التعاطف مع «أزمة» الإبل الأسترالية.. هل يقود السعوديين لإطلاق مؤسسات للرفق بالحيوان؟

مختصون كشفوا لـ «الشرق الأوسط» توجها حكوميا لنشر ثقافة الاحتفاء باليوم العالمي للحيوان

محلات بيع الحيوانات تنتشر وتشهد إقبالا كبيرا في السعودية في حين لا تزال تغيب ثقافة الرفق بالحيوان عن اهتمام مؤسسات المجتمع المدني («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أن السعوديين أول وأكثر من تعاطف مع أزمة الإبل الأسترالية عندما أعلنت السلطات أواخر الشهر الماضي قتل نحو 6000 جمل بعد أن دفعها العطش إلى ترويع السكان واقتحام منازلهم، وهو ما أثار حفيظة شريحة كبيرة من السعوديين، ممن أطلقوا حملات إلكترونية تطالب بإرسال قطعان الإبل إلى السعودية بدلا من قتلها، إلا أن اللافت أن السعودية ما زالت من الدول القليلة في العالم التي لا توجد فيها أي مؤسسة اجتماعية للرفق بالحيوان.

فبينما تضم مصر وحدها نحو 13 جهة معنية بذلك، ما بين جمعيات الرفق بالحيوان ومؤسسات أصدقاء الحيوان وبعض مكاتب المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الحيوان، في المقابل تسجل السعودية غيابا واضحا للناشطين بمجال نشر ثقافة الرفق بالحيوان والجهات المسؤولة عن ذلك، بالإضافة لتجاهل اليوم العالمي للرفق بالحيوان الذي يُحتفى به عالميا في الرابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) كل عام، وهو ما جعل «الشرق الأوسط» تسأل المختصين عن مدى أهمية وجود مؤسسات اجتماعية تُعنى بنشر ثقافة ومبادئ الرفق بالحيوان، كما هو معمول به في معظم دول العالم.

يوضح الدكتور أحمد اللويمي، وهو رئيس الجمعية البيطرية السعودية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه صدر العام الماضي مرسوم ملكي بتعيين لجنة وطنية تقوم بدراسة موضوع اليوم العالمي للرفق بالحيوان، إلا أنه تم تأجيل هذه المسألة، موضحا أن اللجنة الوطنية تشكلت برئاسة وزارة الزراعة السعودية وعضوية الهيئة الوطنية لحياة الفطرية وتعد الجمعية البيطرية السعودية عضوا فيها.

وأكد اللويمي على وجود توجه حكومي في السعودية لنشر ثقافة الرفق بالحيوان والتعريف بحقوقه، مستدركا: «القطاع العام يتحرك بتوجيهات ولا يمتلك المبادرة الفردية، رغم الحاجة إلى وجود جهات تمثل المجتمع المدني (مثل جمعيات الرفق بالحيوان)، وهو ما سيشكل ضغطا على الجهات المسؤولة لتصنع القرار وتجعل لهذه المسألة أولوية».

ويرى الدكتور عادل آل الشيخ مبارك، وهو مدير مركز أبحاث الجمال شرق السعودية، أن لإيجاد مؤسسات اجتماعية معنية بنشر ثقافة الرفق بالحيوان والتوعية بحقوقه حاجة ملحّة، قائلا: «يفترض أن ينبثق هذا الموضوع من كليات الطب البيطري، لكن للأسف حتى الآن لا يوجد تحرك في هذه المسألة».

وتابع حديثه لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن في الجامعات نظاما يسمى «أخلاقيات البحوث»، يهتم بالبحوث التي يتم إجراؤها على الحيوانات للرفق بها في أثناء عملية البحث، إلا أنه أشار إلى عدم وجود ذلك حتى الآن بشكل تنظيمي مؤسساتي في السعودية، رغم تأكيده على أهمية ذلك.

وعن مدى الوعي بثقافة الرفق والرحمة بالحيوان، يصفه الدكتور عادل بـ«المعدوم»، مستشهدا بما يحدث في المسالخ، قائلا: «ما يحصل فيها غير طبيعي، فذبح المواشي بعضها أمام بعض مسألة تخالف مبادئ الرحمة والرفق بالحيوان»، في المقابل أكد على الاهتمام الكبير الذي توليه مراكز الأبحاث ومؤسسات المجتمع المدني في الدول الأجنبية لهذه المسألة.

وتتفق معه الدكتورة ليلى الأحدب، الكاتبة في جريدة «الوطن» السعودية والمهتمة بمجال الرفق بالحيوان، التي وصفت معاملة الحيوان عند جرّه إلى المسلخ بـ«السيئة»، وهو ما أشارت إلى نهي الإسلام عنه بقولها: «الإسلام وضع القواعد الخاصة بالذبح بصورة تتسم بالإنسانية، ولكن المشكلة أنه لا يتم تطبيق تعاليم الإسلام في ما يتعلق بعملية الذبح».

وتوضح الأحدب في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن مؤسسات الرفق بالحيوان كانت موجود في الحضارة الإسلامية، إذ وجدت مجالات متقدمة في الأوقاف سجّلها التاريخ الإسلامي، كإيجاد أوقاف خاصة للحيوانات المريضة، وأوقاف خاصة بالحيوانات المسنّة، راجعة ذلك إلى الإرث الإسلامي الذي حثّ وأكد على الرفق بالحيوانات، واستشهدت بالحديث النبوي الشريف: «في كل كبد رطبة أجر».

في المقابل، تستشهد الدكتورة الأحدب بحوادث دهس السيارات للقطط، قائلة: «أحزن عندما أرى قطا ميتا في الشارع، وأتسأل: أليس من المفترض أن توجد جمعيات للرفق بالحيوان؟»، وتستذكر الأحدب موقفها مع أبنائها الذين يدرسون في بلد أوربي وقد أبدوا تعجبهم من كون «القطط هناك سمينة ومدللة، بينما هي هنا تعاني من الهزال والنحافة».

وبالإشارة إلى ارتفاع معدلات السمنة في السعودية، التي تبلغ نحو 20 في المائة لدى الرجال و52 في المائة للنساء، ربطت الأحدب بين ذلك والأكل المهدر والبحث مؤخرا عن الصحة والريجيم، إذ دعت إلى تقديم الفائض من الطعام للحيوانات بدلا من رميه في سلة المهملات، موضحة أن ذلك يضمن الحصول على أجر إطعامها إلى جانب إسهامه في نقص وزن المتضررين من السمنة.

ولا تبدو أزمة غياب مؤسسات الرفق بالحيوان خاصة بالسعودية والخليج فقط، ففي حديث لـ«الشرق الأوسط» مع الدكتورة دينا ذو الفقار الناشطة العربية في حقوق الحيوان وعضو جمعية الرفق بالحيوان في مصر، قالت: «هناك مشكلة كبيرة في عدم وجود جمعيات أهلية تدعو لحماية الحيوان في العالم العربي، رغم ما تمثله الحياة البرية الغنية في الوطن العربي من ثروة، بالإضافة إلى مبادئ القرآن الكريم».

في حين أبدت الدكتورة ذو الفقار بعض الاستياء إثر عودتها قبل أيام من مؤتمر آسيا للرفق بالحيوان بسبب الغياب العربي، قائلة: «هالني عدم وجود أي دولة عربية في المؤتمر، فقد كنت الوحيدة العربية، ووجودي ليس لأن مصر آسيوية بل لتبادل الخبرات بين مؤتمر آسيا ومؤتمر شمال أفريقيا والشرق الأوسط».

وكان بعض الناشطين السعوديين قد شكلوا مؤخرا عدة حملات إلكترونية في محاولة لإنقاذ الإبل الأسترالية من الإبادة الجماعية، وقد احتضن موقع «فيس بوك» معظم هذه الحملات، منها حملة «أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ»، وحملة (إنقاذ إبل أستراليا)، التي يقول أصحابها إنها تهدف إلى «استضافة الإبل الأسترالية على الأراضي السعودية، وتوزيعها باستراتيجية محددة نظاميا بين مربي الإبل، بهدف وقف هذه الكارثة الإنسانية وتحقيق المنفعة الاقتصادية والاجتماعية».

يأتي ذلك في ظل الاهتمام الكبير الذي يوليه السعوديون لتربية الحيوانات، فبينما يحرص سكان البادية على الاعتناء بالإبل وتجارتها والتنافس في مسابقات «المزايين» لاختيار أجملها، يفضل كبار السن من سكان القرى تربية الأبقار والأغنام والدجاج داخل منازلهم والاستفادة من حليبها وبيضها، أما بالنسبة إلى الشباب والفتيات فيفضل كثير منهم اقتناء القطط والكلاب أو أسماك الزينة وبعض أنواع الطيور، بينما أصبحت تربية «الهامستر» والسلاحف موضة جديدة لدى بعض السعوديين.

وفي سياق متصل، يُعقد في القاهرة مطلع الشهر المقبل مؤتمر شبكة الشرق الأوسط للرفق بالحيوان، خلال الفترة من 1 إلى 3 مارس (آذار)، بحضور جمع كبير من المسؤولين والناشطين العرب في مجال حقوق وحماية الحيوان، فيما تتضمن أهداف المؤتمر: التركيز على وضع وتنفيذ التشريعات، والترويج لأفكار جديدة، والدروس المستفادة، وتوفير شبكة عمل بين مجتمعات الرفق بالحيوان في منطقة الشرق الأوسط.

ويسعى هذا المؤتمر كذلك إلى معالجة المشكلات الجذرية وإيجاد الحلول الدائمة من خلال برامج وقائية فعالة تتعلق بالحياة البرية، وأخيرا، إنشاء قانون الشرق الأوسط للرفق ورعاية الحيوان وذلك مع الهيئات الحكومية لتنظيم وتحسين أمور الرفق بالحيوان في منطقة الشرق الأوسط. ووفقا لمعلومات تسلمتها «الشرق الأوسط»، فسيشارك في مؤتمر شبكة الشرق الأوسط للرفق بالحيوان كل من: رئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لصحة الحيوان الدكتور برنارد فالات، ورئيس الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان أحمد الشربيني، وممثلة مؤسسة الأميرة عاليا للرفق بالحيوان سارة غازي، وممثل عن وزير الزراعة المصري، وعن شيخ الأزهر الدكتور محمد طنطاوي.

وستتضمن محاور هذا المؤتمر: مناقشة الأهداف قصيرة المدى (2 - 5 سنوات) وطويلة المدى لشبكة الشرق الأوسط للرفق بالحيوان (التي تشمل الحياة البرية الحيوانات الأليفة والحيوانات والذبح والنقل)، وعرض نتائج وتوصيات المؤتمر العالمي الثاني لرعاية الحيوان التي عقدتها المنظمة العالمية لصحة الحيوان أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومناقشة الوضع الحالي لحماية الحيوان والرفق به في منطقة الشرق الأوسط (معالجة الأسباب، وجلسات مفتوحة للمنظمات غير الحكومية والحكومية).