ندوة ساخنة تناقش وسائل الإعلام الجديد بجدة

أكاديميون يصفونها بـ«الفوضى الخلاقة» وآخرون يحملون المشكلات الاجتماعية وزر إساءة استخدامها

TT

في أمسية حافلة حضرها حشد من رجال الإعلام والصحافة والأكاديميين والمهتمين بقضايا المجتمع ووسائل الاتصال الحديثة، أقام كرسي الجزيرة لدراسات الإعلام الجديد بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة بجدة ندوة نقاش محتدمة تناولت بالتفصيل أوجه التغير الاجتماعي الناجمة عن تطور وازدياد وسائل الاتصال والثورة التقنية الحاصلة فيها.

وحازت أطروحة الدكتور فايز الشهري، أستاذ الصحافة الإلكترونية وأحد المتحدثين في الندوة على اهتمام الحضور بشكل استثنائي لجرأتها في متابعة التحول الاجتماعي الناجم عن تطور وسائل الاتصال وإثارتها لنقطة اعتبرها البعض حساسة وهي ظاهرة إساءة استخدام هذه الوسائل وبشكل خاص من قبل الفتيات في سبيل ابتزاز الشبان.

وقال الشهري إن هناك مؤشرات على تنامي ظاهرة ابتزاز الفتيات للشبان باستخدام التقنيات الحديثة، سواء كانت من خلال الجوال أو عن طريق شبكة الإنترنت، بالاستفادة من سهولة تكوين الصداقات الإلكترونية بين الجنسين. وأضاف الشهري «الفتاة في ظل حماية مؤسسات رسمية تستظل بمفهوم الستر تقوم باستخدام هذه التقنيات بشكل سلبي للتهديد والانتقام ويصل الأمر في بعض الأحيان حد تبليغ الجهات الرسمية وخاصة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق الانتقام».

وعلى الرغم من الصورة الصادمة التي عكسها حديث الشهري حول إساءة استخدام وسائل الإعلام الجديد اجتماعيا، فإنه استدرك القول بأنه يخالف وجهة النظر التي تقول إن الإعلام يمكن أن يصنف من ناحية الفوضى أو النظام، فالإعلام الجديد هو ببساطة عربة يمكن أن يستقلها أي شخص كان وهي متاحة ودقيقة وفعالة، وكون الإنترنت ووسائل الإعلام الجديدة أصبحت في متناول اليد، أمر يجعل من السهل ملاحظة الاستخدام السلبي لها لأن المراهقين والشبان هم الفئة العمرية الغالبة في المملكة وهم أكثر المستخدمين لهذه الوسائل.

وأضاف الشهري «نأمل ونطمح أن يوجه استخدام هذه الوسائل بشكل إيجابي، ولكن الواقع يقول إن كل تقنيات الجوال والإنترنت تظهر في العالم لأسباب تجارية وتسويقية بحتة ويساء استخدامها في المجتمعات العربية لأسباب اجتماعية وسياسية ونفسية»، واستشهد الشهري على ذلك بإتاحة خدمة الكاميرا ضمن الهواتف الجوالة الذي أعقبه على حد قوله ظهور قصص كثيرة لإساءة الاستخدام والابتزاز، وتابع «حاليا تقنية البلاك بيري التي ظهرت في العالم لتسهيل إدارة الأعمال والبقاء على اتصال ضمن قطاعات الأعمال استخدم في المملكة وفي الخليج من قبل المراهقين بطرق قد لا تكون حكيمة بالكامل نظرا لغياب أدوات التثقيف والتوعية».

وأعاد الشهري إشكالية إساءة الاستخدام لضعف وتراجع دور المؤسسات التقليدية وتحديدا الأسرة والاستعاضة عنها بأدوار جماعات افتراضية عبر الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى خلل في فهم العلاقات الاجتماعية بين الأطراف وقال: «إساءة الاستخدام لوسائل الإعلام الحديث حاليا هو نتيجة حتمية في ظل هذه الظروف، والمشكلة أن المؤسسات البديلة التي يفترض أن تقوم بدور التوعية والتثقيف لا تزال تقف موقف المراقب والمنكر، والحل الأول لأي مشكلة هو الاعتراف بها والبدء بوضع حلول علمية لتطبيقها وهو ما لا نراه في مجال التعامل مع إساءة استخدام وسائل الإعلام الحديث في المجتمع».

من جانبه، كشف الدكتور عبد الله الرفاعي، أستاذ كرسي الجزيرة لدراسات الإعلام الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود، ومدير الندوة أن الهدف الأساسي منها هو إثارة الحوار والنقاش، وقال: «الإعلام الجديد الرغم من إيحائه بصفة الفوضوية، فإنه يمكن أن يكون منظما وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مستخدميه بالدرجة الأولى، وتجب الإشارة إلى أن هذا النوع من الإعلام تصعب السيطرة عليه، والطريقة الأمثل للتعامل معه هو التوعية ودفع مستخدمه إلى الإحساس بالمسؤولية، لأن الأنظمة مهما بلغت حدتها لن تكون رادعة على الرغم من نجاحها في حد إساءة الاستخدام».

وشدد الرفاعي على أن الاتجاه التنظيمي في المملكة هو التحفيز على الاستخدام الجيد لهذه الوسائل، دون التعدي على حقوق الآخرين وحرياتهم الشخصية، من خلال النظام وهو ما استدعته الحاجة وخاصة الأحداث الأخيرة في صراع المملكة مع الإرهاب، حيث كان الإعلام الجديد مسرحا مهما فيه.

وقال الرفاعي، إن هذه الندوات تهدف بشكل أساسي إلى تكوين رؤية تساعد المسؤولين والمنظمين والممارسين على الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام الجديد، وهي كل طرق التعبير التي تتيحها شبكة الإنترنت، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والهاتف الجوال الذي يعد نجم الإعلام الجديد القادم، وهو مرشح لاكتساح الساحة نظرا لسهولة حمله والوصول من خلاله، والتطبيقات الحديثة ودخول شركات الاتصالات في عملية الإنتاج الإعلامي هو دليل على هذا التحول.

واعتبر الرفاعي أن الفوضى التي يمكن أن يعكسها استخدم وسائل الإعلام الجديد يمكن أن تكون فوضى خلاقة تخرج بنتائج إيجابية، وعلى سبيل المثال كارثة جدة لعب فيها الإعلام الجديد دورا أساسيا وكان وراء الاهتمام الكبير الذي تلا الكارثة. وقال: «هذا الإعلام مؤثر وهام ولديه القدرة على الوصول إلى كل العالم، كنا نقول سابقا إن العالم قرية صغيرة، واليوم مع وسائل الإعلام الحديث يمكن أن نقول إن العالم أصبح منزلا صغيرا أو حتى غرفة واحدة ضيقة».