السعودية تدرس سن قوانين للحد من العبث في المواقع الأثرية

هيئة السياحة تتبنى حملة وطنية لوقف «تشويه» المناطق التاريخية

كاف وقلعة الصعيدي بأبراج تحيطها من جميع الجهات وسور لحماية الجنود المرابطين («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه السعودية لسن قوانين صارمة، تسعى من خلالها لوقف العبث بالمواقع التاريخية والأثرية في مناطق ومحافظات البلاد. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر في الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن هيئة الخبراء في مجلس الوزراء، أوشكت على الفراغ من دراسة وسن تلك القوانين، والتي ارتبطت باستراتيجية السياحة السعودية التي كُشفت أواخر العام الماضي.

وكان الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، قد أكد إطلاق الهيئة قريبا، حملةً وطنية للتوعية بأهمية الآثار، يُرمى من خلالها لتغيير الأنماط الفكرية التي ترتكز على استباحة الآثار التاريخية وسرقتها، والتأكيد على أن سرقتها أو طمسها والعبث بها، يعد جريمة في حق الوطن وتاريخه، كونها آثارا وطنية، وتندرج ضمن أملاك الأمة، وليست ملكا لفرد.

وقال الأمير سلطان الذي يرأس الجهة المسؤولة عن السياحة في السعودية «قضية الحفاظ على التراث والآثار قضية وطنية بما تمثله من أهمية وبعد تاريخي وحضاري وثقافي، وقد أعدت الهيئة استراتيجية لتطوير قطاع الآثار والمتاحف وخطة تنفيذية مدتها خمس سنوات بدأت عام 2008، وتتضمن جميع مشروعات التطوير الخاصة بالآثار والمتاحف، بالإضافة إلى برامجها ومشروعاتها الأخرى المتعلقة بالتراث العمراني».

وما تكتنزه السعودية بمناطقها ومحافظاتها من إرثٍ تاريخي، يحاكي الماضي المحلي والخليجي على حدٍ سواء، وربما في بعض المواقع يُحاكي عصور ما قبل الإسلام، له قيمة فائقة الأهمية، لا تخفى على الجميع، وهو ما قاد الدولة إلى تسخير أجهزة معنية بالحفاظ على تلك المواقع، وبالتالي استمراريتها مهما كلف الأمر.

إلا أن بعض المواقع تلك، تعرضت لهجمةٍ شرسة، كان منبعها عدم تقدير الإرث والتاريخ السعودي بطريقةٍ غير مباشرة، بالإضافة إلى اللامبالاة من بعض أبناء البلاد، خصوصا من المراهقين.

تلك التصرفات، جعلت الجهات المسؤولة عن الحفاظ على الآثار السعودية، والتي من الممكن أن تُسهم في زيادة حركة السياحة المحلية في البلاد، وعلى رأسها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهي الذراع الأولى المسؤولة عن السياحة في الدولة، تسعى لاستصدار قوانين تراها رادعة لمن تسول له نفسه أن يعبث بممتلكات البلاد، والتي تراها الهيئة ملكا للجميع، وليست ملكا لفرد مُعين مهما كان حجمه.

وحول هذه الظاهرة السلبية قال نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لقطاع الآثار والمتاحف الدكتور علي الغبان «لا تستطيع الهيئة أن تضع حارسا على كل موقع أثري، ولذلك فإن المواطن نفسه يجب أن يكون حارسا على هذه الثروة الوطنية، ومن المهم أن تتضافر الجهود في توعية المواطنين، حتى ينظر المواطن إلى هذه الآثار على أنها شيء يخصه».

ويعتبر الغبان تلك المواقع، موردا اقتصاديا وطنيا يعود على أبناء الوطن بالنفع، والعبث بها هو عبث بموارد اقتصادية يستفيد منها المواطن، وتعم الفائدة المجتمع بشكل عام، من خلال فرص العمل التي توفرها لسكان كل منطقة، ومن الضروري أن يعي المواطن أن هذه الآثار والمواقع تسهم في التنمية الاقتصادية الوطنية بشكل عام، وفي التنمية الاقتصادية على النطاق المحلي في المنطقة التي تحوي تلك الآثار.

وفي ذلك الوقت، يرى الدكتور أحمد الصاباطي أستاذ علم النفس في كلية التربية بجامعة الملك فيصل، أن قيام بعض الشباب والمراهقين بالرسوم والكتابة على المعالم السياحية، عائد لعدم تقديرهم لقيمة هذه الآثار تاريخيا، وما تعنيه بالنسبة للمجتمع والأمة، وهو ما يُعبر عما يجول في أنفسهم (لحظيا)، وفي بعض الأحيان، البعض منهم يمتلك مواهب في الرسم أو الخط، لكنه لا يملك وسيلة أخرى لإظهار تلك المهارات إلا عبر الكتابة و«الخربشات» على تلك المواقع المهمة.

وامتدح الدكتور الصاباطي ما تقوم به بعض الدول في أوروبا من حيث تخصيص جدران لمن يريد الكتابة والتعبير عما يدور في نفسه، لافتا إلى نجاح هذا التوجه في كبح جماح الظاهرة ومحاصرتها بشكل راقِ، قلل من السلوكيات غير الحضارية في التعامل مع الآثار والمواقع التاريخية.

المهندس عبد الله العرفج وكيل أمانة الأحساء للخدمات، وصف الأعمال التخريبية التي تتعرض لها تلك المواقع بأنها أعمال «عبثية» يقوم بها مراهقون يمتلكون طاقات متفجرة ويميلون إلى الأنشطة ذات المخاطر والمغامرة، وهذه الطاقة لا بد من إعادة استغلالها وتوجيهها بما يخدم ويفيد المجتمع والوطن.

ويتوقع العرفج أن الحد من مستوى العبث والتخريب يجب أن يكون حالة ثقافية في المجتمع، ترتبط بالانتماء للأرض ومقدرات الشعب، ولزاما أن يستشعر المواطن ويصل إلى مرحلة القناعة التامة واليقين بأن هذه المرافق جزء من ممتلكاته.

ووصف الدكتور إبراهيم آل الشيخ أستاذ علم الاجتماع في كلية التربية بجامعة الملك فيصل، ما تتعرض له المعالم الأثرية والسياحية بـ«التلوث البصري»، معتبرا أن من حق الإنسان أن يرى الشيء الجميل، مع مراعاة أهمية المرافق العامة والآثار والشواطئ، كونها مكتسبات للجميع ويجب الحفاظ عليها للأجيال المقبلة.

واقترح آل الشيخ تخصيص أسبوع يحمل مسمى (أسبوع الحفاظ على المرافق العامة)، تجند فيه وسائل الإعلام كافة، وكذلك المساجد من خلال خطب الجمعة للتوعية بأهمية هذا الموضوع، مع فرض عقوبات متدرجة لمن يقع في تلك الأخطاء.

من جانبه، أشار الدكتور زكي بن عبد العزيز بودي وكيل كلية التربية للشؤون الأكاديمية بجامعة الملك فيصل، إلى أن الوعي الثقافي لدى بعض الشباب ممن يقومون بمثل تلك الأعمال التخريبية محدود جدا، حيث يعتقد أولئك اعتقادا خاطئا أن المرافق والممتلكات العامة ليست ملكا لهم، في حين أنها تُعدُ ملكا للجميع.

وألقى بودي دور التوعية على عاتق الأسر، والتي يجب عليها أن تزرع في نفوس أبنائها أهمية وكيفية الحفاظ على المرافق العامة، خصوصا الأثرية منها والسياحية، لضمان إنشاء جيل من الشباب الحريص على الحفاظ على هذه المرافق.

وطالب بودي بسن القوانين واللوائح والأنظمة الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة على أن تتناسب مع طبيعة التشويه والضرر، مع أهمية وجود صور متعددة ومتدرجة للعقاب، مُحملا الإعلام الدور في التوعية لمحاربة هذه الظاهرة السلبية، بالإضافة إلى تكثيف البرامج التوعوية المختلفة في المدارس بجميع مراحلها، وأن تخصص المدارس جانبا من الأنشطة الصيفية لتعزيز المفاهيم الإيجابية نحو الآثار والممتلكات الوطنية.

واعتبر عبد الحميد الحشاش مدير مكتب الآثار بالمنطقة الشرقية ومدير المتحف الإقليمي بالمنطقة الشرقية، المملكة زاخرةً بكم هائل وكبير من الآثار والمعالم التاريخية والتراثية المنتشرة في جميع مناطقنا، وما وجدت هذه الآثار إلا لموقع المملكة الاستراتيجي، الواقع بين حضارات مجاورة، كحضارات بلاد الرافدين وبلاد الشام والمصرية وجنوب الجزيرة العربية، وهو ما قاد إلى تنوع الآثار، من مدن وقصور وقبور وحصون مطمورة تحت تلالها الأثرية، ومعالم تاريخية بارزة على السطح، مثل المساجد والبرك والسدود والعيون وقنوات الري القديمة، وبعض القلاع والحصون التاريخية، علاوة على آلاف النقوش الصخرية والكتابات الحجرية، وهي التي تُحاكي مختلف العصور والأزمنة القديمة.

ويتابع الحشاش «ما يحدث من أعمال تخريبية وحفر في المواقع الأثرية والتاريخية في جميع مناطق البلاد، للبحث عن كنوز مزعومة أو الحصول على قطع أثرية ثمينة أو تشويه الكتابات الحجرية والرسوم الصخرية، باستخدام الأصباغ لرشها، أو الدهان عليها لطمسها، ما هي إلا أعمال سيئة ومشينة تفقد الوطن الكثير من إرثه الثقافي والتاريخي، ومن ثم هويته، وبالتالي وجب علينا التعاون جميعا والتكاتف للمحافظة على هذا الإرث الثقافي لا طمسه وتشويهه وتخريبه».

ويضيف الحشاش «نثمن دعوة الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لتكثيف جهود التوعية للمواطنين للتعريف بالآثار وإبرازها لهم عن طريق التوعية والنشر والتأليف من قبل جميع المسؤولين والكتاب والإعلاميين، ومن ثم التوسعة بإنشاء المتاحف العامة والخاصة، وإقامة المعارض لإبراز أهمية الآثار والمحافظة عليها، وتأكيده على أنه سيتم التعامل بحزم مع كل من يعبث بالآثار ويتعدى عليها، فالمنطقة الشرقية تعد من ضمن المناطق التي تتعرض مواقعها الأثرية أيضا للتعدي، لكن بأقل نسبة قياسا ببقية مناطق البلاد، وخصوصا في المناطق البعيدة عن المدن».

ويربط الدكتور سعيد السعيد، عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، الاهتمام بالآثار بجانبين، الأول مادي، والثاني ومعنوي، فالجانب المعنوي يفوق الجانب المادي، إذ إن الآثار تمثل تراث الإنسان ونتائج تجاربه الإبداعية، وتشكل حلقة من حلقات التطور الحضاري والتغير الثقافي، وما يؤكد هذه الأهمية، هو أن ضياع أي أثر أو فقده، أو تخريبه، يمثل خسارة كبيرة لا تعوضها الماديات، سواء للدولة صاحبة الأثر، أو للبشرية جمعاء.

وأضاف «بلغت القيمة المعنوية ذروتها في الاهتمام بالآثار والممتلكات الثقافية على المستوى العالمي، فمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» أكدت في الاتفاقيات الثقافية الموقعة بين الدول أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية لشعب ما، هي أضرار تمس التراث الثقافي للبشرية جمعاء، وإننا إذ نحمي الثقافة التي خلفها ماضي أُمة من الأمم، فإننا نحمي ثقافة أنفسنا، فالأهمية المعنوية للآثار، هي التي جعلت الدول في مختلف أنحاء العالم تسنّ قوانين تحمي الآثار من كل اعتداء، سواء كان القصد منه تهريب الآثار، أو المتاجرة فيها، أو تشويهها والعبث بها». ويضيف الدكتور السعيد «السعودية تزخر بالعديد من المعالم الأثرية التي تروي قصة حضارات ضربت بجذورها في عمق النشأة الأولى للإنسان، وهذا ما أكدته أعمال التنقيب الأثري، والمسوحات التي أُجريت في مواقع مختلفة من السعودية، حيث كشفت عن جوانب مهمة للحضارتين العربية القديمة والإسلامية، كما أمدنا التنقيب أيضا بكمية وافرة من الآثار النادرة، المتمثلة في الشواهد المعمارية المختلفة كالمنازل والأسواق، وقطع معدنية، وفخارية، وحجرية، وعملات، إضافة إلى الكتابات والنقوش القديمة المنتشرة على صخور الجبال في الكثير من المواقع الأثرية في المملكة، وهي الآن تعد ركيزة أساسية لكتابة تاريخ العرب، وفق رؤية موضوعية تعتمد على الشواهد المادية، وتمثل مصدرا رئيسيا لتدعيم المتاحف المحلية الوطنية وإثرائها».

ويشير الدكتور السعيد إلى أنه في الوقت الذي تتجه فيه الدولة إلى الانفتاح على تنمية القطاع السياحي، لإضافة مورد اقتصادي جديد اعتمادا على تفعيل السياحة الثقافية، باستثمار ما تزخر به أراضيها من كنوز وتحف أثرية عريقة، تتعرض تلك الآثار بين الحين والآخر لأعمال التخريب والتشويه من فئة قليلة غير مسؤولة من أفراد المجتمع، سلكت نهجا سلبيا في تعاملها مع آثارنا الوطنية، على النقيض تماما من غالبية أفراد المجتمع السعودي شديد الاعتزاز بموروثه الحضاري، فالكتابات والنقوش، والرسوم الصخرية القديمة، على سبيل المثال، والمنتشرة على صخور الجبال في الكثير من المواقع الأثرية في البلاد، تعتبر من المصادر الرئيسية التي استقى منها المؤرخون والباحثون كل ما دوِّن ويُدون عن تاريخ الجزيرة العربية القديم وحضارتها.

ويستطرد السعيد «تكتسب تلك الكتابات والنقوش والرسومات القديمة أهمية كبيرة، حيث إنها ثروة تاريخية مفيدة مهما كان موضوعها، فهي تسجل حياة أصحابها وطرق معيشة مجتمعهم، ونشاطهم الاقتصادي، وتعتبر المصدر الرئيسي لتصوير عادات أصحابها وعقائدهم، وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية، وعلاقاتهم الخارجية بالأمم المجاورة لهم، والخطأ هنا يتعاظم كونه يطول بعضا من تاريخ البلاد ومعالمها ورموزها الثقافية الموروثة، وهو الأمر الذي يستدعي وقفة حازمة لوضع حد لهذه الظاهرة، مع تكثيف حملات التوعية والإرشاد بصورة دورية متواصلة يشارك فيها الجميع للحفاظ على هذه الممتلكات الوطنية، وبذل جهود مستمرة في المجالين الوقائي والعلاجي، في استثارة الوعي العام لخطورة هذه الممارسات غير المسؤولة».

ويؤكد الدكتور سعيد السعيد أن ما يحدث من عبث وتشويه لهذه الممتلكات الثقافية يُعَدُّ تدميرا وتخريبا مع سبق الإصرار والترصد، وهو في حد ذاته ذروة الفساد، وقد نتج عن ذلك التشويه القضاء نهائيا على بعض تلك الكتابات والرسومات بشكل يستحيل معالجته، لأنها نُفّذت على صخور رملية هشّة، يصعب إزالة ما اعتلاها من تشويه، مما أفقدها الكثير من معانيها ودلالاتها، فالذكريات عزيزة لا مانع من كتابتها، لكن ليس على حساب التاريخ والآثار، فتلك العبارات جريمة بحق آثارنا، لأنها تطمس معالم تنتمي إلى البشرية جمعاء، فالتاريخ ليس ملكا لأحد، وكل دارس يمكن أن يستفيد منه ومن آثاره المتبقية لنا، ويجب أن تبقى تلك الآثار التي حاكت آلاف السنين مُصانة لتطلع عليها الأجيال المقبلة، فالقادمون من بعد هذا الجيل، سيرون ما تم تشويهه من تاريخ وآثار، ففي تلك الفترة، لن يرحمنا الجيل المقبل - وفقا لتعبيره. ويشدد السعيد على أن الوعي بالآثار قضية وطنية من الدرجة الأولى، معتبره السياج الذي يمكن من خلاله صيانة تراث الوطن والحفاظ عليه للأجيال القادمة، فهو إدراك لقيمة تراث الأمة، على اعتبار أن هذا التراث يمثل مردودا ثقافيا من حيث التعبير عن التواصل بين ثقافة الأجداد وثقافة الأحفاد، فالتراث الثقافي كان ولا يزال من أهم عوامل جذب السياحة الحديثة، ومن ثم فهو يمثل مصدرا أساسيا من مصادر الاقتصاد الوطني.

ولا يرى الدكتور أحمد العبودي الأستاذ بكلية السياحة بجامعة الملك سعود، أن ظاهرة تشويه المعالم والمرافق والكتابة عليها هي ظاهرة جديدة، بل إنها ظاهرة قديمة قدم الإنسان نفسه، واستمرارها يعد أمرا طبيعيا، لكن الأمر غير الطبيعي، أن تمارس هذه الظاهرة في المناطق الأثرية والمعالم التراثية وبمواد كيميائية تؤثر كثيرا على طبيعة المادة الأثرية أو التراثية، ويصعب في أحوال كثيرة إزالتها، مؤكدا أن معالجة هذه الظاهرة تكمن في التوعية المبكرة للأجيال بأهمية الحفاظ على الآثار والتراث، كونها تعبر عن ذاكرة الوطن، واستحداث البدائل الكفيلة بممارسة الرسم والكتابة وفق ضوابط السلوك الإنساني القويم إلى جانب تفعيل الرقابة الذاتية من خلال التعليم وخصوصا مادة التربية الوطنية.

ويقول الدكتور مسفر الخثعمي أستاذ التاريخ القديم المشارك بجامعة الملك خالد وعميد كلية المجتمع في بيشة، أن التشويه والتخريب والاعتداء الذي تتعرض له الآثار في السعودية منذ القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، من قبل بعض ضعفاء النفوس والجشعين من الباحثين عن الشهرة والمادة والثراء السريع، سيتوقف مع نمو التعليم وانتشاره وتنامي المعرفة والثقافة وزيادة الجهود المبذولة لرفع مستوى الوعي وتعزيز السلوك الحضاري.

وتبنت الهيئة العامة للسياحة والآثار عددا من الخطط والمبادرات لتطوير قطاع الآثار والمتاحف، عقب ضمه للهيئة، وربطه بالبعد الثقافي والحضاري وتطوير الأوعية التي يقدم فيها والموارد البشرية التي تعمل فيه، وتطوير أداء القطاع في مجالات الحماية والمحافظة، والبحث العلمي، وعرض مواقع التراث الثقافي وإدارتها.

وشبّه الدكتور فهد الحواس رئيس قسم السياحة والآثار في جامعة حائل، الآثار والنقوش والرسوم بـ«الشرف»، وقال «الإنسان إذا فقد الشرف لا يمكن له أن يعيده، وحاله حال الآثار والنقوش والرسوم التي إن فقدت أو تم العبث بها، لا يمكن أن تعود لحالتها الأصلية، بل إنه من الظلم والإجرام أن تغتال الآثار والنقوش والرسوم التي صمدت آلاف السنين الماضية بمثل هذه الطريقة، وفي يوم واحد تفقد أهميتها التاريخية».

وأوضح الدكتور الحواس أن توعية المواطنين والمقيمين من فئة الشباب بالمحاضرات وورش العمل وتخصيص برامج إعلامية تبث في كافة وسائل الإعلام، من العوامل الأساسية لمواجهة الظاهرة والحد من انتشارها، ومتى ما أدرك الإنسان أهميتها سيحافظ عليها، ومن الضروري إيجاد توجه معاكس للتخريب يهدف إلى المحافظة على تلك الآثار والنقوش والرسوم التاريخية.

وأبدى الحواس أسفه على فقدان البلاد لمئات المواقع والقطع الأثرية والتاريخية في فترات سابقة، جراء عمليات الجرف والتخريب التي تعرضت لها من قبل أشخاص لم يقدروها التقدير الذي تستحقه، وقال «كان هناك مبنى أثري وتاريخي في وسط مدينة نيويورك الأميركية، ولقربه من سكة القطار وخوفا عليه من التصدع والانهيار وحدوث أضرار بالمبنى، قامت الجهات المعنية بالولايات المتحدة الأميركية بنقله وإبعاده عن سكة القطار بمسافة تزيد على 300 متر، وذلك من خلال حفر 20 مترا تحت الأرض، وقاموا بوضع عجلات تحت أرض المبنى وسحبه، فهم بذلك يثبتون احترام تراثهم ويقدرون تاريخهم، ومن باب أولى أن نفعل مثلهم، فنحن أحق أن نتمسك بتراثنا وآثارنا».

وقد أوضح الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في تصريحات صحافية سابقة، أن الهيئة تواجه العديد من التحديات للمحافظة على الآثار والتراث العمراني، ولن يتم ذلك إلا بالتعاون الوثيق مع أجهزة المناطق والبلديات والمواطنين لحماية وتطوير معالمنا الأثرية والتراثية، وترسيخ الوعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على هذا الإرث الوطني التاريخي.

وتعمل الهيئة مع وزارة التربية والتعليم لترسيخ الوعي لدى الطلبة بأهمية الآثار وبكونها مصدر استلهام لتاريخ الأمة والوطن، حيث يعمل برنامج التربية السياحية المدرسية «ابتسم» الذي تتعاون فيه الهيئة مع الوزارة لتعزيز هذه المفاهيم، وهناك تفاهم مع وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، لتخصيص يوم للتوعية بالآثار وإبراز أهميتها وقيمتها في ربط المواطن بأرضه وتاريخه وحضارته، في حين أدرجت الهيئة أنشطة التوعية بأهمية الآثار ضمن برنامجها «السياحة تثري» الموجه للمجتمعات المحلية، من خلال تعريف قيادات المجتمع المحلي في ورش عمل البرنامج بأهمية الآثار ودور المجتمعات المحلية في حفظها.