عاصمة النور تهدي الجنادرية مذاق حياتها اليومية

من أدق التفاصيل إلى أكبر المعالم.. فرنسا في الرياض

عارض فرنسي يعرض شخصية العسكري الفرنسي أمام خريطة فرنسا التي وضعت في مدخل الجناح الفرنسي (تصوير: سعد العنزي)
TT

تخطت المشاركة الفرنسية في القرية الشعبية بمهرجان الجنادرية الـ25، مستوى المشاركة بالألوان الشعبية المختلفة والأنشطة الثقافية المتنوعة، إلى تجسيد الشارع الفرنسي وما يتضمنه من رموز، من خلال جناحها الذي عبر عن تحفة معمارية تضمنت بداخلها أدق تفاصيل الحياة اليومية لعاصمة النور باريس.

وعكس القالب الداخلي لجناح فرنسا «ضيف شرف مهرجان الجنادرية لهذا العام»، الشكل المعماري الذي تتميز به باريس، إذ صممت الجدران الداخلية للجناح على الطراز المعماري الذي تتميز به مباني الإليزيه، وما تتضمنه من أدق التفاصيل، حيث ترى اللافتات الزرقاء التي لا تتجاوز مساحتها 900 سم مربع، مكتوبا بها أسماء الأحياء في كل زاوية من زوايا الجناح.

ولم تكتف المشاركة الفرنسية بتخصيص الجهة الغربية من الجناح لوضع ملصق كبير يمثل شارع الشانزيليزيه لمن يمر من أمامه، من خلال صورة فوتوغرافية حديثة، لم يمض على التقاطها أكثر من شهرين وتتضح بها معالم عدة للشارع من أهمها قوس النصر، بل نصبت أمام الشارع أعمدة إنارة، كأنها نقلت من الشارع الأشهر سياحيا لتوضع أمام هذه الصورة، وتعطي صورة إبداعية متناغمة تبعث انطباعا للزائر بأنه يقف فعلا على ذلك الشارع.

وفي مقابل هذا الشارع التصوري، لم يغفل المنظمون ما يحرص عليه محبو القهوة الفرنسية، فما هو إلا متر واحد، يفصل الشارع عن مقهى باريس الذي جسد الشكل الخارجي لمقاهي فرنسا بمظلاته الحمراء التي تعتلي مقدمته، وما يتضمنه من طرق تقليدية لتقديم القهوة، إلى جانب مقهى آخر يقع إلى الجانب الشرقي من الجناح.

وخلال الـ3 أيام الماضية، ازدحمت مقدمة شارع الشانزليزية «التصوري»، لدرجة أنه لا يمكن رؤيته في أحيان عدة، وذلك لإقبال الزوار على عروض الألعاب ومشاهدة عازفي الأبواق والقرب، الذين نفثوا روح الشارع الفرنسي داخل أرجاء الجناح، حيث أظهرت ألعاب «جونقلانج» (وهي ألعاب يدوية لإدارة أكثرمن 3 كرات في الهواء)، تفاعلا كبيرا، وسط أجواء من الهتافات مع ما يعرض أيضا من معزوفات موسيقية من التراث الفرنسي البحت، ليخاطب بذلك ثقافة المجتمع السعودي، وهو ما يعد أحد أبرز أوجه تبادل الثقافات بين المجتمعات.

وكان لفناني رسم «البورتريه» الذين يمثلون أحد مظاهر الشارع الفرنسي، حضور بارز في الجناح، من خلال الرسام استيفان، الذي عبر لـ«الشرق الأوسط»، عن سعادته بإعجاب الكثيرين من الزوار برسوماته والترحيب الذي وجده في السعودية بشكل عام، إلا أنه أكد أن كثرة الزوار تحتم عدم القدرة في تلبية طلبات الأغلبية منهم، إذ يكتفون بمشاهدته فقط وهو يزاول هوايته برسم أحدهم.

وبجانب القسم الذي خصص للرسام استيفان، يجد زوار المهرجان، معرضا للملابس التراثية الفرنسية التي تعود إلى أوائل القرن الـ19 الميلادي، لتفتح لهم نافذة ثقافية على الملابس التراثية القديمة وما يتميز به كل نوع منها، وتاريخها وتاريخ المنطقة التي تنتمي إليها أنواع تلك الثياب، والتي قال عنها المسؤول عن المعرض إنها تعد قطعا أثرية يمنع لمسها، حيث يكتفي الزائر بمشاهدتها والإبحار في قراءة تاريخها.

ونجح متحف «اللوفر» من خلال قسم صغير خصص له، في أن يثبت حضوره خلال هذه التظاهرة الثقافية الأهم في السعودية، وذلك من خلال بعض الصور والتحف الصغيرة، ومنشورات توزعت على جنبات القسم للتعريف به، إضافة إلى مكتبة فرنسية قدمت لمحبي القراءة بعض الكتب الفرنسية النادرة، إلى جانب التعريف بها وبنشاطها.

وحلت «سينما باريس» على القرية الشعبية هذا العام ولأول مرة، ولكن كان الدخول دون تذاكر، ليشاهد الزائر فيلما وثائقيا عن فرنسا وتاريخها وطبيعتها الجغرافية وثقافة شعوبها.

وهنا يرى بيرتران بيزانسنو، سفير فرنسا لدى السعودية، الذي يتردد على الجناح من وقت لآخر، أن ثقافة أوروبا الجنوبية لا تختلف كثيرا عن الثقافة العربية، إذ إنه سلم بوجود قواسم مشتركة بين الثقافة العربية بشكل عام ودول أوروبا الجنوبية، مضيفا أن الجناح الفرنسي عكس تبادلا ثقافيا بين السعوديين والفرنسيين.

وقال بيزانسنو لـ«الشرق الأوسط» إن ما أحدثه الجناح الفرنسي من تفاعل ثقافي بين شعبي السعودية وبلاده، يعد أحد جوانب التبادل الثقافي الذي تسعى إليه كل من الدولتين، مبينا أن اللغة، وإن كانت في بعض الأحيان حاجزا دون التواصل المباشر، إلا أن ما أظهره الجانبان من أنماط وأنشطة ثقافية شعبية خلال المهرجان، برهن على مدى التفهم الكبير والاستيعاب الواسع الذي أظهره كل مجتمع تجاه ثقافة الآخر.

وبالعودة لجناح ضيف شرف مهرجان الجنادرية هذا العام، يتجلى للزائر مدى المشاركة الثقافية الفرنسية، التي كان للفنون الجميلة نصيب فيها، من خلال معرض صغير تضمن قطعا إبداعية لفنون النحت والرسم والتصوير.

«الشرق الأوسط» التقت بفيليب جاندورك، وهو مصور فوتوغرافي ومصمم متخصص في الفنون الجميلة، الذي أكد أن مشاركته في الجنادرية منحته التعرف عن كثب على ثقافة الشعب السعودي، وكذلك التعريف بمجاله وأنشطته الإبداعية، مضيفا أن ما يقوم به من تصميم تحف زجاجية تحتوي رسومات مكونة من قصاصات ورق ويرش عليها بودرة ألوان لتعطيه الشكل المطلوب، تتطلب عملا يعد غاية في التعقيد والإتقان، وهو ما اعتبره فنا خاصا تميز فيه، وأبحر في مجاله، ليعطيه بصمة خاصة أحب أن يقدمها من خلال مشاركة بلاده في الجنادرية.

من جهته، قال ميشيل، وهو عارض فرنسي متخصص في عرض لعبة «البيتونك» وهي لعبة فرنسية قديمة كانت تعتمد في السابق على الحجر، أما الآن فهي تعتمد على رمي عدة كرات حديدية إلى منطقة موجود بها كرة صغيرة ملونة، وبعد انتهاء رمي الكرات يتم تحديد الفائز من خلال تعيين موقع الكرة الأقرب للكرة الملونة، إن أجواء الاحتفالية في المهرجان جعلته يعرف اللعبة للجمهور بكل متعة، مستفيدا في ذات الوقت من التعامل مع أبناء مجتمع آخر يحمل ثقافة مختلفة.

وما إن يقترب الزائر من الجهة الشرقية للجناح الفرنسي حتى تشده رائحة الأجبان الفرنسية المتنوعة، التي تعد شكلا من أشكال ثقافة المطبخ الفرنسي التي تأصلت على مر العصور الماضية، ليجد الزائر نفسه بين أنواع كثيرة من الأجبان الفرنسية التي تنتمي لمناطق مختلفة، قبل أن يخرج للجهة الأخرى، التي تميزت فيها أيضا رائحة «الكريب»، وهي فطيرة مشهورة تعد في الكثير من مناطق فرنسا وتشتهر بها منقطة «برواتاني» في الشمال الغربي من البلاد.

ورسم المخبز الفرنسي أمام بابه في الجناح، عرضا جماليا يحتوي على مختلف أنواع الخبز يتقدمها نوع «الباقيت» المشهور، ولا «فيسيل» وكذلك «لو بان كومبلي»، و«سيريال»، إضافة إلى تشكيلات متنوعة من الشوكولاتة الفرنسية، استوقفت المارة خلال تجولهم داخل الجناح.

ومن خلال فيلم يعاد عرضه بشكل متواصل، في الجهة الشمالية من الجناح، الذي خصص لشركات فرنسية رائدة في مجال التكنولوجيا والعلوم المتقدمة، يشاهد الزوار تجربة إطلاق القطار عالي السرعة «تي جي في» قبل نحو 3 سنوات، الذي تصل سرعته إلى 574 كيلومترا في الساعة، والذي يعد من أهم المنجزات الفرنسية في مجال المواصلات.

وضم الجناح أيضا، ركنا خاصا بالأطفال، يعرض ما تقدمه المدارس والمؤسسات التربوية في فرنسا للأطفال من وسائل وبرامج ترفيهية وتربوية، جعلت طلاب المدارس في السعودية، الذين يزورون الجناح خلال فترة الصباح يتعرفون على ثقافة الطفل الفرنسي ومشاركته، ولو من بعيد، من خلال مهرجان الجنادرية، والتعرف على أساليبه الترفيهية.

وفي ختام زيارة الجناح الفرنسي، لا يمكن للزائر أن يغادره دون شراء هدية رمزية ترمز لثقافة فرنسا، إذ خصص قسم كامل يضم أنواعا كثيرة من الهدايا التي تأخذ من معالم فرنسا وأعلامها أشكالا لها، إضافة إلى الصور المتعددة لأبرز معالم فرنسا العمرانية والثقافية وجوانب من حياة الشارع اليومية.