السعودية: مشروع لنشر ثقافة المباني الخضراء

مهندسون معماريون يدعون للاستثمار في مجالها وإقامة دورات متخصصة

TT

يعكف مهندسون معماريون على مشروع لنشر ثقافة المباني الخضراء في السعودية، تزامنا مع المطالبات العالمية بالحفاظ على البيئة من خلال استخدام التصاميم العمرانية الصديقة للبيئة.

وطالب مهندسون معماريون خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» بالاستثمار في المباني الخضراء، والنظر في البعد الاستراتيجي لمستقبلها، على اعتبار أنها سوق واعدة، وذلك لما يمكن أن تعطيه هذه الأبنية من عناية خاصة بالهوية الثقافية العمرانية للبيئة المحلية واتجاهاتها الفنية التي تتوافق مع العادات والتقاليد في البلاد الخليجية، إلى جانب السبب الرئيسي في وجودها وهو محافظتها على البيئة.

ويتمثل المشروع الذي بدأ مهندسون معماريون من خلاله، في إجراء دراسات مستفيضة على المباني الخضراء وتناولها من جميع جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بهدف تطوير مفهوم المباني الخضراء الذي من شأنه تطوير العمران، ساعين في نهاية الأمر إلى وضع منظومة معمارية للمباني الخضراء في البلاد تكون أنموذجا حيويا في صناعة العمران في البلاد.

المباني الخضراء، وإن كانت نهجا علميا جديدا نشأ في الغرب قبل نحو 5 سنوات بعد تزايد أثر الأبنية التقليدية على البيئة، إلا أنها تعد بديلا حضاريا يتناسب في تصميماته المعمارية مع العادات والتقاليد الخليجية، وذلك بحسب خبراء في المجال المعماري، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مشيرين إلى أن أبنيته تتمتع باستخدام عناصر جمالية معمارية، وتنفيذ واجهات خارجية مبنية على التراث، وتصاميم داخلية تتوافق مع التوجهات الثقافية في المجتمعات الخليجية.

ودعا مهندسون معماريون، خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» إلى إيجاد برامج ومناهج تقام بدورات تخصصية لدعم المتخصصين والمهندسين المبتدئين والمحترفين، وإدخال مناهج تعليمية في الجامعات عن مبادئ الأبنية الخضراء والمستدامة، والانخراط والتسجيل للمهندسين المسؤولين عن مشاريع حيوية في المحافل الدولية وعرض تجاربهم في المنتديات العالمية ذات الصلة.

أمام ذلك، أوضح الدكتور خالد الطياش أمين عام جمعية علوم العمران في السعودية، لـ«الشرق الأوسط» أن أهم عائق يقف أمام الاستثمار في المباني الخضراء، يتمثل في ابتعاد ملاك العقار عنها بسبب غلاء تكلفة إنشائها مقابل المباني التقليدية، إلا أنه أكد أن المباني الخضراء تكون أقل تكلفة على المدى البعيد، لما تتميز به من جودة عالية واعتمادها على الموارد الطبيعية لتوفير الطاقة.

وتأتي هذه المطالبات لتحقق جملة من الأهداف تتمثل في: تحصيل شامل عن المعايير والمنظومات للأبنية الخضراء بالسعودية، وتوطين العلاقات بين الاستشاريين والمهتمين بالأبنية الخضراء، والسماح للاستفادة من تجارب المشاركين في النقاش، وتطوير مفاهيم الأبنية الخضراء والهوية السعودية في بيئة المجتمع الخليجي، والحفاظ على الموروث العمراني وتطوراته الحديثة، وبناء جيل واعد للحفاظ على المخزون الثقافي والعلمي للأبنية الخضراء في ترشيد المياه والطاقة واستعمالات المواد الخاصة بالبيئة.

وأكد المهندس فيصل الفضل، استشاري وخبير مؤيد للمنظومة الخليجية للأبنية الخضراء، لـ«الشرق الأوسط» أهمية الاستثمار في الأبنية الخضراء، والتشجيع على ثقافتها في المجتمع، مبينا أن هذا التوجه سيحقق على المدى المنظور فوائد كبيرة على أصعدة مختلفة اقتصادية واجتماعية وبيئية وصحية.

وأضاف الفضل أن المباني الخضراء تمتاز عن التقليدية، بكفاءتها من حيث الاستفادة من خواص الموقع العام للمنشأة في الإضاءة والتهوية واستقطاب الطاقة المستجدة وتكرير المياه وترشيدها واستخدام المواد الصديقة للبيئة في البناء لصالح صحة وأمن وسلامة الإنسان والبيئة المحيطة به، بمعايير هندسية دقيقة في تصميمها وتنفيذها وإدارتها والتخلص منها.

وقال الفضل، إن المباني الخضراء، بدأت تكتسب زخما كبيرا في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ إنها تأخذ بعين الاعتبار في تصميمها حماية البيئة من التلوث الناتج عن الصناعات، وذلك باستخدام مواد أعيد تدويرها، والاعتماد على الموارد الطبيعية، كضوء الشمس والرياح ومياه الأمطار، وكل ذلك بغية التقليل إلى أدنى حد ممكن من أثر المباني على البيئة مع زيادة الجودة للمساكن.

وأشار المهندس فيصل الفضل إلى أن هذا النوع من المباني يحسن ويحافظ على التنوع الطبيعي للنظام الإيكولوجي، وتحسين جودة الهواء والمياه المستخدمة في الاستهلاك، ويقلل من المستخلصات الآدمية والمواد المستهلكة، والحفاظ والتحسين في الموروث البيئي، إضافة إلى أنها تحسن من مستوى الراحة والصحة لمستخدمي المنشأة، وتضاعف جمال وجودة المنشأة، وتقلل من الضغط على الخدمات العامة للأحياء.

وعن الأهداف الاقتصادية للمباني الخضراء، بين الفضل أنها تقلل من قيمة التشغيل، وتزيد من صناعة وتطوير وتوجيه وتسويق صناعات المواد والخدمات «الخضراء»، وتحسين قوة الإنتاج لمستخدمي المنشأة، ورفع أداء دورة الحياة الاقتصادية.

من جهته، شدد سعيد إبراهيم مهندس معماري، لـ«الشرق الأوسط» على أهمية الاستثمار في المباني الخضراء، مبينا أن لها تأثيرا إيجابيا على الإنسان والبيئة والاقتصاد المحلي للدول، لما لها من قدرة على رفع قوة وجودة الاقتصاد والبيئة مع الاستدامة للأبنية والاقتصاد الاجتماعي.

وأوضح المهندس سعيد أن أشكال المباني الخضراء وطبيعة تصاميمها تتوافق مع الخصوصية الثقافية للمجتمعات الخليجية، وهذا ما يعطيها دافعا لأن تكون سوقا واعدة، إذ أتيحت الفرص الاستثمارية لهذه المنتجات، مطالبا بدور أكثر فاعلية تجاه تشجيع الاستثمار في الأبنية الخضراء، ونشر مفهومها لدى المجتمع من خلال المراكز العلمية الهندسية المتخصصة، والجامعات.

الدكتور خالد الطياش أمين عام جمعية علوم العمران في السعودية، ذهب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى ما ذهب إليه المهندسان فيصل وسعيد، إلا أنه، أوضح أن هنالك عوائق أمام الاستثمار في مجال المباني الخضراء في السعودية تتمثل في غلاء تكلفة بنائها، مقابل وجود بديل تقليدي أقل تكلفة، بالإضافة لعدم الإلمام بثقافة المباني الخضراء، مطالبا في ذات الوقت بدور أكبر لشرح مفهوم المباني الخضراء.

وقال الطياش: «ربما تكون تكلفة إنشاء المباني الخضراء أكبر من تكلفة المباني التقليدية، إلا أنها على المدى البعيد تكون أقل، وذلك لما يوفره هذا النوع من المباني من طاقة ومياه، وما يتميز به من معايير وتصاميم هندسية ذات جودة عالية»، مؤكدا أهمية عقد الندوات والمحاضرات الخاصة بالمباني الخضراء.

وهنا دعا المهندس فيصل الفضل، إلى إيجاد برامج ومناهج تقام بدورات تخصصية لدعم المتخصصين والمهندسين، وإدخال مناهج تعليمية في الجامعات لمبادئ الأبنية الخضراء والمستدامة، والانخراط والتسجيل للمهندسين المسؤولين عن مشاريع حيوية في المحافل الدولية وعرض تجاربهم في المنتديات العالمية ذات الصلة.

ومن جانبه طالب المهندس سعيد بدور فاعل لمراكز البحوث في المجلات العلمية المحكمة المتخصصة، وأن تعقد اتفاقيات تعاون مشترك متنوعة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لإثراء التجربة، والاستفادة من تجارب الدول السابقة، وتبادل الخبرات معهم لنقل المعرفة الخاصة بالتجربة.

ولفت الفضل استشاري العمارة والتخطيط، إلى أن الكثير من الخبراء في السعودية، يرون أن استخدام المعاير العالمية لا تفي ببعض المتطلبات المحلية المهمة ولا تتماشى مع الدول النامية، كما أنها تؤثر سلبا على الأبنية، لأنها لا تراعي التجربة المحلية والهوية أو المكتسب التراثي، مبينا أن المنظومات العالمية لا تراعي الأهداف الاستراتيجية الوطنية العمرانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة.

وقال الفضل، إن دول الخليج العربي تعد من أفقر الدول في العالم على صعيد توافر المياه من المصادر الطبيعية كالأنهار والأمطار والخزانات الجوفية، وأنه على مستوى العالم الأبنية تستهلك نسبة 12 في المائة من مصادر المياه كما أن الدول الخليجية من أكثر الدول التي تنتج الانبعاثات الكربونية الضارة كنتيجة للصناعات الهيدروكربونية وما يرتبط بها من صناعات «قياسا بعدد السكان» بينما أنه وعلى الصعيد العالمي ينبثق من الأبنية الكربون الضار بنسبة 11 في المائة.

وأضاف أن دول الخليج تصنف كاقتصادات غير فعالة من ناحية كمية استهلاك الطاقة والوقود قياسا على عدد السكان والمساحة الجغرافية بالمقارنة مع اقتصادات الدول المتقدمة حيث تستهلك الأبنية في العالم نسبة 40 في المائة من الطاقة، وذلك بحسب إحصائيات الأمم المتحدة ووكالة الطاقة العالمية ومركز الأعمال العالمية لتطوير الاستدامة، مشيرا إلى أن استهلاك الفرد للهكتار 4.5 في الخليج مقارنة بالمعدل العالمي 2 هكتار للفرد وتعد دول الخليج الأعلى نسبيا في العالم حيث تصل إلى 11 هكتارا للفرد.

وأوضح الفضل أن هناك الكثير من الدول التي اعتمدت مواصفات وأنظمة لحث مواطنيها والمختصين والمسؤولين للأخذ بنهج الأبنية الخضراء كالولايات المتحدة التي اعتمدت رخصة اللييد للأبنية والبريم للبريطانية، كما لوحظ أن الكثير من المطورين يقومون بالاستعانة بالمنظومات العالمية لعدم وجود البدائل وخاصة في دول الخليج، علما أن هناك بعض المنظومات المحلية الجيدة تجتهد لتطوير أنظمتها للتماشي مع المعاير الدولية مثل: منظومة الاستدامة الإماراتية ومنظومة الاستدامة القطرية.