اتهامات لـ«السلفية» بالوقوف خلف حركات العنف

ابن حميد يرد: هي براء مما يحدث في العراق والجزائر > الخليل: أدعوا السلفيين للتصالح مع المرأة والفن

TT

في جلستين عاصفتين، عقدتا في الرياض أمس، واجهت الدعوة السلفية، سلسلة اتهامات بوقوفها خلف نشوء حركات العنف السياسي في المنطقة، إلى درجة اضطرت أحد الحضور للاعتراض على ما طال هذه الدعوة، معتبرا أنها خضعت خلال النقاش لـ«محاكمة غير عادلة».

وشن غالبية المتحدثين في ندوة عقدت لمناقشة «تحولات السلفية»، هجوما كاسحا على السلفية السنية، والسلفية الشيعية، اللتين اعتبرهما الدكتور عبد الله البريدي، صاحب مؤلفات وبحوث حول هذا الموضوع، «مسؤولتين عن كثير من حركات العنف في العالم الإسلامي».

وشهدت الندوة التي أحدثت جدلا واسعا، بين مؤيدين للسلفية ومعارضين لها، 30 تعريفا لـ«السلفية»، وعارض أكثر من مشارك ربطها بحركات العنف، مبرزين ضرورة التفريق بين السلفية كـ«منهج فكري» والسلفية كـ«أتباع ومريدين».

لكن عبد الله البريدي، وهو باحث سعودي في الدعوة السلفية، برر ربطه للسلفية بالعنف، بأن جماعة أسامة بن لادن المسماة بـ«القاعدة» تتبنى التوجه السلفي، وأن غالبية حركات العنف هي ذات توجهات سلفية، مبينا أن النزعة التزكوية للسلفية تحتاج إلى إعادة نظر.

بدوره، برأ الشيخ صالح بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية، «السلفية» مما يجري في كل من العراق والجزائر من عنف، وقال حينما سئل عن هذا الموضوع: «السلفية براء مما يحدث في العراق والجزائر» من أحداث عنف.

وينظر الشيخ صالح بن حميد، إلى السلفية على اعتبار أنها أصبحت عامل جذب لبعض الأحزاب التي قد تستخدمها لتحقيق مصالح سياسية معينة، كما في حال الانتخابات الكويتية، التي تتنافس فيها أحزاب سلفية التوجه.

وتندر رئيس المجلس الأعلى للقضاء، على حال بعض من يعتقدون أن مجرد لبس الثوب الخليجي هو انتماء للسلفية.

وأقر ابن حميد، بوجود أخطاء في طرح بعض الأشخاص الذين ينتسبون للسلفية، لكنه يعتبرها أخطاء فردية في التطبيق، وليس في المنهج المتبع.

ورد الشيخ صالح بن حميد، الذي يتولى الإمامة في المسجد الحرام بمكة المكرمة، على مسألة تقديس السلفيين للأشخاص على حساب النص، بتأكيده أن «تعظيم الرموز موجود في جميع المذاهب، فالإنسان يتحدث عمن يعرفه، وهذا لا يعني إلغاء الآخرين، أو التعصب».

من جهته، يرى عالم الدين الشيعي اللبناني السيد محمد حسن أمين، أن مشكلة السلفية سواء السنية أو الشيعية، أنهم يعتقدون «أن الحقيقة تأتي من الماضي ولا تنفجر من المستقبل»، مبرزا اختلاف الجانبين، بأن السنة يعتقدون حقيقة العودة لما كان عليه السلف الصالح، فيما أن الشيعة، يعتقدون ضرورة المضي على نهج أئمة آل البيت.

وتحدث السيد أمين، عن تاريخ نشوء السلفية، حيث قال: «إن السلفية المعاصرة نشأت إبان انهيار الكيان الإسلامي المتمثل في الإمبراطورية العثمانية، ونتجت عن الشعور العظيم بالقهر الذي واجهه المسلمون، الذين شغلت أفكارهم قضية النهضة الإسلامية مجددا».

ووصف العالم اللبناني الشيعي، السلفية بأنها «منهج اتباع لا منهج إبداع». وقال إن من الخطأ الذي يقع فيه السلفيون السنة والشيعة، أنهم متورطون باعتقاد العمل على قيام الدول الإسلامية، وهذا من وجهة نظره يمثل «خطرا محدقا» بالسلفية التي ركزت على أن الإسلام يجب أن يقوم دينا ودولة.

ويعتقد أمين أن الإسلام مفهوم أوسع من مفهوم الدولة، وأعمق من الاتجاهات الحزبية السلفية التي ربطت بين الإسلام وقيام الدولة.

وعاد الدكتور عبد الله البريدي، لينتقد بعض المفاهيم التي تسيطر على أتباع المنهج السلفي، الذين يعتقدون أن السلفية من وجهة نظرهم هي الدين، مؤكدا أن «السلفية ليست هي الإسلام». وأكد البريدي أن نقد السلفية لا يعني بالضرورة نقد الرموز والشخصيات، لافتا إلى أن السلفية تعاني التحيز «مع» و«ضد»، من حيث مساواتها بمرتبة الدين من ناحية، وإشكالية تأصيلها، وعدم وجود تعريف منضبط لها، من ناحية أخرى.

وأشار البريدي، خلال إلقائه لبحث له حول السلفية، إلى أن هذا المصطلح لم يستخدم من قبل منتصف القرن السابع الهجري، معتقدا أن البحث قاده إلى أن الإمام ابن تيمية هو من أطلق هذا المصطلح.

وأوضح أن السلفية المعاصرة تشهد حراكا من التحزب والتخندق، يتمثل في رفع جماعات التطرف والعنف والإسلام السياسي شعار السلفية، فيما أكد وجود إشكالية تتمثل في ميل مفهوم السلفية العام إلى التشدد الفقهي، وهو ما يقف دائما في وجه كل الخطط التي قد يرسمها الحاكم لمستقبل البلد، مما يجعله يتأنى كثيرا في اتخاذ قراراته. وأشار الباحث البريدي، إلى أن ثمة ربطا بين السلفية والتكفير من ناحية، والسلفية والإرهاب من ناحية أخرى، مؤكدا ضرورة إعادة النظر في هذا المفهوم، واتخاذ إصلاحات جذرية في البنية المجتمعية.

وعلى إثر كل هذا النقد الساخن الذي تعرضت له السلفية، على مدار جلستين استمرتا لـ4 ساعات، دافع عدد من الحضور، وخاصة السعوديين، عن المنهج السلفي، وانتقد الداعية سعد الغنام الطريقة التي تناول بها المتحدثون السلفية، مبينا أن النقد الهادف «لا بأس منه»، في حين أكد ضرورة «السلفية» كمنهج يحافظ على الشباب السنة تحوطا من اختطاف الغرب لهم، كما قاموا باختطاف شباب الشيعة الإيرانيين من أحضان المحافظين.

بدوره، رأى بدر الراجحي، القاضي في محكمة مكة المكرمة، أن ما جرى من نقاش حول السلفية في جلسة الأمس لم يكن سوى «محاكمة غير موضوعية»، مؤكدا أن هناك إجماعا على أن السلفية «منهج فكري»، وليست «مشروعا سياسيا»، وهو ما يجعل الممارسات الفردية تحسب على مرتكبيها ولا تعمم على الكل.

وهنا، أكد عادل الماجد، وهو باحث سعودي، ومالك سابق لإحدى المجموعات الإسلامية الإعلامية، أن السلفية لم تأتِ كبديل، بل جاءت في مرحلة معينة لتصحيح مسار معين.

وتوقف الدكتور خليل الخليل، عضو مجلس الشورى السابق، مطولا عن التجربة السلفية في السعودية، التي قال إنها «نجحت في لمّ الشمل وبناء الدولة»، طارحا تساؤلا عن إمكانية تصدير التجربة السعودية وتعميمها على الدول الراغبة في الاستفادة منها، قبل أن يجيب على تساؤله بتأكيد «أن حركة طالبان جنت على نفسها وعلى الشعب الأفغاني حينما حولت تطبيق تجربة السلفية السعودية على أرضها»، مؤكدا الحاجة الماسة لسلفية منهجية لتخليص العالم الإسلامي من «جبال تورا وسراديب تورا بورا». ودعا الخليل السلفيين إلى الاهتمام بالمصالحة مع ملف المرأة والشيعة والفن، في الوقت الذي أكد فيه محمد الحسن أن السلفية ليست مضادة للتقدمية والانفتاح.