.

وحول أعمال الطباخات المنزليات اللاتي تندرج أعمالهن ضمن المهن العشوائية، قال المهندس سليمان البطحي، مدير إدارة صحة البيئة بأمانة منطقة الرياض، لـ«الشرق الأوسط»، إن الإدارة لا تستطيع تطبيق أعمال الرقابة على المنازل والأطعمة المعدة داخل المنازل لخصوصية البيوت، إلى جانب أن العمل في بيع الأطعمة المنزلية لا يخضع لأي نظام رقابي مطبق في الإدارة. وبحسب مسؤولين في أمانة منطقة الرياض تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإن تطبيق الإجراءات التي اتخذتها الأمانة بحق الباعة العشوائيين لم يرد الكثير منهم عن مزاولة البيع العشوائي، مما أجبر الأمانة على تطبيق عقوبات على الكثير منهم، مثل مصادرة البضائع المباعة أو إتلافها إذا كانت قابلة للتلف، إضافة إلى الغرامات المالية وأخذ التعهدات على أصحابها بعدم ممارسة النشاط نفسه مرة أخرى.

وقال المهندس ناصر البدر، مدير عام الأسواق والراحة والسلامة بأمانة منطقة الرياض، لـ«الشرق الأوسط»، إن إدارته تقوم بجولات على الأسواق والشوارع العامة بشكل دوري بمساعدة الجهات الأمنية ومراقبي البلديات للقبض على مرتادي الأسواق من الباعة المتجولين وتطبيق نظام العقوبات النظامية حسب لائحة الغرامات والمخالفات البلدية.

وأضاف المهندس البدر أن الغرامات المنصوص عليها تتراوح بين مصادرة البضاعة وإتلاف المواد القابلة للتلف أو تحويلها إلى الجمعيات الخيرية، وأخذ تعهد على المخالفين من غير السعوديين بحضور كفلائهم مع دفع الغرامة المنصوص عليها حسب النظام. أما فيما يتعلق بالسعوديين ففي المرة الأولى للمخالفة يعطى المخالف الحد الأدنى للمخالفة، وإذا تكررت المخالفة تضاعف المخالفة.

وذكر البدر أن إدارته أقامت 4 مشاريع كبيرة في العاصمة الرياض للباعة المتجولين، شغلت 5 مواقع منها تمهيدا لطرح 3 مواقع جديدة، مشيرا إلى أنها نفذت تصميم المشروع على أساس الموقع التجريبي الذي سبق أن أنشأته الأمانة في شرق الرياض، إذ ستتم مراقبتها من قبل إدارة الأسواق التي تقع بجانب البلديات التي تقع فيها المشاريع، مشيرا إلى أن هناك دراسة تقوم بها الأمانة حاليا لمعرفة مدى الحاجة لإقامة مواقع أخرى وقت الحاجة.

ووفقا للمهندس البدر فقد أنشأت الأمانة مشروعا خاصا بيوم المزارع، جهزت بمظلات تم تكييفها، وخصصت فيها مباسط للمزارعين لمساعدتهم على تسويق منتجاتهم، وهى طازجة وبأسعار مناسبة وبشكل مباشر ودون وسيط، وقد خصص يوم الخميس من كل أسبوع لعرض هذه المنتجات على أن يثبت المزارع شهادة المنشأ وصك المزرعة المملوكة له، لافتا إلى أن الأمانة تكلف في يوم المزارع 45 مراقبا وفريقا من الحراسات الأمنية لمراقبة جودة المنتجات وسلامة ما يعرض، والتأكد من وجود المزارعين، ومنع المخالفين، إلى جانب فريق من الإدارة العامة للصيانة لمراقبه سلامة التكييف وأعمال الصيانة.

ولكون مدينة الرياض مترامية الأطراف فقد جندت الأمانة عددا من المراقبين لمتابعة الباعة المتجولين ومنعهم سواء كانوا سعوديين أو غيرهم، ورغم ذلك فقد يكون هناك من البائعين من ينتشر في أماكن لا يمكن السيطرة عليهم خلالها، ولذلك حددت الأمانة عقوبات على المخالفين منهم.

ماجد النجم، بائع متجول من الجنسية اليمنية، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يعمل بمهنة بيع الخضراوات بالجملة منذ أن كان في اليمن، واستمر بعد أن حضر إلى السعودية في النشاط نفسه لكن بنظام التجزئة وتوصيل الطلبات للبيوت والمطاعم، إلا أنه يجد صعوبات في أداء عمله.

وزاد ماجد أنه بعد عمله ببيع الخضراوات في السعودية وجد معوقات وأنظمة مشددة لباعة الخضراوات على الطرقات، بعكس ما كان عليه في اليمن الذي كان يجد فيه حرية في البيع أكثر من السعودية، حيث احتجزت له 3 سيارات لبيع الخضراوات من قبل الأمانة في شهر شعبان الماضي، وقد تم إتلاف محتواها.

وبين أنه لم يستطع استرداد السيارات إلا بعد دفع غرامة نحو 12 ألف ريال، مشيرا إلى أنه يتنقل في كل مرة رغم الغرامات إلى مواقع مختلفة لتحقيق ربح مضاعف وللتهرب من رجال الأمانة. وقال محمد العابد، بائع متجول سعودي، إنه بدأ في بيع الخضراوات عبر سيارته منذ عام تقريبا، حيث يجلبها من المزارع القريبة ويبيعها في طرق وأماكن مختلفة، لكن البلدية والأمانة تقف لهم دائما بالمرصاد، حيث يقومون بمتابعته هو ورفاقه في المهنة، لمنعهم من ممارسة العمل العشوائي ومصادرة بضائعهم.