حضور لافت للدعاة السعوديين على «الشبكات الاجتماعية».. وغياب «تام» للداعيات

في ظل انتشار «ديوانيات» المشايخ الإلكترونية.. وتزايد إقبال «الفيسبوكيين» عليها

الداعيات السعوديات ما زلن يفضلن التواصل المباشر مع النساء بعيدا عن الشبكات الاجتماعية («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من الحضور اللافت أخيرا لمجموعة كبيرة من الدعاة والمشايخ السعوديين في الشبكات الاجتماعية الإلكترونية، وخاصة موقع «فيس بوك»، فإن الداعيات السعوديات ما زلن غائبات تماما عنها، وهو ما أكده رصد شامل أجرته الباحثة السعودية فوزية الحربي، وقدمته في ورقة علمية ضمن ندوة عقدتها جامعة الملك سعود في الرياض يوم الاثنين الماضي، كأحد الأنشطة الثقافية المصاحبة لفعاليات مهرجان الجنادرية الـ25.

إذ أبدت الحربي استغرابها مما وصفته بـ«غياب الداعيات تماما عن صفحات (الفيس بوك)»، قائلة «قد يكون السبب هو السمعة السيئة له، كونه موقعا شبابيا انفتاحيا، وقد يكون عزز هذا التوجه أن أحد الدعاة السعوديين دعا إلى مقاطعة (الفيس بوك)، لأنه موقع تعارف وإثارة الشبهات والغرائز». إلا أن الفتوى التي أشارت إليها الباحثة أثارت انتقادات بعض المشايخ السعوديين، ممن أكدوا أن التعامل مع «الفيس بوك» أمر لا حرمة فيه.

وجاء من أبرز أولئك المتصالحين مع التقنية الحديثة، الشيخ الدكتور سلمان العودة، الذي كتب عبر صفحته في موقع «فيس بوك»: «البعض ينظر إلى الإنترنت على أنه مزبلة للكتّاب؛ بل بعضهم حرّم الدخول على (الفيس بوك)، وهذا خطأ ضخم، وأنا أعتبر أن القول بالتحريم زلة، ولا بد من تحفيز الناس على المشاركة الفاعلة فيه بدلا من تركه حكرًا للمشاركة السلبية، (الفيس بوك) مثل أي عالَم إذا حرَّمته فحرِّم قراءةَ الكتب، وحرِّم دخولَ المكتبات، وحرِّم التعاطي مع وسائل الإعلام المختلفة. فيه مدونات ضخمة، وفيه مواقع، وفيه استفادة، وفيه حركة جادة، وأظن أن ملاحقة الأشياء بالتحريم خطأ استراتيجي نرتكبه».

وفي حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تناولت الحربي ما كشفته من إحجام الداعيات السعوديات عن الوجود في الشبكات الاجتماعية، قائلة «الداعيات الموجودات حاليا في الساحة الدعوية قليلات ومعروفات بالأسماء، ولا أعتقد أن يستهوين موقع (فيس بوك) حتى بالفترة المقبلة»، وأرجعت ذلك لما تراه من «سمعة سيئة» ارتبطت بمواقع الشبكات الاجتماعية عامة.

بالمقابل، توقعت الحربي أن تشهد الفترة المقبلة اهتماما من الفتيات بالأنشطة الدعوية على الشبكات الاجتماعية، مؤكدة أن اللغة التي تستخدمها الفتيات وطبيعة الطرح الذي يقدمنه يتوافق مع ما يوجد بهذه المواقع، وهو ما تراه لا يتناسب مع الداعيات الحاليات. فيما أوضحت أن ورقة العمل التي قدمتها تمثل جزءا من رسالتها للماجستير، وتتناول في مجملها دراسة قضايا المرأة السعودية على الشبكات الاجتماعية.

ومن جانب الداعيات، ترى الدكتورة فوز كردي، أستاذة العقيدة والأديان بكلية التربية للبنات بجدة والداعية المعروفة، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدعوة لا بد وأن تستفيد من كافة الأوعية المشروعة والأساليب الجديدة للوصول إلى شرائح كبيرة من المجتمع، والشبكات الاجتماعية الإلكترونية ساحة جديدة لا يزال يكتنفها بعض التساؤلات وتثور حولها شائعات لم تظهر حقيقتها بعد، ولعل هذا يكون سببا من أسباب غياب الداعيات عنها نسبيا، وإن كان هناك من استخدمها منهن».

وتابعت الدكتورة كردي حديثها، قائلة «لعل كثرة الساحات الدعوية وتجددها وتنوع المهارات المطلوبة لها يتطلب وقتا ومتابعة قد لا تستطيعها الداعية في ضوء انشغالها بأمور كثيرة وأعباء أسرية متنوعة مع دعوتها. كما أن الداعيات ما زلن يعتمدن على جهودهن الفردية كثيرا بينما يعتمد كثير من الدعاة الرجال على فريق معاون وسكرتارية وغيره مما يتيح لهم فرص المشاركة بشكل أوسع بكثير من مشاركة الداعيات من النساء».

أما الداعية ليلى العبد القادر، مديرة الوقف الإسلامي بالمنطقة الشرقية، فأكدت أن للداعيات حضورا فعالا على شبكة الإنترنت عامة، مستشهدة بتجربة بعضهن، مثل «الدكتورة رقية المحارب والدكتورة أسماء الرويشد والدكتورة نوال العيد»، مضيفة «وجود الداعيات على الإنترنت له أثر كبير، وكثير من الفتيات كتب الله لهن الهداية بواسطة هذه المواقع، وقد تتقبل الفتاة التي تعتاد على التواصل الإلكتروني من الداعية المرأة أكثر من الرجل، خاصة بالنسبة للمتمرسات منهن على الإنترنت».

وفيما يخص غياب الداعيات عن الشبكات الاجتماعية، رأت العبد القادر في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن البعض منهن قد يعيقها قلة التمرس على استخدام الإنترنت أو كبر العمر وضعف البصر ونحو ذلك، إلا أنها أكدت على ضرورة استغلال مواقع الإنترنت في نشر الدعوة، معللة ذلك بقولها «أكثر المحاضرات التي نلقيها تأتيها كبيرات السن، أما الفتيات فهن منشغلات بالإنترنت».

يأتي ذلك في ظل الحضور الكبير لمجموعة من العلماء والمشايخ والدعاة السعوديين في موقع «فيس بوك» الاجتماعي، سواء كأعضاء أو كأصحاب صفحات ومجموعات شخصية، وهو ما يلقى اهتماما لافتا من الراغبين بالتواصل معهم، للتعليق على آرائهم أو الاستفسار عن بعض المسائل الشرعية وطلب «الفتاوى الفيسبوكية»، وأحيانا لإلقاء التحية عليهم فقط.

وتتمثل معظم استخدامات الدعاة لـ«فيس بوك» في نشر روابط لحوارات معهم أو التقارير والأخبار التي تناولتهم، فيما لا يجد بعضهم حرجا من استثمار نافذة التواصل الإلكتروني هذه لطلب اقتراحات وآراء «الأصدقاء الفيسبوكيين» حول أحد البرامج وتبادل الأفكار الدعوية، وأحيانا التعليق على الأحداث العامة برؤية شرعية، وربما الاكتفاء بتدوين المواعظ والآيات والأحاديث الشريفة.

وبالعودة للورقة العلمية التي قدمتها الحربي، فقد تناولت محور «قضايا السعوديات في (الفيس بوك)»، بالقول «(الفيس بوك) بالنسبة للمرأة السعودية مكان انطلاق وتحرر من القيود، تتحدث فيه عن ما تريد وترفض بحرية ما تراه لا يناسبها، وهو أيضا مناسب جدا لمجتمع فيه الكثير من الصعوبة، خاصة بتنقلات المرأة وخروجها». واعتبرت الحملات الاجتماعية التي أطلقتها مجموعة من السعوديات في الفترة الأخيرة، تعبيرا واضحا لصوت المرأة السعودية في العالم الافتراضي.

وتضيف «لا تتوقف مشاركة المرأة في (الفيس بوك) بكونها مشاركة أو منتجة لحملات اجتماعية حقوقية، بل هناك صفحات لأديبات يمارسن الطرح الأدبي ويتفنن في المقالات الرصينة والقصص والأشعار. وهناك الفنانات التشكيليات والإعلاميات، وهناك أيضا تجمعات لسيدات لديهن هوايات خاصة مثل تجمع لسعوديات يمارسن هواية الغوص»، وتتابع «كما أن هناك سعوديات خصصن صفحاتهن لبيع منتجاتهن، وهذا يؤكد ما لهذا الموقع من قوة وأهمية عند المرأة السعودية التي انتقلت من عرض تجارتها بالبازارات إلى الصعود بها إلى منصة الإنترنت».

واستندت الباحثة في ورقتها على إحصائية نشرها موقع «الفيس بوك» في وقت سابق، تؤكد أن «الفيس بوك جذب السعوديات بشكل كبير»، حيث بلغت نسبة المشتركات النساء نحو 38 في المائة من عدد المشتركين في السعودية المقدر بنحو 231 ألف مشترك، في حين أن الإناث المسجلات في موقع «فيس بوك» من السعودية يمثلن 1 - 5 من الذكور، حتى نهاية العام المنصرم 2009.

وقد أشارت الباحثة لدراسة حديثة كانت قد نشرتها «الشرق الأوسط» يناير (كانون الثاني) الماضي، وأجرتها مجموعة طالبات من كلية علوم الحاسب بجامعة الملك سعود، فيما أظهرت نتائجها أن نحو 68 في المائة من الفتيات السعوديات يشاركن في «فيس بوك» بأسماء ناقصة؛ مفضلات حجب اسم العائلة، وذلك لاعتقادهن بـ«حساسية» هذه المعلومة، مقابل 32 في المائة فقط من اللاتي يشاركن بأسمائهن الكاملة، أما الأسماء المستعارة فتستخدمها نحو 16 في المائة منهن.

بينما تعلق الحربي على ذلك بالقول «الوجود النسائي في الشبكات الاجتماعية أنهى خصوصية المرأة السعودية»، واستدلت بالحرية التي يمارسها الكثير من الفتيات داخل هذه المواقع في عرض الصور والأحاديث الخاصة ونحوها، مؤكدة أن ذلك يجعل حضور المرأة فيها استثنائيا مقارنة بالرجل، فيما وصفته بـ«القفز فوق أسوار العيب والمخاوف الاجتماعية».